10 دقائق قراءة

قمع التضامن مع فلسطين يثير مخاوف السوريين بشأن مستقبلهم في أوروبا

بعد قمع حرية التعبير ومنع التضامن مع فلسطين، انكشفت "ازدواجية المعايير" في الديمقراطيات الأوروبية بالنسبة للسوريين والفلسطينيين السوريين، وباتوا يخشون من الانخراط في النشاط السياسي، الذي قد يعرضهم لمزيد من المخاطر في ظل المناخ السياسي المتشدد في أوروبا.


21 نوفمبر 2023

مرسيليا- “لم نفعل شيئاً، لم نفعل شيئاً!” صاحت باسلة، فلسطينية سورية، عندما طوقتها الشرطة الفرنسية في مظاهرة سلمية بميناء مرسيليا القديم لدعم فلسطين، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، أثناء هتاف المتظاهرين “تحيا فلسطين!”. 

كانت باسلة، 55 عاماً، تصرخ عندما كبلت الشرطة يديها ويدي أختها، وسحبوا من أيديهما العلم الفلسطيني الذي كان بحوزتهما، بحسب تسجيل مصور شاركته مع “سوريا على طول”. لم تكن صرختها خوفاً أو ألماً، وإنما “تعبيراً عن الظلم والإحساس بالعجز عن التعبير”، مستنكرة “كيف لا يمكنني أن أتكلم وكل أولئك الفلسطينيين محاصرين في غزة”، بحسب قولها.

احتُجِزت باسلة وشقيقتها وابنتها، 21 عاماً، لمدة 24 ساعة، ومن ثم أُفرِج عنها بعد دفع غرامة قدرها 135 يورو، لمشاركتها في مظاهرة غير مرخصة، كما غُرّمت أختها، التي اتهمت بمهاجمة ضابط شرطة، وهذه المزاعم غير واضحة في الفيديو.

في أعقاب اعتقالها، وكذلك ترحيل الناشطة الغزاوية مريم أبو دقة، 72 عاماً، من فرنسا، شعرت باسلة بأنَّ “الحرية في فرنسا انتهت”، قائلة: “أنا لم أعد أؤمن بوجودها”. 

وصلت  باسلة، التي طلبت التعريف عنها باسمها الأول فقط، إلى فرنسا في عام 2015، قادمة من مصر التي فرت إليها سابقاً من سوريا. قبل مظاهرات غزة الأخيرة، شاركت في مظاهرات تؤيد الإجهاض وحركة السترات الصفراء.

ولكن جولة المظاهرات الحالية تبدو مختلفة. إذ قوبلت الاحتجاجات على الحرب في غزة، التي خرجت في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بحملة قمع غير مسبوقة وتم التصدي لها في الأسابيع الأخيرة. إذ تعتبر السلطات أنَّ في انتقاد إسرائيل وأحياناً مجرد التعبير عن الهوية الفلسطينية معاداة للسامية.  

بعد قمع حرية التعبير ومنع التضامن مع فلسطين، انكشفت “ازدواجية المعايير” وتحطمت المفاهيم المرسومة في أذهان السوريين والفلسطينيين السوريين عن البلدان التي فروا إليها، بحثاً عن الأمان وعن هامش أكبر من الحرية السياسية. ووجدوا بدلاً من ذلك، أشكالاً من المشاركة السياسية تجعل مستقبلهم في أوروبا في خطر.

“المعاناة ذاتها”

ليس غريباً أن يكون السوريون من بين ملايين الأشخاص الذين خرجوا إلى الشوارع في مختلف أنحاء العالم ليعبروا عن تضامنهم مع فلسطين، برأي روبين ياسين قصاب، كاتب سوري بريطاني، وله عدة مؤلفات عن سوريا، لأن السوريين عندما ينظرون إلى غزة “تتفتح مواجعهم وتحيا من جديد”، وفق ما أوضح لـ”سوريا على طول”، قائلاً: “ندرك أنها نفس العملية التي حصلت في حمص وحلب والغوطة الشرقية”. 

في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، شنت إسرائيل حربها على غزة، وفرضت حصاراً على المناطق الفلسطينية رداً على هجوم حماس على مواقع عسكرية وتجمعات سكنية في اليوم ذاته. ومنذ ذلك الحين، قتلت إسرائيل أكثر من 13 ألف فلسطينياً في غزة، 40 بالمئة منهم أطفال، وفقاً لوزارة الصحة في قطاع غزة، مقابل مقتل نحو 1200 إسرائيلي، ووقوع 240 رهينة بيد حماس.

تحاكي القصص والصور القادمة من غزة تجارب السوريين الخاصة. قائمة المدن التي تم قصفها وفرض الحصار عليها خلال الحرب في سوريا طويلة، من ضمنها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، الذي تعرض للقصف والحصار على يد النظام السوري لأكثر من عامين.

استذكرت باسلة، كيف “هاجمت [قوات النظام] مسجداً ومدرسة لليونيسف تأوي عائلات سورية، كما هو الحال في غزة”.

إسرائيل والنظام السوري كلاهما “يدمران البنية التحتية المدنية، ويفعلان ذلك لجعل المنطقة مكاناً غير صالح للعيش وإخراج السكان المدنيين منها”، بحسب قصاب.

منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هدمت إسرائيل 45 بالمئة من الوحدات السكنية الموجودة في غزة وأمرت بإجلاء 1.1 مليون شخص من شمال غزة إلى جنوبها. في الشهر الماضي، تم تسريب وثائق لوزارة الاستخبارات الإسرائيلية تقترح “إجلاء المدنيين من غزة إلى سيناء” في مصر. 

بيان ومنى فلسطينيتان سوريتان تعيشان في ألمانيا شاركتا -كما باسلة- في عدة مظاهرات تضامنية خلال الأسابيع الأخيرة. جميعهن أتين من مخيم اليرموك وهجرت عائلاتهن من فلسطين التاريخية في عام 1948، المعروف في أوساط الفلسطينيين بـ”النكبة”، التي هُجِّر فيها نحو مليون فلسطيني و طردوا من وطنهم بالتزامن مع إنشاء ما يسمى بدولة إسرائيل. يُعتبر اللاجئون الفلسطينيون عديمو الجنسية (لا يعتبرون مواطنين في أي دولة) ولا يمكنهم أن يصبحوا مواطنين سوريين إلا في ظروف استثنائية ونادرة جداً. 

“لا يمكننا أن ننادي بسوريا حرة من بشار الأسد… وأن نصمت عن الجرائم الأخرى”، قالت بيان، 36 عاماً، المقيمة في برلين. 

“الناس الذين يؤمنون بالقضية الفلسطينية يؤمنون بحرية الشعب السوري أيضاً، لذلك نحن [الفلسطينيون السوريون] كنا ضمن أول من وقف مع الثورة السورية”، بحسب منى، 45 عاماً، المقيمة في مدينة ميونخ الألمانية.

اقرأ أكثر: من إدلب هنا غزة: السوريون يشاركون الفلسطينيين آلامهم ويستذكرون مأساتهم

تدفع هذه المشاعر السوريين في أوروبا، سواءً كانوا من أصول فلسطينية أم لا، للوقوف مع الفلسطينيين في محنتهم، رغم القمع الكبير للمظاهرات وغيرها من أشكال التضامن مع فلسطين. داخل سوريا، تظاهر أيضاً مئات الأشخاص في شمال البلاد وجنوبها تضامناً مع غزة خلال الأسابيع الأخيرة.

“النضال من أجل التحرر الوطني والنضال من أجل تقرير المصير السياسي هو في نهاية المطاف نفس النضال”،  بحسب روبين ياسين قصاب.

Protesters raise their hands with peace signs in a moment of silence for thousands of lives lost in Palestine during a demonstration in Marseille, 5/11/2023 (Natacha Danon/Syria Direct)

متظاهرون يرفعون أيديهم بعلامات السلام في لحظة صمت على أرواح آلاف الأرواح التي فقدت في فلسطين خلال تظاهرة في مرسيليا، 5/ 11/ 2023 (ناتاشا دانون/ سوريا على طول)

“قمع يفوق الخيال”

خلال الأسابيع الأخيرة، سمحت أوروبا وشجعت المظاهرات الداعمة لإسرائيل والمطالبة بعودة الرهائن الذين تحتجزهم حماس، فيما منعت وقمعت المظاهرات المساندة لفلسطين بعنف في كلٍ من ألمانيا وفرنسا، في تجسيد واضح لـ”ازدواجية المعايير”، كما وصفها آدم بوري، محامي من نقابة المحامين في فرنسا، التي تقدم الدعم القانوني للدفاع عن الحريات المدنية في البلاد.

اعتبرت منى أنَّ الديمقراطية في ألمانيا بعد [الحقبة] الفاشية “مجرد حلم تبين زيفها، لاسيما فيما يتعلق بحرية التعبير”، وترى أن “هناك خلل واضح يتجلى من خلال ازدواجية المعايير” فيما يتعلق بإسرائيل، ومن ضمنها التغطية الإعلامية الغربية للحرب في غزة. 

“بطبيعة الحال أعادني قمع المظاهرات من قبل القوات الأمنية المختلفة إلى سوريا”، بحسب بيان، ما دفعها إلى تبني “آليات النجاة” التي كانت تستخدمها خلال الثورة السورية من أجل المشاركة في المظاهرات في برلين، من قبيل: “إخفاء هاتفي ووجهي وعدم إخبار أي أحد بأنني ذاهبة إلى لمظاهرة”، قائلة: “حجم القمع يفوق الخيال”. 

“إذا كانوا [المتظاهرون] يرتدون الكوفية أو يحملون لافتة أو أي شيء، ستتم إدانتهم واعتقالهم”، بحسب بيان. في برلين، حيث تقيم، اعتُقِل أشخاص لمجرد ارتدائهم الكوفية (الوشاح الفلسطيني التقليدي) ورفعهم العلم الفلسطيني. وفي فرنسا، يتم تغريم الأشخاص لارتدائهم الكوفية. 

لا يستوي المواطنون وغير المواطنين في مدى تأثرهم بالقمع في أوروبا، بحسب بيان، التي تحمل الجنسية الألمانية، ومنى، إذ إن معظم السوريين معرضين للخطر لأنَّ معظمهم لم يحصلوا على الجنسية بعد. ولهذا فأكثرهم “يخشون حتى التعبير عن رأيهم” بما في ذلك على منصات التواصل الاجتماعي، لأنَّ انتقادهم لتصرفات إسرائيل في غزة قد يكون له تبعات تعيق تجديد إقاماتهم أو حصولهم على الجنسية.

ولكن، بموجب القوانين الجديدة، قد يكون المواطنون غير محصنين أيضاً. يعمل البرلمان الألماني حالياً على تقييم مشروع قانون من شأنه أن يجعل التجنيس “مشروطاً بالالتزام بحق إسرائيل في الوجود” وسحب الجنسية في حال “الإدانة بارتكاب جريمة معاداة السامية”، في سياق يكثر الخلط فيه بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، فقد يعتبر مجرد انتقاد الكيان الإسرائيلي جريمة.

معاداة الصهيونية هي معارضة للحركة الصهيونية -تيار أيدولوجي سياسي هدفه إنشاء ودعم وجود دولة يهودية فيما يسمى اليوم بـ”إسرائيل”. تصف منظمة”الصوت اليهودي من أجل السلام”، منظمة يهودية يسارية مناهضة للصهيونية مقرها الولايات المتحدة، معاداة الصهيونية بأنها “الوقوف ضد إنشاء دولة قومية ذات حقوق حصرية لليهود تفوق حقوق الآخرين على الأرض”. وتدعم “التحرير والعدالة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في العودة”.

في المملكة المتحدة، قال روبين ياسين قصاب “هناك محاولة متعمَّدة لتجريم دعم الفلسطينيين ومعارضة إسرائيل” و”لتعريف معاداة السامية على أنَّها انتقاد لإسرائيل” بما في ذلك استنكار “التمييز العنصري والإبادة”. 

وصف خبراء ومنظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك الأمم المتحدة ، السياسات الإسرائيلية واحتلال أرض فلسطين على أنه  شكل من أشكال التمييز العنصري بموجب القانون الدولي. خلال الحرب الأخيرة على غزة، حذَّر 790 باحثاً وخبيراً في القانون الدولي من “عملية إبادة محتملة” في المنطقة المحاصرة، فيما أشار خبراء للأمم المتحدة هذا الأسبوع إلى وجود “أدلة على تزايد التحريض على الإبادة الجماعية”.

في المملكة المتحدة، اعتُقِل المتظاهرون بموجب قانون الإرهاب بحجة أن الهتافات التي يرددونها واللافتات التي يحملونها فيها معاداة للسامية بما في ذلك عبارة “فلسطين حرة من البحر حتى النهر”. وقد اعتبرتهم وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان “مسيرات كراهية”. وتسعى الحكومة الآن إلى توسيع مفهوم “التطرف غير العنيف” لتشمل بذلك حركة “العمل من أجل فلسطين” التي تسعى إلى إغلاق مصانع الأسلحة الإسرائيلية في بريطانيا. 

