4 دقائق قراءة

أسباب ومصير التحسن المفاجئ في سعر صرف الليرة السورية

بعد أكثر من تسع سنوات على اندلاع الثورة السورية، خسر النظام معظم موارد العملة الأجنبية، من النفط والصناعات والسياحة، ما أسهم إلى جانب أسباب أخرى في تدهور الاقتصاد على صعيد القطاعين الحكومي والخاص.


27 يوليو 2020

عمان- نقيضاً لما يفترض أن يكون أمنية السوريين الذين ما يزالون يقيمون على أرضهم، بانتعاش اقتصاد بلدهم وارتفاع قيمة عملتهم الوطنية، تفضّل أمل الدمشقي (اسم مستعار) عدم تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، حتى “نستفيد من سعر صرف الحوالات التي تصل من الخارج”، كما قالت لـ”سوريا على طول”. موضحة أنه مع تحسن سعر الصرف “تحافظ المواد الأساسية على أسعارها المرتفعة، فيما تنخفض قيمة الحوالات بالليرة السورية”. وهو ما يبدو عليه الوضع فعلاً على امتداد الأيام الماضية التي شهدت ارتفاعاً في قيمة الليرة بحيث بلغت اليوم ما بين 2000 و2100 ليرة للدولار الأميركي الواحد، مقارنة بحوالي 2560 ليرة للدولار مطلع تموز/يوليو الحالي.

وكما الدمشقي، يعتمد كثير جداً من السوريين، لتأمين تكاليف احتياجاتهم الأساسية، على حوالات مالية من أقاربهم المغتربين واللاجئين. ففوق ما تتقاضاه من عملها بشكل حرّ (فري لانس) مع موقع إلكتروني سوري مركزه خارج سوريا، تستلم الدمشقي 100 يورو حوالة شهرية من ابنها المغترب، كما قالت. وفيما بلغت قيمة الحوالة في 10 تموز/يوليو الماضي نحو 262,000 ليرة، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء والمقدر بـ2,622 ليرة لليورو الواحد، فقد انخفضت قيمة الحوالة إلى قرابة 234,200 ليرة وفق سعر الصرف الحالي. لكن أسعار المواد الأساسية لم تشهد انخفاضاً يتناسب مع تحسن العملة الوطنية، مستشهدة على ذلك بأن “سعر صحن البيض ما يزال 3,700 ليرة [1.85 دولاراً]، ولتر الزيت النباتي 3,800 ليرة [1.9 دولاراً]، وكيلو الرز 2,000 ليرة [دولار واحد]”.

لكن عبد الرحيم بدر (اسم مستعار)، وهو تاجر مواد بناء في مدينة دوما بريف دمشق، يرى في استقرار سعر صرف الليرة بمعزل عن انخفاض قيمتها أو ارتفاعه، ضرورة لاستقرار الأسواق. موضحاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن التاجر “لا يستطيع حالياً الشراء وتثبيت قيمة مشترياته بالدولار، لأن انخفاض قيمة الليرة -وهي العملة المتداولة- يعني دفع قيمة المشتريات بسعر أعلى، وكذلك لا يمكنك تثبيت عملية البيع والشراء بالليرة وسط هذا التذبذب بسعر الصرف”.

لافتاً إلى أن “ربح أو خسارة التجار في مثل هذه الظروف مرتبط بفرق الأسعار وعدم ثبات سعر الصرف أكثر من هامش الربح والخسارة في عملية بيع المواد”.

تحسّن مفاجئ

بعد أكثر من تسع سنوات على اندلاع الثورة السورية، خسر النظام السوري معظم موارد العملة الأجنبية، من النفط والصناعات والسياحة، إضافة إلى تشريد أكثر من 13 مليون سوري داخل سوريا وخارجها، ما أسهم في تدهور الاقتصاد على صعيد القطاعين الحكومي والخاص.

لذلك، تشكل الحوالات المالية بالنسبة للمدنيين داخل سوريا مورداً مهماً لتغطية تكاليف احتياجاتهم اليومية. وتشهد سوق الحوالات نشاطاً مضاعفاً قبيل الأعياد، خصوصاً عيد الأضحى. فإلى جانب دعم المغتربين واللاجئين لذويهم في الداخل، يحرص هؤلاء، كما المنظمات والجمعيات، على تمويل مبادرات ذبح الأضاحي، ما يزيد حجم الحوالات في هذا العيد مقارنة بغيره من مناسبات.

وعادة، يطلب المستفيدون من الحوالات، لا سيما الكبيرة منها، استلام قيمة حوالاتهم من شركات الصرافة بالدولار الأميركي، في سبيل تحصيل أفضل أسعار الصرف. لكن مع “التشديد غير المسبوق من قبل النظام ومنع تداول الدولار، يُجبر المدنيون والصرافون على استلام وتسليم الحوالات بالليرة السورية”، بحسب ما ذكر علي الشامي (اسم مستعار)، وهو مدير شركة صرافة لها فروع في سوريا وتركيا، لـ”سوريا على طول”. لافتاً إلى أن “زيادة الطلب على الليرة نتيجة عدم إمكانية تسليم المستفيد قيمة حوالته بالدولار، قد يكون أحد أسباب تحسن الليرة، ولكن ليس بالصورة الحالية [إذ يكون التحسن المدفوع بذلك طفيفاً، بخلاف الحالي]”.

وفيما اعتبر الباحث الاقتصادي السوري في مركز عمران للدراسات، مناف قومان أن “زيادة الطلب [على الليرة، نتيجة] استمرار القبضة الأمنية، كما رفع سعر الحوالات [رسمياً] إلى 1,256 ليرة للدولار، أسهم في جذب الدولارات الموجودة في السوق إلى البنك المركزي وضيّق هامش الحركة في السوق السوداء”، شدد الباحث في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، د. كرم شعار، على وجود عوامل أخرى، قد تكون أكثر أهمية من زيادة الطلب على الليرة السورية. 

إذ إن “انخفاض سعر صرف الدولار مرتبط بحجم التدخل الحكومي في سوق النقد”، وفقاً لشعار، و”هذا تدخل سببه توفر كميات كبيرة من القطع الأجنبي [لدى النظام]”. مضيفاً أنه رغم إسهام الأعياد في تدفق القطع الأجنبي، فإنها “لم تصل إلى مرحلة الفائض. أي ما يزال إنفاق النظام للقطع الأجنبي أكثر من الوارد. لذلك، قد تساعد الأعياد في [تحسين] سعر الصرف، لكن بشكل غير مباشر”. 

ومن ثم، رجح شعار أن يكون محرك تحسن سعر صرف الليرة مؤخراً هو “تدفق النقد الأجنبي من لبنان وإيران، إذ تبلغ قيمة الأموال السورية المجمدة في لبنان نحو 40 مليار دولار، وجزء من هذه الأموال تم سحبه فعلاً رغم دخول قانون قيصر [للعقوبات الأميركية على المتعاملين مع الحكومة السورية] حيّز النفاذ”. مستدلاً على ذلك بما نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، بأن “ستة مليارات من هذه الأموال تم سحبها، رغم تحديد سقف قيمة السحب للمواطن في لبنان بـ100 دولار أميركي أسبوعياً”.

تحسن طارئ؟

التحسن الحالي المفاجئ لسعر الليرة، كما ذهب التاجر عبد الرحمن بدر، لا يعدو أن يكون “عملية تشليح [سلب] جديدة”. مضيفاً أنه “في كل عيد يقال إن الليرة تحسنت، ويتم سحب كل الدولار من السوق. ومن ثم يعود هبوط الليرة مجدداً”.

وهو ما أكد عليه بدوره الباحث الاقتصادي السوري خالد تركاوي، الذي اعتبر أيضاً أن التحسن في سعر الصرف مؤقت، بحيث “ستنخفض قيمة الليرة بعد عيد الأضحى المبارك، إذ حينها يكون من الطبيعي أن ينخفض الطلب على الليرة، وتقل الحوالات من الخارج”. مرجحاً أن يكون هذا الانخفاض “بشكل اعتيادي وبنسب مختلفة بناء على الظروف الاقتصادية للبلد والعوامل التي تسهم في تدهور سعر الصرف والتي ما تزال مستمرة”.

في المقابل، رأى الباحث قومان أن ما نشهده حالياً “لا يمكن تسميته تحسن [في قيمة] اليرة وإنما حركة تصحيح، أي توفر قطع أجنبي لدى البنك المركزي”، والتي تعزا، إضافة إلى ما ذكر سابقاً، إلى استقرار الأزمة مع رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد. إذ “كان متوقعاً أن يحدث مخلوف أزمة كبيرة، لكن لم يحدث شيء، [بل ثمة] مؤشرات على عقد تسوية بين الطرفين [الأسد ومخلوف]”.

شارك هذا المقال