5 دقائق قراءة

مخيم الركبان يتداعى تحت وقع عصا المساعدات والخدمات (تسلسل زمني)

عمان - ثلاثون متراً هي المسافة التي تفصل بين الغرفة الطينية التي اتخذها سمير الحمصي مسكناً لأسرته، وبين أقرب جارٍ له في مخيم الركبان الصحراوي على الحدود السورية-الأردنية. إذ "غادر معظم الجيران، وأصبح الحي موحشاً"، كما يصف لـ"سوريا على طول".


6 أكتوبر 2019

عمان – ثلاثون متراً هي المسافة التي تفصل بين الغرفة الطينية التي اتخذها سمير الحمصي مسكناً لأسرته، وبين أقرب جارٍ له في مخيم الركبان الصحراوي على الحدود السورية-الأردنية. إذ “غادر معظم الجيران، وأصبح الحي موحشاً”، كما يصف لـ”سوريا على طول”.

وتشير أحدث إحصائية للأمم المتحدة، في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، إلى أنه لم يبق في “الركبان” سوى 12,700 شخصاً، بعد أن غادره نحو 75 بالمائة من قاطنيه الذين بلغوا منتصف العام 2015 قرابة 75,000 شخص.

ورغم أن التراجع الكبير في أعداد قاطني المخيم ينعكس على الحياة الاجتماعية فيه، ويكاد يقضي على ما تبقى من عمليات بيع وشراء داخله، بالإضافة إلى اقتراب فصل الشتاء القارس في الصحراء، فإن مغادرة المخيم لا تبدو للآن خياراً للحمصي (31 عاماً) وأسرته التي تضم ثلاثة أطفال. موضحاً أنه “ما كنت لأبقى في المخيم [وسط] هذه الظروف لو حصلنا على ضمانات حقيقية 100% تحمينا وتحفظ حياتنا”.

فالحمصي كان قد نزح من مدينة القريتين بريف حمص الشرقي، أواخر العام 2015، هرباً من “تنظيم الدولة” والقوات الحكومية السورية؛ إذ “دخل التنظيم وخرّب البلد، وقصفها النظام، فهربنا من الاثنين”، كما قال. واليوم فإنه لا يملك من خيار إلا العودة إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية، لكن يمنعه “الخوف من السوق إلى الخدمة [العسكرية] الاحتياطية”.

وكانت الأمم المتحدة أعلنت أواخر أيلول/سبتمبر الماضي إكمال مهمتها المشتركة مع الهلال الأحمر السوري في مخيم الركبان “بنجاح”، على حد قولها، إذ تم “إكمال عملية توزيع المواد والإمدادات الغذائية”، إضافة إلى إجلاء “المجموعة الأولى [من قاطني المخيم] المؤلفة من 329 شخصاً” إلى مراكز الإيواء التي خصصتها الحكومة السورية في محافظة حمص.

لكن فيما كان يُتوقع خروج 37% من قاطني المخيم، بحسب استطلاع للأمم المتحدة، فإن أعداد الخارجين فعلاً كانت دون المتوقع، ما دفع “الهلال الأحمر [الذي يشرف على عملية الإجلاء] إلى منع الناشطين في المخيم من التصوير”، بحسب ما ذكر الناشط الإعلامي عماد غالي لـ”سوريا على طول”.

أيضاً، فيما تروّج روسيا لاقتراب موعد تفكيك المخيم، عقب نقل قاطنيه إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها، نفى مصدر في الإدارة المدنية للمخيم تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه، سيناريو تفكيك المخيم ولو بالقوة، لأنه “لو كان ذلك بمقدورها” برأيه، “لفعلته منذ أن أعلنت عن معبريها [لخروج قاطني الركبان] في شباط الماضي”.

قاعدة التنف

على صعيد الخيار العسكري لتفكيك روسيا مخيم الركبان، يبرز دور قاعدة التنف العسكرية القريبة من المخيم، والتي تقع تحت سيطرة قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وتضم فصائل من المعارضة السورية. 

فمع فشل روسيا في دفع قاطني “الركبان” إلى “ممريها الإنسانيين”، لجأت إلى تنظيم اجتماع مع وجهاء وشيوخ عشائر ممثلين عن مخيم الركبان، بحضور مسؤولين في حكومة دمشق.

مع ذلك، وفيما أكد الناطق الرسمي باسم قوات الشهيد أحمد العبده، سعيد سيف، أن “مشاريع الروس والأمم المتحدة في الركبان باءت بالفشل”، إلا أنه استدرك بالقول لـ”سوريا على طول” إن فصائل المعارضة السورية الموجودة في التنف “لا تملك أي أوراق ضغط على التحالف الدولي لتثبيت أهالي المخيم، [إذ] إن “تواجد التحالف لأغراض عسكرية مرتبطة بمحاربة تنظيم الدولة”.

كما لم تنجح هذه الفصائل التي تضم قوات الشهيد أحمد العبده وجيش مغاوير الثورة وآخرين، في تحقيق مطلب كثير من قاطني “الركبان” بفتح طريق لهم إلى مناطق المعارضة في الشمال السوري، بدلاً عن نقلهم إلى مناطق الحكومة السورية. واكتفى سيف بالقول إن “نقل المدنيين إلى الشمال ما تزال على طاولة البحث بين فصائل المعارضة والقوات الأميركية في التنف”. 

من جانبه، أعاد المركز الإعلامي في التحالف الدولي التأكيد في رده على استفسارات “سوريا على طول”، على أن مهمة التحالف في “التنف” هي تدريب فصائل المعارضة وتقديم الاستشارة لها لقتال تنظيم “داعش” وتدميره.

تفكيك اجتماعي

مطلع العام 2015، بدأت قوافل النازحين من ريف حمص الشرقي بالتوافد إلى الجنوب طلباً للجوء إلى الأردن. لكن السلطات الأردنية كانت قد وضعت آنذاك قيوداً صارمة على دخول السوريين عبر المعابر غير الرسمية في المنطقة الشرقية، خشية استغلال عناصر “تنظيم الدولة” (داعش) ذلك لدخول الأراضي الأردنية. وقد أدى ذلك بالنتيجة إلى تجمع آلاف الأشخاص في الأرض الصحراوية على الحدود الأردنية، وتالياً نشوء “مخيم الركبان” كأمر واقع يفتقد أدنى الخدمات والإشراف.

مع ذلك، تبدو المعاناة التي رافقت النازحين منذ اليوم الأول لوصولهم إلى المنطقة الصحراوية، مبعث حنين من بقوا في المخيم، بما يكشف عمق تدهور الظروف الإنسانية في المخيم حالياً. فقد كانت “الأشهر الأربعة الأولى في المخيم الأجمل”، بوصف أبو سليم محمد، “حين كان كلّ شيء متوفراً، فيما لاحقاً بدأت الأمور تتراجع إلى أن أصبحت أكثر تعاسة”.

أبو محمد (45 عاماً) الذي ينحدر من بلدة مهين في ريف حمص الشرقي، يعيش حالياً، كما قال لـ”سوريا على طول”، “التهجير من جديد، لكن بظروف أصعب”. إذ “بعد أن تغلب قاطنو المخيم على ظروفهم وأسسوا مجتمعاً مدنياً لهم، وتزاوج أهالي المدن والبلدات التي وصلت إلى “الركبان” فيما بينهم، فإن إعادة اللاجئين من دون ضمانات فرّقت العائلات عن بعضها من جديد”.

ففيما لا يزال أبو محمد يفضل بيته الطيني في المخيم على العودة إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية، فإن ابنته التي تزوّجت خلال وجودها في المخيم من ابن مدينة أخرى غادرت المخيم مع زوجها، ولا يدري إن كان سيلتقي بها مرة أخرى، كما قال.

كما إن الفراغ الذي خلفته عمليات الخروج الجماعية لقاطني المخيم أدت إلى “الشعور بالانكسار والفراغ”، بحسب الناشط الإعلامي عماد غالي. إذ كان له، على سبيل المثال، جيران اعتاد عليهم لسنوات، وأضفى أطفالهم جواً من الحيوية والمرح على كامل الحيّ الذي يقطنه، ثم بمغادرتهم المخيم “تركوا فراغاً في حياتنا”.

وفي سبيل سدّ الفراغ، وإعادة التأقلم مع الظروف الجديدة قام بعض من بقي من قاطني المخيم بتفكيك “بيوتهم الطينية وخيامهم في الأحياء الخالية، وأعادوا وضعها في أماكن وجود التجمعات السكانية”، بحسب ما ذكر سمير الحمصي، الذي يفكر هو الآخر “في نقل سكني إلى حيّ آخر”.

عصا المساعدات والخدمات

تبدو المفاوضات السياسية التي تتضمن وعوداً روسية بعودة آمنة إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية بمثابة الجزرة التي تُقدم لقاطني “الركبان” وصولاً إلى تفكيكه. لكن فيما لا تؤيد الحقائق على الأرض هكذا وعود، يستشعر من بقي في المخيم وقع عصا المساعدات والخدمات التي تستخدم ضدهم. 

إذ بالتوازي مع خروج نازحين إلى مناطق القوات الحكومية السورية، تشدد هذه الأخيرة رقابتها على طرق التهريب التي تعد بمثابة شريان حياة المخيم، الذي يحمل إليه الغذاء والدواء. 

وعلى الرغم من وجود هيئتين تديران العمل المدني في “الركبان”، هما “المجلس المحلي” و”الإدارة المدنية”، إلا أن دورهما لم يتجاوز في أحسن الأحوال التنسيق والإشراف على عمليات توزيع الإغاثة. وقد زاد حصار المخيم، فضلاً عن موقعه الجغرافي النائي والبعيد عن الموارد الطبيعية والخدمات، من عجز الهيئتين عن توفير الخدمات.

وحالياً، تكاد تكون المياه الصالحة للشرب، والتي يتم استجرارها عبر أنابيب من خزان يتواجد في الأراضي الأردنية، هي الخدمة الوحيدة التي تتوفر لأهالي الركبان. ورغم وجود مركزين طبيين يقدمان بعض الخدمات الإسعافية والأدوية، هما مركز شام الطبي ومركز تدمر الطبي، إلا أن كلا المركزين “يعتمدان على ممرضين. إذ لا يوجد أي طبيب في المخيم”، بحسب ما ذكر مدير مركز تدمر الطبي شكري شهاب، لـ”سوريا على طول”.

أيضاً، يعتمد “التعليم في المخيم على جهود فردية”، بحسب مسؤول المكتب التعليمي في الإدارة المدنية في المخيم، أحمد الزغيرة. إذ “لا يوجد دعم مخصص للتعليم في المخيم، والكوادر التعليمية من إداريين ومدرسين يسيّرون العملية التعليمية بشكل تطوعي”. 

علماً أن عدد الطلبة في العام الدراسي الحالي يبلغ 1000 طالب وطالبة، يتوزعون على 30 غرفة (صفية) طينية صغيرة، مقارنة مع 3000 طالب وطالبة في العام الماضي، توزّعوا على 89 غرفة صفية، بحسب الزغيرة.

شارك هذا المقال