4 دقائق قراءة

أزمة جوازات السفر وتأجيل مواعيد تسليمها تحجز حرية السوريين الراغبين بمغادرة البلاد

وقع السوريون ضحية أزمة جوازات السفر، التي عطلت مصالحهم وبددت أحلامهم في السفر، ناهيك عن أنها فتحت باباً واسعاً أمام السماسرة، الذين يستغلون حاجة المواطن للحصول على جواز.


18 أغسطس 2023

دمشق- في 13 آب/ أغسطس الحالي، أعلن “مركز خدمة المواطن” تأجيل مواعيد تسليم جوازات السفر للأشخاص المقرر تسليمهم في 15 من الشهر ذاته إلى 17 أيلول/ سبتمبر المقبل، وهو التأجيل الثاني، بعد أن كان موعد التسليم الأول في الخامس من تموز/ يوليو الماضي، ما يشير إلى عودة أزمة الحصول على جوازات السفر السورية إلى الواجهة، وهي أزمة مستمرة منذ أكثر من عامين.

قبل عامين، أرجع وزير الداخلية السوري، محمد خالد الرحمون، أزمة الجوازات إلى “أسباب فنية بحتة”، مبيناً أن “المشكلة قد عولجت” على أن يتم تسليم الجوازات المستعجلة فوراً، والعادية قبل شهر تموز/ يوليو 2022، متعهداً أنه لن يكون هناك أي تأخير في تسليم الجوازات اعتباراً من 20 آب/ أغسطس 2022.

منذ عام 2021، وقع المواطنون ضحية أزمة الجوازات، التي بددت أحلامهم في السفر، وعطلت مصالحهم، ناهيك عن أنها فتحت باباً واسعاً أمام السماسرة، الذين يستغلون حاجة المواطن للحصول على جواز يخرجه من البلاد، التي تعاني من ويلات الحرب منذ أكثر من اثني عشر عاماً.

كان مقرراً أن يحضر الصحفي سمير (اسم مستعار)، 38 عاماً، برنامج زمالة صحفية خارج البلاد، في حزيران/ يونيو الماضي، وهو السوري الوحيد المقبول في البرنامج من الداخل السوري، لكن آنذاك كان جوازه صالح لمدة أربعة أشهر، وهي مدة غير كافية للحصول على تأشيرة، لذلك كان يتعين عليه الحصول على جواز سفر جديد.

قبل موعد بدء برنامج الزمالة بأربعة أشهر، تقدم سمير بطلب للحصول على جواز سفر، بعد أن حجز دوراً على المنصة الحكومية المخصصة لذلك “عبر مكتب سمسرة”، وأعطي موعداً في 8 أيار/ مايو الماضي لاستلام الجواز، كما قال لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

مع حلول موعد التسليم راجع مديرية الهجرة والجوازات في دمشق، فقال له الموظف: “راجعنا بعد يومين”، لكن “في اليوم التالي فوجئت بتأجيل مواعيد استلام الجوازات مدة شهرين لكل موعد”، بحسب قوله.

“لو كنت أعرف ما سيحدث لتقدمتُ بطلب للحصول على جواز سفر مستعجل رغم ارتفاع رسومه”، قال سمير، حيث تبلغ رسوم الجواز المستعجل للمواطنين داخل البلاد مليون وخمسة آلاف ليرة سورية (70 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 14350 ليرة للدولار الواحد). هذا الرسم يساوي راتب موظف حكومي لخمسة أشهر بعد الزيادة الأخيرة، التي جاءت بموجب المرسومين التشريعيين 11 و12، الصادرين في 15 آب/ أغسطس الحالي، والقاضيين بإضافة نسبة 100% إلى الرواتب والأجور المقطوعة لكل من العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين، إذ يبلغ متوسط الرواتب قبل المرسومين بنحو مئة ألف ليرة.

