4 دقائق قراءة

افتتاح طريق حلب-اللاذقية الدولي: بداية للحل أم تعميق لصراع النفوذ في سوريا؟

إن "هذه الخطوة تساعد روسيا على توسيع نفوذها في المناطق القريبة من مناطق النفوذ الأميركي، وعلى مساحات أوسع في سوريا بشكل عام، ما يعني تعزيز موقفها في سوريا".


29 مايو 2020

عمان- في خطوة ذات أبعاد سياسية واقتصادية، بحسب محللين ومتابعين للشأن السوري، أعادت روسيا، الأسبوع الماضي، بالتنسيق مع الجانب التركي، تفعيل طريق حلب-اللاذقية الدولي، المعروف أيضاً باسم “M4″، من ناحية شمال شرق سوريا، وذلك بعد إغلاقه منذ نحو سبعة أشهر، عقب إطلاق تركيا عملية “نبع السلام” في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي أفضت إلى سيطرة الفصائل السورية المدعومة من أنقرة على حوالي 80 كيلومتراً من الطريق.

وبعد أن كان يشهد حركة خجولة نسبياً للمدنيين نتيجة استهدافه مرات عدة، افتتح طريق “M4” بشكل رسمي، يوم الإثنين الماضي، أمام حركة المدنيين والقوافل التجارية من بلدة تل تمر في محافظة الحسكة إلى بلدة عين عيسى في محافظة الرقة، على أن يتم في مرحلة ثانية فتح الطريق من غربي حلب، أي المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في محافظة إدلب. وهو ما يعني، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، “انسحاب الفصائل الموالية لأنقرة مسافة 7 كيلومترات من جبهات تل تمر وأبو رأسين شمال الحسكة بالإضافة لوقف العمليات القتالية بشكل كامل في المنطقة”.

وفي تصريح  لوكالة الأنباء الكردية “هاوار”، قال بافل أيكوريان، الضابط في مركز المصالحة الروسي في سوريا، إن “الطريق سيكون مفتوحاً أمام المواطنين السوريين بالإضافة إلى تسهيل حركة التجار أيضاً ذهاباً وإياباً“، وإن “الرحلات ستنطلق بشكلٍ يومي من ناحية تل تمر تجاه عين عيسى وبالعكس في الساعة التاسعة صباحاً وذلك بمرافقة روسية عدا يوم الجمعة“. 

توسيع النفوذ

لا يعد “قرار روسيا فتح الطريق مفاجئاً”، برأي د. أسامة القاضي، رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا، بل هو “استكمال للانتشار الروسي شمال شرق سوريا”. موضحاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “روسيا أرسلت منذ أواخر العام 2019 عشرات الناقلات العسكرية ومنظومات صواريخ إلى القامشلي”، وبحيث يأتي فتح “M4” تنفيذاً “لاتفاق أميركي-روسي-تركي، بعد انقطاع الطريق بين مدينة تل تمر وعين عيسى عقب عملية نبع السلام. وخلال هذا الانقطاع أبدى الأتراك مرونة في التفاهمات بشأن سهولة مرور السيارات الخاصة المسموح بمرورها فقط حتى الآن، من دون رصد أي تنقل لشاحنات تجارية”.

ويتفق طه عبد الواحد، الباحث في الشأن الروسي والمقيم في موسكو، مع القاضي. مضيفاً في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “هذه الخطوة تساعد روسيا على توسيع نفوذها في المناطق القريبة من مناطق النفوذ الأميركي، وعلى مساحات أوسع في سوريا بشكل عام، ما يعني تعزيز موقفها في سوريا”.

كذلك، يتمثل هدف روسيا الآخر من فتح الطريق، بحسب نصر اليوسف، الباحث في الشأن الروسي والمقيم بموسكو، في “خلق خط إمداد بري بين قاعدتيها في القامشلي شرقا وفي اللاذقية غربا”. مضيفاً أن هذا ينطبق أيضاً على “طريق حلب-دمشق الدولي (M5) الذي يربط بين العاصمة الاقتصادية لسوريا، حلب، بالعاصمة السياسية، دمشق”.

