5 دقائق قراءة

رمضان 2023 الأصعب على السوريين وأصناف جديدة تخرج من قوائم مأكولاتهم

 حل شهر رمضان لهذا لعام على السوريين في وقت تشهد بلادهم ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات الأساسية وندرة توفرها. وخرجت أصناف جديدة من قائمة مأكولاتهم.


24 مارس 2023

باريس – استقبل أبو محمد شهر رمضان لهذا العام من دون شراء أيّ من احتياجاته، خلافاً للسنوات السابقة، التي كان يتجهز فيها لاستقبال الشهر، قبل أسبوع من قدومه، عبر شراء العديد من الأصناف والمواد الرمضانية.

قرر أبو محمد، 30 عاماً، الذي يعمل في بسطة لبيع المحروقات بمدينة جاسم، شمال درعا، أن يخصص مورده المالي لـ”التدفئة. لأن الجو ما يزال بارداً، وأسعار المحروقات مرتفعة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أنه يحتاج يومياً إلى 25 ألف ليرة لشراء مادة المازوت (الديزل)، أي ما يعادل 3.3 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، البالغ 7400 ليرة.

جاء رمضان، لهذا العام، في وقت تشهد سوريا ارتفاعاً غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات الأساسية، وندرة في توفرها، وسط تردي الوضع الاقتصادي العام في البلاد، وتسجيل الليرة السورية أسعار صرف متدنية غير مسبوقة أمام الدولار الأميركي.

وتظهر بيانات السلع الأساسية التي جمعتها “سوريا على طول” لشهر رمضان في الأعوام الثلاثة الأخيرة: 2021، 2022، 2023 كيف تضاعفت الأسعار من 3 إلى 6 مرات، فيما ارتفع متوسط معدل الأجور مرة واحدة خلال السنوات الثلاث الماضية، بموجب المرسوم  19 لعام 2021، الذي أصدره بشار الأسد ذلك العام، القاضي بإضافة “نسبة 50 بالمئة إلى الرواتب والأجور المقطوعة النافذة بتاريخ صدور هذا المرسوم لكل من العاملين المدنيين والعسكريين”، وينطبق المرسوم على العاملين في القطاع الحكومي.

إنفوغراف | في آخر ثلاثة رمضانات.. ما كمية السلع الغذائية التي يمكن شراؤها بمتوسط الأجور الشهري في دمشق؟ (سوريا على طول)

في عام 2021، بلغ سعر الكيلوغرام من لحم الضأن 15 ألف ليرة، والكيلوغرام من الفروج 5000 ليرة، وطبق البيض 7500 ليرة. وتضاعفت أسعار هذه الأصناف، في عام 2022، بحيث بلغ سعر لحم الضأن 30 ألف ليرة، والفروج 9500 ليرة وطبق البيض 13 ألف ليرة.

وفي العام الحالي، تضاعفت الأسعار مرة أخرى، ليبلغ سعر لحم الضأن 70 ألف ليرة، والفروج 21 ألف ليرة، وطبق البيض 23 ألف ليرة. في مقابل ذلك، بلغ معدل الأجور في عام 2021 نحو 70 ألف ليرة، أي 23 دولاراً، بحسب سعر الصرف آنذاك. وفي عامي 2022 و 2023 صار معدل الأجور 125 ألف ليرة، إلا أن قيمته أمام الدولار تراجعت من 31 دولاراً العام الماضي إلى 16 دولاراً هذا العام.

رمضان الأصعب

اشتكى أبو محمد، وهو أب لأربعة أطفال، “تضاعف الأسعار بشكل متزايد، لا يتناسب مع دخل الفرد”، مقدراً ارتفاع قيمة المواد “بين 100% و200% عما كانت عليه العام الماضي”، لذلك استهلوا أول أيام رمضان، الخميس، بتناول الأطباق الاعتيادية الموجودة في منزلهم، بحسب قوله.

يجني أبو محمد شهرياً من عمله في بيع المحروقات قرابة 700 ألف ليرة (94 دولاراً)، ورغم ارتفاع الأسعار إلا أن دخله لم يتغير، كما أوضح، فيما ارتفع راتب زوجته، التي تعمل معلمة في مدرسة حكومية، بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى 125 ألف ليرة (16 دولاراً).

“هذا الدخل كان مقبولاً لتأمين مصاريف رمضان الماضي، لكن الآن صعب جداً”، وفقاً لأبو محمد، الذي واصف رمضان الحالي بأنه “الأصعب”، مشيراً إلى أن “تكلفة أرخص وجبة فطور، لا تحتوي على اللحم أو الدجاج، تبلغ تكلفتها 25 ألف ليرة [3.3 دولار]”، لذلك سوف “اقترض المال لسد عجز هذا الشهر”؟

الحال أسوأ بالنسبة لأم أسامة، التي تملك صالون تجميل للسيدات في مدينة إنخل، لأنها كانت تتشارك مصاريف العائلة مع زوجها، الذي تم سوقه إلى الخدمة العسكرية، بعد أن كان “يعمل في متجر براتب ممتاز”، بينما يتقاضى حالياً 170 ألف ليرة (23 دولاراً)، يرسل منهم مئة ألف ليرة شهرياً لعائلته، وهذا المبلغ “لا يكفي سوى خمسة أيام قبل رمضان”، قالت لـ”سوريا على طول”.

