العنف الأسري ضد النساء في سوريا جرائم محمية بـ”الأعذار المخففة” والمجتمع
كل مناطق سوريا، بغض النظر عن الجهة المسيطرة، تسجل حالات تعنيف وقتل للنساء، حيث تعشن ضمن منظومة ديكتاتورية تواءمت مع السلطة الدينية والمجتمعية.
8 أغسطس 2022
إدلب- في الحادي عشر من تموز/ يوليو الماضي، ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بخبر مقتل إسراء ديب، 17 عاماً، في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، على يد أبيها، لكن سرعان ما طويت هذه الجريمة من ذاكرة المجتمع كما غيرها من الجرائم المرتكبة بحق النساء السوريات.
وقعت الجريمة في أول أيام عيد الأضحى، على خلفية اتهام إسراء بالتراسل مع شاب عبر هاتفها المحمول، وتم اكتشاف الجريمة، عند أحد حواجز عفرين التابعة للجيش الوطني المدعوم من تركيا، أثناء محاولة القاتل نقل جثمان ابنته من ريف عفرين إلى مسقط رأسها في “كفر عمة” بريف حلب الغربي، حيث تنحدر العائلة من هناك قبل نزوحها إلى منطقة جنديرس بريف عفرين.
قبل هذه الحادثة، كانت إسراء وأخواتها ضحية عنف أسري لسنوات، كما قالت ريم (اسم مستعار) إحدى صديقات الضحية لـ”سوريا على طول”، إذ أجبرهنّ أباهنّ “على ترك مدارسهنّ في أعمار صغيرة رغم تفوقهنّ، وكان عنيفاً في التعامل معهنّ”، وبذلك “قتل طموح ابنته المتفوقة في دراستها والمعروفة بخجلها”.
وعدا عن أن مثل هذه الجرائم تكشف كارثة مجتمعية، فإنها تعرّي قصور “القانون السوري”، إذ تعدّ الجرائم بدعوى “الشرف” “مشرعنة قانونياً، كون يُعاقب القاتل بالسجن فقط، بمدة حسب تقدير القاضي”، كما قالت هبة عز الدين الحجي، المديرة التنفيذية لمنظمة عدل وتمكين، التي تعنى بالدفاع عن حقوق النساء، فضلاً عن أن التعديلات الأخيرة التي شددت العقوبات على مرتكبي هذا الجرائم غير نافذة في مناطق سيطرة المعارضة، شمال غرب سوريا.
العذر المخفف!
ذاع صيت قصة إسراء، ولكن ربما دُفنت قصص نساء أخريات بالتكتم عنها، وهذا من شأنه أن “يشجع على مزيد من هذه الجرائم، لأن التكتم على الجريمة يثبت للمجرمين إمكانية الإفلات من العقاب”، كما قالت المحامية هدى سرجاوي لـ”سوريا على طول”.
إضافة إلى التكتم على الجرائم المرتكبة بحق النساء، والتي تكشف مشكلة مجتمعية متجذرة، كان قانون العقوبات السوري قبل عام 2009، يتيح للقاتل الاستفادة من “العذر المحل”، التي نصت عليه المادة 548، التي تنص على أنه “يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد”.
وبموجب نفس المادة من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148، يستفيد من “العذر المخفف” مرتكب القتل أو الأذى “إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”.
وفي تعديل المادة 548 لعام 2009، حُذف “العذر المحل”، لكن أبقي على “العذر المخفف” على “ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل”.
ألغيت المادة كلياً في آذا / مارس 2020، وبالتالي يُحال القاتل إلى القضاء بجريمة “القتل القصد”، لكن قد يمكنه الاستفادة من المادة 192 التي تشير إلى إمكانية تخفيف حكم القتل العمد “إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفاً”، وتنص المادة في إحدى جزئياتها على أنه يمكن أن يحكم بـ”الحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل”.
ورغم أن القضاء في مناطق المعارضة المدعومة من أنقرة تعتمد قانون العقوبات التابع للنظام، إلا أنها لا تأخذ بتعديلاته “بسبب عدم امتلاكه الشرعية لوضع قوانين أو تعديلها”، وعليه “ما زالت تطبق الأحكام المخففة بحق مرتكبي جرائم القتل بذريعة الشرف”، وفقاً للمحامية سرجاوي.
تأكيداً على دور القانون في الحدّ من العنف ضد النساء، قالت هبة عز الدين حجي، إن “جرائم القتل بداعي الشرف انخفضت في دول اللجوء”، وفقاً لأرقام خاصة بمنظمة عدل وتمكين، مضيفة” “تركيا بلد فيها قوانين رادعة، وهذا مؤشر على دور القانون في حماية النساء”.
أرقام لا تعكس الواقع
بالتزامن مع مقتل إسراء ديب، في تموز/ يوليو الماضي، أقدمت امرأة على الانتحار في منزل زوجها بقرية جوبانا، التابعة لناحية راجو في ريف عفرين، إثر خلافات زوجية، ورغم أن الحادثة ليست عملية قتل مباشر، إلا أنها تندرج ضمن “العنف الأسري”، وهي واحدة من أصل 15 جريمة شهدتها بعض الدول العربية في أسبوع واحد، وفقاً لمنصة “شريكة ولكن”، وهي منظمة نسوية غير حكومية.
في الشهر ذاته، لقيت مها (اسم مستعار)، 25 عاماً، مصرعها على يد أخيها في أحد ضواحي دمشق، الذي يعمل في صفوف النظام السوري، دون أن يتم الإفصاح عن مقتلها، وإنما أشيع في الدائرة الضيقة أنها “اختفت بعد عودتها إلى سوريا”، كما قالت إيمان (اسم مستعار)، وهي إحدى قريباتها، لـ”سوريا على طول”.
وبعد تعرضها للضرب والإيذاء على يد زوجها “لجأت مها إلى إحدى العائلات التي كانت على تواصل معهم”، لكن بعد التعرف على مكانها “أعطتها والدتها الأمان في حال عودتها، وفي المقابل اتفقت مع أخيها على عقابها”، فأقدم الأخير على قتلها، وفق إيمان.
وسبق لمها أن “طلبت الطلاق من زوجها بسبب تعنيفه لها لكن والدتها كانت ترفض طلاقها وتحاول إقناعها باستمرار زواجها”، كما قلت إيمان. ولم تتمكن “سوريا على طول” الوصول إلى تفاصيل الحادثة من مصادر مستقلة أو مواقع إعلام محلية.
على عكس قصة مها، تصدر اسم آيات الرفاعي وسائل التواصل الاجتماعي، مطلع كانون الثاني/ يناير 2022، التي قُتلت على يد زوجها غياث الحموي، الذي كان عنصراً في صفوف الحرس الجمهوري في جيش النظام.
وتعرضت الرفاعي لتعنيف أسري من زوجها وعائلته، وتعرضت للضرب على يد والد زوجها مرتين يوم وفاتها، قبل أن يضربها الزوج ضربة قاتلة.
من جهتها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان “مقتل ما لا يقل عن 6 إناث بذريعة جريمة الشرف في عموم مناطق سوريا خلال عام 2022″، مقابل “مقتل 21 أنثى، بينهنّ 3 طفلات، خلال عام 2021″، بحسب نور الخطيب، مسؤولة توثيق الانتهاكات الواقعة على المرأة في الشبكة السورية.
وقالت الخطيب لـ”سوريا على طول” أن “هذه الأرقام هي الموثقة، وهي الحد الأدنى”، مشيرة إلى أن “الجرائم بذريعة الشرف غالبا ما تسعى العائلة والمجتمع المحيط بها لعدم الإعلان عنها وطمسها حفاظاً على سمعة العائلة وحماية الجاني أو التلاعب بظروفها لإظهارها بسياق جريمة مجهولة الظروف أو وفاة طبيعية”.
ومع أن العنف ضد النساء ليس جديداً في المجتمع السوري، إلا أن زيادة مثل هذه الجرائم في الآونة الأخيرة قد يكون بسبب “انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وابتزاز النساء وتهديدهن والإيقاع بهن، وغياب القانون، وانتشار السلاح، وحالة الحرب والنزاع التي تشهدها البلاد”، وفقاً لهبة عز الدين الحجي.
وأضافت: “لا يمكن اعتبار منطقة نفوذ أكثر تسجيلاً للعنف الأسري من مناطق نفوذ أخرى”، موضحة أن “كل مناطق سوريا تسجل حالات تعنيف وقتل للنساء”، حيث تعشن “ضمن منظومة ديكتاتورية تواءمت مع السلطة الدينية والمجتمعية”.
“العرف أقوى من القانون”
تعد قضية العنف الأسري وجرائم قتل النساء أولوية بالنسبة للمنظمات النسوية السورية، وفقاً لهبة الحجي، وتعمل هذه المنظمات بهدف تطبيق قرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، والذي يعتبر أن تنفيذ أولويات المرأة والسلام والأمن هو التزام سياسي غير قابل للتفاوض لدى الأمين العام للأمم المتحدة.
وتصطدم قدرة المنظمات السورية على الرصد والاستجابة مع عدة أمور، منها أن “كل منظمة تعمل ضمن إطار محلي ضيق”. لكن الأخطر من ذلك ما يتعلق بالمجتمع، لذلك تهدف منظمة عدل وتمكين، التي تديرها هبة الحجي على أن “تلعب دوراً توعوياً في تقليل العنف ضد النساء”، من خلال مشاريع “التوعية القانونية للنساء والرجال، وإطلاق جلسات حوارية تتناول مواضيع متعددة منها جرائم القتل بذريعة الشرف”، كما أوضحت.
وتركز المنظمة في برامجها التوعوية على “القوانين والأعراف”، لافتة إلى أن “العرف الاجتماعي أقوى من القانون في شمال غرب سوريا”، لذلك “نهدف عبر مشاريعنا الاستماع لرأي المجتمع وتصحيح المفاهيم المغلوطة”.
لكن هذا لا يكفي لمنع العنف الأسري، خاصة في ظل “عدم وجود لجان حقوقية قادرة على الاستجابة السريعة وحماية النساء اللواتي يتعرضن للتهديد”، وفقاً للمحامية هدى سرجاوي، معتبرة أن السبيل القانوني الوحيد هو أن “تلجأ المرأة إلى القضاء لحمايتها”، لكن “قد تتعرض المرأة في هذه الحالة إلى ضغوطات من قبل محيطها أو عائلتها”.
“هناك فراغ أمني في الجرائم ضد النساء”، قالت سرجاوي”، معتبرة أن “سلطات الأمر الواقع لديها مخافرها ومحاكمها لكنها لا تحمي النساء”، وأمام هذا الواقع القضائي والاجتماعي “لا تلجأ المرأة إلى هذه الجهات في حال تعرضها للتهديد خوفاً من الاستغلال والوصمة المجتمعية”.
في المقابل، يتوقف دور مراكز حماية المرأة على لعب “دور الوسيط” في حال لجأت النساء إليها، والوساطة تكون “بين المرأة وبين الطرف الذي يهددها، وقد يكون أب أو أخ، وتلجأ في الوقت نفسه إلى قيادات مجتمعية [وجهاء] حتى لا يصل الأمر إلى قتلها”، بحسب سرجاوي، معتبرة أن الداخل السوري “ينقصه إجراءات أكثر جدية، مثل تعزيز دور مراكز الحماية، وتحسين المنظومة القانونية والقضائية”.