5 دقائق قراءة

العودة إلى الصفر.. جامعات النظام لا تعترف بشهادات طلاب جامعات المعارضة

جمعت سمية، ذات ٢١ ربيعاً، كتبها وأوراقها الجامعية في منزل […]


15 ديسمبر 2017

جمعت سمية، ذات ٢١ ربيعاً، كتبها وأوراقها الجامعية في منزل عائلتها في حي السكري في حلب، وأحرقتها، وذلك بعد سيطرة قوات النظام السوري على مناطق حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة قبل عام من الآن.

ووسط الرعب والفوضى في الأيام الأخيرة من سيطرة الثوار على مدينة حلب، تقول سمية إنها كانت تخشى الاعتقال من قبل قوات النظام في حال معرفتهم بأنها التحقت بجامعة تابعة للمعارضة في شرق حلب، حيث انتشرت قصص الاعتقال والقتل العشوائية في أحياء المعارضة، وهي لا تريد أن تتعرض لمثل ذلك.

شاهدت سمية النار وهي تحول كل أثر لدراستها في جامعة حلب الحرة، حيث كانت طالبة في السنة الثانية في الأدب العربي، إلى رماد ودخان.

وبعد ذلك بفترة وجيزة، فرّت عائلتها من مناطق المواجهات إلى المناطق الآمنة نسبياً والخاضعة لسيطرة النظام، في حلب الغربية، في الأيام التي سبقت سقوط شرقي حلب.

تقول سمية لسوريا على طول، من حلب الجديدة بمدينة حلب، حيث تعيش الآن مع عائلتها ” أربع سنوات من عمري ذهبت هكذا وكأنني لم أفعل شيئاً”، وطلبت سمية عدم الكشف عن اسمها الكامل في هذا التقرير.

طلاب في أحد فروع جامعة حلب الحرة قرب دمشق في تشرين الثاني. تصوير: جامعة حلب في المناطق المحررة.

وبعد مرور عام على حرق كتبها، لا تزال سمية، خارج جدران الجامعة، وتفكر حالياً بأخذ الامتحان مرة أخرى بحيث يتيح لها الالتحاق بجامعة حلب السورية.

وفي شرق حلب، كما هو الحال في المناطق الأخرى التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، يدرس الطلاب مثل سمية ضمن نظام تعليم موازي – وغير معترف بها رسمياً – تديره الحكومة المؤقتة في المعارضة. وعندما استعادت قوات النظام، مدعومة بحملة قصف جوي مكثفة، كامل مدينة حلب في كانون الأول ٢٠١٦، توقف نظام التعليم الموازي في مناطق المعارضة.

ونظراً لأن الحكومة السورية لا تعترف بالشهادة الثانوية أو الشهادات الجامعية الصادرة عن مؤسسات المعارضة، يتوجب على سمية وغيرها من الطلاب السابقين الذين بقوا في مدينة حلب استكمال تعليمهم من المستوى الأخير الذي وصلوا إليه في الجامعات والمدارس الحكومية.

وقال أحمد رمضان، المسؤول عن تصديق الشهادات السورية للخارجية، لسوريا على طول، يوم الاثنين “نحن لا نعترف بأي شهادة لم يتم منحها من قبلنا”.

وأنشأت الحكومة المؤقتة في المعارضة جامعة حلب الحرة في أواخر عام ٢٠١٥، مع كليات في مدينة حلب وفروع في مناطق سوريا التي تسيطر عليها المعارضة، وقبل استعادة النظام لكامل أجزاء حلب في كانون الأول ٢٠١٦، كانت كليات الحقوق والآداب والشريعة في الجامعة تقع في المناطق الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة.

وعندما استعاد النظام السيطرة عليها، توقفت الكليات الموجودة في شرق حلب عن عملها، حينها وجد الطلاب الذين بقوا في المدينة أن شهاداتهم الممنوحة من المعارضة غير مجدية الآن.

 

جامعة حلب الحرة بالقري من دمشق في تشرين الثاني. تصوير: جامعة حلب في المناطق المحررة/ فرع دمشق.

وقال رئيس كليات الجامعة السابقة في شرق حلب، والرئيس الحالي لجامعة حلب في المناطق المحررة، عبد القادر الشيخ لسوريا على طول، يوم الثلاثاء أن جامعته “كانت خطوة رائدة وناجحة بكل المقاييس” وألقى باللوم على الحكومة السورية بشأن المشكلات التي تواجه الطلاب.

وقال الشيخ لسوريا على طول، من ريف حلب الشمالي “المشكلة ليست عندنا وإنما عند النظام ولو التحق الطالب بجامعة حلب في المناطق المحررة لاستمر في دراسته”.

وفي مناطق سوريا التي تسيطر عليها المعارضة والحكومة على حد سواء، يتوجب على طلاب المدارس الثانوية، في الصف الثاني عشر، ممن يرغبون بالالتحاق بالجامعة التقدم لامتحان وطني يعرف باسم امتحان البكالوري،. ثم تحدد درجات الامتحان الجامعة أو الفرع الذي يمكن أن يلتحق به الطالب.

ويتوجه الطلاب المقيمون في المناطق التي يسيطر عليها الثوار من سوريا إلى مناطق سيطرة النظام كل عام للالتحاق بهذه الامتحانات، كما أن امتحان البكالوريا الذي تديره المعارضة متاح أيضاً.

ومنير، ٢١ عاماً، هو واحد من طلاب مدينة حلب الذين تقدموا لامتحان البكالوريا الذي تديره المعارضة، حيث درس منير للاختبار مرتين، وكان يعيش في منطقة سيف الدولة شرقي حلب، وفي محاولته الأولى، في عام ٢٠١٣، منعته “الأوضاع السيئة” ومسؤولياته تجاه عائلته من التقدم للامتحان، حسب قوله،  ولكنه نجح بذلك في المحاولة الثانية، في أواخر عام ٢٠١٤.

وقال منير لسوريا على طول، من مدينة حلب “بعد فترة سمعت عن افتتاح جامعة في المناطق المحررة فسجلت أدب إنكليزي لأن ذلك كان حلمي منذ أن كنت صغيراً”.

ويشير منير إلى جامعة حلب الحرة، وفي 2016  كان كلاً من منير وسمية طلاباً في كلية الآداب، حيث تدرس سمية الأدب العربي ومنير الأدب الانكليزي.

ومثلما فعلت سمية، أحرق منير جميع الوثائق المدرسية قبل أن يغادر سيف الدولة مع عائلته في 1 كانون الأول 2016، حيث كان ابن عمهم الذي يخدم في الجيش السوري بانتظارهم عند خط المواجهة بالقرب من منطقتهم و قام بنقلهم بالسيارة إلى الغرب الواقع تحت سيطرة الحكومة.

وقال منير ” سمعنا أن النظام بعد أن يستولي على المناطق المحررة، يقوم بقتل واعتقال الشبان في المناطق التي يدخل إليها”، مضيفاً “بالتأكيد كنت خائف من أن يتم اعتقالي [في الغرب]، لكن الاعتقال النسبي أفضل من الموت الحتمي”.

وبعد وصوله إلى غرب حلب بفترة وجيزة ” أصبحت ظروف الحياة أصعب بكثير” فتطوع منير في الجيش السوري خوفاُ من أن يقوم النظام باعتقاله واقتياده إلى الخدمة الإلزامية، على حد قوله.

واليوم شهادة منير البكالوريا من المعارضة والدراسات الأولية في جامعة حلب الحرة لا تعني شيئاُ في الجيش ولا في سوريا التي تسيطر عليها الحكومة، وحتى لو لم تحرق الوثائق، فلن يتم الاعتراف بها على أية حال.

وأثناء تواجده في الجيش، كان منير، الذي يعمل حالياً للحصول على راتب يقارب 40 دولار شهريا ً، متمركزاُ في نقطة تفتيش في مدينة حلب، حيث درس من تلقاء نفسه لإعادة تقديم امتحان البكالوريا في مركز اختبار حكومي هذه المرة، كما أكد أنه حصل على درجات أعلى من تلك التي حصل عليها في شرق حلب، ولكنه كجندي لم يكن يسمح له بالعودة إلى الدراسة.

وأضاف لسوريا على طول “هكذا ضاع مستقبلي مثلما ضاع مستقبل كتير من الشباب بسبب اختلاف مناطق السيطرة بين النظام والحر”.

وذكر الشيخ، الذي كان قبل الثورة عميدًا ً في كلية الحقوق بجامعة حلب المعترف بها أننا ” نسعى جاهدين للحصول على اعتراف من تركيا وبعض الدول العربية بشهادة جامعة حلب”، مؤكداً أن ” الاعتراف قادم إن شاء الله “.

في مدينة حلب، تدرس سمية لإعادة امتحان البكالوريا على أمل أن تتمكن في الالتحاق بجامعة حلب، وكانت قد قدمت على الامتحان الذي تديره الحكومة قبل الثورة، ولكن نتيجتها كانت منخقضة ولم تمكنها من دراسة الأدب، إلا أنها حصلت على درجات أفضل في حلب التي تسيطر عليها المعارضة وذهبت إلى الجامعة، ولكن الآن عليها أن تقدم الامتحان للمرة الثالثة.

وقالت سمية “كان لدينا أمل إن يسقط النظام وتصبح شهادة الحكومة المؤقتة معترف بها بكل مكان”.

ولكن النظام لم ينهار، وعادت مدينة حلب إلى سيطرة الحكومة من جديد، والآن سمية، التي تعرف الكثير من الطلاب ممن لديهم وضع مماثل لها، يجب أن تبدأ خطواتها من جديد لمواصلة الدراسة.

وأضافت “الأطفال والطلاب هم أكبر الضحايا، وأكبر الخاسرين في هذه الحرب”.

وتابعت “بدأت الآن مرة أخرى من الصفر”.

ساهم أديب منصور في إعداد هذا التقرير.

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول عن وضع المنطقة الواقعة شمال غرب سوريا والتي ستستمر لشهر بالتعاون مع منظمة كونراد أديناور وفريق من مجموعة مراسلين على أرض سوريا، اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

شارك هذا المقال