5 دقائق قراءة

أطفال شمال غرب سوريا على جبهتين: موت محدق وأضرار نفسية دائمة

رغم سعي المنظمات في شمال غرب سوريا لدعم الأطفال على وجه التحديد، إلا أن الأطفال النازحين "يحصلون على أدنى حقوقهم". فوق ذلك، فإن الشريحة التي يتم استهدافها لا تغطي إلا أعداداً محدودة من إجمالي الأطفال النازحين


23 فبراير 2020

عمان- منذ وصوله إلى بلدة جنديرس في ريف حلب الشمالي، نازحاً من مدينة سراقب شرق إدلب، يعيش الطفل خالد الحسن في عزلة بغرفة صغيرة في منزل مشترك تقاسمته عائلته مع عائلة أخرى، محروماً من أبسط حقوقه المتمثلة خصوصاً، بالإضافة إلى الحق في الحياة، في الحق في النماء، والمكفولة في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة.

ومع أن عائلة خالد، ذي السبعة أعوام، تقف عاجزة عن أن تقيه برد الشتاء الذي يشهد انخفاضاً حاداً في درجات الحرارة شمال سوريا، فإنها ما تزال تشعر أنه محظوظ مقارنة بكثير من أقرانه النازحين جراء الحملة العسكرية للقوات الحكومية في شمال غرب سوريا، والذين ما يزالون بلا مأوى. وكما قال والده علي الحسن لـ”سوريا على طول: “رغم أن ابني يقضي كل وقته داخل غرفتنا من دون أن أي نشاط، أشعر أنه في نعمة لأننا استطعنا تأمين سكن”. فجدران الغرفة الأربعة التي يسكنها خالد، لو حصل عليها أقرانه لحالت دون وفاتهم، كما حدث مع الطفلة التي فارقت الحياة، في 13 شباط/فبراير الحالي، في إحدى خيام عفرين نتيجة البرد القارس.

رسمة لطفلة صغيرة توفيت بسبب البرد القارس في خيمة أسرتها بعفرين، 13/ 02/ 2020 (عمر الجبين)

وبحسب الأمم المتحدة، أدى التصعيد العسكري الحالي للقوات الحكومية، بدعم روسي، إلى تهجير “نحو 875 ألف سوري معظمهم من النساء والأطفال” منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر الماضي، فيما بلغ عدد الأطفال المهجرين نحو نصف مليون طفل خلال الأسابيع العشرة الأخيرة” وحدها.

كذلك، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير نشرته في 13 شباط/فبراير الحالي، وفاة 167 مواطناً سورياً بسبب البرد منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، بينهم 77 طفلاً و18 سيدة.  إذ يلجأ الأطفال وعائلاتهم إلى المدارس والمساجد والمباني غير المكتملة والأراضي الزراعية، وسط هطول أمطار غزيرة والبرد القارس.

فيما قدرت منظمة اليونيسيف، في 1 شباط/فبراير الحالي، وجود نحو 1.2 مليون طفل بحاجة ماسة للغذاء والدواء. 

وكان الطفل خالد قد نزح مع عائلته للمرة الثانية، منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، عقب نزوحهم الأول إلى سراقب في العام 2018، عندما تم تهجيرهم من جنوب دمشق بموجب اتفاقية تسوية بين الحكومة والمعارضة السوريتين بضمانة روسية.

الاستجابة الأولية

“لا شيء مخصص للأطفال”. بهذه العبارة وصف الشاب محمود الشمالي لـ”سوريا على طول” حال الأطفال النازحين في مخيمات أطمة، بريف إدلب الشمالي، حيث يقيم مع عائلته بعد نزوحه من بلدة كفرعويد، في ريف إدلب الجنوبي. موضحاً أن “ما يتم تقديمه هو استجابة سريعة [للاحتياجات المادية] للعائلات؛ فالأهم حالياً هو تأمين السكن”.

فوق ذلك، يتأثر ملف الدعم الإنساني في شمال غرب سوريا بالسياسات الدولية. فمؤخراً، فشل أعضاء مجلس الأمن الدولي في تمديد القرار الدولي رقم 2165، لمدة عام كامل كما كان معمولاً به سابقاً، ليتم استبداله بالقرار رقم 2504 الذي يسمح بإدخال المساعدات من معبرين حدوديين مع تركيا لمدة ستة أشهر فقط. سبق ذلك إيقاف عدد من المنظمات الإنسانية عملها في شمال غرب سوريا نتيجة إخضاع محافظة إدلب تحديداً لإدارة حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام والمدرجة على قوائم الإرهاب الدولية.

بالنتيجة، باتت منظمات المجتمع المدني عاجزة عن تحقيق ما يزيد عن الاستجابة الأولية لاحتياجات النازحين، ومن ذلك “حماية المدنيين من استهداف المنازل والأسواق والطرقات والمدارس، وتأمين الاحتياجات الأساسية لبقائهم على قيد الحياة، وكذلك توفير السكن وتحقيق الأمن الغذائي في أماكن نزوحهم الجديدة”، كما ذكرت لـ”سوريا على طول” صفاء الشامي، مسؤولة برنامج التغذية في منظمة “بناء”، وهي منظمة إنسانية مقرها مدينة غازي عنتاب التركية، تنشط في شمال غرب سوريا. لافتة إلى أن “بناء” استهدفت الأطفال “بشكل مباشر عن طريق توزيع 5000 لباس شتوي، وبشكل غير مباشر عن طريق استهداف أسرهم من خلال توفير خيام للنازحين، وبطانيات، ومدافئ ومحروقات”.

ورغم سعي منظمات إغاثية وإنسانية في المنطقة لدعم الأطفال على وجه التحديد، إلا أن الأطفال النازحين “يحصلون على أدنى حقوقهم”، بحسب ابراهيم سرميني، مدير برنامج الحماية في منظمة “بنفسج”، العاملة في شمال غرب سوريا. فوق ذلك، فإن الشريحة التي يتم استهدافها، كما أوضح سرميني لـ”سوريا على طول”، لا تغطي إلا أعداداً محدودة من إجمالي الأطفال النازحين؛ إذ “تقدم بنفسج ألعاب أطفال، ودفاتر رسم، وبعض الحلويات، إضافة إلى الدعم النفسي لنحو 500 طفل بشكل مستمر، يتواجدون في مراكز إيواء منظمة بنفسج فقط”.

وفيما أكدت مسؤولة التواصل في بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى سوريا، إنجي صدقي، في حديثها إلى “سوريا على طول” أن “الأطفال هم الضحايا الرئيسون للقتال في شمال غرب سوريا، وخاصة في إدلب وريف حلب الغربي”، فإن “فريق اللجنة الدولية غير موجود على الأرض في محافظة إدلب”، بحيث يتم تقديم المساعدة للمواطنين السوريين هناك، كما ذكرت صدقي، “من خلال شريكنا الرئيس الهلال الأحمر العربي السوري. مبينة أنه هذه المساعدة “عادة ما تستهدف الأشخاص الأكثر ضعفاً المتأثرين بالنزاع، مع إعطاء الأولوية للنساء والأطفال”.

أضرار نفسية دائمة

يشعر علي الحسن بالقلق بشأن الآثار النفسية لما يمر به طفله، إذ إن “كل ما يفعله هو الجلوس في غرفته طوال اليوم”، كما أنه “منذ وصوله إلى هنا [عفرين] قبل شهر بلا مدرسة”. وهو يشترك في ذلك مع غالبية الأطفال النازحين الذين أجبروا على الانقطاع عن الدراسة لعدم قدرة المدارس على استضافة طلبة إضافيين، أو نتيجة تحويلها إلى مراكز إيواء للنازحين. إذ تم تحويل “60 مدرسة إلى مراكز إيواء مؤقتة في ريف إدلب الشمالي”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” مصطفى حاج علي، المسؤول الإعلامي في مديرية تربية إدلب التابعة لحكومة الإنقاذ. 

فوق ذلك، قال محمد الحلاج، مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” لـ”سوريا على طول” إن  “178 مدرسة كانت تتبع للهيئات التعليمية المعارضة في شمال غرب سوريا انتقلت إلى سيطرة النظام”. 

يتضافر مع ذلك تركز اهتمام النازحين في شمال غرب سوريا والمنظمات الداعمة لهم على تأمين الطعام والشراب، وبالتالي ترك الأطفال بمفردهم في ظل غياب الدعم النفسي لمواجهة أوضاعهم المعيشية القاسية، وظروفهم المؤلمة، وذكريات القصف العنيف، ما قد يعني مزيداً من التحديات الجسدية والنفسية. 

ووفقاً للدكتورة آلاء الخاني، المستشارة في مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن “الأطفال الذين يعيشون في أوضاع متأثرة بالنزاع والمشردين يواجهون تحديات معرفية وجسدية واجتماعية وعاطفية تؤثر على كيفية تعلمهم ونموهم والتفاعل معهم”. لافتة في حديثها إلى “سوريا على طول” إلى أنه حتى إذا توفر التمويل فإنه “يتم إعطاء الأولوية للاحتياجات المادية للأطفال، وتجاهل الصحة النفسية والترفيه”.

في هذا السياق، فإن التدابير التي اتخذتها مديرية تربية إدلب لاستئناف العملية التعليمية للطلبة النازحين، استثنت المواد التي تدخل في الدعم النفسي والترفيه، بحيث تم وضع “خطة تقوم على تطبيق نظام صباحي ومسائي في المدارس، والتركيز على المواد الأساسية استبعاد المواد الثانوية مثل الرياضة والفن والموسيقى”،  كما ذكر حاج علي.

في مثل هذه الظروف “تكون العلاقات الأسرية القوية هي الأكثر أهمية كمصدر للحماية [للأطفال]”، كما قالت الخاني. مشددة على ضرورة “استخدام موارد المهارات الأسرية، وتركيز مقدمي الرعاية على الآباء والأمهات لدعم أطفالهم رغم ظروفهم الصعبة”.

ويثبت تسجيل مصور تم تداوله على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجهة نظر الخاني، بما يحمله من معان مؤلمة وطريفة. ففي الفيديو طفلة لا يتجاوز عمرها أربع سنوات مع أبيها الذي يدربها على الضحك بدلاً من الخوف عند سماع صوت غارة جوية قريبة. إذ يسأل الأب طفلته: “هل هذه طائرة؟”، وتجيب بعد سماع صوت الانفجار: “قذيفة”. ومن ثم يبدآن بالضحك.

وختمت الخاني: “التغيير في مهارات الأبوة هو آلية رئيسة للحد من المشكلات السلوكية والعاطفية التي قد يواجهها الأطفال في المستقبل ومنعها”.

شارك هذا المقال