4 دقائق قراءة

لأجل أن يحمي ابنه من الخدمة الإلزامية، يبقي الآخر سراً: هذا يحدث شرخاً في عائلتنا

ما كان سيحمل مفاجئة جميلة قبل الحرب، بات كابوساً لـ […]


11 مايو 2017

ما كان سيحمل مفاجئة جميلة قبل الحرب، بات كابوساً لـ أبو محمد،59عاماً، من أهالي دمشق، فزوجه حامل بصبي.

ولدى الزوجان فتاة وشاب اسمه محمد، وكان محمد آنذاك في التاسعة عشرة من العمر، مما يجعله مؤهلاً للخدمة العسكرية الإلزامية. ولكن القانون السوري يعفي الابن الوحيد لوالديه ممن هو في سن الجيش، كما في حالة محمد، من أداء الخدمة الإلزامية. وكان هذا سارياً ومحمد بأمان وبمنأى عن خطوط جبهات الحرب العاتية إلا أن أتى وليد للحياة.

وجاء الوليد الجديد ليشكل تهديداً لمحمد وينزع عنه حمايته ويخرجه من الوضع القانوني الذي كان يستظل بأمانه، وبالتالي فعليه أن يُرسل للقتال في حرب لا يريد أن يموت من أجلها.

وظل محمد “يطلب من أمه باستمرار أن تجهض”، وفق ما قال أبو محمد لـ يزن توركو، مضيفا “لكني متحفظ في هذا الموضوع لأنه مخالف للدين والعادات”.

لذا أبقى أبو محمد وزوجه طفلهم الجديد سراً عن السلطات، “على أمل أن تنتهي الحرب سريعاً، وأعاود تسجيل طفلي”.

أطفال سوريون يلعبون في حديقة في الضواحي الشرقية للعاصمة دمشق، في شباط 2016. حقوق نشر الصورة لـ Sameer Al-Doumy / AFP

الآن، وليد في الرابعة من العمر غير مسجل بدفتر العائلة وليس له رقم وطني، ولا يمكن أن يغادر المنزل خوفاً من أن يكتشف الأمن أمره، فهو قانونياً غير موجود.

وأخوه محمد لا يحبه “لأنه دمر حياته، كما يلمح دائماً”.

وقال أبو محمد “أخشى أن يعاني وليد من اضطرابات نفسية فهو يحتاج أن يخرج ويتعلم ويلعب”

وأضاف”هذا الأمر سبب شرخا في العائلة”.

كيف كانت ردة فعلك عندما علمت أن زوجتك ستنجب مولودا؟ علماً أن هذا المولود سيفتح قضايا قانونية جديدة على ابنك الكبير؟

ما حصل كان قضاءا وقدرا، وكان لابني الصغير نصيب في أن يأتي لهذه الدنيا، روح كتب الله لها القدوم إلى هذه الحياة، ولكن كنت متأملاً لو أن الحرب قد انتهت قبل أن يأتي طفلي لهذه الحياة، حتى لا نعيش هذه الظروف العصيبة والحيرة في الأمر، فالخيارات التي كانت أمامنا محدودة ومصيرية لمستقبل ولداي، إلى أن وجدنا في النهاية أن الحل الأقل خسارة هو ألا نسجّل طفلنا في النفوس، آملين أن تنتهي الحرب وأعاود تسجيل طفلي، وها قد وصل ابني لسن الرابعة، وما زلت لم أسجله، وليس بيدي حيلة حتى الآن لفعل أي شيء.

الآن وبعد أن أصبح عمر وليد أربع سنوات، هل تشعر أنك اتخذت القرار الصحيح بعدم تسجيله، وهل أنت الآن في صدد تسجيله؟

ما زلت أشعر كما أول مرة عند قدوم المولود وقلت في نفسي (ما زال الولد صغيراً)، وأستطيع أن أنتظر سنة ومن ثم أسجل ولادته في الدولة، وأطلق عليه اسماً رسمياً، والسنة تبعتها ثلاث سنوات أخرى وابني ما زال مكتوما.

وأنا لا أريد لطفلي أن يبقى على هذا الحال، وقد حاولت مرارا أن يسافر ابني الكبير إلى لبنان، لأستطيع تسجيل أخاه الصغير، رغم أن الحدود السورية اللبنانية كانت مغلقة حينها، إلا أننا اتفقنا مع مهرب على مبلغ 500  دولار مقابل أن يهرّب ابني إلى لبنان، وعملت جاهدا على تأمين ذلك المبلغ، وبعد أن استلم المبلغ احتال علينا ولم نعد نعرف عنه شيئا.

في محاولة أخرى مني اقترحها علي أحد الأقارب، حاولت أن أجعل ابني يتقدم لدراسة الثانوية العامة ليدخل بعدها الجامعة، ومن ثم يقوم بتأجيل الخدمة الإلزامية على أساس دراسته الجامعية، ولكني لم أستطع تحمل مصاريف العائلة لوحدي لأن ابني كان المعين الوحيد لي.

ما هي ردة فعل محمد حين علم بالمولود الجديد؟

ابني الكبير كان معارضاً لفكرة المولود الجديد، وكان يطلب من والدته الإجهاض بشكل دائم، ولكني متحفظ في هذا الموضوع لأنه مخالف للدين والعادات، وحتى هذه اللحظة ينتابني شعور داخلي بأن ابني محمد لا يحب أخاه الصغير لأن قدومه إلى هذا العالم دمر حياته كما يلمح دائماً، وهذا الأمر سبب شرخا في العائلة.

طفل في دمشق،كانون الاول 2016. حقوق نشر الصورة لـ ABDULMONAM EASSA/AFP/Getty

ماهي ردة فعل الجيران والأقارب بالنسبة لوضع الطفل، وهل تعتزم أن تبقيه سرا؟

بصراحة، لم أعد أجد الموضوع غريبا حيال المجتمع المحيط بي، بعد أن قام جاري في المنطقة بنفس التصرف، ولم يسجل طفلاه التوأم في الدولة خوفا على ابنه الكبير، الذي كان وحيداً قبلهما، من السوق إلى الخدمة الإجبارية.

هل لديك أي تخوفات من أن يعلم الأمن بوجود طفل آخر غير مسجل؟

نعم بالطبع هذا الأمر يقلقني كثيراً ويتحكم بحريتي في الحياة أنا وجميع أفراد عائلتي، فطفلي الصغير يعيش شبه متخف ويبقى حبيس المنزل، وأخاف أن يعاني من أمراض نفسية فهو بحاجة أن يلعب ويخرج ويتعلم. كما أن هذا الموضوع يحد من حريتنا وحرية تحركنا.

وإخفاء انسان أمر بغاية الصعوبة خصوصاً اذا كان طفلاً ولكن يبقى الأمل بانتهاء دوامة الحرب قريباً وأتمكن من منح طفلي اسماً وقيداً في الدولة، لأخرجه الى الحياة.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال