5 دقائق قراءة

من مخيمات النزوح: ناشط إعلامي يروي تجربته في توثيق ما حدث في الرقة

 كان يوماً بارداً حينما تجمع سليم الرقاوي مع حشد من […]


4 نوفمبر 2017

 كان يوماً بارداً حينما تجمع سليم الرقاوي مع حشد من المتفرجين عند دوار النعيم وسط مدينة الرقة، لمشاهدة إحدى عمليات الإعدام، وتصويرها خفية وتهريب الصور من المدينة كما كان يفعل من قبل.

إلا أنه في ذلك اليوم، وبعد سنوات من توثيق القصف والقتل والفظائع التي ارتكبها تنظيم الدولة، بدت الحقيقة غير واضحة المعالم أمام الرقاوي، وتسرّب إحساس إلى داخله بأنه الشخص الذي سيتم إعدامه، ومرت الدقائق آنذاك كأنها شهور قبل أن يستفيق الرقاوي من تخيلاته، وعلى غير العادة لم يصور الرقاوي عملية الإعدام في ذلك اليوم.

عمل الرقاوي، وهو أب لثلاثة أطفال، مدرساً قبل أن يسيطر تنظيم الدولة على مدينته في بداية عام ٢٠١٤، وبعد أن شاهد وحشية تنظيم الدولة، ومقتل أربعة من أفراد عائلته على يدي مقاتلي التنظيم، أصبح الرقاوي ناشطاً إعلامياً.

وعلى مدى سنوات، وثّق الرقاوي الحياة في ظل تنظيم الدولة، من ثم العنف الذي تعرضت له مدينته في معركة طرد التنظيم، والتي استمرت لخمسة أشهر، حيث كان يرسل الصور ومقاطع الفيديو إلى صديقه، والذي بدوره ينشرها على صفحات الأخبار في الفيسبوك، واستخدم صديقه اسماً مستعار تجنباً للأذى، وتواصلت سوريا على طول مع الرقاوي، أواخر الشهر الماضي، من خلال الصديق ذاته.

مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية في الرقة، ٢٨ تشرين الأول. تصوير: دليل سليمان.

وقال الرقاوي لمراسل سوريا على طول، عمار حمو “ببساطة كنت في بعض الأوقات كالمجنون… ربما هذا الجنون هو الذي ساعدني في نقل ما يجري رغم شدة القصف”، وأضاف “عندما أرسل أي شيء يوثق انتهاك هؤلاء الظالمين كأني كسبت الدنيا بما فيها”.

وفي منتصف تشرين الأول، قبل أن تتمكن قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من جانب الولايات المتحدة، من السيطرة على مدينة الرقة، هرب الرقاوي من منزله “كنت عازماً أن أكون من آخر الأشخاص الذين يخرجون من الرقة، وهذا عهد قطعته على نفسي منذ سيطرة تنظيم داعش على المدينة”.

واليوم، يعيش الرقاوي في مخيم نزوح شمال مدينة الرقة، منشغلاً بالبحث عن احتياجات أسرته من مأكل ومشرب، ويتطلع للعودة إلى مدينته.

أما عنه فيقول “أبحث عن الاستقرار وراحة البال… وبعد ذلك لو تمكنت من حمل كاميرا والعودة لنشاطي الإعلامي لن أتردد”.

ما الذي دفعك للبقاء في الرقة وتوثيق ما يحدث رغم المخاطر؟

هو عهدٌ قطعته على نفسي منذ سيطرة داعش على المدينة عام ٢٠١٤، وقلت في نفسي حينها: إما أن أموت أو أعمل على زعزعة التنظيم من خلال النشاط الإعلامي.

 [يستخدم الرقاوي تسمية داعش للإشارة إلى تنظيم الدولة، أثناء المقابلة]

فالتنظيم قتل اثنين من أبناء أختي، وابن أخي وأخي أثناء مقاومتهم له عند سيطرته على المدينة، وحينها كنت مصاباً فلم أشاركهم في مقاومة التنظيم، وهو ما دفعني للانتقام منهم بتغطية انتهاكاتهم وجرائمهم.

وكنت أحلم بأن يأتي يوم وأصوّر لحظات خروج خفافيش الظلام وهم يُقتلون ويخرجون من مدينتي.

كيف كنت تقوم بعملية توثيق ما يجري في الرقة؟

ببساطة كنت في بعض الأوقات كالمجنون!!… لم أعد أشعر بالخوف سواء قتلت أثناء تغطية القصف أو لا.. كنت كأني مخدّر ولا أحس بشيء.. ربما هذا الجنون هو الذي ساعدني في نقل ما يجري رغم شدة القصف.

كنت أسأل نفسي في تلك اللحظات الصعبة: ماذا يعني إن قتلت؟ وهل أنا أفضل من الذين قتلوا من أولاد أختي وأخي وهم شباب بعمر الزهور؟!

كنت أسارع إلى مكان أي قصف أو تفجير، وحتى أثناء تنفيذ عمليات الإعدام لتنظيم داعش أحاول أن أكون حاضراً.

