4 دقائق قراءة

الخبز في مناطق سيطرة النظام السوري: متلازمة الفساد المرتفع والجودة المتدنية

بينما تحاول دول العالم فرض ما يسمى "التباعد الاجتماعي" بين مواطنيها، بغية الحد من انتشار فيروس كورونا، تشكل الطوابير البشرية أمام المخابز في سوريا مشهداً اعتيادياً، في ظل نقص مادة الخبز


21 أبريل 2020

عمّان – بينما تحاول دول العالم فرض ما يسمى “التباعد الاجتماعي” بين مواطنيها، بغية الحد من انتشار فيروس كورونا، تشكل الطوابير البشرية أمام المخابز في سوريا مشهداً اعتيادياً، في ظل نقص مادة الخبز، متضافراً مع سوء إدارة حكومة دمشق والفساد المتغلغل في مؤسسات الدولة.

ففي آذار/ مارس الماضي، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً يظهر تجمعاً كبيراً لأهالي مدينة حلب أمام أحد المخابز فيها. تبعه تسجيل آخر يصور تجمهر عشرات المواطنين حول سيارة تقوم بتوزيع الخبز في حي الزاهرة الجديدة بدمشق، فيما يقوم شخص يقف فوق السيارة برمي ربطات الخبز في الهواء، لتحاول عشرات الأيادي التي ترتفع للأعلى تلقفها. 

منذ ذلك الحين، باتت مشاهد الطوابير البشرية في انتظار الحصول على ربطة خبز مشهداً يتكرر كل يوم في أغلب، إن لم يكن جميع مناطق سيطرة النظام، بما في ذلك معاقله. إذ شهدت مدينة اللاذقية مؤخراً احتجاجاً نادراً على خلفية الأوضاع المعيشية المتدهورة، وضمن ذلك عدم توفر الخبز وما يترافق مع توزيعه من معاملة مهينة للمواطنين.

خبز رديء بالواسطة

يدلل على حجم أزمة الخبز وما يرافقها من تفش للفساد في مناطق سيطرة النظام، اضطرار صحيفة الوطن الموالية إلى الإقرار بصعوبة “الحصول على ربطة خبز في مدينة جرمانا” بريف دمشق، من “دون معرفة أو واسطة أو دفع زيادة في السعر”، وبحيث قد “يصل سعر الربطة الواحدة لأكثر من ثلاثمئة ليرة” مقارنة بالتسعيرة الحكومية المحددة بـ50 ليرة سورية. مضيفة أنها رصدت “تجمع العشرات فوق بعضهم البعض وعاد أغلبهم دون الحصول على ربطة خبز”.

الأمر ذاته ينطبق على تجمعات النازحين بريف دمشق، إذ تنتظر العائلات فيها يومين حتى تصلها ربطة واحدة، بحسب الصحيفة ذاتها. وفي تجمع دروشا، على سبيل المثال، والذي يقطنه 1200 عائلة تحمل البطاقات الذكية المخصصة للحصول على السلع المدعومة من وقود وسكر وأرز وشاي، تم تخصيص 200 ربطة فقط يومياً.

كذلك، تعاني مدينة حماه، وسط سوريا، شحاً في مادة الخبز، لاسيما في حيي أبي الفداء والشريعة، بحسب “الوطن”. فيما شكا أهالي حيي القصور ودوار الأربعين في المدينة من “سوء تصنيعه [الخبز] ببعض المخابز”.

وفي محافظة درعا، جنوب البلاد، وصف أبو محمد الحمد، من بلدة أم المياذن بريف درعا الشرقي، الخبز الذي ينتجه مخبز البلدة بأنه “سيء جداً”، إلى حد أن “الحيوانات لا تقبل أكله”. يضاف إلى ذلك، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشترطاً عدم الافصاح عن هويته الحقيقية، أن “الحكومة خصصت للفرد [ما معدله] رغيفاً ونصف الرغيف يومياً. وبالنسبة للعائلات التي تضم شباناً، فإن هذه الكمية لا تكفي وجبة واحدة”.

ويتوافر في سوريا نوعان من الخبز. الأول، هو العادي المدعوم من الحكومة، وتقوم ببيعه المخابز العامة والخاصة التي تحصل على الدعم الحكومي لمادة الطحين والمازوت، وتبلغ سعر الربطة منه 50 ليرة. وفيما يُعرف هذا النوع بكونه أصلاً رديئاً، يتميز النوع الثاني المسمى “خبز سياحي” ببياض لونه وجودته العالية. وهو يُعرف بـ”السياحي” نظراً لغلاء سعره، إذ تصل سعر الربطة منه الآن إلى نحو 700 ليرة، رغم تحديد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السعر في نهاية العام 2018 بـ350 ليرة.

