7 دقائق قراءة

في غياب الدولة أو تورطها: المجتمع المحلي يكافح تجارة المخدرات جنوب سوريا

لا يقتصر خطر المخدرات في محافظتي درعا والسويداء، على الإدمان وما يسببه من انعكاسات سلبية على المجتمع، وإنما باستهداف الأردن لمراكز تصنيع المخدرات ووقوع أخطاء أودت بحياة مدنيين، وهو ما دفع الأهالي إلى مواجهة التجار والمهربين بأنفسهم.


27 مارس 2024

باريس- في جلسة جمعت بسام (اسم مستعار) مع أصدقائه في مدينة إنخل بريف درعا الشمالي، منتصف عام 2023، وزع أحدهم حبوباً صغيرة على الحضور، فضحكوا وتناولوها، رغم أن الشاب لم يعرف أنها حبة مخدرة.

“خجلت وقتها من عدم تناول الحبة مثل البقية، وكنت أعتقد أنها لن تؤثر”، لكن بعد مرور نصف ساعة “بدأت أفقد الإدراك بمحيطي، وعندما عاد وعيي وجدت نفسي أدخن النرجيلة للمرة الأولى في حياتي”، كما قال بسام، 20 عاماً، لـ”سوريا على طول”.

في تلك الليلة لم يستطع بسام العودة إلى منزله من دون مساعدة صديقه، ولم يتمكن من النوم حتى الصباح، ولم يعرف حينها أنه وضع قدمه على طريق المخدرات.

بعد مرور أسبوع، خرج بسام من المنزل هائماً على وجهه بعد نشوب شجار مع والده، فطلب من صديقه “حبة، لعلها تكون حلاً، لأنني كنت أشعر بالضيق وكأنني أختنق”. لبى صديقه طلبه موضحاً أنها “آخر حبة بالمجان”، ومن حينها أدمن الشاب على تناول حبوب “الكبتاجون”، وهو أحد أنواع المواد المخدرة الرائجة في سوريا حالياً.

بسام واحد من الأشخاص الذين وقعوا ضحية إدمان المواد المخدرة في سوريا، البلد الذي تحول إلى أحد أكبر مراكز تصنيع المخدرات وتهريبها عبر الحدود، بفضل ما تدره هذه التجارة على النظام السوري والشخصيات المحسوبة عليه من أرباح. قدرت السفارة البريطانية في لبنان، في آذار/ مارس 2023، ما يجنيه النظام من المخدرات بنحو 57 مليار دولار سنوياً.

لا يقتصر خطر المخدرات في محافظتي درعا والسويداء، جنوب سوريا، على الإدمان وما يسببه من انعكاسات سلبية على المجتمع، وإنما باستهداف الأردن لمراكز تصنيع المخدرات أو العاملين فيها، وما رافق هذه الضربات الجوية من أخطاء أودت بحياة مدنيين، وهو ما دفع الأهالي في الجنوب إلى مواجهة التجار والمهربين بأنفسهم، وسط غياب للنظام أو تورطه في هذه التجارة.

جهود المجتمع المحلي

“المخدرات متوفرة للصغير والكبير إذا كنت تملك المال”، بحسب أبو عيسى، 28 عاماً، المقيم في مدينة إنخل بريف درعا الشمالي، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن  العديد من زبائنه يعرضون عليه المواد المخدرة أسبوعياً، حتى أن بعضهم “صار يحللها شرعاً”.

تأكيداً على ذلك، قال أبو ياسين، أحد سكان المدينة، أن “ترويج المخدرات صار شبه علني في إنخل، والمواد المخدرة منتشرة حتى بين طلبة المدارس”.

