6 دقائق قراءة

“الحريات الدينية مقترنة بقيود سياسية”.. كاتب آشوري يعكس حقوق الأقليات في خضم النزاع حول سياسة التعليم شمال شرقي سوريا

تتمتع محافظة الحسكة في الزاوية الشمالية الشرقية من سوريا، بهدوء […]


11 أكتوبر 2018

تتمتع محافظة الحسكة في الزاوية الشمالية الشرقية من سوريا، بهدوء نسبي بسبب البعد عن الخطوط الأمامية للقتال، إلا الدلائل تشير إلى سخط متأجج في هذه الزاوية، حيث تمتلك الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد السلطة على مجموعة متنوعة من السكان من كرد وعرب وأقليات مسيحية عرقية ودينية بما في ذلك الآشوريين والأرمن.

وفي أواخر آب، أعلنت الإدارة الذاتية قرارًا بإغلاق عشرات المدارس الآشورية والأرمنية التي تديرها الكنيسة في جميع أنحاء شمال شرق سوريا، التي لم تعتمد بعد على المناهج الدراسية التي وضعتها السلطة مؤخراً.

وسرعان ما خرج عشرات المتظاهرين الآشوريين، والسكان المحليين إلى الشوارع في مدينة القامشلي احتجاجًا على القرار، مدّعين بأن تطبيق المنهج الجديد كان محاولة مستترة للحد من الحقوق السياسية لمجتمعهم.

وقامت السلطات في وقت لاحق بتنفيذ القرار، ولكن لم يمض وقت طويل بعد ذلك، حتى عثر على عيسى رشيد، وهو مدير مدرسة آشورية خاصة في القامشلي، وقد تعرض للضرب المبرح خارج منزله ونقل على أثره إلى المستشفى.

وفي 30 أيلول، ورد أن قوات الأمن العرقية الآشورية المرتبطة بقوات شرطة الإدارة الذاتية اقتحمت منزل الكاتب الآشوري المعارض سليمان يوسف في القامشلي واعتقلته بتهمة غير معروفة إلى الآن، وأفادت وسائل الإعلام المحلية أن خاطفي الكاتب قاموا بأخذ حاسوبه المحمول وهاتفه معهم.

وكان الكاتب البالغ من العمر 61 عاماً ينتقد علناً الإدارة الذاتية والحكومة السورية في دمشق.

وتحدث يوسف مع عمار حمو، مراسل سوريا على طول، قبل ساعات من إلقاء القبض عليه، وكان متذمراً مما رآه مستقبلاً غير واضح للآشوريين في محافظة الحسكة، بسبب “القيود السياسية” المفروضة عليهم من قبل الحكومة السورية وحالياً الإدارة الذاتية المسيطرة على المنطقة هناك.

وقال يوسف “هناك العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الآشوريين” وهو يعكس ما اعتبره تاريخاً من التهميش السياسي الذي دفع المجتمعات المسيحية إلى الهجرة بعيدًا عن شمال شرق سوريا لسنوات عديدة.

وكان الآشوريون يتمتعون منذ فترة طويلة بالحريات الدينية الإسمية، ولكن على حساب تقرير المصير السياسي الحقيقي، على حد قوله.

وأكد يوسف لسوريا على طول في 30 أيلول قبل إلقاء القبض عليه “في سوريا، دائماً هناك حريات دينية مرتبطة بقيود سياسية”.

و أضاف يوسف بعد إطلاق سراحه الأسبوع الماضي “إن وضع الآشوريين والمسيحيين بشكل عام، في هذه المنطقة [من سوريا] هو في أزمة متنامية ومعقدة”.

[ولقراءة تقرير سوريا على طول حول استياء الآشوريين في محافظة الحسكة هنا]

الجدل الأخير حول المناهج الدراسية في الأراضي التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية ذات الغالبية الكردية تسبب ببعض الضجيج الإعلامي، ولكن القضية تبدو أنها أكبر  من قضية السياسة التعليمية، هل يمكنك أن تحدثنا عن الوضع الحالي المتعلق بالحقوق السياسية والمدنية للأقليات المسيحية في القامشلي ومحافظة الحسكة وماحولها؟

في سوريا، دائماً هناك حريات دينية مرتبطة بقيود سياسية.

الآشوريون، بما في ذلك السريان والكلدانيين وعموم المسيحيين السوريين، يتمتعون بهامش مقبول من الحريات الدينية والاجتماعية، ولكن في نفس الوقت يتم حرمانهم من حقوقهم الوطنية والسياسية.

والدستور السوري يحتوي على مقالات طائفية تحد من حقوق [المجتمعات المسيحية] في الحصول على المواطنة الكاملة، ووفقاً للدستور، فإن دين رئيس الدولة هو الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع، مثل هذه المواد العنصرية تنسف منذ البداية إمكانية انتقال سوريا إلى دولة مواطنة مدنية، تحقق المساواة والعدل بين مواطنيها.

[سوريا ليس لديها دين رسمي للدولة، وفقاً للدستور الذي اعتمد في عام 2012. ومع ذلك، فإن الدستور السابق من عام 1973 حتى عام 2012 ينص على أن يكون الرئيس مسلم وأن يتم استخلاص التشريعات من الفقه الإسلامي.]

لذا فإن النظام العربي يتعامل مع جميع المسيحيين السوريين على أساس أنهم “عرب مسيحيين”، متنكراً لخصوصيتهم وهويتهم التاريخية والثقافية، وهذا ما يرفضه الآشوريون ويرفضون أن تقتصر حقوقهم على بعض الحقوق الدينية، فهذا ظلم واضطهاد وتطهير ثقافي لهم.

لا يوجد في سوريا مدارس حكومية تعلم اللغة السريانية. تعليم اللغة السريانية والأرمنية في المدارس الكنسية يتم في إطار الحقوق الدينية التي يتمتع بها المسيحيون منذ أن نشأت الدولة السورية الحديثة. ثم أن هذه المدارس تعلم اللغة السريانية والأرمنية كونها لغات “طقس كنسي” وليس على أساس أنها حقوق قومية ثقافية لغوية منحتها الدولة السورية للأرمن و الآشوريين.

ضابط أمن في الحسكة في ايلول. الصورة من السوتورو.

 

ولا يمكن العثور على اللغة الآشورية في أي برنامج تلفزيوني أو إذاعة حكومية، ولايوجد اعتراف دستوري بالقومية الآشورية، في إطار سياسة التطهير الثقافي وطمس الهوية الآشورية، أقدمت السلطات السورية على شطب خانة “الآشوري” من سجلات قيد النفوس المدني وتبديلها بـ(القامشلي)، كما عرّبت أسماء معظم القرى الآشورية في الجزيرة السورية.

يقول البعض إن سياسات الإدارة الذاتية تدفع الأقليات المسيحية المحلية إلى مغادرة سوريا، هل هذا صحيح؟

 

القائمون على “الإدارة الكردية” يتحدثون عن الآشوريين والأرمن والمسيحيين عموماً، وكأنهم يعيشون في “فردوس كردي” فيما أن الأفعال تدحض الأقوال. 

خرج الآشوريون من تحت الاستبداد العربي، ليدخلوا تحت الاستبداد الكردي، حيث قامت مجموعة مسلحة تابعة لميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، في 22 نيسان 2015، باختطاف واغتيال داوود جندو، قائد حرس الخابور الآشوري ومعاونه الياس ناصر، الذي نجا بأعجوبة، بعد إصابته البليغة.

 

وفي كانون الثاني 2016، داهمت قوات الأسايش ليلاً حواجزا وتحصينات أقامتها قوات الحماية المسيحية (السوتورو) في حي الوسطى، بعدها تعرض الحي لسلسلة هجمات إرهابية (مفخخات وانتحاريين)، أوقعت العشرات بين شهيد وقتيل، وكأن الذي جرى ويجري في الأحياء والمناطق ذات الغالبية السريانية الآشورية الأرمنية المسيحية، هو “عقاب” لسكان هذه المناطق الخارجة عن سلطة الأسايش الكردية.

وبدأ المجتمع الآشوري والمسيحي عموماً يستاء من تدخل سلطات الأمر الواقع (الادارة الكردية) في شؤون حياة وأعمال الناس، مما دفع الكنائس والمؤسسات والأحزاب السياسية: الآشورية والسريانية والأرمنية والتجمعات المدنية والهيئات المجتمعية المسيحية، في الجزيرة السورية، إلى إصدار بيان احتجاجي للرأي العام في تشرين الأول من عام 2015، استنكرت فيه قوانين وقرارات الإدارة الكردية من فرض التجنيد الإجباري وإصدار قانون استملاك ممتلكات المهاجرين وفرض تعليم المنهاج الكردي، وحذرت في بيانها من العواقب الخطيرة لمثل هذه القوانين والقرارات التعسفية والغير مدروسة وما قد تسببه من إثارة للفتن في المجتمع، واتهمت في بيانها القائمين على الإدارة الكردية بالسعي للاستيلاء على أملاك المسيحيين من عقارات أاراضي زراعية بحجة استثمارها لصالح المجتمع، ودفع المسيحيين للهجرة من مناطقهم التاريخية وإحداث خلل ديمغرافي يشكل خطراً على الوجود الآشوري السرياني والمسيحي في الجزيرة.

في الوقت نفسه، هناك شخصيات مسيحية تعمل في مناصب رفيعة في الإدارة الذاتية. كيف توسع دورهم بالنظر إلى الانتهاكات التي عانى منها الآشوريون والمجتمعات المسيحية الأخرى في مناطق الإدارة الذاتية؟

إعلان ما يسمى بـ” الادارة الذاتية الكردية” من طرف واحد، لم تأت في إطار مشروع وطني ديمقراطي يتيح لأبناء منطقة الجزيرة فرصة المشاركة الفعلية والمتوازنة في إدارة شؤونهم والنهوض بمنطقتهم، وتطوير مختلف الثقافات واللغات المحلية (الآشورية، السريانية، الكردية ،الأرمنية، والعربية ) التي تزخر بها.

أنها مشروع “قومي كردي” يخفي نزعة انفصالية، يعمل عليه الأكراد، مستغلين الظروف والأوضاع الأمنية والسياسية الاستثنائية، التي تعصف بالبلاد.

طرح الإدارة الذاتية تحت مسمى “كردستان سورية أو غرب كردستان أو روج آفا ” يرفضه الآشوريون، كما كل السوريين من غير الأكراد، لما ينطوي عليه هذا المصطلح من مغالطات تاريخية وسياسية.

تطعيم هيئات ومجالس الادارة الكردية، بعناصر آشورية سريانية لا يعني مطلقاً مشاركة الآشوريين وموافقتهم على هذه الادارة الذاتية، فهذه العناصر السريانية الآشورية المسيحية، وجودها شكلي ومجرد ديكور لتجميل صورة هذه الإدارة أمام الرأي العام المحلي والخارجي، لا أكثر.

شهدت منطقة الجزيرة في سوريا عمليات نزوح وهجرة كبيرة للمجتمعات المسيحية، هل تتوقع عودة المهجرين يوماً ما؟

الهجرة السريانية الآشورية المسيحية نزيف مستمر، منذ انقلاب البعث على السلطة 1963، بسبب سياساته العنصرية وممارساته الشوفينية بحق الآشوريين وبحق كل من ليس عربي، هاجر نحو ثلاثمئة ألف آشوري سرياني مسيحي من الجزيرة السورية، من دون شك، الحرب السورية الراهنة، سرّعت حركة الهجرة المسيحية من الجزيرة السورية كما باقي المكونات المجتمعية .

نعم هناك دعوات مستمرة من قبل المرجعيات الكنسية والقومية، تدعو الإنسان السرياني الآشوري والمسيحي للتشبث بالأرض وعدم الهجرة، لكن الواقع أصعب وأقوى وأكثر مرارة مما يتصوره أصحاب هذه الدعوات

لهذا تبدو فرص عودة من ترك أرضه ومنزله حالياً ضعيفة، خاصة مع استمرار الحرب ومفاعليها.

كيف لهم أن يعودوا الى بلد غير آمن ومستقبل مجهول؟. وفي ظل حالة الفوضى التي تشهدها الجزيرة السورية في ازدواجية السلطة( سلطة النظام و سلطة أمر الواقع الكردية) قد تتوفر مثل هذه الفرص مستقبلاً إذا عادت سوريا دولة آمنة مستقرة يحكمها نظام ديمقراطي مدني يحقق العدل والمساواة بين المواطنين.

 

ترجمة: بتول حجار

شارك هذا المقال