6 دقائق قراءة

نازحو مخيم اليرموك يشككون بالعودة إلى ديارهم رغم تأكيدات الحكومة .. “أين سيعود الناس؟”

رجل يسير في شارع اليرموك في أيار. تصوير: عدسة شاب […]


رجل يسير في شارع اليرموك في أيار. تصوير: عدسة شاب دمشقي

شكك سكان سابقون في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في العودة الوشيكة لمنطقة جنوب دمشق التي تعرضت للقصف، بعد أن أعلن مسؤولون في وزارة الخارجية السورية، في وقت سابق من هذا الأسبوع، أن الحكومة ستسمح لهم بالعودة الى منازلهم.

وبالرغم من عدم تقديم أي جدول زمني أو التزامات محددة، فقد تعهد نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد بتسهيل عودة جميع سكان المخيم الذي كانت تسكنه أكبر جالية فلسطينية في سوريا قبل الحرب.

ونقل عن مقداد قوله لقناة الميادين الموالية للحكومة، يوم الثلاثاء أن “الحكومة السورية ليس لديها أي اعتراض على عودة الفلسطينيين وهناك خطة لتنظيم عودتهم جميعاً”.

ولم يتسن لسوريا على طول الحصول على تعليق من ممثل للسفارة الفلسطينية في دمشق ومبعوث سابق لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى دمشق قبل نشر التقرير.

وقالت المتحدثة باسم منظمة الأونروا، كريس غانيس، لسوريا على طول، الأربعاء، إن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “ترحب بقرار الحكومة السورية”، مضيفة أن القرار “سيلقى استحسانا من المجتمع”.

وخلافا لذلك، عبّر سكان المخيم السابقون عن قلقهم إزاء عدم توفر أي تفاصيل محددة بشأن عودة المدنيين باستثناء الإعلان عن “القرار”.

في السياق، قال أبو فراس، وهو ناشط مجتمع مدني من اليرموك، يعمل مع العائلات الفلسطينية-السورية النازحة في وادي البقاع في لبنان “ليس واضحا بعد ما يعنيه هذا القرار فعليا، أو ما الذي سيحدث”.

وتابع قائلا “لكن إذا قامت الحكومة السورية بتوضيح ما يعنيه القرار، عندئذ بالطبع ستبدأ العائلات بالعودة”.

وما يزال عدد من السكان السابقين غير مقتنعين بالقرار.

وقال أبو شادي، وهو مواطن سابق في مخيم اليرموك في الستينيات من عمره ويعيش الآن في أحد المخيمات النائية في لبنان “لقد ترك هذا القرار انطباعا إيجابيا لدى أهالي المخيم السابقين بأن وقت العودة يقترب. لكن مع ذلك، لم يحدث أي شيء فعلي”.

وأضاف أبو شادي “مجرد الإعلان ليس كافيا بدون وجود أنظمة لتفعيل القرار، والسماح للناس بالعودة إلى المخيم والعيش في ظروف حياة مقبولة على أقل تقدير”.

لؤي، هو مواطن آخر من سكان اليرموك سابقا، قال لسوريا على طول “أنا واحد من الناس الذين ليس لديهم ما يعودون إليه. تم تدمير منزلي بالكامل”.

وأضاف “الشيء الوحيد الذي سأعود من أجله [إلى اليرموك] هو لم شمل عائلتي مجددا”.

وتعرض جزء كبير من مخيم اليرموك لدمار شامل بعد أن شهدت المنطقة أسوأ مراحل الحرب في سوريا.

وبدأت موجات النزوح الكبرى من المخيم مباشرة بعد تعرضه لأول ضربة رئيسية مباشرة- حيث تلقى هجمات صاروخية نفذتها طائرات سلاح الجو من طراز ميج في ١٦ كانون الأول ٢٠١٢- قبل أن تتم محاصرة المخيم بالكامل من قبل القوات الموالية للحكومة في منتصف عام ٢٠١٣ وبعدها استولى عليه تنظيم الدولة في نيسان ٢٠١٥.

وأوضحت غانيس، المتحدثة باسم الأونروا، أن الدمار الذي أصاب البنية التحتية والمناطق السكنية في اليرموك، فضلاً عن أزمة تمويل الأونروا بعد خفض تمويل الوكالة الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يجعل عودة المدنيين وإعادة بناء ما تدمر أمرا صعبا للغاية.

وأضاف المتحدث لسوريا على طول عبر الإيميل، ليلة الأربعاء “المخيم في حالة دمار كبيرة وهناك حاجة إلى استعادة البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المياه والكهرباء وشبكة الصرف الصحي من أجل السماح للناس بإعادة التأسيس لحياتهم وموارد رزقهم”.

انفجار في مخيم اليرموك في ٢١ نيسان، خلال هجوم هذا العام ضد تنظيم الدولة. تصوير: عدسة شاب دمشقي.

أقاويل حول العودة

كان هناك حوالي ٦ آلاف فلسطيني في مخيم اليرموك، في وقت سابق من هذا العام، عندما شنت الحكومة السورية بدعم من قوة مشتركة من الميليشيات السورية والفلسطينية هجوم “ساعة الصفر” على مواقع التنظيم وجبهة النصرة داخل اليرموك والمناطق المحيطة به والخاضعة لسيطرة التنظيم بما فيها الحجر الأسود والقدم.

وقتل عشرات المدنيين جراء ذلك الهجوم. كما لحق دمار كبير بالبنية التحتية والمناطق السكنية.

ومع خروج التنظيم واستعادة الحكومة السورية سيطرتها على العاصمة بأكملها، يُسمح اليوم للمدنيين من المخيم بالعودة- ليوم واحد فقط- بعد الحصول على إذن من السلطات المحلية بما في ذلك فرع فلسطين، وهو جزء من جهاز الأمن الداخلي سيء السمعة في سوريا.

في الوقت ذاته دخلت فرق من الجرافات والمتطوعين في الأسابيع الأخيرة في محاولة لإزالة بقايا الأنقاض داخل وحول المخيم.

وبينما لا تزال حركة الدخول والخروج من اليرموك مقيدة بشكل كبير، بدأت بعض العائلات الفلسطينية التي فرت من البلاد منذ عام ٢٠١١ بالعودة.

وقال أبو فراس “لقد بدأت العائلات في العودة من لبنان من تلقاء نفسها، لكنها أعداد لا تذكر”.

وهناك مساعي قائمة للاستعداد لاستقبال أعداد أكبر من اللاجئين الفلسطينيين من البلدان المجاورة- وتحديدا لبنان.

وفي وقت سابق من هذا العام طرحت منظمة التحرير الفلسطينية ولجانها الشعبية المحلية الموجودة في كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، فكرة تقديم حوافز نقدية لكل عائلة فلسطينية سورية عادت طوعا إلى سوريا من لبنان.

وفي حديثه إلى سوريا على طول في آب الماضي، أكد مصدر في منظمة التحرير الفلسطينية، على علم بالموضوع، أن المنظمة بدأت في تسجيل العائلات الفلسطينية الراغبة بالعودة من لبنان وتقديم حوافز نقدية لمن عبروا الحدود إلى سوريا.

ووفقاً للمبادرة، سيتم دفع النقود بعد عودة العائلات.

وستشكل الحوافز النقدية- التي تفيد الأنباء بأن قيمتها تصل إلى ١٠٠٠ دولار – أول جهد رسمي لإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا منذ بداية النزاع، رغم أن وكالات الأمم المتحدة أعربت عن قلقها إزاء عدم وجود ضمانات للاجئين العائدين.

ومع ذلك، يبدو أن الأمر مستمر.

وقال مصدر في الأمم المتحدة لسوريا على طول، يوم الخميس “تم جمع الأسماء، كي تخضع للمراجعة من قبل الحكومة السورية. لكن لم يحدث شيء بعد من حيث عودة الأشخاص الذين وضعوا أسماءهم”.

وقال المصدر “المبادرة ما تزال مستمرة، ولم يتم إلغاؤها”، مضيفا أن العودة حتى الآن فردية ولا تخضع لنظام معين.

إعادة بناء عاصمتين

شكل مخيم اليرموك أكبر وأهم تجمع فلسطيني في سوريا، فقد كان موطنا لحوالي ١٦٠ ألف لاجئ فلسطيني والعديد من السوريين حتى بداية الثورة في عام ٢٠١١ والصراع الذي تبعها. وعاش حوالي ٣٠٪ من الشعب الفلسطيني- السوري بأسره في اليرموك.

وبالنسبة للبعض، كان المخيم يعرف باسم “عاصمة الشتات الفلسطيني”.

ووفقاً للتقارير، فإن نحو ٨٠٪ من الممتلكات في اليرموك تعود لأفراد فلسطينيين وسوريين والبقية تحت ملكية المؤسسات الفلسطينية وكذلك الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، التي تدير شؤون اللاجئين- بما في ذلك الوثائق المدنية مثل وثيقة السفر الفلسطينية وبطاقة الهوية الوطنية- داخل سوريا.

ويخشى البعض من أن تنفيذ قانون رقم ١٠، وهو تشريع صدر عام ٢٠١٨ من شأنه توجيه عملية إعادة إعمار سوريا، قد يجرد تلك الأسر من ممتلكاتها، أو في أسوأ الأحوال، سيدمر اليرموك والضواحي في جميع أنحاء جنوب دمشق بالكامل.

ويسمح القانون رقم ١٠ للحكومة السورية بتعيين مناطق لإعادة الإعمار. ويجب على مالكي العقارات، سواء داخل سوريا أو خارجها، تأكيد الملكية ضمن هذه المناطق قبل الموعد النهائي المحدد.

ووصفت لمى فقيه، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، في وقت سابق، القانون رقم ١٠ بأنه “إضافة مثيرة للقلق إلى ترسانة الحكومة السورية من قوانين التخطيط الحضري التي استخدمت لمصادرة الممتلكات دون اتباع إجراءات قانونية أو تقديم التعويضات”.

وبحسب المحامي الموجود في دمشق محمد جميل، الذي طلب حجب اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، فقد تم “استبعاد اليرموك من [مشاريع القانون ١٠] باعتباره “قضية سياسية”.

ومع ذلك، فإن القيود المفروضة على ممتلكات الفلسطينيين وفقدان وثائق الملكية ستجعل من الصعب على الناس الاحتفاظ بمنازلهم في المستقبل، على حد قوله.

وفي السياق، قال وسيم السلطي، الباحث الذي وثق حقوق ملكية الفلسطينيين في سوريا، إن هناك “أنباء متضاربة” عما إذا كان سيتم تضمين اليرموك في مناطق التخطيط المستقبلية للقانون رقم ١٠ أم لا.

وأوضح السلطي أنه “إذا دخل اليرموك في التخطيط بموجب القانون رقم ١٠، فإن الآلاف من اللاجئين سيفقدون حقهم في ملكية منازلهم داخل المخيم بسبب عدم وجود وثائق الهوية التي يتطلبها القانون”.

ومن المرجح أن تبقى حالات العودة إلى اليرموك ضمن الحد الأدنى، في المستقبل القريب، بسبب مستوى الدمار في المنطقة.

وبالنسبة لأبي شادي، الموجود الآن في لبنان، فإنه يريد أن يرى عودة الخدمات الأساسية- وكذلك السكن- قبل أن يفكر في العودة.

وقال “لا توجد أي خدمات في اليرموك. لقد دمرت منازل الناس”.

“إلى أين سيعودون؟”

 

ساهم جستن كلارك في إعداد هذا التقرير.

 

شارك هذا المقال