تحريك عجلة الاقتصاد

إلى جانب توسيع النفوذ الروسي، لفت اليوسف، إلى الأبعاد الاقتصادية لفتح طريق “M4”. إذ إن “روسيا معنية بتحريك عجلة الاقتصاد السوري كي يستطيع العيش بالحد الأدنى، خاصة بعد تعيين ممثل خاص لروسيا الاتحادية في سوريا”، كما قال لـ”سوريا على طول”. معتبراً قرار التعيين هذا أشبه بفرض “انتداب”، مع محاولة موسكو “اغتنام أي فرصة تساعدها في استرداد أموال فاتورة الحرب، بحكم أن النظام السوري عاجز ومفلس، ولن تستطيع الاستفادة منه”.

في السياق الاقتصادي أيضاً، نفى القاضي وجود علاقة بين مسارعة موسكو إلى فتح “M4” وبين قرب تطبيق قانون قيصر الأميركي الشهر المقبل، والذي يفرض عقوبات على الشركات والأفراد المنخرطين في إعادة الإعمار في سوريا قبل الشروع بحل سياسي، كون “القانون يتدخل في مسألة الشركات التي تدخل في إعادة الإعمار أو مع حكومة النظام، فيما لا يوجد عبر فتح الطرق تعامل حقيقي مؤسسي أو مالي مع النظام، بل هو تفاهم روسي تركي برضى أميركي”. لكن اليوسف اعتبر في المقابل أن “روسيا تسعى قدر الإمكان إلى دعم الاقتصاد السوري للاستمرار بشكل ذاتي، من دون مساعدة الشركات الروسية قبل تطبيق قانون قيصر، كي لا تتعرض الأخيرة لعقوبات”. 

ويبدو الهدف السابق ممكناً “بعودة حركة النقل عبر الطرقات الرئيسة في سوريا، لاسيما مع منطقة الجزيرة الغنية بالثروات الزراعية والحيوانية”، بحسب عبد الواحد، “الأمر الذي من شأنه أن يخفف من الأعباء الاقتصادية على النظام السوري”.

يضاف إلى ما سبق أن فتح طريق “M4” “يسهل وصول روسيا إلى مناطق الثروات النفطية، ما يعزز حظوظها في الحصول على حصة أكبر لشركاتها”، وفقاً لعبد الواحد. 

تفاهم روسي- تركي-أميركي

تشهد مناطق شمال غرب سوريا، الخاضعة لسيطرة المعارضة، هدوءاً نسبياً منذ أشهر. وهو ما قد يعزى بشكل كبير إلى انشغال روسيا وإيران، الداعمين الرئيسين للنظام السوري، بوباء كورونا، مع تسجيلهما أعداد إصابات كبيرة، وتأثر اقتصادهما أيضا. يضاف إلى ذلك تواصل انهيار المنظومة الاقتصادية، الهشة أصلاً، للنظام السوري.

لكن بالرغم من ذلك، يظل قائماً تخوف سكان، تواصلت معهم “سوريا على طول”، من عودة المعارك والقصف الجوي على المنطقة. 

مع ذلك، يذهب محللون إلى توقف المعارك في المنطقة حتى إشعار آخر. إذ يرى عبد الواحد أن “موافقة تركيا على إعادة حركة النقل عبر طريقي “M4″ و”M5″ الدوليين جاءت مقابل وقف روسيا عملياتها العسكرية على ما تبقى من مناطق [للمعارضة] في محافظة إدلب، وريف حماه، كونها أراض محسوبة ضمن مناطق النفوذ التركي”. كما إن “فتح الطريق “M4″ سيسحب، برأي موسكو، أي ذرائع من يد إيران [من خلال قطع الطريق على التحركات الإيرانية بين مناطق تمركزها شرقا ومحافظة حلب الشمالية] والنظام السوري، قد يستغلانها لتبرير فتح معركة واسعة في إدلب”.

وذهب القاضي أبعد من ذلك، معتبراً أن “هناك تفاهماً ثلاثياً روسياً- تركياً-أميركياً بدأ يظهر للعلن، مصحوب بهدوء على كل الجبهات، تمهيدا لحل سياسي قادم يحرك الملف السوري الذي كان جامداً لسنوات”.

شارك هذا المقال