5 دقائق قراءة

مخاوف من تأثير الزلزال على الأطفال في شمال غرب سوريا وسط تركيز الجهود على الإغاثة 

تركز الاستجابة الطارئة بخصوص الزلزال في شمال غرب سوريا على عمليات الإنقاذ والإغاثة، فيما تولي بعض المنظمات المحلية في شمال غرب سوريا اهتماماً خاصاً على تأثير الكارثة على الأطفال.


11 فبراير 2023

أثينا- عندما شعر حمدو حمادة الشيخ بالهزة الأرضية، فجر السادس من شباط/ فبراير، فرّ بابنه محمود، الذي يبلغ خمس سنوات، خارج منزله، لكن زوجته وباقي أطفاله علقوا داخل المبنى، الذي انهار وتحول إلى ركام، حاله حال معظم المنازل في ناحية جنديرس بريف حلب، شمال غرب سوريا، بفعل أقوى زلزال ضرب المنطقة منذ أكثر من قرن. 

“أصيب محمود في ساقه، وأُجريت له عملية جراحية في المستشفى، كما أخيط رأسه بسبعِ غرز”، جراء تحطم منزل العائلة، “لكنه بخير الآن”، كما قال والده، 26 عاماً، مشيراً إلى أن زوجته وأطفاله الآخرين خرجوا جثثاً هامدة.

بعد خمسة أيام على وقوع الزلزال، الذي ضرب جنوب شرقي تركيا وشمال سوريا، يوم الإثنين، بلغت حصيلة القتلى 24 ألف شخص، وهي أرقام قابلة للارتفاع مع استمرار عمليات انتشال الجثث من تحت الأنقاض في كلا البلدين.

في تركيا، حيث بؤرة الكارثة، تم نشر 79,110 فرد من طواقم الإنقاذ و5,709 فرقة دولية للمشاركة في عمليات الإنقاذ. أما في شمال غرب سوريا المنكوب، الواقع تحت سيطرة المعارضة، وقعت جلّ عمليات الإنقاذ على عاتق 2800 متطوع من الدفاع المدني (المعروفون باسم الخوذ البيضاء).

وبعد أيام من حدوث الزلزال، دخل فريقا إنقاذ صغيرين من مصر وإسبانيا إلى شمال غرب سوريا. لكن حتى العاشر من شباط/ فبراير، لم تغط عمليات الإنقاذ سوى خمسة في المئة من المناطق التي تضررت من الزلزال في شمال غرب سوريا، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

“حتى هذه اللحظة، انتشلنا 2950 شخصاً على قيد الحياة، العديد منهم كانوا أطفالاً”، كما قال منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني، لـ”سوريا على طول”. وحتى اليوم السبت، بلغ عدد الوفيات 2,166، بحسب الدفاع المدني، الذي تحولت جهوده من الإنقاذ إلى انتشال الجثث.

غالبية المقيمين في شمال غرب سوريا، البالغ عددهم أكثر من أربعة مليون نسمة، نصفهم نازحون داخلياً، من فئة النساء والأطفال. الفئة الأخيرة -أي الأطفال- هم الأكثر هشاشة وعرضةً للخطر في أوقات الكوارث الطبيعية، إذ قدرت منظمة الصحة العالمية أن تأثير الكارثة قد يطال نحو 1.4 مليون طفل في تركيا وسوريا.

حمدو وابنه محمود، وهو في طور التعافي من إصابته، 08/ 02/ 2023 (حمدو حمادة الشيخ)

في مدينة غازي عنتاب التركية، التي تبعد مئة كيلومتر عن جنديرس السورية، توجد السيدة التي كان يُفترض أن تتابع حالة محمد ذو الخمس سنوات في الأحوال الطبيعية، لولا أنّها نجت من الموت بأعجوبة. ليلى حسو، مديرة المناصرة في منظمة حراس الطفولة، التي تعمل على حماية ورعاية الأطفال في شمال غرب سوريا، تمكنت من الخروج مع عائلتها من المبنى الذي يقيمون فيه، قبل لحظات من تدميره بفعل الزلزال، وقضوا الليلتين التاليتين للكارثة في سيارتهم.

“هذه هي المرة الأولى التي يتأثر بها فريقنا في تركيا، لذلك لم نتمكن من تقديم المساعدة الفورية للشمال الغربي”، واصفة الموقف بالصعب جداً نفسياً “لأن أول يومين من الكارثة هما في غاية الأهمية”، قالت حسو بصوت متهدّج.

أول اثنين وسبعين ساعة من الكارثة، كزلزال الإثنين، هي “الساعات الذهبية لإخراج عالقين من تحت الأنقاض”، وفقاً لمصطفى، نائب مدير منظمة الدفاع المدني، التي خرجت ببيان صحفي، أمس الجمعة، أبلغت فيه عن انتهاء عمليات البحث والإنقاذ والانتقال لمرحلة البحث والانتشال.

في قرية مريمين، بريف إدلب الغربي، انتظر محمود، 19 عاماً، نحو 72 ساعة قبل أن يتمكن من انتشال ستة جثث من أفراد عائلته. لافتاً إلى أن “الآليات استغرقت ثلاثة أيام لإخراج إخوتي الأربعة، البالغة أعمارهم: 2، 8، 10، 12 ، وأمي وجدتي”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

منذ اللحظات الأولى، ناشد الدفاع المدني لإرسال معدات “تساعدنا في انتشال الناس من تحت الأنقاض، لكنها لم تأتِ أبداً”، بحسب منير مصطفى.

لأيام، لم تدخل أي مساعدات من  باب الهوى، المعبر الحدودي الوحيد المخوَّل بإيصال المساعدات الأممية إلى شمال غرب سوريا، الواقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة تركياً. 