كنت ألتقط الصور والفيديوهات بالخفية، وأرفعها عبر الإنترنت من خلال صديق لي… وكان هذا الصديق يقول لي دائماً “سيأتي يوم وتقتلنا كلنا من وراك”، وأرد عليه مبتسماً “يا رجل توكل على الله.. نحن الله معنا”… نتبادل الضحكات وأنا أعلم أنها ضحكات صفراء من الخوف.

كان يسألني صديقي “صاحب الإنترنت” يا سليم أنت تستفيد من هذه الصور والمقاطع؟ فأرد عليه بالتأكيد، عندما أرسل أي شيء يوثق انتهاك هؤلاء الظالمين كأني كسبت الدنيا بما فيها.

ماهي التحديات التي كنت تواجهها أثناء توثيق انتهاك الحقوق في الرقة؟ هل بإمكانك أن تخبرني عن أحد المواقف التي شعرت فيها بأنك في خطر؟

موقف واحد فقط؟ (مبتسماً بتعجب).. سأخبرك عن موقف حصل عند دوار النعيم، كان هناك عملية تنفيذ حكم إعدام لتنظيم داعش، والناس مجتمعة، ولسان حال كل واحد يقول أنه يمكن أن يأتي يوم وأكون أنا بنفس الموقف.

وأثناء تلاوة بيان الإعدام من أحد الشيوخ الدجالين.. وبالكاد هذا الشخص يعرف ينطق البيان بالشكل الصحيح، كنت متسمراً في مكاني وتوقف كل شيء هنا.

بدأ يراودني شك بأنني المقصود.

لم تعد قدماي تحملانني وبدأت أرتعد، حينها الجو كان بارداً لكن حرارة جسمي بدأت ترتفع وبدأت أتعرق، وحاولت أن أرجع للخلف حتى أتأكد أنني لست المقصود بهذا البيان… صدقاً أحسست بأني رجعت للخلف إلا أنني لم أتحرك من مكاني بسبب الخوف.

بعد ربع ساعة كانت أشبه بسنة عرفت أنهم سيعدمون شخصا آخر وهنا التقطت أنفاسي وتمكنت من المشي والتأكد بأن قدماي قادرتان على الحركة.

بهذا الموقف بصراحة لم أتمكن من التصوير، أحضروا الشخص وأعدموه أمام عيوني إلا أنني لم أصوره عدت إلى البيت ولم أصدق أنني ما زلت على قيد الحياة..

طبعاً منظر الشخص اللي أعدموه كان يشيب الرأس كأنه مات قبل أن يقتلوه.. حركته شبه معدومة، وكأنه رحمة الله عليه كان متبول على حاله. عناصر التنظيم كانوا يذلون الميت ويتعمدون أن يشاهده الناس لزرع الخوف في صفوفهم.

ماذا كان سيحدث لو قبض عليك تنظيم الدولة متلبساً في نقل الصور والفيديوهات إلى الخارج؟

بعد ما حكيتلك كل هالحكي بدك تفاول عليي؟؟! أي تهمة عاقبتها القتل مباشرة، فما بالك إذا ألقي القبض عليك وأنت تصور!! أكبر تهمة بالنسبة لهم هي التصوير وبالتأكيد كنت سأموت قبل أن يعدموني…

لقد أعدموا الكثير من الناشطين، شباب صغار، بسبب التصوير وخصوصاً ممن اعترفوا بأنهم تابعين لشبكات ومنظمات [كالرقة تذبح بصمت وغيرها] لكن أنا كنت متشجعاً لأنني لم أعمل مع أي جهة ولم أتواصل إلا مع شخص واحد ومن خلاله يتم نشر الصور والفيديوهات على الصفحات والإعلام وكان بالنسبة لي شخص ثقة بشكل كبير.

الآن وبعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الرقة، هل ستواصل عملك كناشط؟

بعد النزوح توقفت عن عملي الإعلامي، ولكن إذا استمرت قوات سوريا الديمقراطية بنفس سياساتها وانتهكت حقوق المدنيين أكيد سأعود إلى التوثيق. لأنني وأمثالي خرجنا بثورة ضد الظلم ولا يهم بتوثيق الانتهاكات سواء ضد داعش أو قسد أو غيرها.

 حالياً لا أفكر إلا بحالتي، أنا نازح بشمال الرقة والمستقبل مجهول بالنسبة لي.. أبحث عن الاستقرار وراحة البال، أريد تأمين المأكل والمشرب لزوجتي وأطفالي والعودة لبيتي وحارتي وبعد ذلك لو تمكنت من حمل كاميرا والعودة لنشاطي الإعلامي لن أتردد.

هل لديك ما تقوله لقوات سوريا الديمقراطية؟

رسالتي لقسد نحن جميعنا في صف المدنيين بتقرير مصيرهم وحريتهم، لا يوجد شخص في سوريا عموماً أو الرقة خصوصاً إلا وخسر أخ أو حبيب أو قريب أو بيت.

لذلك أولاً نقول الحمد لله خلصنا من داعش، وثانياً نقول لقسد خذوا العبرة من النظام وداعش أهل الرقة لن يسكتوا عن الظلم.

 

ترجمة: سما محمد.

 

شارك هذا المقال