6 دقائق قراءة

عشرات الجثث لا تزال مدفونة تحت أنقاض مخيم اليرموك والطريق لإعادة الإعمار طويل

جندي من القوات الحكومية يلوح بعلم الحكومة في مخيم اليرموك […]


جندي من القوات الحكومية يلوح بعلم الحكومة في مخيم اليرموك في 22 آيار. لؤي بشارة.

اختبأ والد معاوية محمد المسنّ طوال أربعة أيام في شهر نيسان بين هيكل سرير وخزانة في الوقت الذي كانت فيه الحكومة السورية تضرب مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق.

وقال الطبيب والناشط الإعلامي، الذي ولد في مخيم اليرموك وتم إجلاؤه إلى محافظة إدلب شمال غرب البلاد في شهر آيار، لسوريا على طول “أخبرني والدي في وقت لاحق أن الدمار كان هائلاً من البداية لدرجة أنه لم يتمكن حتى مغادرة المبنى أو السير في الشوارع، لذلك بقي في غرفة النوم، [واختبأ] بين السرير والخزانة”.

وشنت القوات السورية الموالية للحكومة بالإشتراك مع ميليشيات سورية وفلسطينية هجوماً عسكرياً في شهر نيسان على مواقع تابعة لتنظيم الدولة في مخيم اليرموك، بالإضافة إلى منطقتي الحجر الأسود وحي القدم المحاصرتين في جنوب دمشق.

وبعد عدة أيام من القصف، تمكن والد محمد من الهروب نهاية المطاف، في حين بقي الكثير من السكان هناك ولم يتمكنوا من الفرار.

ويقدر السكان أن عشرات الجثث دُفنت وتُركت تحت الأنقاض بعد أن استعادت الحكومة السورية وحلفاؤها مخيم اليرموك والضواحي المجاورة له في شهر أيار.

ومع وجود جثث عالقة تحت المباني المدمرة، والتي كانت تشكل أكبر مركز تجمع للفلسطينيين في سوريا، لا يزال اللاجئون من المخيم يتعايشون مع مستوى الدمار هناك والذي ينبيء بأن المرحلة القادمة من إعادة الإعمار والعودة إلى الحياة الطبيعية ستكون طويلة. 

“لا وقت للرحيل” 

تأسس مخيم اليرموك عام 1957 لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين الذين فروا من بلدات وقرى شمال فلسطين، وسرعان ما تحول إلى ضاحية من ضواحي دمشق المزدحمة والذي كان، بحلول عام 2011، موطناً لما يقدر بنحو 160 ألف فلسطينياً عانوا بعض أسوأ آثار الصراع السوري المستمر منذ سبع سنوات. 

وقصفت الطائرات الحربية السورية مخيم اليرموك لأول مرة في كانون الأول 2012 وسط تقدم جماعات المعارضة في ضواحي دمشق المجاورة، الذين اقتحموا المخيم في اليوم التالي. وأدى الحصار الخانق الذي فرضته الحكومة السورية وحلفاؤها في منتصف عام 2013 إلى وفاة ملا يقل عن 194 شخصاً، إما بسبب الجوع أو بسبب عدم توفر الإمدادات الطبية الأساسية، قبل أن تقع غالبية اليرموك تحت سيطرة تنظيم الدولة في شهر نيسان 2015.

وفرض التنظيم قيوداً صارمة على المدنيين ونفذ عمليات إعدام لنشطاء المجتمع المدني وعمال الإغاثة الذين اتهمتهم بالتواصل مع جماعات المعارضة أو مسؤولي المصالحة الحكومية، فضلاً عن التآمر مع المعارضة. 

وبعد أن استعادت الحكومة السورية سيطرتها على الغوطة الشرقية، معقل الثوار القريب، في وقت سابق من هذا العام، بقيت ضواحي جنوب دمشق هي المنطقة الوحيدة في العاصمة التي لا تزال خارج سيطرة الحكومة. وانهارت فجأة الشائعات عن صفقة وشيكة لإجلاء مقاتلي تنظيم الدولة إلى منطقة البادية الصحراوية في محافظة السويداء جنوب سوريا، وتمكنت الدبابات الموالية للحكومة من دخول المنطقة. 

جاء الهجوم سريعاً، وترك المدنيين المحاصرين – العديد منهم من الفلسطينيين المسنين غير الراغبين أو القادرين على ترك منازلهم – تتقطع بهم السبل. 

وذكر المحمد أن “الهجوم كان مفاجئاً، لم يكن أمام الناس وقت [للمغادرة]”، مضيفًا أن معظم السكان لجأوا إلى الاختباء في الأقبية الرديئة وغير المجهزة أسفل المباني السكنية بدلاً من الملاجئ المبنية لغرض محدد. وانتشرت قصص من الناجين عن انهيار المباني، في حين أن الرسائل الصوتية التي وزعها الفلسطينيون الفارين تشير إلى أن المئات تم محاصرتهم في الداخل. 

وأحصى مراقبو النزاعات ونشطاء محليون ما لا يقل عن 20 مدنيًا لقوا حتفهم أثناء الهجوم الموالي للحكومة لاستعادة اليرموك. 

ومع ذلك، أكد أحد مصادر المجتمع المدني الفلسطيني في دمشق، الذي كان على اطلاع بجهود الإغاثة الشعبية خلال الهجوم،  أن مايصل إلى 200 شخصاً مازالوا مدفونين تحت الأنقاض داخل مخيم اليرموك. وتشمل تقديراته الوفيات المبلغ عنها. 

وقال المصدر الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية “كان هناك نحو 200 جثة معظمهم من المدنيين، ولم يتم إزالة أياً منها وإلى الآن لا يوجد خطة لإزالتهم”.

ويصف لؤي، أحد متطوعي الهلال الأحمر العربي السوري في المخيم والذي استخدم اسماً مستعاراً بسبب حساسية الموضوع، أن “الشوارع مليئة بأكوام من الأنقاض بارتفاع مترين، ويوجد جثث تحتها”.

وأضاف “رائحة الجثث أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية”. 

” لم يتم اتخاذ أي إجراء على الأرض” 

ومنذ نهاية الهجوم لم يتغير شيء يذكر في اليرموك الخالي من المدنيين. وتنتشر إشاعات عن مشاريع إعادة الإعمار في صفحات الفيسبوك التابعة للمعارضة، بينما قام مسؤولو منظمة التحرير الفلسطينية بزيارات تلفزيونية إلى المخيم. وبالرغم من ذلك لايزال معظم مخيم اليرموك في حالة خراب والسكن والبنى التحتية في حالة يرثى لها. 

في الشهر الماضي، قام وفد من منظمة التحرير الفلسطينية، بما فيهممدير الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية أنور عبد الهادي، بزيارة اليرموك للتعبير عن إجلالهم واحترامهم لمقابر المقاتلين الفلسطينيين السابقين المدفونين في المخيم. وبحسب ما ورد قام مقاتلو تنظيم الدولة بتخريب قبورهم واستخدموا المقبرة لحفر خنادق باتجاه الخطوط الأمامية. 

وقال عبد الهادي لوكالة فرانس برس، بعد انتهاء الهجوم الموالي للحكومة في أيار، أن “الخطوة التالية في اليرموك بعد التحرير” من داعش ستشهد قيام السلطات الحكومية “بتمشيط المنطقة، وإزالة الأنقاض وتقييم الأضرار من أجل اعادة الإعمار وإعادة البنية التحتية ليتمكن المدنيين من العودة”. 

وقال وسام السباعنة، مدير مؤسسة جفرا وهي منظمة إغاثة فلسطينية سورية تخدم الجاليات الفلسطينية-السورية داخل سوريا وخارجها، لسوريا على طول أنه “لم يطرأ أي تغيير على وضع اليرموك” منذ شهر أيار. 

وأضاف من مكتب جفرا في بيروت “ما زال المخيم يعتبر منطقة عسكرية، ولم يكن هناك أي نشاط داخل المخيم لإزالة الأنقاض أو تطوير البنية التحتية … ولم يتم اتخاذ أي إجراء على الأرض”. 

كما أشار مصدر المجتمع المدني الفلسطيني في دمشق إلى أن البنية التحتية داخل المخيم قد دمرت. وقال المصدر “لا يوجد بنية تحتية، لا يوجد إمدادات مياه ولا كهرباء ولا شبكة صرف صحي”. 

ويشرح السباعنة أن المدنيين الذين يرغبون في زيارة مخيم اليرموك أو تفقد منازلهم السابقة، يجب عليهم التقدم بطلب للحصول على تصريح أمني لدخول المخيم، ويجب عليهم المغادرة في نفس اليوم. 

وسكان اليرموك هم من بين غالبية اللاجئين الفلسطينيين داخل سوريا الذين نزحوا أكثر من مرة، وفقاً للأونروا. وفي الوقت نفسه، فر ما يقدر بنحو 100 ألف لاجئ فلسطيني من سوريا منذ بداية الانتفاضة السورية – بما في ذلك حوالي 33 ألف إلى لبنان و 17 ألف إلى الأردن – ويعتقد الآن أن معظم ممن تبقى طلبوا اللجوء إلى أوروبا.

ومع ذلك، هناك محادثات متزايدة حول العودة – في دمشق وخارجها.

وقال أحد المصادر من منظمة التحرير الفلسطينية، إن المنظمة مستعدة لتقديم 1000 دولار لكل عائلة فلسطينية سورية تعود طوعاً إلى سوريا من البلدان المجاورة، بما في ذلك لبنان. وستكون المكافآت النقدية أول جهد رسمي لإعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا، على الرغم من الضغوط التي تقوم بها السلطات اللبنانية منذ أشهر لإعادة اللاجئين السوريين. ونظراً للقيود القانونية التي يواجهها الفلسطينيون-السوريون عديمو الجنسية، هناك شكوك حول ما إذا كانت عودتهم طوعية فعلاً أم لا. 

وبينما أكد مصدر منظمة التحرير الفلسطينية أن عمليات العودة “ستكون طوعية فقط”، قال مصدر من الأمم المتحدة لسوريا على طول “لا توجد حالياً أية ضمانات رسمية بشأن حماية اللاجئين (الفلسطينيين) عند عودتهم”.

وأضاف المصدر الأممي أن “الضمانات المهمة للعودة الآمنة والكريمة لم يتم وضعها بعد”.

 ولم يجيب الممثل من السفارة الفلسطينية في دمشق على طلب التعليق قبل نشر هذا التقرير.

ولكن بالنسبة للعديد من الفلسطينيين الذين نزحوا إلى دمشق لعدة سنوات، فإن فرصة العودة أخيراً – ولو ليوم واحد – كانت حلوة ومرّ.

وعندما حصل أبو محمد، أحد سكان مخيم اليرموك سابقاً، تصريحاً خاصاً مؤقتاً للعودة إلى المخيم لتفقد ممتلكاته وجد أحد منزليه  “بلا كهرباء” والآخر قد تمت تسويته على الأرض، كما وجد المستشفيات القريبة تحولت إلى انقاض ولم يتبق منها سوى “الهيكل العظمي” فقط.

 وذكر أبو محمد لسوريا على طول من منزله الجديد في دمشق “نحلم دائماً بالعودة مرة أخرى إلى اليرموك”.

 ولكن لا يشعر الآن إلا “بالحزن” بسبب الدمار الكامل الذي أصاب الحي الذي كان يسكنه سابقاً، بالإضافة إلى الرائحة الكريهة المنبعثة من جثث الجيران العالقة تحت الأنقاض، على حد قوله.

 وختم “رائحة الموت والدم في كل مكان”.

 

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول الإخبارية، لمدة شهر كامل، للأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم في سوريا بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

ترجمة: بتول حجار

 

شارك هذا المقال