في يوم الخميس، أي بعد ثلاثة أيام من الزلزال، وصل عدد قليل من شاحنات للأمم المتحدة، تحمل مواداً إغاثية، وهي مُجدّولة مسبقاً، لكن كان يتعين عليهم “فتح جميع المعابر الحدودية، عندما وقعت الكارثة، وأن يسهلوا دخول جميع الفرق الدولية لمساعدة الناس. ما حدث يفوق قدرتنا على الاستيعاب”، أضافت حسو. 

الدعم النفسي ليس رفاهيةَ 

بالإضافة إلى الجهود المبذولة لإنقاذ الضحايا، ركزت الاستجابة الطارئة في شمال غربي سوريا على تأمين الغذاء والمأوى والرعاية الصحية. غير أن حسو أولت اهتماماً بالدعم النفسي، الذي يشمل الأطفال، إذ “قلّما يتوفر الاهتمام بهذا الجانب، ويُعتبر رفاهية. لكنه ليس كذلك” وفق قولها.

“لا يُمكننا العمل على الإغاثة فحسب”، قالت حسو، مشددة على أن “الناس ليسوا جوعى فقط، الناس يعانون من أضرار نفسية جسيمة وقضايا حماية معقدة، فلا يُمكن حصر الاستجابة بترك طرد من المواد الإغاثية على أبوابهم”.

وعليه، يجري فريق شبكة حراس الطفولة، المؤلف من 150 عضواً داخل سوريا، زيارات للمناطق المتضررة شمال غرب سوريا، بحثاً عن الأطفال، الذين أصبح والديهم في عداد المفقودين أو الموتى. ليتم “اصطحاب الأطفال إلى مركزنا المخصص للرعاية، وتقديم جلسات دعم نفسي لمساعدة الأطفال على التعامل مع الصدمة واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)”. بحسب حسو.

كذلك، تضررت بشدة منظمة بنفسج جراء الزلزال، وهي منظمة سورية غير حكومية، تُعنى أيضاً بالأطفال في شمال غربي البلاد. “خسرنا شخصين في فريقنا وخمسة ما يزالون في عداد المفقودين”، قال المنسق الميداني ديريك عمر الدرباس، من مكان إقامته في إدلب، مضيفاً “رغم مواجهتنا لهذه الظروف الحرجة، بقينا نشطين في الميدان لإنقاذ الناس ورعايتهم بعد الزلزال مباشرة”.

إلى الآن، قدّمت منظمة بنفسج المساعدة لـ 1,500، معظمهم من الأطفال، بحسب الدرباس، مشيراً إلى أن “بعض الأطفال يعانون من نوبات هلع حينما ترج منازلهم، حتى الناس الذين لم تتدمر منازلهم، خائفون وهم في مراكز الإيواء”.

لم يتوقف هاتف فيصل حمود عن الرنين منذ وقوع الزلزال، وهو المنسق المعني عن بيت الطفل الاجتماعي، في مدينة سرمدا بريف إدلب، باعتباره المأوى الرئيسي المؤقت، ومركز رعاية الأطفال الأيتام والمتضررين في المنطقة. 

“منذ وقوع الكارثة، تواصل معنا العديد من الناس والمنظمات يخبروننا عن أطفال فقدوا عائلاتهم. معظمهم الآن في المراكز الطبية يتلقون الرعاية، ولكن بعد ذلك، سنأتِ بهم إلى المركز”، كما أوضح حمود لـ”سوريا على طول”.

لم ينهار المركز الذي يتسع لـ35 طفلاً، كحدّ أقصى، ولكنّ بنيته تضعضعت بعد الزلزال، ما اضطر الكوادر والأطفال لإخلائه والتوجه إلى مركز آخر في المدينة. و”إذا كان لا بد من إيواء  مزيد من الأطفال، يتعين علينا إيجاد مساحة إضافية أخرى، وأعتقد أننا متجهون في هذا الصدد خلال الأيام القليلة المقبلة”، بحسب حمود، الذي يعمل فريقه أيضاً على مساعدة الأطفال الذين يعانون من أزمات نفسية حادة ويقدم الرعاية لأولئك الذين تعرضوا للصدمات.

إلى جانب المخاوف المتعلقة بالصحة النفسية للأطفال، أشار حمود إلى احتياجاتٍ أخرى، قائلاً: “لدينا حاجة ماسة للحليب. الأسواق خالية، حتى لو أردنا الشراء فهي غير متوفرة لأن تركيا أغلقت حدودها أمام الإمدادات التجارية”. وكذلك، تعاني المستشفيات من “نقص في الجبائر المستخدمة في كسور العظام”.

يضاف إلى ذلك: “وجود عائلات بأكملها في الشوارع، في درجات حرارة متدنية، قد تصل ليلاً إلى -10 درجات مئوية ليلاً”، وفق حمود.

كذلك، تفتقر العائلات إلى الاحتياجات الأساسية، مثل الطعام أو الشراب أو المأوى، التي تسعى المنظمات العاملة على الأرض لتلبيتها. وقال كيرين بارنز، مدير منظمة “ميرسي كور” في سوريا، أنّ مخاوف فريقهم تنصب تحديداً على مدى إمكانية الوصول إلى الماء النظيف.

اختبر موظفو المنظمة نوعية المياه في 45 بئراً شمال غرب سوريا، ووجدوا أنّ ثمانية منها ملوثة أو غير صالحة للاستخدام. “يوجد الآن وحل وأتربة في بعض إمدادات المياه، لذلك نتوقع احتمالية ارتفاع الأمراض الناجمة عن تلوث المياه في وقت يتفشى فيه أصلاً وباء الكوليرا في سوريا”. بحسب بارنز. تجدر الإشارة إلى أنّ الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية هم أكثر عرضة للوفاة بسبب الكوليرا.

نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال