6 دقائق قراءة

من إدلب هنا غزة: السوريون يشاركون الفلسطينيين آلامهم ويستذكرون مأساتهم

ليس غريباً أن يشارك السوريون في شمال غربي البلاد، خاصة النازحين والمهجرين، في المظاهرات الداعمة لقطاع غزة، لأنهم عاشوا لحظات خوف وقصف وتشريد مشابهة، فالشعوب المضطهدة تناصر بعضها.


باريس- تجسيداً لشعار “الجرح واحد”، شاركت سلوى عبد الرحمن، 50 عاماً، في الوقفة التضامنية مع أهالي قطاع غزة بفلسطين، التي نُظمت في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي بمنطقة أطمة، أكبر تجمع لمخيمات النازحين والمهجرين في شمال غرب سوريا.

تشهد مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام العديد من المظاهرات الداعمة لغزة رغم القصف المستمر من قوات النظام السوري وروسيا على المنطقة، منذ الخامس من الشهر الحالي، على خلفية استهداف الكلية الحربية، التابعة للنظام بحمص، لقصف بطائرات مسيرة مجهولة.

وثق الدفاع المدني السوري خلال النصف الأول من الشهر الحالي، 194 هجوماً، لنظام الأسد وروسيا، على 60 مدينة وبلدة في شمال غرب سوريا، ما أدى إلى مقتل 49 مدنياً، بينهم 13 طفلاً، و10 نساء، بالإضافة إلى إصابة 230 بجروح، بينهم 67 طفلاً، و 63 امرأة.

لم يكن غريباً بالنسبة لعبد الرحمن أن يشارك السوريون في شمال غربي البلاد، خاصة النازحين والمهجرين منهم، في المظاهرات الداعمة لغزة، لأن “الناس هنا يعرفون معنى الفقد، وعاشوا لحظات الخوف والقصف والتشريد”، كما قالت السيدة التي تعمل صحفية، لـ”سوريا على طول”، مضيفة: “قصف مستشفى المعمداني بغزة عشناه عشرات المرات، عندما قصف النظام السوري المستشفيات”.

“كان الطيران في سماء إدلب، وراجمات الصواريخ تستهدف ريف إدلب الجنوبي، ومع ذلك كان هناك تجمعات لنساء وشباب ورجال متضامنين مع غزة”، بحسب عبد الرحمن، “في رسالة للعالم بأننا نقف مع غزة رغم الجراح والقصف الذي نتعرض له”. 

بعد يوم واحد من مقتل طفلة بقصف لقوات النظام على مدينة دارة عزة، في ريف حلب الغربي، شارك العشرات من أبناء المدينة، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، في مظاهرات نصرة لأهالي غزة وتنديداً بجرائم إسرائيل بحقهم.

“ليسوا هدفاً”

شكل استهداف المستشفى المعمداني بغزة، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، صدمة للرأي العام العربي والعالمي، باعتباره هجوماً “غير مسبوق في نطاقه”، بحسب وصف منظمة الصحة العالمية، التي نددت بالهجوم على المستشفى، ما أدى إلى مقتل أكثر من 500 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال.

بعد الهجوم على مستشفى المعمداني، نظم عدد من كوادر المنظمات الإنسانية العاملة في إدلب وقفة تضامنية، في 19 تشرين الأول/ أكتوبر، دعماً لأهالي غزة، في رسالة مفادها أن “العمال الإنسانيين ليسوا هدفاً”، كما قالت أسماء نعسان، 30 عاماً، وهي إحدى المشاركات في الوقفة.

نساء يشاركن في الوقفة التضامنية مع غزة، التي نظمتها منظمات مجتمع مدني شمال غرب سوريا، 19/ 10 /2023، (سوريا على طول/ عبد المجيد القرح)

نساء يشاركن في الوقفة التضامنية مع غزة، التي نظمتها منظمات مجتمع مدني شمال غرب سوريا، 19/ 10 /2023، (سوريا على طول/ عبد المجيد القرح)

تعمل نعسان في مجال منظمات المجتمع المدني والإنساني منذ عام 2015، وتقيم في مدينة الدانا بريف إدلب، بعد نزوحها من مسقط رأسها بريف حلب الغربي في شباط/ فبراير 2020، نتيجة قصف النظام لمنطقتها.

“نحن كسوريين في شمال غرب سوريا نعيش ظروفاً مادية سيئة، وربما أغلبنا غير قادر على تقديم الدعم المادي لأهالي غزة، فالشيء الذي يمكننا أن نقدمه لهم هو صوتنا، أن نكون صوتهم في إيصال معاناتهم للعالم، سواء بالتظاهر أو النشر على وسائل التواصل الاجتماعي”، بحسب نعسان.

