7 دقائق قراءة

“حرب المخدرات” في جنوب سوريا: توسع إيراني أمام خيارات أردنية “محدودة”

في الوقت الذي تعدّ خيارات الأردن محدودة في مواجهة ما أطلقت عليه "حرب المخدرات"، يبدو أن إعادة دعم بعض فصائل المعارضة وتنشيط دورها على الحدود الأردنية المحاذية لمحافظتي درعا والسويداء أحد الحلول المتاحة


1 يونيو 2022

باريس- صعّدت الأردن من تصريحاتها الرسمية حيال النشاط الإيراني المتزايد في جنوب سوريا وتصاعد عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن، لدرجة أن “الجيش يخوض حرباً على المخدرات عند الحدود الشمالية الشرقية”، كما قال مدير الإعلام العسكري في الجيش الأردني، العقيد مصطفى الحياري. 

وجاءت تصريحات الحياري لقناة “المملكة” الأردنية، في 23 أيار/ مايو الماضي، بعد خمسة أيام من تحذيرات الملك الأردني، عبد الله الثاني، أن تسدّ إيران ووكلاؤها الفراغ العسكري الذي ستتركه روسيا في حال انسحابها من جنوب سوريا، ما قد يؤدي إلى “تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”، معتبراً أن الوجود الروسي كان “مصدر تهدئة”.

وعلى خلفية تصاعد عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، أعلنت الأخيرة، مطلع العام الحالي، “تغيير قواعد الاشتباك المعمول بها في القوات المسلحة وملاحقة كافة العناصر التي تسعى للعبث بالأمن الوطني”.

النشاط الإيراني في جنوب سوريا، بما في ذلك عمليات تهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية ليس جديداً، لكن ارتفعت وتيرته خلال السنوات الثلاث الأخيرة، التي أعقبت سيطرة النظام السوري على جنوب سوريا بموجب اتفاقية التسوية في صيف 2018، وسجّل العام الحالي نشاطاً غير مسبوق في عمليات التهريب والمواجهة بين الأردن والمهربين.

عودة الفرقة الرابعة

في منتصف أيار/ مايو الماضي، افتتح مكتب قيادة الفرقة الرابعة في محافظة درعا، باب التسجيل للراغبين في الانتساب للفرقة، التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، على أن تكون الخدمة للمتطوعين “في دمشق حصراً”، وفقاً لوسائل إعلام محلية معارضة.

يأتي هذا الإعلان بعد تراجع وجود الفرقة الرابعة في محافظة درعا، بعد توقيع اتفاقيات التسوية الجديدة في أيلول/ سبتمبر الماضي، التي جاءت في أعقاب توقف عملية اقتحام أحياء درعا البلد من قبل الفرقة الرابعة و”التيار الإيراني” في صفوف القوات العسكرية والأمنية التابعة للنظام، وأفضى الاتفاق إلى وقف العملية العسكرية، وانسحاب الفرقة الرابعة من درعا، وتعميم تسوية “درعا البلد” على مدن وبلدات حوران.

منذ توقيع التسوية الأخيرة اقتصر وجود الفرقة الرابعة على مكاتب إدارية وأمنية وبعض الحواجز والنقاط العسكرية المحدودة، لكن هذا لا ينفي استمرار وجودها عبر وكلاء محليين أو ما يعرفون بـ”عناصر التسوية”، وهم مقاتلون سابقون في صفوف المعارضة، انضموا للفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية والعسكرية الأخرى بعد إجراء التسوية.

مع ذلك، كان لتسوية أيلول/ سبتمبر الماضي، دور “في تراجع نشاط الرابعة”، كما قال أبو محمد، قيادي عسكري سابق في فصائل المعارضة، موضحاً لـ”سوريا على طول” أن “الغالبية العظمى من عناصر التسوية ليس لديهم ولاء للرابعة أو للنظام السوري”.