وتراجع دخل أم أسامة من الصالون خلال الأشهر الأخيرة، وخلال آخر سبعة أيام “لم يدخل أحد الصالون”. حاولت السيدة اقتراض بعض المال من أقاربها، لكنها لم تنجح، كما أوضحت، لذلك تنتظر حصول زوجها على إجازة لـ”يعمل خلالها عامل مياومة. إلى أن يعود سوف أعتمد مع أطفالي الأربعة على ما يتوفر لدينا من مؤونة في البيت”.

لا تختلف مناطق سيطرة النظام عن بعضها، من حيث تردي الأوضاع الاقتصادية وصعوبة الاستعداد لشهر رمضان، وهو ما أكدته الصحفية، أمل الدمشقي، المقيمة في العاصمة دمشق، متفقة مع المصادر الأخرى التي تحدثت لـ”سوريا على طول” في أن “تأمين احتياجات رمضان هذا العام أصعب من العام الماضي، والأسعار تضاعفت مرتين إلى أربع مرات عن رمضان الماضي، بينما بقي دخل العائلة على حاله”، بحسب قولها.

“عادة اليوم الأول من رمضان، نقول في الشام: نريد تبييضها، بمعنى أن نتناول طعاماً يحتوي على اللبن المطبوخ، مثل الشاكرية وشيخ المحشي، لكن هذا العام لن نستطيع، فتكلفة الطبخة من هذه الأصناف تتجاوز 100 ألف ليرة [13.5 دولاراً]”، وفقاً للدمشقي.

أسواق مشلولة وسلع مفقودة

في مطلع آذار/ مارس الحالي، أضافت حكومة دمشق مادة البصل إلى قائمة السلع، التي يمكن شراؤها بسعر مدعوم عبر “البطاقة الذكية”، محددة الكمية بـ 2 كيلوغرام للبطاقة الواحدة أسبوعياً، وبسعر ستة آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد، قبل أن تزيد الكمية إلى 4 كيلوغرام أسبوعياً، في 12 من الشهر ذاته، لكن من دون إعلان رسمي.

تشهد الأسواق السورية منذ أيام ارتفاعاً إضافياً في الأسعار. وقالت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، التابعة للنظام، الأربعاء الماضي، أن أسعار مختلف المواد تتأثر بزيادة تتراوح بين 30% إلى 56%، مرجعة ذلك إلى “عدم إمكانية فتح اعتماد مستندي”، جراء العقوبات على المصارف السورية، الأمر الذي “يزيد من تكاليف تمويل المستوردات”.

وقبل يوم واحد من دخول شهر رمضان، توقع عضو لجنة مربي الدواجن، حكمت حداد، ازدياد الطلب على الفروج خلال الأيام الأولى من رمضان بنسبة 50%، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق.

انعكس تردي أوضاع المستهلكين على تجارة أبو عدنان، صاحب مركز توزيع المواد التموينية بالجملة في ريف درعا، مشيراً إلى أن مبيعاته تراجعت بنسبة 70% في موسم رمضان الحالي.

كان رمضان “يشكل موسماً جيداً للأرباح، نتيجة زيادة الطلب على بعض الأصناف الرمضانية، مثل المربيات، الأجبان، الحلاوة، وغيرها، لكن هذا العام ما تزال غالبية البضائع في المستودع”، كما قال أبو عدنان لـ”سوريا على طول”.

خلال السنوات الماضية، كان أبو عمار، صاحب بقالة صغيرة في مدينة إنخل بريف درعا، يملأ الرفوف بالمنتجات، التي يزيد الطلب عليها في رمضان، قبل أسبوع من دخول الشهر. في العام الماضي، اشترى أبو عمار 30 كيلوغراماً من الحلاوة، و30 عبوة من المربى، ومثلها من الجبنة والزبدة، وتمكن من بيعها جميعاً بحلول اليوم الأول من رمضان، واشترى ذات الكميات مرة أخرى،  وتمكن من بيعها خلال بقية أيام الشهر.

في المقابل، اشترى أبو عمار ، هذا العام، نصف كمية العام الماضي، وحتى مساء يوم الخميس (أول أيام رمضان)، لم يتمكن بعد من بيع غالبية بضاعته، كما قال لـ”سوريا على طول”، متوقعاً أن لا تنفد هذه الكمية حتى آخر رمضان الحالي.

عدا عن أن الكميات لم تنفد، فإن غالبية مبيعات أبو عمار هذا الأسبوع كانت بالدين، بحيث “يدفع الزبون نصف الفاتورة على الأقل”، مشيراً إلى أن “طبق البيض وعلبة من المربى والحلاوة والجبن، يبلغ إجمالي سعرهم 100 ألف ليرة تقريباً (13.5 دولاراً)، وهو راتب موظف لشهر كامل، لذلك أنا مجبر على البيع الآجل سواء في رمضان أو غيره”.

وختم: “خرجت مادة الحلاوة والزبدة الحيوانية من قائمة سلع رمضان، لهذا العام، بسبب الوضع الاقتصادي”، لافتاً إلى أنه سعر علبة الزبدة الحيوانية بلغ 16 ألف ليرة (2 دولار)، فيما بلغ سعر كيلو الحلاوة 30 ألف ليرة (4 دولار)، “أي أغلى من الدجاج”. بالنسبة لأبو محمد، الذي يعمل على بسطة المحروقات كل الأصناف الرمضانية خرجت من قائمته لهذا العام، وليس فقط الحلاوة والزبدة.

شارك هذا المقال