أزمة لصالح “السماسرة”

لطالما انتظر السوريون الراغبون بالحصول على جواز سفر أن تحل حكومة النظام مشكلتهم المتمثلة بانتظار ساعات طويلة في طوابير أمام فروع الهجرة والجوازات، وجاء الحل بإنشاء وزارة الداخلية منصة خاصة للتسجيل على جوازات السفر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، ومن ثم إطلاق خدمة منح جواز جديد عبر بوابة مركز خدمة المواطن الإلكتروني في تموز/ يوليو، لكن هذه الإجراءات فاقمت المشكلة بدلاً من حلها، كما اشتكى عدد من سكان دمشق لـ”سوريا على طول”.

بعد أشهر على أزمة الجوازات، التي لم تلتزم الحكومة السورية حلها كما جاء في وعد وزير داخليتها آنذاك، تنامى دور سماسرة الجوازات في تسهيل الحصول على دور عبر المنصة الإلكترونية المخصصة لحجز الدور، وكذلك استصدار جوازات للراغبين مقابل مبالغ مالية كبيرة بالتعاون مع موظفين في إدارة الهجرة. أعلنت داخلية النظام، في شباط/ فبراير 2022، عن القبض على موظفين وضباط وسماسرة في فرع الهجرة بدمشق بسبب الرشوة وابتزاز المواطنين.

بهذه الطريقة، تمكن سامر خليل، 40 عاماً، الحصول على جواز سفر مستعجل عبر أحد السماسرة في دمشق، مقابل مبلغ 2500 دولار أميركي، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أنه مطلوب لأداء الخدمة الاحتياطية، ومع ذلك “تمكن السمسار من تأمين الجواز في اليوم التالي من الاتفاق معه، ومن دون حضوري الشخصي إلى مبنى فرع الهجرة والجوازات”.

ويتصيد السماسرة زبائنهم عبر مجموعات الفيسبوك، ويعرضون خدماتهم على الراغبين بالحصول على جوازات سفر، سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، وبغض النظر إن كانوا مطلوبين للنظام أم لا، كما قال سمسار أطلق على نفسه لقب أبو عبدو، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أنهم يتقاضون مبالغ قد تصل إلى 3100 دولار على الجواز الواحد “في حال كان الشخص مطلوباً”.

حجز حرية المواطن

وصف الصحفي سمير ما تقوم به وزارة الداخلية من تأجيل مواعيد تسليم الجوازات، دون توضيح الأسباب، بـ”حجز حرية المواطنين والتلاعب بمصيرهم دون أدنى شعور بالمسؤولية”، محملاً الوزارة خسارته فرصة مهمة في مسيرته المهنية “نتيجة تأخير تسليمه الجواز عن الموعد المحدد”. 

حالة سمير تمثل معاناة غالبية السوريين داخل البلاد وخارجها، الذين يحتاجون إلى وثائق السفر ولا يستطيعون الحصول عليها “بسبب فشل الحكومة في حل أزمة الجوازات من جذورها”، كما قال محام سوري مقيم في دمشق لـ”سوريا على طول” شريطة عدم ذكر اسمه لدواع أمنية، معتبراً أن النظام “لو أراد حل المشكلة لحلها عبر وضع لصاقة تمديد على الجوازات”، وهي آلية كان معمول بها حتى عام 2017.

واعتبر المحامي أن عرقلة حرية السوريين في التنقل، عبر جواز السفر، يخالف الدستور السوري لعام 2012، الذي ينص في مادته رقم 38 على أن “لكل مواطن الحق بالتنقل في أراضي الدولة أو مغادرتها إلا إذا منع من ذلك بقرار من القضاء المختص أو من النيابة العامة، أو تنفيذاً لقوانين الصحة والسلامة العامة”.

ومع أن الجواز السوري هو ثالث أسوأ جواز سفر في العالم بحسب مؤشر هينلي آند بارتنرز، ولا يخول حامله إلا دخول 30 دولة من دون تأشيرة (فيزا)، إلا أنه حلم لا يطاله العديد من السوريين، الذين تحطمت آمالهم بالمشاركة في فعاليات خارجية، كحالة سمير، أو مغادرة البلاد إلى غير رجعة، إذ تشهد البلاد موجهة هجرة مستمرة حتى الآن.

شارك هذا المقال