3 دقائق قراءة

الأوضاع المعيشية وبدء الموسم الزراعي يعيقان جهود احتواء “كورونا” شمال شرق سوريا

إن الظرف الاقتصادي "يفرض نفسه". وهو قد "يدفع الناس إلى الاستهتار وعدم أخذ المخاطر بجدية، خاصة وأن غالبية الناس من العمال الذين يعتمدون على الدخل اليومي".


27 أبريل 2020

عمّان – متجاهلاً العقوبات التي حددتها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بحق من يضبط منتهكاً “حظر التجول” الذي تم فرضه ضمن الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد، يواصل الشاب جوان العلي (اسم مستعار) عمله بمهنة الحلاقة في مدينة القامشلي.

فالعلي (30 عاماً)، الأب لثلاثة أطفال، أمام “خيارين أسوأ من بعضهما”، كما قال لـ”سوريا على طول”. و”أنا اخترت ما هو أقرب للحياة، [كون] خروجي قد يعرضني للإصابة بفيروس كورونا، لكن بقائي في المنزل يعني أننا سنموت جوعاً. وأنا أفضل المرض على أن أرى أبنائي يتضورون جوعاً”.

ويوم الثلاثاء الماضي، مددت الإدارة الذاتية حظر التجول في المناطق الخاضعة لإدارتها حتى 1 أيار/مايو المقبل. وهو التمديد الثاني للقرار الذي بدأ تطبيقه في 23 آذار/مارس الماضي. كما فرضت الإدارة، في نيسان/أبريل الحالي، غرامات مالية على من يخالف قرار حظر التجول، تتراوح بين 5,000 ليرة سورية (3.85 دولار أميركي، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، والبالغ نحو 1,300 ليرة للدولار) في حال المخالفة لأول مرة، و10,000 ليرة (7.70 دولار) في المخالفة الثانية، و15,000 ليرة (11.53 دولار) في الثالثة. أما ما فوق ذلك، فيتم “تغريم المخالف بثلاثة أمثال الغرامة الأخيرة”.

وتهرباً من الملاحقة، والاضطرار تالياً إلى دفع غرامة مالية، ينسّق العلي مع زبائنه عبر الهاتف، بحيث “يأتون إلى المحل سراً”، كما ذكر، “يساعدني في ذلك موقع محلي في أحد الشوارع الفرعية”. إذ إن أجرة عمل يوم كامل، قدرها العلي بحوالي “4,000 ليرة [3.07 دولار] في أحسن الأحوال”، لا يمكن أن تغطي المخالفة المحددة لأول مرة.

كذلك، “لا يمكن لقوات [الأمن الداخلي الكردية] الأسايش ضبط جميع [المخالفين]، رغم انتشار دورياتها في الشوارع الرئيسة والفرعية” بحسب ما ذكر الإعلامي أحمد البرو، من مدينة القامشلي، لـ”سوريا على طول”. 

في المقابل فإن ما تقدمه الإدارة الذاتية من مساعدات غذائية للعائلات المحتاجة “لا يغطي احتياجات المدنيين، [كما أنه] يوزع بشكل غير منتظم من قبل الكومينات [مجالس محلية داخل الأحياء]”، وفقاً للعلي. وهو ما أكده برو، مضيفاً أن الأمر لا يخلو من “سوء في التوزيع”.

ومن أصل 42 إصابة معلنة بفيروس كورونا في سوريا، تم تسجيل حالة واحدة فقط في منطقة الإدارة الذاتية أفضت إلى وفاة المصاب. يضاف إلى ذلك، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” مدير المكتب الإعلامي للهلال الأحمر الكردي، أحمد إبراهيم، “حالتان مشتبه بهما في العزل الصحي بمدينة الدرباسية [شمال محافظة الحسكة] لشخصين قادمين من دمشق”. 

لكن إغلاق المعابر الحدودية (مع العراق تحديداً) أو مع مناطق النفوذ الأخرى في سوريا (سواء الخاضعة للنظام أو لفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام)، في إطار التدابير الاحترازية لمنع تفشي الوباء، أسهم في التأثير على اقتصاد شمال شرق سوريا. يضاف إلى ذلك أن “عدم امتلاك الإدارة الذاتية لآليات ذات تقنية عالية لحفظ مئات الأطنان من المواد الغذائية لمواجهة هذه الظروف الاستثنائية، عمق من انعكاس الفيروس على منطقتنا”، كما قال وزير الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية، سلمان بارودو، لـ”سوريا على طول”. 

وأوضح بارودو أنه “تم تشكيل خلية على مستوى كامل شمال وشرق سوريا، وخلية أخرى على مستوى كل إقليم على حدة لمتابعة وضع القطاعات كافة”. إذ تتكون الإدارة الذاتية من إقليمين رئيسين هما إقليم الجزيرة وإقليم الفرات. 

كما اتخاذ تدابير ووضع آليات تتناسب مع هذا الوضع المستجد”، من قبيل إعفاء سكان المنطقة من فواتير الكهرباء والمياه والنظافة عن شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو المقبلين، كنوع من مساعدة المواطنين المتضررين من الحظر.

موسم الزراعة الصيفية

تزامن نشوب أزمة فيروس كورونا مع بدء الموسم الزراعي الصيفي في المنطقة التي تعد الزراعة أهم مواردها الاقتصادية، لا سيما زراعة القمح والقطن. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، تنتج المنطقة الشرقية في سوريا 64% من محصول البلاد من القمح المروي، و63% من القطن، فيما تقدر نسبة العاملين في المجال الزراعي بحوالي 75% من العمالة في المنطقة.

لذلك، استثنت الإدارة الذاتية القطاع الزراعي من حظر التجول، على أن يتم الالتزام بمبدأ التباعد أثناء نقل العمال، وأن لا يتجاوز العشرة عدد الأشخاص في الآلية الواحدة أثناء نقلهم. كذلك، يسمح للمزارعين، كما قال إيفان أبو زيد، من المستثمرين في القطاع الزراعي بالحسكة، لـ”سوريا على طول” بالعمل لمدة “ثلاثة أيام في الأسبوع من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة ظهراً حيث يبدأ الحظر الشامل”.

وبموازاة السماح للعاملين في القطاع الزراعي بمزاولة أعمالهم، تستمر المؤسسات التابعة لوزارة الزراعة في الإدارة الذاتية في ممارسة عملها أيضاً، بعكس المؤسسات التابعة لوزارات أخرى. وبحسب بارودو: “يتم تجهيز المخازن وتعقيم الصوامع المنتشرة في المناطق كافة، استعداداً لاستلام محاصيل المزارعين وتخزينها”.

كذلك سمحت الإدارة الذاتية “لعدد من المجالات الصناعية استئناف عملها، وخصوصاً ما يخدم القطاع الزراعي. من قبيل محال قطع غيار الآلات الزراعية، ومحال الميكانيك الخاصة بها، على أن يمارس هذا القطاع عمله من الساعة 5 مساء وحتى 1 بعد منتصف الليل”، بحسب الإعلامي البرو.

بالنتيجة، فإن الظرف الاقتصادي “يفرض نفسه”، كما قال برو. وهو قد “يدفع الناس إلى الاستهتار وعدم أخذ المخاطر بجدية، خاصة وأن غالبية الناس من العمال الذين يعتمدون على الدخل اليومي”.

شارك هذا المقال