7 دقائق قراءة

“داعش” في جنوب سوريا: كيف يجدد التنظيم نفسه بعد كل هزيمة؟

رغم الضربات القاسية التي يتعرض لها تنظيم داعش في جنوب سوريا، على يد فصائل التسوية في درعا، إلا أنه يعيد ترتيب صفوفه وتنشيط خلاياه في أعقاب كل ضربة، وهو ما يفتح باب التساؤل عن آلية تجديد خلايا "داعش" في الجنوب ومستقبله في المنطقة وعلاقته مع النظام.


9 فبراير 2024

باريس- في أواخر كانون الثاني/ يناير 2024، شن مقاتلون محليون من أبناء مدينة نوى بريف درعا الغربي، بمشاركة عناصر من اللواء الثامن -الذي يضم عناصر سابقين من المعارضة السورية- التابع لشعبة المخابرات العسكرية، هجوماً ضد مجموعة تابعة لتنظيم “داعش” كانت تتحصن في أحد منازل المدينة، وأفضى الهجوم إلى مقتل قيادي في “داعش” وسبعة آخرين.

العملية الأخيرة هي واحدة من سلسلة عمليات أمنية شنتها مجموعات محلية من عناصر المعارضة سابقاً، خلال السنوات الأربع الماضية، ضد خلايا التنظيم، وغالباً ما نتج عنها مقتل قادة بارزين، كما في عملية نوى التي قتل فيها ما يلقب بـ”والي حوران”، أسامة شحادة العزيزي.

قتلى عملية نوى جميعهم يحملون الجنسية السورية، إذ ينحدر العزيزي واثنين آخرين من محافظة درعا، بينما ينحدر أربعة من دمشق وواحد من القنيطرة.

رغم الضربات القاسية التي يتعرض لها التنظيم في جنوب سوريا، بما في ذلك مقتل زعيمه الأسبق، أبو الحسن الهاشمي، على يد فصائل التسوية في مدينة جاسم شمال درعا، إلا أنه يعيد ترتيب صفوفه وتنشيط خلاياه في أعقاب كل ضربة، وهو ما يفتح باب التساؤل عن آلية تجديد خلايا “داعش” في جنوب سوريا وما هو مستقبله فيها، لا سيما أن المنطقة تقع تحت سيطرة النظام السوري، وهناك شكوك بتورط النظام ووجود علاقة له مع التنظيم.

كيف يجدد نفسه؟

لم يكن مقتل “والي حوران” العزيزي، ومن قبله زعيم التنظيم في عموم سوريا الهاشمي، الضربتين الوحيدتين للتنظيم في جنوب البلاد، إذ تلقى ضربات عدة طالت عناصره أفراداً وجماعات من عناصر التسوية، الذين تعرضوا لاعتقالات واغتيالات على يد التنظيم.

خصوصية طبيعة تنظيم “داعش” في جنوب سوريا جعلت من اجتثاثه أمراً معقداً، فبعد القضاء على جيش خالد بن الوليد، في صيف عام 2018، وهو فصيل بايع التنظيم ويضم عناصر محليين من أبناء درعا، في منطقة اليرموك، الجيب الجنوبي الغربي من المحافظة، انتشر عناصره الفارون في أرجاء الجنوب السوري، بينما انتهى الحال بالعديد منهم قتلاً أو اعتقالاً ومن ثم سُلموا للنظام.

بعد أشهر من هزيمة التنظيم جنوب سوريا، أعلن التحالف الدولي القضاء على “داعش” في سوريا والعراق، في آذار/ مارس 2019. ومع ذلك، واصلت فلول “داعش” عملياتها وتكيفت مع واقعها الجديد، بعد أن “حوّل التنظيم ولاياته العسكرية والمكانية إلى ولايات أمنية”، وبات التنظيم “منغرساً في البيئة المحلية، وأقرب إلى مفهوم الخلايا النائمة”، بحسب الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية.

في درعا، يستخدم التنظيم عناصر “جيش خالد” السابقين، كركيزة أساسية لتنفيذ عملياته في المنطقة، وأيضاً لـ”تسهيل تحركات العناصر الأجانب وتوفير غطاء لهم، كما حدث مع زعيم التنظيم السابق أبو الحسن الهاشمي، الذي أقام في مدينة جاسم لعدة أشهر قبل مقتله، تحت غطاء عناصر من أبناء المدينة”، كما قال أبو شادي، قيادي سابق في المعارضة من مكان إقامته في ريف درعا لـ”سوريا على طول”.

يعمل التنظيم اليوم، “على شكل مجموعات محلية صغيرة من بقايا جيش خالد، تنفذ بشكل مباشر أهداف التنظيم وتجند شباناً جدداً لديهم ذات الميول الفكري للتنظيم، وأيضاً تتعاون مع مجموعات مسلحة هدفها كسب المال فقط”، بحسب أبو شادي.