إزاء ازدياد الشكاوى، طلب مجلس الوزراء في 5 نيسان/ أبريل الحالي من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تشكيل لجنة فنية للبحث في أسباب تدني جودة الخبز، ووضع ضوابط لالتزام المخابز بمعايير الجودة. وبحسب ما ذكر المجلس عبر صفحته على “فيسبوك”، فقد كلف وزارات النفط والتجارة الداخلية والإدارة المحلية “وضع الآلية التنفيذية التي تضمن وصول الخبز بنوعية جيدة إلى المواطنين”.

وفي 8 نيسان/ أبريل الحالي، أقر اجتماع خاص في رئاسة الوزراء حول مؤسسات السورية للحبوب والمخابز والتجارة عدة قرارات لتحسين جودة الرغيف وتأمين مادة الخبز وتنظيم عملية الحصول على المواد المدعومة من منافذ المؤسسة السورية للتجارة المسؤولة عن توفير السلع الاساسية، والحد من حالات الازدحام.

كما تقرر إغلاق الأفران الخاصة والسياحية التي لا تلتزم بمعايير صناعة الرغيف خلال 15 يوماً، واتخاذ إجراءات تمنع التلاعب بالدقيق التمويني، وتأمين وصول مخصصات الطحين للمحافظات بشكل كامل، وتأهيل صوامع الحبوب المتوقفة.

كذلك، أعلن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عاطف النداف، اتخاذ إجراءات جديدة لنقل الخبز من الأفران إلى مراكز التوزيع بصناديق بلاستيكية خاصة، بهدف ضمان جودته.

خبز ذكي عبر منظومة فاسدة

في 7 نيسان/أبريل الحالي، أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أنها ستبدأ بطرح الخبز عبر البطاقة الذكية في دمشق وريفها، وتالياً في بقية المحافظات السورية. وهو الأمر الذي أثار انتقادات حتى بين مؤيدي حكومة دمشق، لاسيما وأن تجربة “البطاقة الذكية” في تأمين الوقود والأرز والسكر والشاي بسعر مخفض يشوبها الكثير من الجدل، إضافة إلى ما أورده أحد التقارير الصحافية عن كون شركة تكامل المسؤولة عن إصدار البطاقة وإدارتها مملوكة من آل الأسد، لاسيما زوجة بشار أسماء وعائلتها، واستغلال الشركة بالتالي لتكسب العائلة غير المشروع.

يضاف إلى ذلك إغلاق “تكامل” مكاتبها ضمن إجراءات الحظر التي أعلنتها دمشق لمواجهة تفشي فيروس كورونا. وهو ما أدى إلى حرمان مواطنين من الحصول على البطاقة الذكية، وحرمانهم بالتالي من الحصول على سلع أساسية مدعومة.

إزاء ذلك سارعت وزارة التجارة الداخلية إلى إصدار توضيح تؤكد فيه “استمرار توزيع الخبز على السادة المواطنين بقي حالياً بالطريقة المعتادة دون استخدام البطاقة”. مؤكدة في الوقت نفسه، على لسان معاون الوزير، رفعت سليمان، أنها “ماضية في تطبيق الأتمتة في كل مفاصل إنتاج وتوزيع الخبز التمويني على المعتمدين وفي كافة المحافظات تدريجياً كخطوة أولاً وصولاً للتوزيع على السادة المواطنين عبر بطاقة الخدمات الالكترونية كخطوة ثانية وقطع يد المتلاعبين بمخصصات السادة المواطنين”، وذلك في رد على إشاعات إلغاء قرار توزيع الخبز عبر البطاقة الذكية.

لكن بغض النظر عن مدى جدية دمشق وقدرتها على مواجهة أزمة الخبز التي تضرب معاقل مؤيدي الأسد، تظل المعضلة في عدم قدرة الحكومة على تأمين القمح الضروري لإنتاج الخبز، نتيجة نضوب احتياطيات العملة الصعبة، وتأزم الوضع الاقتصادي لدى الحليفين الأهم؛ روسيا وإيران، نتيجة انهيار أسعار النفط بشكل غير مسبوق، وفوقها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليهما لاسيما إيران. 

شارك هذا المقال