واستدلّ القيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه كونه يقيم في مناطق سيطرة النظام شمال درعا، بالاستجابة “الضعيفة جداً” لعناصر التسوية، وغالبيتهم يتواجدون في ريف درعا الغربي “لأوامر الفرقة الرابعة بضرورة الالتحاق بصفوفها، وتحديداً قيادة الفوج 666 في دمشق”.

تأكيداً على ذلك، قال قائد مجموعة عسكرية محلية تتبع للفرقة الرابعة في ريف درعا الغربي، كان في صفوف المعارضة سابقاً، أن “لم يُسجل فعلياً عودة للفرقة الرابعة إلى مراكزها ونقاطها العسكرية التي كانت منتشرة فيها بمحافظة درعا” قبل تسوية أيلول/ سبتمبر 2021.

ونتيجة لرفض عناصر التسوية الالتحاق بمعسكرات الفرقة الرابعة في دمشق، رغم النداءات المتكررة، رفعت قيادة الفرقة “مذكرات بحث فرار بحق العناصر الذين رفضوا الالتحاق خلال الأشهر الماضية”، بحسب قوله لـ”سوريا على طول”.

“ويتواصل ضباط من الرابعة مع هؤلاء العناصر للالتحاق بالعاصمة دمشق، مقابل ضمان الكف عن ملاحقتهم وإجراء تسوية عسكرية لهم”، وفقاً لقائد المجموعة التابعة للفرقة الرابعة، ومع ذلك “التحقت نسبة قليلة”.

مقابل ذلك، فتحت الفرقة الرابعة “باب التطوع بعقود مدنية لمن يرغب بذلك من أبناء محافظة درعا” على أن تكون “مدة العقد سنتين قابلة للزيادة”، بحسب القيادي. 

ومع أن العقود مدنية، يخضع المنتسبون الأفراد (الجنود)، الذين لم ينهوا الخدمة العسكرية الإلزامية، فور التحاقهم “لدورة تدريبية عسكرية مدتها 45 يوماً في معسكرات تابعة للفرقة في منطقة الصبورة ويعفور بريف دمشق الغربي”، فيما يخضع “صف الضباط” الذين لم ينهوا الخدمة العسكرية الإلزامية إلى “دورة تدريبية مدتها ثلاثة أشهر للخدمات الميدانية، وستة أشهر لدورات الاختصاص كسائقين ورماة دبابات ومدرعات بي إم بي وعربات الشيلكا إضافة لدورات تخصص الاستطلاع والهندسة”، بحسب القيادي.

ويحصل المتطوع الفرد (الجندي)، إذا لم يتم الخدمة الإلزامية على راتب شهري مقداره 65 ألف ليرة سورية (16.5 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، البالغ 3955 ليرة للدولار)، أما إذا أتمّ الخدمة العسكرية ودخل فترة الاحتفاظ، يحصل على 145 ألف ليرة (36.5 دولاراً)، فيما يحصل المتطوع برتبة “صف ضابط” 80 ألف ليرة (20 دولاراً) شهرياً، إذا لم يتم الخدمة، أما إذا أتمها ودخل مرحلة الاحتفاظ يصل راتبه الشهري إلى 170 ألف ليرة (42.5 دولاراً)، وفق القيادي.

يسعى النظام من خلال فتح باب التطوع في الفرقة الرابعة إلى “ترويض من كانوا في صفوف المعارضة سابقاً لزجهم في معارك مستقبلية ضد تنظيم داعش في البادية، وفصائل المعارضة في شمال سوريا”، مقابل “حمايتهم من الاعتقال على يد الأفرع الأمنية بسبب نشاطهم السابق ضد النظام قبل 2018″، وكذلك “إغراء ضعاف النفوس بالمكتسبات التي سيحصلون عليها من تعفيش وسرقة البلدات التي يسيطرون عليها”، لكن ذلك “سيجعل من هؤلاء وقوداً للمعارك في الصفوف الأمامية”.

الانتشار بالوكالة

منذ توقيع الاتفاق الرباعي بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإسرائيل والأردن، في أيار/مايو 2017، الذي تضمن في جوهره تعهد موسكو بإبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية والجولان المحتل، أدركت طهران صعوبة تواجد قواتها المباشر في جنوب سوريا.

وعليه، اعتمدت طهران على أذرع تابعة لها وميليشيات عسكرية محلية مدعومة منها، قوامها مجندون من محافظات جنوب سوريا، لضمان وجودها في المنطقة، وتوسع النشاط الإيراني جنوب سوريا في أعقاب تسوية صيف 2018، إذ حاولت إيران عبر ما يعرف بـ”التيار الإيراني” تجنيد أكبر عدد من عناصر المعارضة السابقين.

خلال السنوات الماضية، فرضت موسكو حالة من التوازن في جنوب سوريا، بمعنى أنها سمحت بتوسع المليشيات المحلية التابعة لإيران، وتنفيذ “التيار الإيراني” لعمليات تجنيد في المنطقة، لكن كان ذلك تحت أنظارها.

ورغم تراجع الدور الروسي، ووقف موسكو دعم اللواء الثامن سابقاً، التابع للفيلق الخامس، الذي يقوده أحمد العودة، القيادي السابق في الجبهة الجنوبية، وتحويل تبعية اللواء لشعبة الاستخبارات العسكرية 238 في السويداء، ما يزال التوازن موجوداً في جنوب سوريا، بحسب مصدر إعلامي مقرب من اللواء الثامن، لكن هذا لا ينفي “الزيادة الملحوظة في عمليات ومحاولات تهريب المخدرات إلى الأردن”.

واعتبر المصدر الإعلامي، الذي طلب من “سوريا على طول” عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، أن التصعيد الأردني الرسمي جاء “خشية انفجار الوضع على حدودها، لكن الواقع على الأرض لم يتغير”. 

وفيما يبدو رسالة تطمين من موسكو لعمّان، تجولت دورية من الشرطة العسكرية الروسية رفقة رئيس فرع الأمن العسكري العميد لؤي العلي على طول الجزء الغربي من الحدود السورية الأردنية، بعد يوم واحد من تصريحات الملك الأردني. لكن بعد أيام، خفضت القوات الروسية عدد قواتها في عدة مقرات عسكرية بمدينة إزرع وبلدة موثبين شمال درعا، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية معارضة.

التراجع الروسي يشير إلى أن “الملف السوري لم يعد أولوية بالنسبة لروسيا”، وفقاً لأبو محمد، القيادي السابق في صفوف المعارضة. مقابل ذلك، تحاول طهران “التوسع والتغلغل في الجنوب السوري، وبناء حاضنة شعبية لها”، وهو ما يسهل أيضاً “نشاطها التجاري والعقائدي في تهريب المخدرات”، بعد أن كانت موسكو “تكبح جماحها جنوب سوريا”.

وحذر أبو محمد من أن “الفرصة سانحة أمام إيران لاحتواء أو إنهاء أي قوة عسكرية جنوب سوريا تحاول الوقوف في مشروعها”، داعياً إلى “تحرّك دولي لإعادة تنشيط فصائل المعارضة جنوب سوريا” بهدف مواجهة التوغل الإيراني. 

خيارات الأردن

في 24 أيار/ مايو الماضي، قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن الحل السياسي في سوريا هو “الحل الوحيد”، داعياً إلى “دور عربي أكبر في إيجاد هذا الحل”. معتبراً أن الأردن لا يمكنها تحمّل فشل دول في المنطقة أكثر من ذلك.

تزامنت تصريحات الصفدي مع تصريح مدير الإعلام العسكري، العقيد مصطفى الحياري، في أن القوات المسلحة الأردنية تواجه “حرب مخدرات” على حدودها الشمالية الشرقية، مشيراً إلى أن السنوات الثلاث الماضية شهدت زيادة مضاعفة لعمليات التهريب والتسلل.

واتهم الحياري دعم “مجموعات غير منضبطة من حرس الحدود السوري ومن مجموعات أخرى” للمهربين، واصفاً عمليات التهريب بـ”الممنهجة”، واعتبر أن بلاده تواجه هذا التهديد بالنيابة عن دول المنطقة والعالم.

وتشهد الحدود الأردنية عمليات تهريب يومية من قبل ثلاث أو أربع مجموعات، كل مجموعة تتألف من 10 إلى 20 شخصاً، وتقسم المجموعات إلى فئة استطلاعية وفئة تعمل على تشتيت القوات المسلحة، وأخرى تنتظر الفرصة المناسبة لتقوم بعمليات التهريب، وفقاً للحياري، الذي كشف عن ضبط الأردن لأكثر من 20 مليون قرص “كبتاغون” منذ مطلع العام الحالي، مقابل 14 مليون قرصاً العام الماضي.

وفق هذا الواقع، لم يلمس الأردن حتى الآن “شريكاً حقيقياً في حماية الحدود”، بحسب العميد أحمد خليفات، مدير أمن الحدود في الجيش الأردني، مشدداً على ضرورة أن تؤدي قوات النظام واجباتها.

جاء تصعيد الأردن في تصريحاتها تجاه النظام السوري، بعد أقل من عام على تطبيع العلاقات بين البلدين، إلا أن الارتفاع الكبير في عدد عمليات التهريب وحجم المهربات من سوريا إلى الأردن تنبئ بتغير الموقف الأردني.

وفي الوقت الذي تعدّ خيارات الأردن محدودة في مواجهة ما أطلقت عليه “حرب المخدرات”، يبدو أن إعادة دعم بعض فصائل المعارضة وتنشيط دورها على الحدود الأردنية المحاذية لمحافظتي درعا والسويداء أحد الحلول المتاحة، وقد لجأت الأردن لمثل هذا الخيار في فترة سيطرة المعارضة على المنطقة، حيث وسّعت دعم بعض الفصائل خارج إطار غرفة عمليات “الموك” بهدف حماية الشريط الحدودي، كما في حالة جيش أحرار العشائر.

وإلى جانب جيش أحرار العشائر، يعتبر اللواء الثامن (فصيل شباب السنة سابقاً)، بقيادة أحمد العودة، الذي يحظى بعلاقات جيدة مع الأردن حتى اليوم، أحد المرشّحين للحصول على دعم أردني في حال لجأت عمّان إلى هذا الخيار. 

وفي الوقت الذي تداول ناشطون أخباراً تفيد باجتماع الأردن مع قياديين عسكريين سابقين في فصائل المعارضة على أراضيها، نفى المصدر الإعلامي المقرب من اللواء الثامن أي معلومات من هذا القبيل، لكنه لم يستبعد أن تلجأ الأردن “لهذا الحل كخيار أخير بهدف ضبط حدودها”.

لكن هذا الخيار غير ممكن “من دون دعم أميركي أو روسي”، بحسب القيادي أبو محمد، معتبراً أن “النظام وروسيا لن يسمحوا بوجود فصيل في جنوب سوريا بتمويل أردني من دون موافقتهم”، وفي حال “حصل اللواء الثامن على دعم من دون موافقة روسيا، سيكون ذلك مبرراً للنظام بتفكيكه”.

إلى الآن يبدو أن موسكو لا تريد تدخّل فصائل المعارضة السابقة لضبط الحدود السورية-الأردنية، وفقاً للقيادي أبو محمد، مشيراً إلى أنها “تفضّل زيادة النشاط الإيراني من أجل تشكيل ضغط على إسرائيل والأردن بالإضافة إلى دول الخليج العربي” بهدف تعزيز موقفها في الحرب الأوكرانية.

شارك هذا المقال