5 دقائق قراءة

مدنيون ينزحون سيراً على الأقدام من “عقيربات” الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة

 مع اقتراب النظام أكثر فأكثر من ناحية عقيربات “الجيب المحاصر” […]


7 سبتمبر 2017

 مع اقتراب النظام أكثر فأكثر من ناحية عقيربات “الجيب المحاصر” الذي يحكمه تنظيم الدولة، وسط سوريا، ينتهز آلاف المدنيين أي فرصة للهروب إلى أرض أكثر أماناً.

وكانت قوات النظام قد طوقت ناحية عقيربات، التي تتألف من مجموعة من البلدات والقرى الممتدة ما بين شرقي محافظة حماة وحمص، في منتصف آب، في ظل حملة عسكرية واسعة للحكومة مستمرة منذ شهور لطرد تنظيم الدولة.

ومنذ ذلك الحين، والأهالي عالقون م ابين حواجز تفتيش تنظيم الدولة، وخطوط الجبهات المتنقلة، ووابل الغارات الجوية القاتلة للنظام والروس.

و خلال الأسابيع الأخيرة، تجمع نحو 10000 شخص من ناحية عقيربات في أقصى شمال الجيب المحاصر، في منطقة تعرف باسم وادي العزيب، على أمل الهروب من المعارك الجارية بين قوات النظام وتنظيم الدولة من جهة الجنوب والشرق.

وفي الأسبوع الماضي، أخبر قادة عشائر عقيربات الأهالي أنه سوف يتم افتتاح معبر آمن بالقرب من الأوتستراد، يفضي إلى مناطق سيطرة الثوار في محافظة إدلب شمالاً، وذلك بعد مفاوضات مع النظام، وفق ما ذكرت سوريا على طول وقتئذٍ.

ولكن “كل تلك المفاوضات هي مجرد وهم”، بحسب ما ذكر أبو قاسم، راعي من عقيربات، “عشرون يوماً وأنا أفترش رمال الصحراء” في وادي العزيب، بانتظار فتح المعبر.

 

وحين لم يعلن عن افتتاح المعبر الآمن المنتظر، قال أبو القاسم لمراسلة سوريا على طول، نورا حوراني، أنه قرر أن يمضي في رحلته مع زوجه وأطفاله من وادي العزيب نحو الشمال سيراً على الأقدام، مسافة 12 كم في مناطق سيطرة النظام إلى مناطق المعارضة شرقي حماة.

وفي ليلة الأحد الماضي، غادرت العائلة، ومع شروق الشمس وصل أبو قاسم وابنه إلى بلدة صغيرة تدعى سرحا، يحكمها الثوار بريف حماة الشرقي، لينضم إلى 1700 آخرين ممن استطاعوا الهروب إلى الآن بحسب تقديره.

ولا يزال هو بانتظار أن يلتقي بزوجه وبقية أفراد عائلته.

 

صف لي الوضع في عقيربات قبل نزوحك؟

عندما اشتد القصف على البلدات وارتكب الطيران مجازر متعددة بحق المدنيين، بدأ معظم الناس يبحثون عن وسيلة للخروج من هذا الجحيم وكان النزوح خطيراً وصعباً للغاية منذ بداية حملة النظام على المنطقة، بسبب عدم سماح التنظيم للأهالي بالخروج، ووجود الألغام، واستهداف النظام لأي شيء يتحرك، ورغم ذلك خاطر الأهالي وخرج جزء قليل منهم قاطعين مسافات كبيرة.

النازحون من عقيربات لحظة وصولهم إلى ريف حماة الشرقي، الثلاثاء. بعدسة بوابة حماة.

وبعد تقدم النظام وإطباق الحصار على المنطقة واشتداد القصف، كان هناك نداءات استغاثة لفتح طريق آمن للمدنيين من خلال وساطات مع وجهاء وأشخاص محسوبين على النظام، وتم إبلاغ الناس بأن النظام سيسمح بعبورهم من جهة أوتستراد شمال عقيربات، وتوجه الأهالي لوادي العزيب على أمل ذلك، وتجمع هناك قرابة 10000 شخص حيث لم يعد أمامهم خيارات إلا التصديق والتعلق بأي أمل.

كنت واحداً من تلك العائلات التي اتجهت باتجاه وادي العزيب منذ عشرين يوم تقريباً مع عائلتي ونمنا في العراء، حالنا كحال الكثيرين، بعضهم حفر الحفر وبعضهم جعل من سيارته منزلاً صغيراً يقيه الحر في النهار ويأويه في الليل.

الوضع مهما وصفته لن أتمكن من تصوير ما يجري من معاناة هناك، بعض الأشخاص ماتوا من الجوع والعطش، ومنهم ماتوا بسبب القصف أو الإصابة والمرض.

قبل خروجي بيوم ماتت إحدى النساء الحوامل مع جنينها وهي تلد، لم تجد أحداً يساعدها على الولادة، حيث لايوجد أي نوع من أنواع الرعاية الصحية، أو الأطباء أو الممرضين، ولايوجد معدات ولا مياه معقمة ولا شيء أبداً، ومن يصاب إصابة خطيرة مصيره الموت.