في فرنسا، لم يقتصر الأمر على مقاضاة من يشارك في الاحتجاجات الأخيرة وإنما أيضاً من يشارك في “حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها”، المعروفة اختصاراً بـ(BDS)، وهي حملة دولية يقودها فلسطينيون تسعى إلى زيادة الضغط على إسرائيل من أجل إخضاعها للقانون الدولي باستخدام أساليب غير عنيفة.

في عام 2015، أُدين نشطاء من حركة (BDS)  في فرنسا بتهمة “التحريض على التمييز”، على خلفية توزيع منشورات لمقاطعة إسرائيل. وفي عام 2020، وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن في هذه الإدانة انتهاك لـ “حرية التعبير”، ودعت الدول الأوروبية إلى “وقف مقاضاة النشطاء السلميين”. في عام 2019، حظرت الحكومة الألمانية حركة المقاطعة (BDS) بذريعة أنها معادية للسامية.

تحمل باسلة وعائلتها الجنسية الفرنسية، غير أن وجود طالبي اللجوء الذين لا يملكون أوراق في مظاهرة غير مرخصة، كتلك التي اعتُقلت فيها، قد يعرضهم “للاعتقال والترحيل في غضون 48 ساعة”، بحسب المحامي آدم بوري، من نقابة المحامين الفرنسية. 

الحاصلون على صفة اللجوء قد “يحصلون على حظر من الأراضي الفرنسية”، وحتى إن لم يتم ترحيلهم، يبقى هذا الجرم في سجلاتهم، وقد ترفض السلطات الفرنسية طلب الإقامة أو المواطنة بسبب “الإخلال بالنظام العام”، كما أضاف بوري.

كانت صدمة باسلة بترحيل الناشطة الغزاوية النسوية مريم أبو دقة،  أكبر من صدمتها بتوقيفها شخصياً. في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر، تم ترحيل أبو دقة إلى مصر بعد دخولها قانونياً إلى فرنسا في أيلول/ سبتمبر الماضي للمشاركة في سلسلة من المؤتمرات. وقال وزير الداخلية الفرنسي أنَّه تم التسامح مع محاضرات الناشطة عن “الاستعمار والفصل العنصري” الإسرائيلي قبل هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لكنها الآن تعتبر” صباً للزيت على النار”.

“لم يسمحوا لها حتى بالخروج من البلد بشكل طبيعي. رموها في سيارة واعتقلوها”، بحسب باسلة. رأت أبو دقة في ما حصل لها “إدانة من الحكومة لنضال شعبنا ككل”. وندَّد الاتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام بقرار ترحيلها. 

لم تستغرب منى التوجه الأوروبي لقمع الخطاب الناقد لإسرائيل، قائلة: “ربما لأننا اعتدنا على القمع ورأيناه، ربما لأننا ما زلنا نحاول ونناضل بكل قوتنا لنتحرر من كل شيء يسمى اضطهاد، من كل أنواع الاضطهاد”، وفقاً لها.

“تراجع في الحقوق”

فضلاً عن قمع الحركة المؤيدة لفلسطين، فإن القمع المتزايد للاحتجاجات، وحظر منظمات المجتمع المدني، والتشريعات الجديدة، يجعل ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة أقرب إلى الاستبداد، من وجهة نظر قصاب وبوري.

تصدر الحكومة عمداً أوامر بحظر الاحتجاجات في ذات اليوم أو حتى قبل ساعات من بدئها، حتى لا يكون هناك وقت للاستئناف، بحسب بوري، الذي لاحظ ارتفاع وتيرة حظر المظاهرات والغرامات منذ حركة السترات الصفراء في عام  2018 ، قائلاً: “لقد كان هناك انحراف خطير عن المسار منذ سنوات”.

وفي العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، ألغت الحكومة الفرنسية الحظر الوطني للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، بعد أن اعتبره مجلس الدولة غير دستوري. ومع ذلك، واصلت العديد من المدن في فرنسا التمسك بالحظر لتفادي الإخلال بـ”النظام العام” و”الأفعال المعادية للسامية”، بما في ذلك مرسيليا حيث حضرت باسلة تجمعاً غير مصرَّح به في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، دون أن تكون على علم بذلك.

