7 دقائق قراءة

بعد عامين من أحداث الصناعة “قسد” لم تعوض أصحاب البيوت التي هدمتها خلال هجوم “داعش”

خلال هجوم تنظيم داعش على سجن الصناعة في الحسكة، قبل عامين، هٌدمت عشرات البيوت السكنية بمحيط السجن، وحتى الآن لم تعوض الإدارة الذاتية المتضررين رغم الوعود التي قطعتها


بقلم سلام علي

4 ديسمبر 2023

الحسكة- ينهمك أنور العبد الله، 35 عاماً، في صبّ سقف غرفتين بناهما على أنقاض منزله المدمر في محيط سجن الصناعة بمدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، بعد أن استلف مبلغ 15 مليون ليرة سورية (1,090 دولاراً أميركياً).

بعد نحو عامين من هجوم تنظيم “داعش” على سجن الصناعة بمدينة الحسكة، الذي وقع في كانون الثاني/ يناير 2022، وفقدانه الأمل بتعويض قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المتضررين بمحيط السجن، قرر العبد الله تشييد غرفتين فوق أنقاض منزله المكون من أربعة غرف ومنتفعاتها قبل هدمه، كما قال لـ”سوريا على طول”.

في أثناء هجوم “داعش”، تسلل “المهاجمون” إلى “أحياء غويران والنشوة والزهور ومبنى كلية الاقتصاد الملاصقة للسجن”، بحسب الرواية الرسمية لـ”قسد”، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين الأخيرة و”داعش”، استمرت عدة أيام، قبل إعلان “قسد” إحباط الهجوم، في 30 كانون الثاني/ يناير 2022، معلنة انتهاء المعارك بعد مقتل 374 عنصراً للتنظيم، و121 من مقاتليها والعاملين في السجن، إضافة إلى مقتل أربعة مدنيين.

منذ انتهاء العملية العسكرية ضد “داعش” يعيش العبد الله وأمثاله من المتضررين على أمل الحصول على تعويض من الإدارة الذاتية “حتى لو كان جزئياً لإعادة بناء منزلي”، مستنداً على وعود مسؤولين في الإدارة الذاتية التابعة لـ”قسد”، في نيسان/ أبريل 2022، بإمكانية تعويض المتضررين، لكن “لم يعوضنا أحد”.

كان العبد الله من بين آلاف النازحين الذين غادروا المنطقة أثناء هجوم تنظيم داعش، وعند عودتهم صدموا بحجم دمار منازلهم، التي سوي بعضها بالأرض، فيما تعرض بعضها لدمار جزئي. عاينت العديد من الجهات والمنظمات الأضرار في المنطقة، لكن “الناس كانت تجي تشحد علينا وتروح”، قال العبد الله بتهكم، في إشارة إلى أن الزيارات كانت لغرض التصوير والتوثيق فقط.

تحفظ العبد الله على ذكر المسؤول عن تدمير منزله، إلا أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” اتهمت “قسد” بهدم أو إلحاق أضرار بحوالي 140 منزلاً يأوي 147 عائلة في حيي غويران شرقي والزهور بمدينة الحسكة خلال شهري كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 2022، أي خلال صد هجوم التنظيم وبعد انتهاء المعارك، وهو ما جاء في رواية عدد من السكان المحليين الذين تحدثوا لـ”سوريا على طول” لغرض إعداد هذا التقرير.

من جهتها، حملت الإدارة الذاتية مسؤولية الدمار لتنظيم “داعش”، مشيرة إلى الهجوم أدى إلى تدمير 120 منزلاً في حيي غويران والزهور جنوبي الحسكة، 62 منها مدمر كلياً، و58 مدمر جزئياً. لكن تصريح نوروز أحمد، عضو القيادة العامة لـ”قسد”، في 31 كانون الثاني/ يناير 2022، بوجود أنفاق محفورة من قبل خلايا “داعش” تحت المنازل في الحيين بالحسكة، يتطابق مع رواية سكان محليين، قالوا لـ”سوريا على طول” أن “قسد” استقدمت آليات لهدم المنازل بذريعة وجود الأنفاق.

حاولت “سوريا على طول” التواصل مع الرئاسة المشتركة لمقاطعة الحسكة، التابعة للإدارة الذاتية، للتعليق على الأضرار بمحيط سجن الصناعة ووعود تعويض المتضررين، لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير.

التخلي عن المتضررين

بعد نحو عامين على هجوم سجن “الصناعة” حصل بعض المتضررين على سلال غذائية مقدمة من الهلال الأحمر السوري، التابع للنظام السوري، وحصل آخرون على مبالغ مالية تتراوح بين 350 و450 ألف ليرة سورية (25 و33 دولاراً)، للعائلة الواحدة على مرتين أو ثلاث مرات، مقدمة من منظمة نرويجية، كما قال عدد من المتضررين لـ”سوريا على طول”.

لم يستلم أنور العبد الله أي مبلغ كتعويض، لكن حتى إن حصل عليه “ماذا يسد مبلغ 450 ألف ليرة؟!”، بالنسبة للمتضررين الذين دُمرت منازلهم كلياً أو جزئياً، رد متعجباً، مشيراً إلى أنه دفع لبناء منزله، البالغة مساحته 225 متراً مربعاً نحو 95 مليون ليرة (6,900 دولاراً)، فيما بلغت تكلفة بناء غرفتين فوق أنقاض المنزل القديم نحو 30 مليون ليرة (2181 دولاراً).

أثناء حديثه، قاطعته والدته زهرة العبد الله، 55 عاماً، قائلة: “رجعنا بعد 15 يوم من النزوح لنجد البيت مدمراً، ليتهم تركوا غرفة واحدة نسكن فيها”.

بعد تدمير منزلهم، استأجرت العائلة منزلاً مقابل 250 ألف ليرة شهرياً (18.20 دولاراً)، وهو مبلغ كبير بالنسبة لربّ الأسرة الذي يعمل على دراجته النارية لتوصيل الناس في المدينة، وهي وسيلة نقل بديلة عن سيارات الأجرة في العديد من المدن والقرى السورية، لذلك قرر بناء غرفتين لتوفير الأجرة الشهرية.

قبل خمسة أشهر بنى العبد الله الغرفتين، وسكن فيهما طيلة فصل الصيف الماضي من دون سقف، قائلاً: “منذ أربعة أشهر ننام في الغرفتين من دون سقف لعدم قدرتنا على تأمين تكاليف صبّه، وكنا نستخدم البطانيات لحجب أشعة الشمس”، لكن مع دخول فصل الشتاء “اضطررت إلى الاستدانة من أجل سقف الغرفتين”.

في جولة أجرتها “سوريا على طول” بحي غويران، لوحظ أن بعض المتضررين أعادوا ترميم منازلهم كلياً أو جزئياً، بينما بعض المنازل ما تزال ركاماً على حالها، بينما سكانها يستأجرون في الحي ذاته أو أحياء قريبة، لعدم قدرتهم على الترميم، كما في حالة أم علي، 65 عاماً، التي تدفع شهرياً 300 ألف ليرة (21.80 دولاراً) أجرة المنزل الذي استأجرته مع اثنين من أبنائها المتزوجين وأولادهم.

 خسرت أم علي منزلها المكون من أربعة غرف ومنتفعاتها في المعارك التي رافقت هجوم تنظيم “داعش”، قائلة بلهجتها المحلية: “بيتنا صار بالقاع، بيت العمر راح”، وبعد تنهيدة أكملت حديثها: “كثير ناس جاءت والتقطت صوراً لبيتنا، ولكن لم نحصل على أي تعويض. نريد منهم تعويضنا، ولكن إن لم يتم تعوضنا سنتركهم لضميرهم”.

“ما عندنا قدرة شراء بلوكة واحدة [طوب]”، قالت أم علي لـ”سوريا على طول”، وعيونها متجهة إلى منزلها المدمر، الذي ما زالت أنقاضه شاهدت على هجوم “الصناعة”، بينما صاحبته عاجزة “حتى عن ترحيل الأنقاض”.

على من التعويض؟

يقع سجن الصناعة ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، التابعة لـ”قسد”، والأخيرة متهمة بحسب مدنيين بهدم عشرات البيوت بمحيط السجن، لذا بموجب القاعدة القانونية الموجودة في المادة 164 من القانون المدني السوري”كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض”، ناهيك عن مسؤوليتها باعتبارها السلطة المعنية بإدارة شؤون المنطقة.

وعليه، تتحمل الإدارة الذاتية المسؤولية “استناداً للمسؤولية التقصيرية، والضبط الأمن”، كما قال المحامي شاهين لالي، المقيم في مدينة القامشلي، مستدركاً: “في المقابل، إذا استندت الإدارة لنظرية الطوارئ والقوة القاهرة فهي غير ملزمة بالتعويض”، واصفاً القضية بـ”الشائكة”.

يتفق محامٍ آخر في أن القضية شائكة، كون “قوات التحالف الدولي كانت جزءاً من العملية”، ناهيك عن أن “قوانين الإدارة الذاتية لم تتطرق لحوادث شبيهة بهجوم سجن الصناعة وتداعياته”، كما قال لـ”سوريا على طول” شريطة عدم ذكر اسمه لدواع أمنية.

وأضاف المحامي: “الإدارة الذاتية عاجزة عن التعويض، بسبب أزمتها المالية، فهي إلى الآن لم تصرف فواتير شراء القمح للمزارعين رغم مرور أشهر على استلامها المحصول”، لذلك “قد يكون استجداء المنظمات الدولية والمحلية طريقة أفضل لتعويض المتضررين”، من وجهة نظره.

ورد في القاعدة 150 من القانون الإنساني الدولي: “تلتزم الدولة المسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني بالتعويض الكامل عن الخسائر أو الأذى الذي تسببت به الانتهاكات”، والتعويض هنا “ليس للدول وإنما يشمل الأفراد أيضاً”، وفق الدكتورة في القانون الدولي، سيفه إيزولي، المقيمة في العاصمة الفرنسية باريس.

وقالت الدكتورة إيزولي لـ”سوريا على طول”، أن “قواعد القانون الدولي الإنساني المعاصرة تلزم الدول بتعويض وجبر الأضرار الملحقة بالأفراد، وتمكنهم من المطالبة بشكل مباشر بجبر الضرر من الدولة المسؤولة”. لكن دولياً الإدارة الذاتية حكومة غير معترف بها دولياً، وهو ما يجعل تطبيق هذه القواعد عليها نقطة خلاف.

من جهته، قال جيري سيمبسون، المدير المشارك لقسم الأزمات والنزاعات في “هيومن رايتس ووتش”، “ما يزال ينبغي لقوات سوريا الديمقراطية الشرح علناً وبشكل وافٍ لماذا احتاجت إلى هدم عشرات البيوت لأسر مهاجمي السجن وتأمين المنطقة”، مشدداً على ضرورة “مساعدة العائلات المتضررة على إعادة بناء حياتها”، كما جاء في تقرير المنظمة.

وبما أن سجن غويران تحت سلطة الإدارة الذاتية، بتمويل من التحالف الدولي، فإن “الإدارة الذاتية مسؤولة عن تعويض المتضررين وليس النظام السوري”، وفقاً لإيزولي، مشيرة إلى وجود ثلاثة طرق للمطالبة بالتعويضات أو جبر الضرر، وهي “أن يتقدم الأفراد بطلباتهم بشكل مباشر أمام المحكم الوطنية، أو المطالبة بالتعويض أمام لجنة التعويضات التابعة للأمم المتحدة، لكن هذا يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”، وتتمثل الطريقة الثالثة بـ”المطالبة عن طريق محكمة الجنايات الدولية خاصة عندما ترتقي جرائم الحرب إلى جرائم ضد الإنسانية”.

ونصحت إيزولي بتأسيس العائلات المتضررة لجمعية تتحدث باسمهم وتطالب بحقوقهم، وهو ما فعله أهالي ضحايا تفجيرات باريس، الذين “أسسوا جمعية تتحدث باسمهم وتقوم بكافة الإجراءات، كما عينوا محام للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بتعويضات من الدولة الفرنسية”.

وبما أن “قسد” مدعومة من التحالف الدولي، يمكن الطلب من الأخير دعم الإدارة الذاتية بالمال لتعويض المتضررين بمحيط سجن غويران، بحسب إيزولي.

لا تعلم فادية بصيلي، 43 عاماً، وجارتها منار حسين، 24 عاماً، كيفية اللجوء إلى القضاء للحصول على تعويض عن منزليهما المتضررين، كما أنهما لا يثقان بنجاح هذه الخطوة في تحصيل حقهما بالتعويض، لذلك فضلا الاعتماد على أفراد عائلتهما في إعادة بناء منزليهما المدمرين باستخدام الطوب القديم، كما قالتا لـ”سوريا على طول”. 

كانت بصيلي تجلس مع جاراتها بالقرب من منزلها، وهي تعدّ ما خسرته في الهجوم على سجن الصناعة، قائلة: “ذهب بيتنا بما فيه، خسارة كبيرة: الغرف، المنتفعات، الثلاجة، أغراض أدوات المطبخ كلها ذهبت”، وفي هذه الأثناء أجهشت بالبكاء وهي تستكمل حديثها: “لما رجعنا كان البيت مهدم، وحصلنا على مبلغ 450 ألف ليرة من منظمة… هذا المبلغ لا يكفي لشراء ثلاجة!”.

استدانت بصيلي مبلغاً من أقاربها لإعادة بناء غرفة واحدة على أنقاض منزلها المدمر، واستخدمت “الطوب المعاد تدويره من ركام منزلي لإعادة بناء سور المنزل”، مشيرة إلى أنها بنت السور بيديها وبمساعدة بناتها.

جدار منزل فادية بصيلي، الذي شيدته مع بناتها من طوب أعادت تدويره من أنقاض منزلها القديم، 30/ 10/ 2023، (سلام علي/ سوريا على طول)

قصص المتضررين من أحداث سجن الصناعة متشابهة، وآلامهم واحدة، إذ يمكن للمارّين في الأحياء المحيطة بسجن الصناعة رؤية ركام بعض المنازل، التي ما زالت على حالها حتى اليوم.

قالت سلمى أحمد (اسم مستعار)، 38 عاماً، التي تعرض منزلها المكون من خمس غرف للدمار “ليس لدينا قدرة مالية على إعادة بناء البيت، فاكتفينا ببناء غرفتين بعد أن استلفنا مبلغاً من شقيق زوجي”، وقدم أقاربها “البطانيات والفرشات، لعدم قدرتنا على شراء مستلزمات المنزل”.

يقع منزل أنور العبد الله على بعد كيلومتر واحد من سجن الصناعة، لذلك يعتريه خوف، هو وجيرانه، من أن يشهد السجن حوادث أخرى، كما في هجوم كانون الثاني/ يناير 2022، الذي شنه تنظيم “داعش” وأجبَرَهم على النزوح، وزادت “قسد” من معاناتهم بعد هدم بيوتهم وعدم تعويضهم.

 

شارك هذا المقال