وبدوره، قال الباحث السوري المتخصص في الجماعات الإسلامية، أحمد أبازيد، في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “الخلايا الصغيرة”، التي يعتمد عليها داعش في درعا، والمكونة من أفراد قادمين من المناطق التي انهار فيها التنظيم أو بقايا جيش خالد “يجندون أو يتعاونون مع آخرين ليسوا من مقاتلي التنظيم أو يوافقون ايديولوجيته”، مشيراً إلى اتفاق التسوية مع النظام، في صيف 2018، تسبب في انقسام المعارضة جنوب البلاد إلى: فصائل التسوية أو ما تعرف بـ”اللجان المركزية”، التي اقتنعت بالحل التفاوضي والتهدئة مع النظام، ومجموعات انضمت إلى أجهزة النظام الأمنية والعسكرية وصارت تتلقى الأوامر من النظام بشكل مباشر، بينما المجموعة الثالثة هي الرافضة للجان المركزية، واستهدفت قادة اللجان ومجموعات الجيش الحر في الجنوب السوري حتى لو استمروا في معارضتهم للنظام، بحسب أبازيد.

المجموعة الثالثة “هي الذخيرة الأساسية لتنظيم داعش، التي استفاد منها في التجنيد والاختباء والتعبئة ضد اللجان المركزية، كما في حالة هفو والحرفوش في درعا البلد”، وفقاً لأبازيد.

في تشرين الأول/ نوفمبر 2022، شنت مجموعات محلية من فصائل التسوية واللواء الثامن، حملة عسكرية في حي طريق السد بمدينة درعا، ضد ما يعرف بمجموعة “الهفو وأبو طعجه”، وهما قياديان سابقان في فصائل المعارضة، اتهما بالعمل لصالح التنظيم وتنفيذ عمليات اغتيال لصالحه ضد قادة وعناصر في المعارضة، وانتهت الحملة بفرار القياديان مع مجموعة من عناصرها، ومقتل آخرين.

بالعودة إلى عملية نوى، تمكنت المجموعات المهاجمة لـ”داعش” من تحديد المنزل الذي كان العزيزي يتخذه مقراً له، بعد اعترافات لحد أفراد داعش، اعتقل في وقت سابق من الشهر الماضي بمدينة إنخل شمال درعا، كما قال أحد عناصر التسوية في مدينة نوى لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم ذكر اسمه.

“تجدد خلايا التنظيم نفسها، لأن داعش هي فكر، فحتى لو مات قائد التنظيم وغيره، تبقى الفكرة قائمة، ومن الصعب محاربتها”

“اعترف الشخص التابع لداعش على عدة منازل لهم في نوى، وعند مداهمة المجموعات المحلية لهذه المنازل كانت خالية ولكن فيها بعض آثارهم”، بحسب العنصر.

في عام 2022، بلغت قوة التنظيم، في جنوب سوريا، ذروتها منذ انهياره في صيف 2018، لدرجة أن التنظيم أقام محاكم ميدانية، نفذت عشرات عمليات الاغتيال ضد معارضيه. ففي مدينة جاسم وما حولها، نفذ التنظيم أكثر من 90 عملية اغتيال، قبل أن تشن فصائل التسوية حملة أمنية واسعة عليهم، انتهت بمقتل زعيم التنظيم في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، كما قال أبو إسحاق، قيادي عسكري من مدينة جاسم.

لكن سرعان ما “تجدد خلايا التنظيم نفسها، لأن داعش هي فكر، فحتى لو مات قائد التنظيم وغيره، تبقى الفكرة قائمة، ومن الصعب محاربتها”، بحسب أبو إسحاق، مشيراً إلى أن “عمليات التجنيد لصالح التنظيم مستمرة”، ويمول التنظيم نشاطاته في درعا عبر “تنفيذ عمليات قتل وخطف وسرقة وقطع للطرقات وسرقة للسيارات”.

من وجهة نظر الباحث أبو هنية، فإن استمرار وجود الأسباب العميقة والمتجذرة المتمثلة في “عدم استقرار الأوضاع الأمنية، وسوء الوضع الاقتصادي وغياب وجود حل سياسي”، من شأنها أن “تٌبقي التنظيم موجوداً أمنياً وقادراً على تجنيد عناصر جدد، والظهور بين الحين والآخر”.

“سلمنا للنظام أكثر من 60 أميراً من جيش خالد، في وسط مدينة طفس، لكن بعد أشهر أطلق سراح 40 منهم، وهؤلاء أعادوا تشكيل قوة التنظيم في الجنوب”

النظام وداعش!

منذ دخول النظام إلى الجنوب السوري بموجب تسوية عام 2018، يُتهم بالتواطؤ مع تنظيم “داعش”، إما بالإفراج عن عناصر الأخير، أو تسهيل مرورهم وتنقلهم في البادية السورية ومحافظة درعا، وصولاً إلى تجنيد بعضهم داخل التنظيم لصالحه.

في تموز/ يوليو 2018، “سلمنا للنظام أكثر من 60 أميراً من جيش خالد، في وسط مدينة طفس، لكن بعد أشهر أطلق سراح 40 منهم، وهؤلاء أعادوا تشكيل قوة التنظيم في الجنوب”. وفقاً للقيادي أبو إسحاق، مشيراً إلى أن “كل فرع أمني للنظام على ارتباط بعناصر من داعش تمكن من تجنيدهم”.