حذَّر بوري من “أننا شيئاً فشيئاً سنعيش في وضع يكون فيه من الصعب أو من غير المسموح أو المرخص به أن نتبنى أراء معينة”، مشيراً إلى “تراجع في الحقوق”، وهذا “غير مبرر؛ فحينما ننظر إلى تاريخ الاحتجاجات في فرنسا، نرى أن المتظاهرين أصبحوا أقل عدداً وأقل عنفاً”، بينما تزداد استجابة القوات الأمنية شدةً وتعنتاً، بحسب ما نوهت الأمم المتحدة. 

كما قصاب، يرى بوري أنَّ هناك روابط بين تزايد مستوى القمع المفروض على الجماعات البيئية وقمع الحركات الاحتجاجية الأخرى، ومن ضمنها تلك المساندة لفلسطين. 

يخشى قصاب أن “تنحدر [المملكة المتحدة] إلى أولى مراحل الفاشية”، موضحاً أنَّ عملية ضبط الأمن أصبحت “قمعية” ويتم تجريم المتظاهرين. وأشار أيضاً إلى أنَّ “العنصرية تأتي من الطيف السياسي بأكمله”، مطالباً المسلمين، العرب، والمجتمعات المهاجرة أن “يتبرؤوا من الإرهاب أو يتبرؤوا من معاداة السامية”. 

أثرَّ المناخ السياسي الحالي في أوروبا على منظمات المجتمع المدني السورية -مقرات العديد منها في أوروبا أو أنها تتلقى تمويلاً أوروبياً- وجعلها في وضعٍ صعب.

طلبت بيان، المؤسِّسة لمنظمة سورية غير حكومية التحفظ على ذكر اسمها، خشية التأثير على منظمتها التي تحصل على تمويل من الحكومة الألمانية.

تم تعليق تمويل المنظمات غير السورية النشطة في فلسطين أو المعنية بها أو تم حظر أنشطتها كلياً منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بما في ذلك شبكة صامدون للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين.  وفي وقت لاحق، صدر أمر بترحيل منسق المنظمة، وهو لاجئ فلسطيني سوري.    

فضلاً عن حملات القمع على  المنظمات، فإنَّ المناخ السياسي الحالي في ألمانيا “يهدد حياة السوريين”، بحسب منى، مضيفةً: “نرى ارتفاعاً ممنهجاً في العنصرية المناهضة للمسلمين، المناهضة للعرب، والمناهضة لفلسطين”. وأشارت إلى أن “تعميم” اتهام العرب والمسلمين بمعاداة السامية “سيثنيهم عن المشاركة في السياسة الألمانية”. 

قال فريدريش ميرتس، زعيم حزب “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” الذي يقود الانتخابات الوطنية أنَّه “لا يمكن لألمانيا استيعاب مزيد من اللاجئين [من غزة]. لدينا ما يكفي من الشباب المعادي للسامية في البلاد”، وقال عضو آخر في حزبه “يجب إيقاف عملية التجنيس السريعة”. 

في 20 تشرين الأول/ أكتوبر، قال المستشار الألماني أولاف شولتز في مقابلة مع مجلة “دير شبيغل”، “لا بدَّ من عملية ترحيل واسعة النطاق للذين لا يحق لهم الإقامة في ألمانيا”، وذلك رداً على سؤال طرحته المجلة عن “أولئك الذين في ألمانيا و يكنون الكره لإسرائيل”، “العديد [منهم] أصولهم عربية”. 

جدير بالذكر، أنّ 80 بالمئة من الجرائم المعادية للسامية في ألمانيا العام الماضي ارتكبها يمنيون متطرفون. وفي فرنسا، انخفضت الجرائم المعادية للسامية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة مقارنة بأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

“هذا من شأنه أن يُصعِّب المهمة كثيراً على أولئك الذين يريدون الانخراط في المجال السياسي مستقبلاً. سيتطلب منهم عملاً أكبر لإثبات أنفسهم ولإيجاد طريقهم في هذا النظام السياسي”، أضافت بيان.

رغم هذه المخاطر، ما تزال النساء الثلاثة يحتشدن ويتظاهرن، قالت منى: “أنا لا أخشى قول الحقيقة، فإيماني بقضيتي قوي”، مضيفة “لا ينبغي أن يقع المرء في حالة من الإحباط… نبض الشارع أقوى”. 

وتعتزم باسلة الاستمرار في التظاهر، قائلة “إذا كنا لا نخاف من بشار، فهل سنخاف الآن؟”

تم نشر هذا التقرير أصلاً في الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال