7 دقائق قراءة

ما بعد “ثورة” عشائر دير الزور: هيبة مفقودة ومخاوف من “تسلط قسد”

دفعت المواجهات العسكرية مع "قسد" أبناء العشائر العربية في شمال شرق سوريا إلى رفع أصواتهم مجدداً، مطالبين بضرورة أن تحكم العشائر نفسها بنفسها بعيداً عما وصفته "الوصاية الكردية"، فهل خسرت العشائر مطالبها بعد "كسر شوكتها".


11 سبتمبر 2023

باريس- بعد نحو أسبوعين من المواجهات العسكرية بين مقاتلين من أبناء العشائر في مناطق الإدارة الذاتية بمحافظات دير الزور، الحسكة، الرقة، وحلب، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أعلنت الأخيرة، في الثامن من أيلول/ سبتمبر الحالي، انتهاء عملياتها العسكرية في دير الزور، مركز انطلاق الشرارة الأولى للمواجهات، التي بدأت في 27 آب/ أغسطس.

وفيما انطلقت مواجهات دير الزور، على خلفية اعتقال “قسد” لقياديين من مجلس دير الزور العسكري التابع لها، من بينهم قائد المجلس أحمد الخبيل أبو خولة، زعمت أن عمليتها العسكرية كانت ضد فلول تنظيم داعش، مشيرة إلى أن “العمليات الأمنية المحددة” سوف تستمر.

دفعت المواجهات مع “قسد” أبناء العشائر العربية في شمال شرق سوريا إلى رفع أصواتهم مجدداً، مطالبين بضرورة أن تحكم العشائر نفسها بنفسها بعيداً عما وصفته “الوصاية الكردية”.

وفي أعقاب العملية، تواصل “قسد” فرض حظر تجوال على بعض المناطق، وسط استمرار المداهمات والاعتقالات، لاسيما في منطقة عشائر الشعيطات، بريف دير الزور الشرقي، وهو ما يثير مخاوف السكان.

على خلفية المواجهات، التي امتدت إلى مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، ظهرت مساعٍ “خجولة” للتحالف الدولي بقيادة أميركية، للحيلولة دون انزلاق المنطقة نحو اقتتال عرقي، بينما حاول النظام السوري من جهة، وتركيا، ومن خلفها الجيش الوطني السوري المدعوم منها، استغلال الحادثة ضد عدوهما التقليدي “قسد”.

ثورة العشائر

بعد خلاف استمر أكثر من شهرين، اعتقلت “قسد” قائد مجلس دير الزور العسكري أبو خولة، في 27 آب/ أغسطس، وفرضت حصاراً على قادة الصف الأول في المجلس أثناء اجتماع جمعهم بدعوة من قيادة “قسد” في قاعدة الوزير بالحسكة. 

استجابة لدعوات من شيوخ العشائر، اندلعت اشتباكات بين أبناء عشائر دير الزور و”قسد”، وسرعان ما امتدت لتطال مناطق العشائر في أرياف الحسكة والرقة وحلب، الواقعة تحت سيطرة “قسد”.

ومع أن اعتقال أبو خولة كان الشرارة الأولى لأحداث دير الزور، إلا أنه ليس السبب الرئيسي، لا سيما أن عشائر دير الزور نفسها كانت رافضة تسلمه قيادة المجلس العسكري، وتقدمت عدة مرات بطلبات للقوات الأميركية وقيادة “قسد” تطالب بعزله، متهمته بالفساد والسرقة وفرض إتاوات.

لكن، اعتقال الخبيل حرّك الجمر الكامن تحت الرماد لسنوات، لأن العشائر اعتبرت ما حدث “محاولة من قسد لحل المكون العربي في المنطقة، المتمثل بمجلس دير الزور العسكري، وإلحاق عناصره بوحدات لها، تحت رعاية كوادر قنديل ضمن قسد”، كما قال إبراهيم الحسين، صحفي في شبكة الشرقية بوست، مؤسسة إعلامية محلية.

وفي هذا السياق، اعتبر أبو حسام، أحد وجهاء ريف دير الزور الشرقي، أن “التراكمات الطويلة من الظلم، وتهميش المنطقة، وقلة فرص العمل هي السبب الحقيقي”، أما أبو خولة “لا يعني شيئاً إلا لعشيرته والمستفيدين منه”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”. هذا لا ينفي مشاركة بعض أبناء العشائر في المواجهات “حمية عشائرية”، على حد وصفه.

تعليقاً على ذلك، قال محمود حبيب، الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي، التابع لـ”قسد”، إن اعتقال الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري، جاء بعد أن “تقدم شيوخ ووجهاء من عشائر دير الزور بشكايات إلى قيادة قسد عن تجاوزات أحمل الخبيل”، وعليه استدعت قيادة “قسد” الخبيل للتحقيق، تزامناً مع “حملة تعزيز الأمن في الحسكة ودير الزور”، نفذتها قوات “قسد” في المنطقة.

وأضاف حبيب لـ”سوريا على طول”، أن الحملة تعرضت لهجوم في قرية العزبة مقر الخبيل، من قبل بعض أفراد مجلس دير الزور العسكري، ما تسبب في وقوع “شهداء وجرحى واحتجاز بعض الرفاق لديهم، وهددوا بتصفيتهم”، لتتحول الحملة بذلك إلى “عملية عسكرية استدعت سحب كل النقاط الصغيرة والمتفرقة من كامل ريف الدير الشرقي وإعادة تنظيم صفوفنا، من أجل مواجهة هذا التمرد وعلى مدى أسبوع تم تطهير معظم المنطقة”، على حد قوله.

وفي إطار الحديث عن دور أنقرة ودمشق في استغلال المواجهات ضد “قسد”، وتعامل الأخيرة مع ما جرى بأنه “فتنة خارجية، تحاول بعض الجهات تحريك العشائر ضدها”، قال سمير محمد، ناشط إعلامي من مدينة منبج بريف حلب أن “هذا الاتهام منافي للواقع”، معتبراً أن “العشائر العربية محتقنة إلى درجة الانفجار بسبب ظلم قسد”.

واعتبر محمد في حديثه لـ”سوريا على طول” أن مطالب العشائر العربية واضحة، تتمثل في “إفساح المجال للعرب بإدارة مناطقهم من دون تحكم كوادر كردية من خارج سوريا بمناطقهم وثرواتهم، تحت مسمى مستشارين للإدارة الذاتية”.

لكن، سرعان ما انحسرت المواجهات لصالح “قسد”، لاسيما في دير الزور، حيث تمكنت القوات الكردية، من بسط سيطرتها على غالبية قرى وبلدات دير الزور الثائرة، وتحويلها إلى مناطق عسكرية.

وفي منبج بريف حلب الشرقي، التي شهدت مواجهات مماثلة بين “قسد” وأبناء العشائر، انحسرت المواجهات بشكل كبير، باستثناء مواجهات متقطعة بين الحين والآخر في ريف منبج، كما قال سمير محمد، المقيم في منبج.

فقدان الهيبة!

منذ سنوات، تطال الإدارة الذاتية اتهامات واسعة بـ”التمييز العرقي” وعدم تكافؤ الفرص والخدمات في المناطق الواقعة تحت نفوذها، خصوصاً التهميش المتعمد للمناطق العربية، التي تشكل الجزء الأكبر من مناطق سيطرتها، وكذلك حصر المناصب العليا في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية بالمكون الكردي.

رداً على الاتهامات المتعلقة بتهميش المنطقة، قال محمود حبيب، الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي، أن “أبناء العشائر هم من يقومون بقيادة مناطقهم، عسكرياً من خلال المجلس العسكري، وإدارياً من خلال المجلس المدني وكل هذه المؤسسات هي جزء من منظومتي قسد والإدارة الذاتية”.

لكن، مع وجود هذه التهم طوال السنوات الماضية بقيت “قسد” وواجهتها المدنية حذرة في التعامل مع المكون العربي، ولطالما فضلت عدم الدخول في مواجهات عسكرية مع العشائر العربية. 

بعد المواجهات العسكرية الأخيرة “غير المتكافئة”، التي انتهت بما يشبه “اتفاق استسلام”، فإن “المنطقة فقدت هيبتها، وخسرت الحساب الذي كانت تقيمه قسد لها”، كما قال أبو حسام، أحد وجهاء ريف دير الزور الشرقي، الذي شارك في عدة اجتماعات عُقدت بين وجهاء المنطقة وقيادة “قسد”.

وأضاف لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته، خوفاً من ردة فعل “قسد”، على حد وصفه، أن “ما جرى ليس مفاوضات، وإنما اتفاق تسليم حضره ممثلون عن قرى وبلدات المنطقة، كل قرية على حده”، مشيراً إلى أن الوجهاء اتخذوا هذه الخطوة لأنهم يدركون “مخاطر مواجهة قسد، وأن الأميركان لن يتخلوا عن حليفتهم قسد، لاسيما بعد دخول مجموعات من النظام” على خط المواجهة ضد قسد.

ويتضمن الاتفاق “تسليم المنطقة وإيقاف العمليات العسكرية، ولم يناقش موضوع سحب السلاح والمطلوبين، كما لم يبحث في قضايا المعتقلين وغيرها من المطالب المحقة للمنطقة التي من المفترض أن يتم التباحث فيها لاحقاً”، بحسب أبو حسام. 

على سبيل المثال، في بلدة الطيانة بريف دير الزور، اجتمع عدد من وجهاء البلدة، ورأوا أنه “لا يمكن مواجهة قسد، لذا عقدوا معها اتفاق تسليم للبلدة، وهو ما جرى في الشحيل”، وفقاً لأبو حسام.

وبعد تسليم الأهالي مناطقهم، تحولت غالبية القرى والبلدات إلى مناطق عسكرية، إذ فرضت “قسد” حظر تجوال جزئي أو كلي، كما زادت من نشر نقاطها العسكرية، كما أوضح أبو حسام، قائلاً: “حالياً هناك كل مئة متر حاجز لقسد، بينما كانت تنشر سابقاً حاجزاً أو حاجزين في كل قرية”.

ومع أن “قسد” أخبرت الأهالي بأن “هذه النقاط مؤقتة وسوف تسحبها لاحقاً، كما أنها ستصدر عفواً، إلا أنه لا يوجد ثقة بها”، بحسب أبو حسام.

وعبّر أبو حسام عن تحفظه على “المشاركة في انتفاضة العشائر الأخيرة، وهو حال الكثير من أهالي دير الزور الذين لم يشاركوا في المواجهات الأخيرة”، مبدياً تخوفه من “تسلط قسد على المنطقة، لا سيما بعد غياب هيبة المنطقة وانكشاف ضعف العشائر أمام قسد”، على حد قوله.

التخوف ذاته أكده اثنان من النشطاء الإعلاميين، يقيمان في ريف دير الزور، تحدثا لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويتهما. قال مصطفى، ناشط إعلامي، يقيم في إحدى قرى ريف الدير الزور الشرقي، أنه بعد “انكسار شوكة العشائر، سوف تزيد قسد من سياستها في تهميش المكون العربي، لاسيما أن التحالف الدولي لم يتخذ موقفاً تجاه مطالب المكون العربي”.

في منبج، استنفرت “قسد” قواتها بشكل كبير، كما قال الناشط الإعلامي سمير محمد، مشيراً إلى أن الأخيرة فقدت “الثقة بالقادة العرب بعد أحداث دير الزور”، متهماً إياها بتدبير محاولة اغتيال القيادي في مجلس منبج العسكري، وشقيق قائد المجلس، عبد الرحمن البناوي، عن طريق زرع عبوة ناسفة في سيارته بعد خروجه من منطقة المطاحن، إلا أن القيادي نجا من الاغتيال.

كما نشرت “قسد” في الأسواق الرئيسية والطرق العامة بمدينة منبج، العديد من الحواجز للأمن الداخلي وقوات مكافحة الإرهاب، في محاولة منهم لإرهاب المدنيين ومنعهم من القيام بأي تحركات، بحسب محمد .

رداً على مخاوف أبناء العشائر، قال حبيب، الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي، أن “هناك إجراءات من شأنها تلبية طلبات أبناء المنطقة بما يحقق الأداء المنضبط والفعال حسب النظام القائم في شمال شرق سورية، وإعطاء الأولوية لتلك المناطق وهذه الاجراءات ستكون بالتشاور والتنسيق مع شيوخ و وجهاء المنطقة لضمان أداء أكثر فاعلية”، واعداً بـ”أوضاع أفضل لسكان هذه المنطقة”. 

استغلال الفرصة!

بعد ساعات من اندلاع شرارة الاحتجاجات في دير الزور، عبرت مجموعات عسكرية تابعة للنظام السوري، غالبيتها من أبناء ريف دير الزور الغربي، إلى الضفة الأخرى من نهر الفرات الخاضعة لسيطرة “قسد”، وانخرطت في القتال إلى جانب العشائر.

في الوقت ذاته، عملت ماكينة النظام الإعلامية على توظيف هذه الأحداث ضد “قسد” و”الاحتلال الأميركي”، بحسب وصفها. قالت وكالة الأنباء الرسمية “سانا”، في السادس من أيلول/ سبتمبر الحالي، إن أكثر من ألفي عائلة نزحوا من المناطق التي “تسيطر عليها ميليشيا قسد الانفصالية في الجزيرة السورية إلى مناطق انتشار الجيش العربي السوري في دير الزور”.

من جهته، أكد أبو حسام، الوجيه من ريف دير الزور، أن “النظام أرسل مجموعات عسكرية تتبع للأمن العسكري، والمخابرات الجوية، والفرقة الرابعة وغيرها، غالبيتهم من أبناء ريف دير الزور الغربي، وزودهم بسلاح لا تستطيع العشائر شراؤه”، لكن “انسحبت هذه المجموعات بعد سيطرت قسد على المنطقة”.

في الوقت ذاته، دخلت مجموعات عسكرية تابعة للجيش الوطني السوري (المعارض)، المدعوم من أنقرة، على جبهات تل تمر وجرابلس وريف منبج وغيرها من مناطق المعارضة المحاذية لنقاط الاشتباك مع “قسد”، وانخرطت “تحت أسماء عشائرها وليس الجيش الوطني” في الاشتباكات ضد “قسد”، كما قال الصحفي إبراهيم الحسين.

وبحسب الحسين: “خلع العناصر زيهم الرسمي وارتدوا الزي الشعبي للقتال إلى جانب عشائرهم ضد قسد”، لافتاً إلى أن “النظام والطيران الروسي استهدفهم في منبج”. وكان طيران يعتقد أنه روسي استهدف محيط قريتي الحلونجي ومحسنلي، بريف حلب الشرقي، في الأول من أيلول/ سبتمبر الحالي، بعد سيطرة مقاتلو العشائر على القريتين.

من جانبه، قال محمود حبيب، أن “دولاً ومنظومات تدخلت بشكل مباشر في أحداث دير الزور عسكرياً واستخباراتياً وإعلامياً لتمرير مشاريع معادية”، مشيراً إلى أنهم سوف يعرضون الأدلة والإثباتات قريباً.

محاولة استغلال النظام وأيضاً تركيا لهذه الأحداث في مناطق “قسد”، دفعت التحالف الدولي لإعطاء “قسد” ضوءاً أخضر لاستكمال عملياتها الأمنية في دير الزور، دون تدخل التحالف لوقف الاشتباكات. موقف التحالف هذا، يستند إلى “الوثائق المصورة التي حصل عليها التحالف عبر مناطيده الجوية المنتشرة للمراقبة، التي تظهر دخول مجموعات من النظام في دير الزور، ومن الجيش الوطني في الشمال، لذا اكتفى هو بمراقبة قسد”، بحسب أبو حسام.

لكن، برأي الناشط سمير، فإن المفاوضات التي رعاها التحالف الدولي بين “قسد” وبعض شيوخ العشائر، “هي مفاوضات غير مجدية”، لأن التحالف “استدعى شيوخ ووجهاء مناصرين لقسد ويعملون معها، وتجاهلوا شيوخ العشائر التي قامت بالحراك ضد قسد”. وهو ما دفع بعض شيوخ العشائر، الذين انخرطوا في الحراك الأخير ضد “قسد” لإصدار “بيانات تؤكد عدم استدعائهم للحوار أو التفاوض، وأن الشيوخ الذين حضروا الاجتماع مع التحالف و “قسد” لايمثلون الحراك وإنما يمثلون أنفسهم”.

أمام كل ذلك، يأمل الوجيه أبو حسام، أن “لا يكون في الأيام القادمة تسلط لقسد بعد كسر هيبة العشائر، وأن يكون هناك شراكة حقيقية، وإعطاء العرب حقوقهم”، كما قال.

شارك هذا المقال