6 دقائق قراءة

“حراك الجميع”: رهان على استمرار احتجاجات السويداء وتكاتف أبنائها

رفع النظام، مساء الأحد، أسعار المحروقات، للمرة الثانية خلال شهر آب، رغم الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد، على خلفية قراره السابق رفع أسعار المحروقات، في منتصف الشهر الحالي، يأتي هذا في ظل استمرار الاحتجاجات لليوم العاشر في محافظة السويداء.


29 أغسطس 2023

باريس- للمرة الثانية خلال الشهر الحالي، رفعت حكومة النظام السوري، مساء الأحد، أسعار المحروقات، ضاربة بعرض الحائط الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها البلاد، على خلفية رفع أسعار المحروقات في 15 آب/ أغسطس الحالي، وكأنها تتحدى الشارع الغاضب.

أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، مساء الأحد، رفع سعر ليتر البنزين أوكتان (95) من 13500 إلى 14700 ليرة سورية (0.90 إلى 0.98 دولار أميركي، بحسب سعر الصرف في السوق الموازية البالغ 14900 ليرة للدولار الواحد)، وليتر المازوت “الحر” من 11500 إلى 12800 ليرة (0.77 إلى 0.85 دولار).

وجاء رفع الأسعار في وقت تستمر فيه الاحتجاجات في محافظتي السويداء ودرعا، جنوبي البلاد، التي دعمتها تظاهرات مماثلة في مناطق سيطرة المعارضة والإدارة الذاتية، شمالي البلاد، مطالبة جميعها بـ”إسقاط الأسد”، والإفراج عن المعتقلين، وطرد إيران من البلاد.

في قطار الثورة

لسنوات طويلة، أخذت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، موقف الحياد مما يجري في سوريا، باستثناء بعض الشخصيات والنخب الفاعلة فيها، لكن ما تشهده المحافظة مؤخراً من حراك شعبي غاضب يشبه “الحراك الذي حدث في المحافظة عامي 2011 و2012، عندما خرجت المحافظة بمظاهرات على غرار بقية المحافظات السورية”، كما قال سامر سلوم، محلل سياسي وأحد المشاركين في حراك السويداء، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “الشارع أخذ قراره بأنه لا يريد النظام، وأنه أخذ موقفاً صريحاً وواضحاً من الثورة السورية”. 

وتستمر التظاهرات في ساحة الكرامة (ساحة السير سابقاً)، وسط مدينة السويداء، بالتزامن مع استمرار  العصيان المدني في المدينة، حيث يواصل المحتجون إغلاق مقرات حزب البعث العربي الاشتراكي “الحاكم” المنتشرة في مدن وبلدات المحافظة، ويمنعون الدوائر الحكومية من فتح أبوابها، باستثناء الخدمية منها.

أكثر من أي وقت مضى، اتخذ المحتجون في السويداء موقفاً حاسماً من النظام السوري، محملين الأسد مسؤولية ما آلت إليه البلاد من تردي الأوضاع المعيشية، وتدهور اقتصادي، وفلتان أمني، وحالة سياسية مستعصية، وطالبوا برحيله.

“أعادت هتافات السويداء الحالية الروح للثورة، وهي امتداد وصدى للصوت السوري الحر”، قال الأكاديمي والمعارض السوري، الدكتور يحيى العريضي، الذي شغل مناصب قيادية في المعارضة السورية، وهو ابن محافظة السويداء، موضحاً لـ”سوريا على طول” أن “الاحتجاجات الأخيرة أكثر اتساعاً وشمولية مما كانت عليه سابقاً”.

وفي ذلك، قال الكاتب والسياسي حافظ قرقوط، الذي ينحدر من السويداء، أن الحراك الحالي “استقطب شرائح جديدة، بحيث صارت كافة شرائح المجتمع منخرطة فيه”، مشيداً بـ”الحضور النسائي، والتناغم بين الريف والمدينة، عبر مشاركة جميع القرى والبلدات وحالة التعاضد بين الأهالي وبدو السويداء، ليقطعوا بذلك أي فتنة قد يلعب النظام على إشعالها”.

وتميز حراك السويداء بـ”تغطية واضحة من رجال ومشايخ العقل، وأيضاً المشايخ الموجودين في القرى عبر التزامهم مع مطالب الناس”، كما ذكر قرقوط لـ”سوريا على طول”، بعد أن كانت تتخذ مشيخة العقل مواقف أقرب للنظام.

سقف المطالب!

رفع المحتجون في مظاهرات السويداء علمي الثورة السورية (راية الاستقلال) والعلم السوري الحالي (راية الوحدة)، إلى جانب راية الموحدين الدروز، وهو ما يشير إلى عفوية الشارع، الذي “تُرك ليقرر الشعارات والمطالب التي يريدها، فمنهم من يريد مطالب معيشية، وآخرون يريدون مطالب سياسية”، كما قال سلوم، معتبراً أن الحراك الحالي “هو حراك الجميع”.

ينعكس هذا التباين في الرايات على تسمية المطلب الرئيسي للشارع، فبينما علت الأصوات المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، تباين موقف مشايخ العقل الثلاثة تجاه أحداث السويداء، وتعدّ مشيخة العقل المرجعية والسلطة الدينية الأعلى في المحافظة.

في 24 آب/ أغسطس الحالي، أصدرت دار طائفة الموحدين الدروز في سوريا بياناً، ممهوراً بتوقيع شيخي العقل حمود الحناوي، ويوسف جربوع، وغاب عنه توقيع الشيخ حكمت الهجري. طالب البيان، الذي حمل عدة مطالب “بتغيير حكومي وتشكيل حكومة جديدة قادرة على إدارة الأزمة وتحسين الواقع وإيجاد الحلول”، إضافة إلى “محاربة الفساد وتفعيل دور المؤسسة الأمنية والشرطة، وإعداد دراسة لتشغيل معبر حدودي لمحافظة السويداء [مع الأردن] لإنعاش اقتصادها”.

يتفق المطلب الأول، مع أصوات من داخل النظام، كما جاء على لسان عضو مجلس الشعب محمد خير العكام، الذي حمّل الحكومة مسؤولية ما وصلت إليه البلاد بسبب القرارات الاقتصادية الأخيرة التي أشعلت موجة الغضب الشعبي، مستثنياً رأس النظام السوري.

على عكس ذلك، بدت مواقف الشيخ حكمت الهجري، الذي غاب توقيعه عن بيان مشيخة العقل، أكثر قرباً للشارع الغاضب، إذ رغم عدم إعلانه عن موقف صريح من شعارات إسقاط النظام، اعتبر أنه “من حق الناس أن تصرخ وتستغيث، من حق الناس أن تتوقف عن عمل أصبح يجلب لهم الإذلال، ومن العيب أن نرى هذا التدمير ونبقى صامتين، وليكن في وجه من يستلم موقعاً قيادياً بعض الحياء والخجل حين العجز والتقصير”، كما قال الشيخ الهجري، في بيان له نشر في 19 آب/ أغسطس الحالي.

وشارك الهجري في الاحتجاجات الشعبية وتحدث إلى المحتجين داعياً إلى إلى تعزيز الاحتجاجات، كما اجتمع بمحافظ السويداء، بسام بارسيك، الذي عرض وساطة للتهدئة مع دمشق ومجموعة من الحلول، كما نقلت وسائل إعلام محلية، مشيرة إلى أن الهجري أوضح للمحافظ أن المسألة لا تحتاج وساطات واتصالات، مؤكداً أن “مطالب الشارع معروفة ولا داعي لشرحها”، ولن يكون هناك تواصل مع أحد قبل تحقيق مطالب الشارع.

تعليقاً على ذلك، أشار الناشط سلوم إلى “وجود فجوة بين مواقف مشايخ العقل”، لكن “الشيخ حكمت الهجري، هو الشيخ الأول لمشيخة العقل والمرجع الأول لكل السويداء”، والهجري “أيّد الحراك ومطالب المشاركين، وقال أن الشارع أعلن كلمته التي لا تحتاج إلى شرح”.

في المقابل، أيد الشيخ حمود الحناوي، وهو الشيخ الثاني، الحراك، لكنه “وقع على البيان الصادر عن الشيخ يوسف الجربوع مطالباً بتغيير حكومي، وهو مطلب النظام”، لكن ما يهمّ بالنسبة للسويداء موقف الهجري، لأن “الشارع يسير تحت عباءته”.

تنظيم الحراك!

