4 دقائق قراءة

كيف يمكن أن تؤثر إصلاحات اتفاقية دبلن المقترحة على طالبي اللجوء للاتحاد الأوروبي؟

ستمضي إصلاحات اتفاقية دبلن المقترحة في طريق قانونية طويلة. إذ يتطلب تبني "ميثاق الهجرة واللجوء" الجديد مصادقة البرلمان الأوروبي الذي يضم أعضاء ينتمون لمجموعات سياسية تعادي هذا الاقتراح. كما تتطلب موافقة كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي.


بقلم ليز موفة

2 نوفمبر 2020

عمان – في 16 سبتمبر/ أيلول، أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن النية لإعادة النظر في اتفاقية دبلن، المعنية بتنظيم إجراءات طلبات اللجوء إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في إطار تغيير أشمل في سياسة “الاتحاد” بشأن اللجوء.

إذ أخفقت اتفاقية دبلن بصيغتها الحالية المعتمدة منذ العام 2013 في خلق نظام متوازن وفعّال للنظر في طلبات اللجوء. كونه وقع على عاتق عدد قليل من دول “الاتحاد” التعامل مع غالبية الطلبات، لاسيما مع ذروة موجة اللجوء إلى الاتحاد الأوروبي العام 2015، ما أسفر عن خلق وضع غير محتمل بالنسبة لبعض الدول الحدودية، خاصة اليونان التي توافد إليها أكثر من 860,000 شخص في ذلك العام، وكانت حتى آب/أغسطس 2020 ما تزال في خضم معالجة نحو 100,000 طلب لجوء. بالتوازي مع ذلك، كان للاتفاقية تأثيرات على طالبي اللجوء، أثارت حفيظة منظمات حقوق الإنسان والمجموعات الإغاثية.

ما هي اتفاقية دبلن؟

هي اتفاقية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى، بشأن تحديد الدولة المعنية بالنظر بطلبات اللجوء. والغرض من ذلك تبسيط عملية اللجوء وحصرها بدولة واحدة تكون مسؤولة عن ملف شخص ما دون غيرها.

وعموماً، على طالبي اللجوء تقديم طلباتهم بهذا الشأن في “أول دولة يصلونها” من دول الاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، لا يمكن للأسرة التي تخرج من مخيم للاجئين في اليونان، حيث تقدمت بطلب للجوء (وتم أخذ بصمات أفرادها ضمن الإجراءات المرتبطة بذلك)، إعادة التقدم بطلب لجوء في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي.

ما التحديات التي تكتنف اتفاقية دبلن؟

تعرضت اتفاقية دبلن للانتقاد على مدى سنوات، ليس فقط من قبل المنظمات الداعمة للاجئين، بل ومن دول في الاتحاد الأوروبي أيضاً.

  • من منظور الاتحاد الأوروبي نفسه، فإن فاعلية اتفاقية دبلن في النظر في طلبات اللجوء كانت أقل من المتوقع. وقد أصبح “الاتحاد” يعتمد منذ العام 2016 على اتفاق وقعه مع تركيا للحيلولة دون تدفق لاجئين إلى دوله. إلا أنه نتيجة تدهور العلاقات بين الطرفين، استغلت تركيا الاتفاق كوسيلة ضغط، وهددت “بفتح الأبواب” أمام وافدين جدداً إلى أوروبا.
  • لم تكن اتفاقية دبلن إجراء مرضياً لدول الاتحاد الأوروبي؛ فغالبية الوافدين تمركزوا في دول البحر الأبيض المتوسط، ما خلق توتراً بين الدول التي وقعت على عاتقها مسؤولية التعامل مع عدد مرتفع من طلبات اللجوء وتلك التي لم تواجه العبء ذاته. وبحسب المكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، تعاملت ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا في العام 2018 مع أكبر عدد من طلبات اللجوء المرفوضة استناداً إلى اتفاقية دبلن، وطالبت هذه الدول بإعادة طالبي اللجوء إلى “الدول التي دخلوها أولاً”. في العام ذاته، تلقت إيطاليا وحدها نحو 42,000 طلب “لاستعادة” طالبي لجوء، كونها بلد وصولهم الأول للاتحاد الأوروبي، في وقت كانت تستقبل أعداداً كبيرة الواصلين إليها باعتبارها “بلد الدخول الأول”. كما توقفت اليونان عن استرجاع طالبي اللجوء الذين تتم إعادتهم إليها وفقاً لاتفاقية دبلن، لأنه لم يعد بوسعها النظر في الطلبات أو استضافة عدد أكبر من طالبي اللجوء.
  •  تم انتقاد اتفاقية دبلن من قبل المنظمات الداعمة للاجئين باعتبارها نظاماً يفاقم الأزمة الإنسانية للاجئين إلى أوروبا. وحاججت هذه المنظمات بأنه من الأفضل توزيع طالبي اللجوء على دول الاتحاد الأوروبي منذ البداية بدلاً من وضعهم في مخيمات مكتظة. 
  • بالنسبة لطالبي اللجوء أنفسهم، فإن الإجراءات المتضمنة في اتفاقية دبلن تنطوي على آثار نفسية قد تكون مدمرة. إذ عوضاً عن بدء حياتهم في إحدى دول الاتحاد الأوروبي بعد رحلة صعبة، ربما يعيش بعض طالبي اللجوء أشهراً في ظل احتمالية ترحيلهم إلى بلد وصولهم الأول. وبحسب “يوروستات”، كان هناك ما يزيد عن 646,000 طلب لجوء إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2018، 23% منها أفضت إلى تطبيق إجراءات دبلن، أي إن دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي أحالت الطلب إلى دولة أخرى للنظر فيه.

ما هي الإصلاحات المقترحة من قبل المفوضية الأوروبية؟

  • بدلاً من التركيز على بلد الوصول الأول، سيتم توزيع طلبات اللجوء على دول الاتحاد الأوروبي استناداً لمعايير مختلفة، من بينها وجود روابط تجمع طالب اللجوء بدول الاتحاد الأوروبي المختلفة (من قبيل الأواصر الأسرية، والتعليم، واللغة… الخ). ومن المتوقع أن تخفف هذه التغييرات من العبء المفروض على دول “الدخول الأول” مثل مالطا وإيطاليا وإسبانيا واليونان، عبر تحديد أفضل للدولة التي تقع عليها مسؤولية النظر في طلبات اللجوء.
  • بهدف دعم الدول التي تنظر في معظم طلبات اللجوء، يتوجب على الدول التي تستنكف عن تولي حصتها من الطلبات دفع تعويض مالي. وتخصص الأموال لدعم الاتحاد الأوروبي في استجابته للجوء والهجرة. 

ورغم أن هذا الإجراء قد يبدو مريحاً للدول التي يتسم سكانها بالعداء للاجئين، إذ يمكنهم تحاشي قبول لاجئين، فإنه قد يخل في الوقت ذاته بالتوازن في توزيع طالبي اللجوء على دول الاتحاد الأوروبي.

وتندرج الإصلاحات المقترحة لاتفاقية دبلن ضمن “ميثاق هجرة ولجوء” جديد، يتضمن إجراءات إيجابية بالنسبة للاجئين. فمثلاً، يحق لطالبي اللجوء العمل بعد فترة لا تزيد عن ستة أشهر من تسجيل طلبهم. كما سيتسنى لهم التنقل بحرية داخل دول الاتحاد الأوروبي بعد ثلاث سنوات (عوضاً عن خمس حالياً) من وجودهم في البلد الذي حصلوا فيه على اللجوء. 

ما المتوقع الآن؟

  • ستمضي التغييرات المقترحة في طريق قانونية طويلة. إذ يتطلب تبني “ميثاق الهجرة واللجوء” الجديد مصادقة البرلمان الأوروبي الذي يضم أعضاء ينتمون لمجموعات سياسية تعادي هذا الاقتراح. كما تتطلب الإصلاحات موافقة كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي من خلال المجلس الأوروبي، الأمر الذي قد يستلزم مفاوضات طويلة على تفاصيل الاتفاقية. 
  • هناك تحديات عملية على صعيد تنفيذ الإصلاحات المقترحة على اتفاقية دبلن. إذ تعاني الإجراءات المتضمنة في الاتفاقية من شبه تعطل حالياً. 

ففي العام 2018، تم تنفيذ 65% من عمليات نقل طلبات اللجوء خلال ستة أشهر من اتخاذ قرار ترحيل مقدم الطلب، فيما تم تنفيذ 21% من هذه العمليات خلال فترة تتراوح بين 7 و12 شهراً، و14% بعد 13 إلى 18 شهراً عقب اتخاذ القرار. ومن المحتمل أيضاً أن ترفض الدول قبول حصتها من طالبي اللجوء. ففي العام 2018، لم تقبل خمس من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سوى أقل من نصف طلبات اللجوء التي أعيدت إليها بحسب اتفاقية دبلن؛ إذ قبلت بلغاريا نحو 25% من هذه الطلبات، ولم يوافق اليونان الذي وصل حد الإشباع سوى على ما نسبته 2.5%.

نُشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال