5 دقائق قراءة

هيمنة روسية مطلقة على سوريا بذريعة “رفض التدخل الخارجي” في شؤونها (تسلسل زمني)

عمان- ورثت روسيا عن الاتحاد السوفيتي دعم حكومات دمشق "البعثية" المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضي. وقد مثل الاتحاد السوفيتي، حتى انهياره في العام 1991، مصدر التسليح الأساسي للجيش السوري، بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 25 مليار دولار، إضافة إلى تدريب قرابة 10 آلاف ضابط سوري. 


29 سبتمبر 2019

يمثل 30 أيلول/سبتمبر 2015، نقطة التحول الأعمق في مسيرة الثورة السورية التي اندلعت في آذار/مارس 2011، والذي شهد بداية التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب القوات الحكومية والمليشيات الإيرانية المتحالفة معها.

وفيما كان يفصل نظام الحكم في دمشق، عشية التدخل الروسي، “أسبوعان أو ثلاثة أسابيع عن السقوط” بحسب تصريح لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في كانون الثاني/يناير 2016، يسعى هذا النظام اليوم، بمساندة روسية، إلى السيطرة على آخر معاقل المعارضة السورية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، بعد سيطرته على مناطق المعارضة الأخرى كافة في شمال ووسط وجنوب سوريا. كما يتزايد التسليم الدولي بحتمية التعامل مع بشار الأسد رغم مسؤوليته عن جرائم موثقة تندرج ضمن “جرائم الحرب”، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين العزل.

ويسعى هذا الملف الذي تنشر “سوريا على طول” حلقاته على امتداد الأسبوع الحالي، إلى تناول بعض أبعاد التدخل الروسي العسكري المباشر إلى جانب الأسد؛ بدءاً من تطور الموقف الروسي من الثورة السورية، في مقابل موقف المعارضة السورية من روسيا، ثم الذرائع التي قدمتها وتقدمها موسكو لتدخلها، وأدواتها في ذلك، وصولاً إلى مفهومها لما تعتبره “تسوية سياسية” للصراع في سوريا.

*  *  *

عمان- ورثت روسيا عن الاتحاد السوفيتي دعم حكومات دمشق “البعثية” المتعاقبة منذ ستينيات القرن الماضي. وقد مثل الاتحاد السوفيتي، حتى انهياره في العام 1991، مصدر التسليح الأساسي للجيش السوري، بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 25 مليار دولار، إضافة إلى تدريب قرابة 10 آلاف ضابط سوري. 

في مقابل ذلك، حصل الاتحاد السوفيتي على امتيازات اقتصادية وعسكرية في سوريا، لعل أبرزها اتفاق العام 1971 لبناء قاعدة عسكرية بحرية سوفيتية في مدينة طرطوس على البحر الأبيض المتوسط، والتي تمت إعادة تأهيلها في أيلول/سبتمبر 2008.

أيضاً، في عهد الرئيس بوتين الذي تلا حقبة من عدم الاستقرار العميق في روسيا، تم في العام 2005 شطب 73 بالمائة من ديون سوريا، أو ما يعادل 9.8 مليار دولار من أصل 13.4 مليار دولار، مع منح روسيا امتيازات في قطاعات اقتصادية مهمة في سوريا، لاسيما قطاع النفط والغاز.

الفيتو الروسي: غطاء سياسي دولي

في مقابلة مع محطة “روسيا اليوم” المملوكة للحكومة الروسية، في 11 حزيران يونيو 2013، أقر الرئيس بوتين بأن سوريا “كانت تبدو وقد نضجت لإجراء تغييرات، وكان على زعمائها أن يفهموا ذلك ويباشروا تطبيق هذه التغييرات… [و] من البديهي القول إنه لو تصرف [بشار الأسد] بشكل مختلف لما كان حصل كل ذلك”.

مع ذلك، فقد بدأ الدعم الروسي المطلق لحكومة دمشق منذ الأيام الأولى للتظاهرات الشعبية السلمية، عندما استخدمت موسكو في تشرين الأول/أكتوبر 2011 حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار طالب بـ”وقف انتهاكات حقـوق الإنسان… واستخدام القوة ضد المدنيين”.

وقد تلا ذلك 12 “فيتو” روسي أفشلت كل القرارات الدولية التي كانت تهدف، ولو نظرياً على الأقل، الحدّ من العنف في سوريا، كما  ملاحقة ملاحقة مجرمي الحرب.

ففي أيار/مايو 2014، استخدمت روسيا “الفيتو” ضد مشروع قرار يتعلق بإحالة ملف الحرب السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، بذريعة أن قرار إحالة الملف إلى الجنائية الدولية هو محاولة للتدخل العسكري.

وقد كان من الطبيعي تزايد استخدام موسكو لـ”فيتو” عقب تدخلها عسكرياً بشكل مباشر في سوريا، وليصل إلى تسع مرات من أصل 13. 

إذ فيما كانت الطائرات الروسية تقدم الغطاء الجوي للقوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها في هجومها على أحياء حلب الشرقية، فإنها عطلت، في تشرين/الأول 2016، مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في سوريا، وذلك بعد أقل من شهر على استخدامها الفيتو أيضاً لمنع تمرير قرار يدعو إلى وقف الهجمات بين جميع الأطراف في مدينة حلب. ولتكون نتيجة ذلك، إضافة إلى استعادة القوات الحكومية ومليشياتها لأحياء حلب الشرقية، تهجير نحو  35 ألف شخص كانوا محاصرين هناك.

أيضاً، في 11 نيسان/أبريل 2018، حالت موسكو عبر استخدام “الفيتو” دون تمرير قرار أممي يدعو إلى إنشاء آلية مستقلة للتحقيق في استخدام الكيماوي بمدينة دوما في الغوطة الشرقية. تلا ذلك توصل جيش الإسلام، أكبر فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، إلى اتفاق تسوية مع الجانب الروسي، يقضي بخروج المقاتلين مع المدنيين الذين يرفضون التسوية مع القوات الحكومية، ودخول الأخيرة إلى الغوطة.

قبل انتهاء عمليات إجلاء المهجرين من دوما، زار الكولونيل الروسي ألكسندر زورين مسرح جريمة الكيماوي، بعد 3 أيام على وقوعها. فيما تم منع وفد منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” من دخول المدينة.

أما أحدث فيتو” روسي بشأن الصراع في سوريا، والذي لا يبدو أنه سيكون الأخير، فقد كان في 19 أيلول/سبتمبر الحالي، ضد مشروع قرار تقدمت به الكويت وألمانيا وبلجيكا، لوقف الأعمال العدائية في إدلب.

تدخل عسكري وهيمنة على التسوية السياسية 

أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن التدخل العسكري في سوريا، في 30 ايلول/سبتمبر 2015، متذرعة بـ”محاربة الإرهاب” هناك. لكن اليوم الأول للطلعات الجوية الروسية فوق سوريا، شهد استهداف مناطق سيطرة المعارضة السورية غير المصنفة إرهابية، وتحديداً مدينتي تلبيسة والرستن وبلدة الزعفرانة في ريف حمص الشمالي، بعدد من الصواريخ الفراغية، ما أدى إلى مقتل 42 مدنياً.

وإذ مكنت روسيا القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها من السيطرة على أغلب المناطق التي كانت خاضعة للمعارضة السورية، فإن موسكو نجحت أيضاً في الهيمنة على الجهود الدولية لتسوية الصراع في سوريا من خلال مباحثات أستانة التي أطلقتها بالشراكة مع إيران وتركيا نهاية العام 2016، وصارت اليوم بديلاً عن مرجعية القرار الدولي 2254 للحل السياسي في سوريا، والذي تم اختزاله إلى تغيير/تعديل الدستور السوري، من قبل لجنة تم تشكيلها، فوق ذلك، وفق رؤية موسكو وطهران ودمشق، وإن كان يتم تقديمها باعتبارها أحد إنجازات الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.

هيمنة مطلقة

بذريعة منع أي تدخل خارجي في شؤون سوريا الداخلية، تبدو روسيا اليوم بمثابة الوصي على دمشق. إذ عدا عن دورها الحاسم عسكرياً، فإن الضباط والمسؤولين الروس هم من يعلنون الهدن ويتولون إبرام المصالحات مع فصائل المعارضة، كما يتحدثون بالنيابة عن حكومة دمشق في المحافل الدولية. 

عدا عن ذلك، تحولت قاعدة حميميم الجوية إلى أرض روسية داخل الأراضي السورية. فعندما زار الرئيس الروسي بوتين القاعدة الواقعة في ريف اللاذقية، في كانون الأول/ديسمبر 2017، دُعي بشار الأسد للقاء به هناك، وبحسب ما عبّرت قناة المنار، التابعة لحزب الله، في تغطيتها للزيارة، فقد “استقبل الرئيس بوتين في مطار حميميم الرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الدفاع الروسي سيرغي لافروف”. 

فوق ذلك، يتواصل استحواذ الشركات الروسية على عقود في بعض أهم القطاعات الاقتصادية في سوريا، تشمل إضافة إلى النفط والغاز، الموانئ البحرية والمطارات والصناعات الكيماوية والفوسفات والبوتاس والبناء وإعادة الإعمار.

كذلك، تفاخر روسيا باستخدامها سوريا ميداناً لاستعراض واختبار أكثر من 200 نوع جديد من أسلحتها، بحسب ما صرّح رئيس لجنة الدفاع بمجلس الدوما (النواب)، فلاديمير شامانوف، في شباط/فبراير 2018. وهو ما عاد على شركات روسية بعقود مع عملاء جدداً في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا. إذ بلغت عقود شركة زوزوبورون إكسبورت الروسية قيمة 15 مليار دولار، في العام 2017، مع 53 دولة.

شارك هذا المقال