في الأسبوع الثاني للاحتجاجات، شهد حراك السويداء تنظيماً أكثر، وهو مؤشر على إمكانية استمراره، فمع تطور الشعارات ووصولها إلى مرحلة المطالبة برحيل النظام، وإغلاق مقرات حزب البعث، تناقلت وسائل إعلام محلية، يوم الأحد، بياناً منسوباً لضباط متقاعدين من السويداء، وعلى رأسهم العميد المتقاعد نايف العاقل، يهدف إلى تشكيل مجلس لإدارة شؤون المحافظة.

وبعد ساعات من صدور البيان، قال العميد العاقل، أن الأمر كان مجرد “اقتراحات فقط” ناقشها الضباط مع الفعاليات الدينية والاجتماعية أثناء زيارتهم مضافة الشيخ حكمت الهجري، يوم الأحد. ولم يصدر أي تعليق رسمي من الشيخ الهجري على المقترح حتى لحظة نشر هذا التقرير.

ميدانياً، نشرت مجموعات محلية نقاط تفتيش على طريق دمشق السويداء، من جهة قرية حزم، صبيحة أمس الإثنين، كـ”إجراء وقائي”، بهدف “مراقبة حركة الدخول والخروج من وإلى المحافظة في ظل الأوضاع الراهنة”، بحسب ما نشرته وكالة السويداء 24، مؤسسة إعلامية محلية، مشيرة إلى أن نشر نقطة التفتيش كان بـ”اتفاق بين الفعاليات الأهلية”.

وفي السياق ذاته، انتشرت مجموعات شبابية، أمس الإثنين، في أنحاء مدينة السويداء لأجل ضمان استمرار العصيان المدني وإغلاق الدوائر الحكومية، المستمر لليوم العاشر على التوالي.

تعليقاً على ذلك، اعتبر الكاتب والسياسي حافظ قرقوط، أن استمرار المظاهرات في السويداء للأسبوع الثاني “يدلّ على أن الاحتجاجات مستمرة، وأننا أمام حالة من تطور الذات واستمرارية الحراك”.

سيناريوهات المواجهة

يتابع النظام “الصوت العالي في السويداء، وهو مرتبك، لأنه يتخوف من انتقاله إلى باقي المحافظات السورية”، بحسب قرقوط، مشيراً إلى أن الاحتجاجات أوصلت “رسائل إلى الدول العربية والإقليمية التي حاولت التمهيد لعودة النظام للساحة السياسية الدولية، مفادها أن الشعب السوري مصر على إزالة هذا النظام، وإحداث تغيير سياسي حقيقي”.

يدفع إرتباك النظام وتخوفه من المظاهرات إلى التساؤل عن كيفية تعامله مع احتجاجات السويداء ذات الغالبية الدرزية، لا سيما مع ادعاءاته المتكررة بحماية الأقليات.

رداً على ذلك، قال قرقوط: “نحن أمام منظومة أمنية يمكن أن تستنفر قواها في أي لحظة للانتقام من الناس عبر الاغتيالات والتفجيرات أو عبر هجوم داعش من هنا أو هناك”، في إشارة إلى اتهام النظام باستخدام ورقة تنظيم داعش، كما حدث في هجوم 2018 الذي راح ضحيته نحو 200 شخص من أبناء السويداء.

ومن جهته، ظهر الإعلامي اللبناني حسين مرتضى في تسجيل مصور للتعليق على احتجاجات السويداء الأخيرة، مشيراً إلى “إدخال عدد من الانتحاريين” إلى بعض المناطق “خصوصاً إلى منطقة السويداء”. لكن “نحن نعلم أن النظام هو من يحرك داعش”، قال الناشط سلوم رداً على كلام مرتضى.

وأضاف سلوم: “قد يلجأ النظام إلى استخدام داعش كما فعل سابقاً، أو قد يحاصر المحافظة ويجوعها ويقطع عنها الكهرباء والإنترنت والمواد الغذائية”، مستبعداً حدوث معارك أو استخدام البراميل المتفجرة على غرار ما فعل في محافظات أخرى “لأن الوضع في السويداء مختلف”.

ورغم عدم صدور أي رد رسمي من النظام على احتجاجات السويداء إلا أنه “لا يمكن إنكار تخوفه مما يحدث، خاصة مع انضمام شرائح جديدة من أبناء المحافظة للحراك، بعضها كانت موالية له”، بحسب قرقوط.

شارك هذا المقال