5 دقائق قراءة

استثمار أراضي النازحين بموجب “المزادات العلنية” يهدد النسيج الاجتماعي السوري

تسببت المزادات العلنية التي يطرح بموجبها النظام السوري أراضي نازحين "بوقوع حالات طلاق، وتهديد بين الأقارب بالقتل والثأر"، كما أوجدت حالة "من الخصومة والقطيعة بين الشركاء، سواء كانوا شركاء في العقار أو ورثة فيه".


15 يونيو 2022

إدلب- بعد سنوات من خسارة إنتاج أرضه الزراعية لصالح ابن عمه، الذي “وضع يده على الأرض بصورة غير شرعية مستغلاً نزوحنا”، فوجئ زهير السويد، النازح من مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، باستثمار ابن عمه للأرض ذاتها “رسمياً”، بموجب المزادات العلنية التي طرحها النظام، في الثامن من أيار/ مايو الماضي، معطياً الأولوية للأقارب حتى الدرجة الرابعة.

وقرر مجلس محافظة حماة التابع للنظام إعطاء الأقارب أولوية الاستثمار لموسم زراعي واحد، بعد أيام من إعلان الأمانة العامة للمحافظة قبول طلبات الاشتراك بالمزاد العلني لاستثمار الأراضي المزروعة بالفستق الحلبي في عدة مناطق، منها: اللطامنة، كفرزيتا، مورك، طيبة الإمام، ومناطق أخرى، بحسب ما جاء في الإعلان الذي حصلت “سوريا على طول” على نسخة منه.

أتاحت المزادات العلنية، التي بدأت مؤسسات الحكومة السورية طرحها منذ عام 2020، للأشخاص المقيمين في مناطق سيطرته استثمار أراضي النازحين، لكن فيما يُفترض أن يحفظ استثمار الأقارب حقوق أصحابها الأصليين، يبدو أنها تنذر بتهديد أكبر للتماسك الاجتماعي في البلاد.

في عام 2015، نزح السويد، 43 عاماً، فاستولى ابن عمه، الذي يعمل شرطياً في مدينة حماة، على أرضه البالغة مساحتها 4 هكتارات، منها هكتار ونصف الهكتار مزروعة بأشجار الفستق الحلبي، وهكتاران ونصف الهكتار، غير مشجرة، مخصصة للزراعات الموسمية المروية، “من دون أن يعترف بملكيتي عليها، أو يعوضني عن محصولها رغم مطالبتي المتكررة كل عام”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

سياسة ممنهجة

مرّت عملية طرح الأراضي الزراعية في “مزادات علنية” بعدة مراحل، كانت بدايتها، في عام 2019، حيث وجهت شعبة صوران لحزب البعث كتاباً إلى فرع الحزب بحماة، وحوله بدوره إلى مكتب الأمن الوطني، الذي أعطى الضوء الأخضر لقوات النظام “بالسيطرة على مواسم المزارعين النازحين”، كما قال المحامي عبد الناصر حوشان، عضو مجلس فرع حماة للمحامين الأحرار.

وعليه، بدأت حكومة دمشق بطرح “المزادات” عن طريق اللجنة الأمنية في حماة، التي “أوعزت بتشكيل لجنة أساسية في محافظة حماة ولجان فرعية في المناطق والنواحي لإعداد قوائم بالأراضي المستهدفة”، كما أوضح حوشان لـ”سوريا على طول”.

وفي موسم 2021-2022، نُقلت مهمة “المزادات” من اللجنة الأمنية إلى محافظ حماة “لإظهار العملية بصفة مدنية”، وفق حوشان. وعليه، استند مجلس المحافظة في المزادات المطروحة على القانون رقم 51 لعام 2004، الخاص بالتعاقد مع الحكومة، وكتابي وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي رقم (169/ق-ز)، ورقم (588/م-و)، الخاص بخطة عمل ضمان استثمار الأراضي الشاغرة والمقرر إعلانها للموسم الزراعي 2021 و 2022.

[irp posts=”40259″ name=”مزادات علنية بقرارات أمنية: الاعتداء على الملكية شمال غرب سوريا بغطاء الاستثمار”]

وفي أيار/ مايو الماضي، أعلنت اللجنة الرئيسية التابعة لمجلس محافظة حماة منح أولوية المزادات العلنية للأقارب المقيمين في مناطق النظام حتى الدرجة الرابعة، ما جعل بعض أصحاب الأراضي النازحين، يشعرون بالارتياح “كون القرار يضمن لنا نوعاً ما الحفاظ على أراضينا التي لا نستطيع الوصول إليها”، كما قال ناجي البكري (اسم مستعار) لـ”سوريا على طول”.

ومع اعترافه بأن إعطاء الأولوية للأقارب قد “يشعل الخلاف بين أفراد العائلة الواحدة على أحقية الاستثمار”، إلا أنه “حل أفضل من استثمار أشخاص من خارج البلدة أو العائلة للأرض”، بحسب البكري، المهجر من بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي منذ عام 2018، والمقيم في مدينة إدلب، مشيراً إلى أنه سبق للنازحين من بلدة التمانعة أن خسروا الاستفادة من أراضيهم الزراعية، التي “استثمرها شخص من خارج البلدة بموجب المزادات العلنية”، ما اضطرهم إلى “إعادة استثمار الأرض منه مقابل مبلغ إضافي فوق الذي دفعه في المزاد”.