واعتبرت نعسان أن تضامن السوريين في مناطق المعارضة، شمال البلاد، مع غزة “حجة على الجميع في كل دول العالم”، قائلة: “النظام يقصفنا ويستهدف تجمعاتنا، ومع ذلك خرجنا للتضامن مع غزة، لذلك ليس هناك مبرراً للذين لا يتضامنون، على الجميع إيصال صوت غزة لكل الشعوب”.

منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى ضد المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، في السابع من من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، تواصل إسرائيل عمليتها العسكرية في القطاع لليوم الرابع عشر على التوالي، مستهدفة البنى التحتية والمباني السكنية، ما أدى إلى مقتل 4137 شخصاً، وإصابة 13 ألف آخرين بجروح في قطاع غزة، إضافة إلى 81 قتيلاً وأكثر من 1400 جريح في الضفة الغربية، بحسب أرقام صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية. 

تأمل نعسان أن تصل أصوات المتضامنين في سوريا إلى المجتمع الدولي، وأن تشكل مشاركاتهم ضغطاً من أجل “فتح المعابر الإنسانية وإيصال المساعدات إلى مستحقيها في القطاع المحاصر”. 

قضية إنسانية

يشعر العديد من السوريين بالخذلان من حركة حماس، التي أعادت علاقاتها مع النظام السوري، في عام 2022، بعد عشر سنوات من القطيعة، عندما غادرت دمشق في شباط/ فبراير 2012، بالإضافة إلى علاقاتها الوثيقة مع إيران، الحليف الرئيسي للنظام في قمع السوريين الذين خرجوا ضد الأسد في ربيع 2011 مطالبين بالحرية.

لكن موقفهم من حماس لم يؤثر على تعاطفهم مع القضية الفلسطينية ونصرة أهالي غزة، كما عبرت عدد من المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”. قالت سلوى عبد الرحمن، أن دعم الفلسطينيين والمشاركة في المظاهرات تضامناً مع غزة “هو واجب على كل إنسان موجود على وجه الكرة الأرضية”، ولا يقتصر على العرب والمسلمين وحدهم.

تأكيداً على ذلك، استشهدت أسماء نعسان بموقف السوريين الداعم للشعب الأوكراني ضد العدوان الروسي، قائلة: “عندما اجتاح بوتين أوكرانيا، رفعنا الأعلام الأوكرانية في ذكرى ثورتنا، فمن البديهي أن نقف مع فلسطين في محنتها، باعتبارها قضيتنا الأساسية منذ الصغر”.

الفنان عزيز الأسمر يشير إلى لوحة رسمها على أحد المباني المدمرة في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، تضامناً من أوكرانيا ضد العدوان الروسي، 24/ 02/ 2023، (أسعد الأسعد)

الفنان عزيز الأسمر يشير إلى لوحة رسمها على أحد المباني المدمرة في محافظة إدلب، شمال غرب سوريا، تضامناً من أوكرانيا ضد العدوان الروسي، 24/ 02/ 2023، (أسعد الأسعد)

من جهته، شارك ياسر محمد (اسم مستعار)، 35 عاماً، في الوقفة التضامنية، التي نُظمت في مدينة بنش، شمال شرق إدلب، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، دعماً لأهالي غزة، ليعبر عن رفضه “تهجير أهالي غزة من موطنهم”، كما قال المهجر من مدينة داريا بريف دمشق، في آب/ أغسطس 2016، لـ”سوريا على طول”.

اصطحب محمد أولاده للمشاركة في الوقفة، بهدف “تعريفهم بما يحدث في غزة على يد الاحتلال، وأن هذه الممارسات نفسها وقعت علينا ولكن على يد مجرم آخر”، مشيراً إلى أن “المشاهد التي نراها على الشاشات، من دمار وقصف وضحايا، تذكرنا بالمجازر التي تعرضنا لها”.

أعلام فلسطين إلى جانب علم الثورة السورية مرفوعة في الوقفة التضامنية مع غزة في مدينة بنش، التي شارك بها ياسر محمد مع أولاده، 18/ 10/ 2023، (سوريا على طول/ عبد المجيد القرح)

أعلام فلسطين إلى جانب علم الثورة السورية مرفوعة في الوقفة التضامنية مع غزة في مدينة بنش، التي شارك بها ياسر محمد مع أولاده، 18/ 10/ 2023، (سوريا على طول/ عبد المجيد القرح)

وفي معرة مصرين، بريف إدلب الشمالي، شارك عبد السلام اليوسف، المهجر من ريف إدلب الجنوبي، في الوقفة التضامنية مع أهالي غزة، محاولاً عبر مشاركته “إيصال صوتنا إلى الفلسطينيين في القطاع بأننا معهم ومع قضيتهم”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

لكن، حذر اليوسف، الذي نزح من مسقط رأسه عام 2020 بسبب العمليات العسكرية للنظام والميلشيات الداعمة له، أهالي القطاع من إيران، قائلاً: “إياكم أن تنتظروا الدعم من الإيرانيين والروس. إيران هي من قتلتنا وهجرتنا من بيوتنا”، في إشارة إلى دعم إيران المباشر للنظام السوري سياسياً وعسكرياً، أو عبر الميليشيات التابعة لها، التي شاركت إلى جانب دمشق في عملياتها العسكرية ضد مناطق المعارضة في أكثر من منطقة سورية.

معاناة مشتركة

يحاول أبو إسلام الدرعاوي، 32 عاماً، أن لا تفوته مظاهرة داعمة لغزة، فشارك في الوقفة التضامنية في الدانا، ومن ثم في بنش، معتبراً أن “الخروج في كل المظاهرات واجب، فمصاب أهل غزة مصابنا، وجرحهم جرحنا، لذلك لا يمكن أن نتركهم وحدهم”.

الدرعاوي مهجر من الجنوب السوري في صيف 2018، بعد اتفاق التسوية بين النظام السوري وفصائل الجبهة الجنوبية، الذي انتهى بخروج الرافضين للتسوية إلى الشمال السوري، وكان هو من بينهم.

عُرف الدرعاوي بصوته، إذ شارك في ترديد الأهازيج والهتافات الثورية في عشرات المظاهرات، وفعل ذلك أيضاً أثناء مشاركته في الوقفات التضامنية الداعمة لأهالي غزة.

وعدا عن الموقف الإنساني، فإن المعاناة المشتركة تدفع الدرعاوي والعديد من ذوي الضحايا من السوريين إلى التضامن مع غزة، لأنهم عاشوا “الفقد” بحسب الدرعاوي، قائلاً: “أنا أعرف معنى الفقد، في عام 2015 تعرضنا للقصف وفقدت أخي، الذي كان عمره 35 عاماً آنذاك”.

وأضاف الدرعاوي: “ما ذقناه من الأسد في 12 سنة، تذوقونه أنتم في غزة من الاحتلال”، متمنياً “الفرج والصبر لنا ولكم”، أي لأهل غزة.

من جهتها، قالت سلوى عبد الرحمن، أن انشغال السوريين بظروفهم لا يمكن أن يشغلهم عن القضايا الإنسانية، وإنما يحفزهم على المشاركة، معتبرة أن “الشعوب المضطهدة تناصر بعضها”.

إلى جانب مشاركتها من مبدأ “حقوق الإنسان”، كثيراً ما تفكر عبد الرحمن بالأحداث المحيطة بـ”قلب الأم”، التي تخاف من أن “تسقط قذيفة على البيت، وتسعى أن يكون أبناؤها في مكان آمن، وأثناء خوفها تحاول ألا تشعر أبناءها بذلك”.

“شعوري هو نفس شعور الأم الفلسطينية في غزة”، قالت عبد الرحمن، مشيرة إلى أنها شاركت في مظاهرات أطمة وإدلب بـ”مشاعر الأمومة، متمنية أن يعرف العالم معاناة الأمهات”، مؤكدة على ضرورة مناصرتهم “حتى لو بصوتنا”.

في الظروف السورية الراهنة، لا يمكن التعاطف مع القضية الفلسطينية من دون مقارنات مع الوضع السوري. قبل إجراء الحوار مع عبد الرحمن كانت تشاهد مشهداً لطفل مصاب في غزة “يسأل الممرض إن كان سيبقى على قيد الحياة، هذا السؤال أعادني إلى طفلة في الغوطة أصيبت بالكيماوي، وكانت تتساءل بذهول: أنا عايشة أنا عايشة؟”.

وختمت عبد الرحمن: “كل مشهد يصلنا من غزة يعود بذاكرتنا إلى مواقف عشناها، أو قصف تعرضنا له أو ربما نتعرض له. نعيش نفس المشهد تماماً”.

شارك هذا المقال