في مقابل الانتشار الكبير، تقتصر الجهود المحلية المبذولة على “توعية الشباب ومعالجة المدمنين الراغبين بالإقلاع”، لكنها لم تصل إلى مرحلة “مواجهة تجار المخدرات ومروجيها”، بحسب أبو ياسين، لأن من يقوم بهذه الجهود “الوجهاء والمخاتير ورجال الدين والمثقفين”، فيما يغيب الدور الحقيقي للمجموعات العسكرية في المدينة من فصائل التسوية وأجهزة النظام الأمنية، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

تعليقاً على ذلك، قال أبو محمد، قيادي عسكري في إحدى المجموعات العسكرية المحلية (فصائل التسوية) بمدينة إنخل، أنهم تخلصوا من بعض تجار المخدرات “عبر اعتقالهم أو تهديدهم وإجبارهم على الخروج من المدينة أو مغادرة البلاد”، لكنهم اصطدموا في كون “النظام أساس صناعة المخدرات، مع حزب الله ولبنان” وهذا يحدّ من جهود المجتمع المحلي في مكافحة المخدرات، بحسب رأيه.

واستشهد أبو محمد في حديثه لـ”سوريا على طول” بحادثة اعتقال أحد تجار المخدرات، قبل أشهر، عندما ألقت مجموعته القبض على تاجر مخدرات وسلمته للنظام، لكن “تفاجأنا بالإفراج عنه بعد أيام قليلة ومن ثم سافر خارج القطر”.

وأشار أبو محمد إلى أن مجموعته تتابع تحركات شبكة لتجارة المخدرات في إنخل، قوامها 25 شخصاً، وتُجري “تحريات خاصة بشأنها”، موضحاً أنهم يحاولون “رصد أي نشاط غير مألوف في مجتمعنا”.

بدوره، كشف أبو عدنان، أحد وجهاء ريف درعا الغربي، عن “جهود كبيرة يقوم بها الأهالي والفصائل العسكرية لإيقاف تجارة ترويج المخدرات”، لكن تأثيرها “محدود” لأنها جهود محلية غير منظمة “في مواجهة عصابات منظمة تعمل تحت راية حزب الله اللبناني وبتنسيق تام مع النظام السوري”.

وبالتالي فإن التنسيق مع النظام بشأن مكافحة المخدرات “لا يجدي نفعاً، كونه ركن أساسي في تجارة المخدرات بالمنطقة”، كما قال أبو عدنان لـ”سوريا على طول”.

وفي محافظة السويداء، التي تشهد حركة نشطة لتجارة المخدرات العابرة للحدود إلى الأردن، تعاظمت الجهود المحلية لمكافحة المخدرات فيها، درءاً للغارات الجوية الأردنية، التي استهدفت متورطين في تهريب المخدرات داخل حدود المحافظة.

في 25 آذار/ مارس الحالي، أصدرت الفعاليات الاجتماعية والدينية في مدينة شهبا بريف السويداء الشمالي، بياناً، أعلنت فيه إطلاق ما أسمته “الحِرم الديني الاجتماعي بحق كل من تسول له نفسه بارتكاب أي من الأفعال السابقة بعدم مشاركته أفراحه وأتراحه”، ويأتي ذلك في إطار جهودها درءاً للأخطار المحدقة المتمثلة في: “انتشار المخدرات (تعاطي- بيع- شراء)، قطع الأشجار والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، السرقة وقطع الطرق، واستخدام السلاح في غير ما وجد لأجله”.

في أعقاب الغارات الأردنية على السويداء مطلع العام الحالي، بدأت قرى المحافظة الحدودية مع الأردن بتسيير دوريات أهلية على الشريط الحدودي المحاذي لهذه القرى، بهدف منع عمليات تهريب المخدرات من أراضيها باتجاه الأراضي الأردنية، وهو ما اعتبره ريان معروف، مدير تحرير “السويداء 24″، مؤسسة إعلامية محلية، بمثابة “رسالة من الأهالي للأردن بضرورة تحييدهم عن الغارات الجوية الأردنية، وأنهم يرفضون عمليات تهريب المخدرات”.

“مهربو المخدرات ينشطون منذ سنوات في القرى الحدودية، لكن ما إن شعر الناس بخطر الضربات الجوية، وأن وجود المهربين يشكل خطراً على حياتهم، حتى بدأت الفعاليات الأهلية بإصدار بيانات تبرئة من تجار المخدرات”، كما قال لـ”سوريا على طول”، وهو ما أدى بدوره إلى “حراك اجتماعي ديني وفصائلي ضد تجار المخدرات”.