النظام مسؤول “بالدرجة الأولى” عن تهديد أملاك النازحين والمهجرين وسلب حقوقهم، لكن هذا لا ينفي دور المؤسسات المحلية التابعة له في دعم توجهاته، من قبيل الجمعية الفلاحية في بلدة التمانعة، التي “عمدت إلى إحصاء أراضي مزارعين نازحين، كانت خارج قوائم المزادات العلنية”، ورفعتها للنظام ليتم طرحها في المزادات الأخيرة، وفقاً للبكري، وهو واحد من النازحين الذين طرحت أراضيهم في المزاد.

ولا يراعي النظام تداعيات قراراته وسياساته على التماسك الاجتماعي والعائلي، وفقاً للمحامي حوشان، وإنما “همه الوحيد الحصول على الأموال”.

شرخ عائلي واجتماعي

يعمل زهير السويد سائقاً في أحد المراكز الصحية بريف إدلب الشمالي، مقابل 250 دولار شهرياً، أي ثلاثة آلاف دولار سنوياً، وهو نصف المبلغ الذي يكسبه ابن عمه من أرضه “المستولى عليها” في الموسم الواحد، والتي تقدّر بحوالي ستة آلاف دولار أميركي.  

وعليه، اعتبر هاني القطيني، النازح من مدينة خان شيخون منذ عام 2019، أن “الشرخ الاجتماعي” بين أبناء البلدة الواحدة والعائلة نفسها جراء “المزادات العلنية” أمر “حتمي”، لأنها “تنتج تفاوتاً طبقياً جديداً على المستوى المالي، سببه استثمار أراضي النازحين من قبل أشخاص مقيمين تحت سيطرة النظام، يستظلّون بمظلته، ويستفيدون من قرارات مؤسساته”.

وحذّر المحامي حوشان من أن “دخول الأقارب في المزادات دون رضى أصحاب الأراضي تتسبب بمشاكل وأحقاد قد تصل حدّ الاقتتال على هذه الحقوق”، متهماً “المتقدمين لهذه المزادات بأنهم محسوبون على النظام وهمهم الاستيلاء على الأرزاق ونهبها”.

وتسببت المزادات العلنية “بوقوع حالات طلاق، وتهديد بين الأقارب بالقتل والثأر”، بحسب حوشان، كما أوجدت حالة “من الخصومة والقطيعة بين الشركاء، سواء كانوا شركاء في العقار أو ورثة فيه”.

من جانبه، قال فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن مزادات استثمار الأراضي “تندرج في سياق نهب ممتلكات النازحين واللاجئين، وترقى إلى أن تكون شكلاً من أشكال العقوبة الجماعية الذي يفرضها النظام على من هم خارج مناطق سيطرته كونه يعتبرهم معارضين”.

وتؤدي هذه المزادات إلى “تفكك النسيج الاجتماعي”، وفقاً لعبد الغني، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى استحواذ أشخاص من طوائف أخرى على أراضي النازحين “عن طريق الاستثمار”، وهو ما يعزز “الشرخ الاجتماعي الشاقولي في تركيبة المجتمع، ويؤسس لأحقادٍ تضاف إلى أحقاد القتل والتعذيب التي مارسها النظام مستخدماً أبناء هذه الطوائف”.

وفي ذلك، اتهم مهند المحيميد النظام السوري “بخلق حاضنة شعبية موالية له من الطائفة العلوية، مستغلاً التركيبة السكانية والطائفية المتنوعة لريف حماة الشمالي”، التي تميزت بتعايش طائفي قبل عام 2011.

وبعد اندلاع الثورة السورية “استخدم النظام العلويين لقمع الحراك الشعبي، عبر اللجان المحلية والدفاع الوطني، ومن ثم أفسح المجال لهم للاستفادة من الأراضي الزراعية في ريف حماة الغربي عبر الاستثمار”، بحسب المحيميد، الذي نزح من قرية حيالين في ريف حماة الغربي إلى مخيمات أطمة في عام 2017.

وفي المزاد العلني لموسم 2021-2022 الذي طرح النظام في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 “حاز شخص من الطائفة العلوية في بلدة نهر البارد غرب حماة، على أرضي، التي تبلغ مساحتها 10 هكتارات”، كما قال المحيميد لـ”سوريا على طول”.

ومع تأكيده على استخدام النظام للورقة الطائفية، “ودخول العلويين على خط استثمار أراضي طوائف أخرى”، إلا أن المنفعة الشخصية هي المحرك لهذه الانتهاكات بمعزل عن طائفة مرتكبها، كما قال الناشط أحمد صباح، المهجّر من بلدة قمحانة في ريف حماة.

وقال صباح، من مكان إقامته في إدلب، لـ”سوريا على طول” أن أخاه وأبناءه الموالين لنظام الأسد، وهم من الطائفة السنية “كانوا سبباً في اعتقال أخي المغيّب حتى الآن”، إلى جانب “استيلائهم على أرضي والسيطرة على منزلي بشكل علني”.

عدا عن حالة الغضب، التي عبّر عنها زهير السويد، من سلب حقه على يد ابن عمه “الذي نسف أواصر القربى وصلة الدم”، فإنه يشعر بالخجل عندما يتحدث “عن تصرفاته أمام الناس”، مختتماً حديثه: “بينما نحن نزداد حاجة هو يزداد ثراء على حسابنا!”.سوري

شارك هذا المقال