“وقبل أشهر حمل أحد قادة التسوية قائمة بأسماء الدواعش والمنازل التي يتحصنون بها في مدينة جاسم، وسلمها لمفرزة أمن الدولة في المدينة بهدف دفع النظام إلى ملاحقتهم، لكن بعد دقائق من تسليم القائمة وصلته تهديدات بالقتل على الواتساب، وبعد أسابيع قتل فعلاً”، وهذا مؤشر على صلة النظام بالتنظيم، بحسب أبو إسحاق.

في السياق ذاته، اتهم أيمن أبو محمود، الناطق باسم “تجمع أحرار حوران”، مؤسسة إعلامية محلية معارضة، النظام السوري بالتواطؤ مع “داعش”، مستشهداً بمجموعة من الأدلة التي عملوا على نشرها خلال السنوات الماضية، من قبيل: تسجيل مصور لرامي الصلخدي، وهو أحد أبناء مدينة جاسم، يدلي فيه باعترافات انتزعت منه أثناء التحقيق معه من قبل فصائل التسوية، أكد فيها لقاءه برئيس فرع الأمن العسكري العميد لؤي العلي.

وأضاف أبو محمود لـ”سوريا على طول”، “الصلخدي كان صلة الوصل بين زعيم التنظيم السابق في جاسم قبل مقتله ولؤي العلي”.

“الأمن العسكري ورئيسه لؤي العلي” متهم بتسهيل هروب القياديان “الهفو وأبو طعجه”، بعد محاصرتهما في مدينة درعا، بحسب أبو محمود، إضافة إلى “تقديم العلاج لجرحى داعش في مستشفى الصنمين التابع للنظام”، وهو أيضاً ما أكده القيادي العسكري أبو إسحاق.

وكذلك، وجه المصدران تهماً للقيادي السابق في المعارضة، محسن الهيمد، الذي يعمل اليوم لصالح فرع الأمن العسكري في مدينة الصنمين، ويعمل في الوقت ذاته لصالح التنظيم، عبر تسهيل دخول جرحاهم للمستشفى.

برأي الباحث أبازيد، “يستفيد النظام من وجود داعش في الجنوب السوري، لأن التنظيم والمجموعات المرتبطة به استهدفوا بشكل رئيس الشخصيات المعارضة للنظام من قادة اللجان المركزية أو قادة مجموعات الجيش الحر، الذين حافظوا على خط مناوئ للنظام، وعملوا على الحيلولة دون سيطرته المطلقة على الجنوب السوري”.

“هناك تداخل بين السياسة والجيوسياسة والإرهاب والحركات الثورية ليس فقط في سوريا بل في كل العالم، إضافة إلى وجود مصالح مشتركة في لحظة ما، وهذا ينطبق على النظام السوري وداعش”، بحسب أبو هنية، مستدركاً “لا يعني أن هذا التحالف واقعي، لأنه أيضاً هناك حرب عميقة والتنظيم يشن هجمات في البادية ومناطق أخرى ومؤخراً في دمشق، ويلحق خسائر كبيرة بالنظام، لذا فهو تحالف موضوعي، بمعنى كلاهما يستثمر ظرفاً ما، في لحظة ما، للاستفادة من شيء ما”.

“مستقبل التنظيم دائماً رهن الظروف الموضوعية، داعش وكل الحركات الجهادية والثورية لا تخلق الأزمات بل تستثمرها”

مستقبل “داعش” في الجنوب

قلل القياديان العسكريان في صفوف المعارضة سابقاً، أبو شادي وأبو إسحاق، من خطر تنظيم “داعش” في درعا، لأن الضربات التي تلقاها ويتلقاها تبقي قوته ونشاطه محدودتين.

وقال أبو إسحاق: “يعلم التنظيم اليوم أننا نقوم بردة فعل قوية على أي عملية اغتيال أو تفجير ينفذها، وننفذ حملات ضده”، لذلك “فهم الدرس وهو لا يرغب بالتصعيد تجنباً لشن حملات ضده”.

بدوره، أشار أبو هنية إلى أن مستقبل التنظيم “دائماً رهن الظروف الموضوعية، داعش وكل الحركات الجهادية والثورية لا تخلق الأزمات بل تستثمرها”.

وبرأي أبو هنية، فإن “التوترات الإقليمية، بما فيها حرب غزة، والانشغالات الدولية في هذه التوترات، تبقي التنظيم مرتاحاً، لاسيما مع التصعيد بين إيران وشبكاتها وميليشياتها وأميركا على خلفية السابع من أكتوبر”. وعليه، “لا يوجد اليوم ضغط على التنظيم من التحالف [الدولي] ولا من النظام السوري، لأن أولوياتهم مختلفة، وهذا يعطي فسحة للتنظيم من أجل إعادة هيكلته في الجنوب وبقية المناطق”.

شارك هذا المقال