اقرأ المزيد: كيف تحولت السويداء إلى منطقة عبور للمخدرات إلى الأردن؟

وبدورها، أصدرت عشيرة الرمثان في قرية الشعاب جنوب شرق السويداء، بياناً مطلع العام الحالي، نفت فيه وجود أي “ميليشيا مرتبطة بالخارج”، وأن تهريب المخدرات والسلاح هو أمر خارج إرادتها. وجاء بيانها بعد أن شهدت القرية أكثر من غارة أردنية، استهدفت في واحدة منها مرعي الرمثان، تاجر المخدرات المعروف، الذي قتل مع أفراد عائلته في الغارة التي وقعت في أيار/ مايو 2023.

استهداف المتورطين

تشهد محافظة درعا باستمرار عمليات اغتيال ضد متهمين بتهريب وتجارة المخدرات. في كانون الثاني/ يناير الماضي، وقعت ثلاث محاولات اغتيال، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة شخصين آخرين بجروح.

وفي عام 2023، سجلت محافظة درعا 58 عملية ومحاولة اغتيال بحق مروجي ومهربي المخدرات، أسفرت عن مقتل 35 شخصاً، بحسب أرقام حصلت عليها “سوريا على طول” من مكتب التوثيق في “تجمع أحرار حوران”، مؤسسة إعلامية محلية معارضة.

“بعض الشرفاء من بقايا الجيش الحر في حوران هم من ينفذون عمليات الاغتيال ضد العاملين بتجارة المخدرات، لما يشكله هؤلاء من خطر محلياً وإقليمياً”، بحسب قيادي عسكري سابق في فصائل المعارضة يقيم في ريف درعا الشمالي.

وأضاف القيادي في حديثه لـ”سوريا على طول”، أن عمليات تهريب وتجارة المخدرات زادت بشكل ملحوظ منذ عام 2020، لذلك كان لا بد من “التصدي لهذه الظاهرة سواء بقوة السلاح أو بالتهديدات والاعتقال أو النصح”.

في 23 كانون الثاني/ يناير الماضي، داهمت قوة عسكرية تتبع للجنة المركزية بريف درعا الغربي، مزارع بريف درعا الغربي والأوسط، تعود ملكيتها لتاجر المخدرات المعروف رافع الرويس، الذي يشاع أنه غادر البلاد إلى لبنان بعد يوم من مقتل مرعي الرمثان في السويداء، واشتبكت مع مسلحين فيها، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص واعتقال آخرين.

ويشارك اللواء الثامن، التابع لشعبة المخابرات العسكرية، في عملية مكافحة المخدرات، كما أوضح قيادي في اللواء، مشيراً إلى أنهم حققوا “إنجازات” في هذا الباب من قبيل “تفكيك عدد كبير من الشبكات المتخصصة في ترويج وتهريب وتعاطي المخدرات، وتقديم المتعاطين للعلاج والتأهيل من خلال أطباء أخصائيين للتخلص من الإدمان، والتعامل مع التجار والمروجين من خلال اللجان المجتمعية”.

لكن عمليات الاستهداف لا تطال جميع المتورطين، بحسب الوجيه أبو عدنان، قائلاً: “هناك العديد من العاملين بتجارة المخدرات والمعروفين للجميع، لكن لا أحد يستطيع محاسبتهم أو اعتقالهم أو استهدافهم، لأنهم يمتلكون مجموعات عسكرية مسلحة ويدعمهم النظام بالمال والمخدرات”.

تأكيداً على ذلك، قال القيادي العسكري من إنخل، أن مجموعته لم تستطع اعتقال العديد من المتورطين بتجارة المخدرات بسبب “العشائرية”، لأن أي تحرك “قد يتحول إلى مشكلة عشائرية، وبعض العشائر تحمي أبناءها حتى لو كانوا مجرمين”.

وعلى خطى حوران، تشهد محافظة السويداء عمليات ضد مروجي ومهربي المخدرات، من قبيل مقتل شاكر الشويعر، أحد أبرز تجار المخدرات، في اشتباك مع مجموعة محلية بريف السويداء، مطلع الشهر الحالي. سبق للأردن أن استهدفت الشويعر بقصف جوي لكن القصف أخطأه.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، ألقت إحدى الدوريات اليومية التي يسيرها أهالي قرية مياماس بريف السويداء القبض على شخصين بحوزتهما ما يقارب 30 ألف حبة كبتاجون، أثناء مرورهما بالقرية متجهين إلى ريف درعا، تمهيداً لتهريبها إلى الأردن.

ومع ذلك، لم تصل السويداء في استهداف تجار المخدرات إلى مستوى درعا، بحسب ريان معروف، لكن “سوف تتطور العمليات، وسوف يكون هناك فعل وردة فعل بين عصابات التهريب والفاعلين المحليين”.

وأضاف معروف: “هناك حملات مستمرة في السويداء، لكنها تكافح المتعاطين والمروجين المحليين، أي الحلقة الصغيرة”، مشيراً إلى أنه منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023 وحتى اليوم “اعتقلت الفصائل المحلية عشرات الأشخاص، وجرى تسليمهم للنظام”.

من جهته، قال أبو تيمور، مسؤول الجناح الإعلامي في حركة رجال الكرامة، أن الحركة تعمل على ملاحقة مهربي ومروجي المواد المخدرة ضمن السويداء، واستطاعت “تفكيك العديد من شبكات التهريب والترويج عبر إلقاء القبض على أفرادها ومصادرة وإتلاف المواد المخدرة التي تضبط بحوزتهم”.

وأشار أبو تيمور في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن الحركة “سلمت الأشخاص الذي ألقت القبض عليهم إلى فرع مكافحة المخدرات التابع لوزارة الداخلية، ضمن ضبط قانوني أصولاً”.

ومع أن جهود الحركة “أدت إلى تقويض نشاط العصابات وهروب واختباء عدد كبير من عناصرها”، إلا أن ملف المخدرات في السويداء يحتاج إلى جهود جبارة إقليمية ودولية”.

مستقبل المخدرات في جنوب سوريا!

تعمل “عصابات المخدرات” بدعم جهات عدة، بما في ذلك دولاً إقليمية ذات مصلحة، وهذا من شأنه أن “يصعب علينا مكافحة هذه الظاهرة”، بحسب أبو تيمور من رجال الكرامة.

وبذلك، فإن الجهود المحلية “ليست رادعاً للعصابات، وغير قادرة على إغلاق ملف المخدرات، الذي يدار من دول، ويحتاج إلى دول لإنهائه”، بحسب ريان معروف، معتبراً أن “الجهود الأهلية ليست حلاً مستداماً، وإنما هي ردة فعل على القصف الأردني، كرسالة رفض من المجتمع لهذه التجارة”.

وتوقع معروف أن تسعى عصابات التهريب إلى “تطوير نفسها في إطار مواجهة الجهود المحلية، يساعدها في ذلك ما تملكه من أموال وقدرات ودعم حكومي، وشراء أناس جدد مستغلة التردي الاقتصادي”، محذراً من أن تنفذ هذه العصابات “عمليات اغتيال ضد قادة الفصائل المحلية والمجتمع”، وبذلك تكون “الاستدامة لعصابات المخدرات وليس للجهود الأهلية المدفوعة بالفزعة”.

واتفق القيادي العسكري من إنخل مع ذلك، مشيراً إلى “تجارة المخدرات تزدهر في مقابل الجهود المحلية المتواضعة”، مؤكداً على أن “جهودنا لا تكفي للمواجهة”، كما أن المجموعات بحاجة إلى “الحصول على صلاحيات مطلقة من العشائر لمكافحة العاملين في تجارة المخدرات، وكذلك إلى دعم دولي”.

وختم الوجيه أبو عدنان بالقول: “بوجود حزب الله والنظام السوري ستبقى تجارة المخدرات مستمرة وسوف تزدهر”، وهذا يعني أن الكثير من شباب المنطقة عرضة للوقوع في نفق الإدمان، كما حدث مع بسام، الذي تمكن من الإقلاع عن تعاطي الكبتاجون بعد أشهر من الإدمان، بمساعدة طبيب في إنخل.

شارك هذا المقال