عشرون يوماً أنا أفترش رمال الصحراء.. رأينا الموت في كل ليلة مرت علينا، وشهدنا كيف يُدفن الأطفال والنساء والشيوخ بأعيننا، كل نداءات الإستغاثة لإخراجنا لم تُسمع، ومازال الجميع يستهين بأرواحنا.

بعض الناس أدركوا أن كل تلك المفاوضات هي مجرد وهم، وفضلوا العودة والبقاء في قراهم والموت هناك على الموت في الصحراء، وحاولت أن أعود بالفعل بعد اليأس لكنني لم أتمكن حتى من العودة فالأمر لم يكن بهذه السهولة.

كيف تمكنت من الهروب ومن كان معك آنذاك؟

في ليلة الأحد قمنا بالمحاولة من جديد مع أحد المهربين الذين تكفلوا بأن يرشدوننا للطريق، وبالفعل خرجنا جميعاً في طريق تهريب وعر، وكانت العائلات تقوم بترك مسافة فيما بينهم بسبب وجود الألغام بالمنطقة، وحتى لا تموت كامل العائلة.

مشيت مع أحد أبنائي، وكانت زوجتي مع 3 من أبنائي ورائي مع مجموعة أخرى، ومشيت مع مجموعة مكونة من 200 امرأة و10 شبان سيراً على الأقدام، حيث لا تستطيع السيارات العبور، والكارثة أن هناك بعض الشيوخ والمرضى الذين لا يستطيعون المشي، ولا أعرف ماذا سيكون مصيرهم.

امرأة نازحة من عقيربات فور وصولها ريف إدلب الذي يحكمه الثوار. بعدسة هيئة ساعد الخيرية.

قطعنا 12 كم مشياً على الأقدام، كان الخوف يرافقني طيلة الطريق من انفجار لغم ما بنا، أو من مصير زوجتي التي لا أعرف عنها شيء.

وصلت أخيراً مع طلوع الفجر وتنفست الصعداء، ولكن فرحتى لم تكتمل بسبب انشغالي على مصير عائلتي، وعرفت في وقت لاحق أنهم لم يتمكنوا من العبور.

وهل تمكنت من التواصل مع زوجك وأبنائك؟ وكيف هو حالهم حالياً؟

الحمد لله هم مازالوا بخير، وهناك محاولة لعبورهم يوم (الأربعاء)، أعيش على أعصابي بانتظار وصولهم بخير.

تمكنت من التواصل معهم عن طريق صديق منذ يومين، وبعدها لم أتمكن من التواصل معهم، وأنا قلق جداً عليهم، فمن سيقوم بتأمين الطعام والماء لهم، خصوصاً أن الحصول على الطعام والماء صعب جداً.

فقد كان تنظيم الدولة يقدم بعض الطعام للناس مرة باليوم، ولكنه لا يُشبع طفلاً صغيراً، والحصول على الماء لوحده قضية، فهناك بئران قام التنظيم بحفرهما منذ مدة بمنطقة قريبة من الوادي، وقد تقف يوماُ كاملاً تحت الشمس لتحصل على بضع لترات من الماء، وهناك من أصابته ضربة شمس، والبعض أفرغ ماء التبريد في السيارة ليشرب في وقت الانقطاع.

وفي النهاية لا أحد يأبه لأمرنا لا تنظيم الدولة ولا النظام، الكل همه مصلحته ويستخدموننا كدروع بشرية ونحن سلعة عندما تنتهي مدتها يرموننا كالقمامة.

كم عدد الذين تمكنوا من النزوح حتى الآن؟ وكم عدد من تبقى بوادي العزيب؟ وكيف هو الوضع هناك؟

المنطقة شبه مدمرة بالكامل، فالطيران دمر كل شيء، والأهالي لم يعد لهم مأوى يعودون إليه لذلك وجودهم بوادي العزيب لا يختلف عن وجودهم بقراهم المدمرة كثيراً.

عدد الذين نزحوا حتى الآن لا يتجاوز 1700 شخص ممن كانوا عالقين مؤخراً، وبقي حوالي 6000 شخص ينتظرون العبور.

هذه المنطقة هي حالياً المنطقة الوحيدة لعبور المدنيين لأنها أقرب نقطة وأقل مسافة للعبور الى مناطق المعارضة.

كيف حالك الآن بعد أن وصلت لمناطق المعارضة؟

حالياً أنا أعيش عند صديق لي استقبلني وقدم لي المساعدة، وقمت ببناء خيمة بالقرب من منزله، وأهل البلدة هم أهل كرم استقبلونا وقدموا لنا جميع أنواع المساعدة الممكنة وفتحوا لنا بيوتهم.

في الحقيقة عندما شعرت أنني لم أعد تحت حكم وسيطرة التنظيم شعرت بحرية لا توصف وبأنني إنسان أملك قرار نفسي، لا تضحكين علي إن قلت لك أنني أدخن 3 علب من السجائر في اليوم على حساب صديقي الذي أقيم عنده بعد أن حرمت منها(تحت حكم تنظيم الدولة).

شارك هذا المقال