5 دقائق قراءة

المياه سلاحاً في شمال شرق سوريا

"كانت المياه تأتينا كل ثلاثة أيام، أما الآن فيتم ضخ المياه لنا كل خمسة أيام، ولا تلبي احتياجاتنا منها للشرب والغسيل والتنظيف".بحسب فوزية


7 يونيو 2020

عمان- أكثر من نصف عام مر على توقف عملية نبع السلام العسكرية التي كانت أطلقتها تركيا، في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2019، ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق سوريا، وأسفرت عن سيطرة فصائل الجيش الوطني السوري، المدعوم من أنقرة، على مدينتي رأس العين في محافظة الحسكة وتل أبيض في محافظة الرقة. مع ذلك، ما تزال تداعيات العملية العسكرية مستمرة، ومن ذلك قدرة المدنيين في محافظة الحسكة على الوصول إلى مصادر آمنة للمياه، لاسيما مع وقف ضخ مياه محطة “علوك” في مدينة رأس العين ست مرات منذ مطلع العام الحالي، والتي تغذي 600 ألف نسمة بمياه الشرب في مدينة الحسكة وريفها. وهو ما دفع بعض الجهات إلى اتهام تركيا باستخدام المياه ورقة ضغط في مواجهة “قسد”.

إذ اتهمت منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، ومقرها فرنسا، في تقرير نشرته أواخر نيسان/أبريل الماضي، تركيا باستخدام مياه “علوك” سلاحاً خلال جائحة كورونا، معتبرة أن تكرار انقطاع المياه الصالحة للشرب “دفع سكان الحسكة وأريافها للاعتماد على مصادر مياه غير آمنة. ما يشكل خطراً جسيماً على حياتهم”.

ورغم تدخل الجانب الروسي الذي يسير دوريات عسكرية في شمال شرق سوريا، بموجب اتفاق بين أنقرة وموسكو ساهم في وقف عملية نبع السلام، كوسيط من أجل سماح أنقرة بضخ مياه الشرب من محطة علوك، في مقابل صيانة الإدارة الذاتية (المنبثقة عن “قسد”) والحكومة السورية لمحطة كهرباء “المبروكة” التي يتم تغذيتها من سدي تشرين والفرات الواقعين تحت سيطرة “قسد”، لتزويد المحطة بـ 22 ميغاواط من الكهرباء، فقد عاد ضخ المياه “بكميات أقل مما كانت عليه سابقاً”، بحسب ما ذكر مصدر من مديرية المياه بمدينة الحسكة لـ”سوريا على طول”. إذ انخفض ضخ المحطة من 6,800 متر مكعب في الساعة [سابقاً] إلى 2,500 متر مكعب بالساعة” حالياً، وفقاً للمصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته كونه غير مخول للحديث إلى وسائل الإعلام، وهو ما دفع الإدارة الذاتية إلى “البدء بتقنين المياه وإرشاد الناس إلى عدم هدرها”.

إضافة إلى ذلك، اتهمت مديرية المياه في مدينة الحسكة، في شباط/فبراير الماضي، تركيا بطرد العمال والموظفين التابعين لها في محطة “علوك”، التي “تحتوي على ثلاثين بئراً ارتوازياً، وتوفر نحو 175 ألف متر مكعب من مياه الشرب يومياً”، بحسب المصدر ذاته.

في المقابل، نفى المجلس المحلي في مدينة رأس العين، التابع للمعارضة المدعومة من تركيا، في بيان في 4 آذار/مارس الماضي، أن يكون المجلس مسؤولاً عن قطع المياه، محملاً ذلك للإدارة الذاتية “بسبب قطع الكهرباء”، ومطالباً بالتالي الأهالي بالضغط “على مسؤوليكم [الإدارة الذاتية] لكي يعطوننا احتياجنا من الكهرباء باستمرار لنشغل كل الآبار ومن ضمنها محطة ضخ علوك لكي تصلكم المياه باستمرار”. وقد حاولت “سوريا على طول” التواصل مع المجلس المحلي في رأس العين، لكنها لم تتلق رداً حتى لحظة نشر هذا التقرير. وقد قال الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني السوري، الرائد يوسف الحمود، لـ”سوريا على طول” إن “كل ما يخص الأمور الإدارية والمدنية، بما في ذلك المياه، ليست من اختصاصنا وإنما من مهام المجلس المحلي”. فيما ذكرت تقارير إعلامية أن الإدارة الذاتية قامت بتزويد محطة “المبروكة” بـ 14 ميغاواط  فقط، بدلاً من 22 ميغاواط.

حلول غير مستدامة

بالكاد كانت تستطيع عائلة فوزية محمد (50 عاماً) تأمين احتياجاتها الأساسية الشهرية، قبل أن تزيد أزمة المياه الأخيرة من معاناة العائلة. إذ “بعد قطع المياه، صرنا نشتري مياه الشرب من الموزعين بقيمة 3,500 ليرة سورية [1.35 دولار أميركي بحسب سعر الصرف اليوم في السوق السوداء 2600 ليرة سورية للدولار] للخزان سعة خمسة أمتار [مكعبة]” كما قالت لـ”سوريا على طول”. لافتة إلى أن عدد مرات ضخ المياه أسبوعياً انخفضت، إذ “كانت المياه تأتينا كل ثلاثة أيام، أما الآن فيتم ضخ المياه لنا كل خمسة أيام، ولا تلبي احتياجاتنا منها للشرب والغسيل والتنظيف”.

مع ذلك، تعتبر محمد أن حالها وأسرتها أفضل حالاً من غيرهم، إذ “هناك عائلات لا يمكنها شراء المياه، وتعتمد فقط على المياه التي تضخها الإدارة الذاتية. لذلك، يلجؤون إلى التقنين عبر تحديد يوم واحد للغسيل والاستحمام والتنظيف”.

من جهتها، وفي محاولة لتعويض نقص مياه الشرب، وزعت مديرية المياه التابعة للإدارة الذاتية في محافظة الحسكة، بالتعاون مع “قسد”، مياه الشرب مجاناً على المدنيين. إلا أن كون مبادرة التوزيع هذه “إسعافية وشملت بعض الأحياء من المدينة فقط”، كما أوضح شفان خليل، من مدينة الحسكة، لـ”سوريا على طول”، فقد “اضطر المدنيون إلى شراء مياه الشرب بقيمة 5,000 ليرة [ 1.92 دولار] للصهريج الواحد، وهو ما يشكل عبئا مادياً جديداً علينا”. 

كذلك، لجأ مدنيون في محافظة الحسكة، بحسب خليل، إلى حفر الآبار. وهو ما حذر منه المصدر في مديرية مياه الحسكة، كون “حفر الآبار العشوائية سيؤثر على البنية التحتية المائية في المدينة، ويتسبب بأضرار مستقبلية. كما إن الآبار قد تكون ملوثة بالصرف الصحي، لأنها تحفر بأعماق قليلة”. وهي قبل ذلك مخالفة للقانون. إذ بحسب المادة 22 من قانون الموارد المائية الصادرة عن المجلس التشريعي التابع للإدارة الذاتية، يخضع أي استثمار للمياه العامة من قبل الجهات العامة والخاصة، بما في ذلك حفر الآبار، إلى رخصة مسبقة. وعليه، يُعاقب أي مخالف بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 50,000 إلى 100,000 ليرة سورية (19 إلى 38 دولار أميركي).

وقد حددت هيئة البلديات والبيئة التابعة للإدارة الذاتية الشروط العامة لحفر الآبار لمياه الشرب، منها أن تكون المنشأة المراد حفر البئر فيها مرخصة أصولاً من قبل البلدية أو مؤسسات الإدارة الذاتية، وأن تبعد البئر المراد حفرها عن محطات المياه مسافة لا تقل عن 800 متر، وأن تكون المنطقة المراد الحفر فيها غير مخدومة بشبكات المياه، كذلك أن تستفيد من البئر أربعة منازل مؤهلة على الأقل. لكن إضافة إلى العقبات القانونية، فإن حفر الآبار “خيار لا يمكن اللجوء إليه من جميع العائلات”، كما قالت محمد، إذ إن “تكاليف حفر الآبار فوق استطاعتنا”.

لذلك، وبحثاً عن حلول مستدامة لتعويض نقص مياه الشرب في مدينة الحسكة وريفها، شرعت الإدارة الذاتية بتنفيذ “مشروع احتياطي وليس بديلاً عن محطة علوك”، بحسب المصدر من مديرية المياه، يتمثل في “حفر 50 بئراً سطحية لتجهيز محطة تحلية جديدة في منطقة الحمة قرب تل براك [بين مدينتي القامشلي والحسكة] التابعة إدرياً لمدينة الحسكة، وذلك بهدف “تخفيف أزمة المياه، وقطع الطريق على الدولة التركية في استخدام المياه كورقة ضغط ضد شعبنا”. وقد “بدأ العمل في حفر الآبار قبل 60 يوماً، لكن لم يجهز المشروع بعد”.

رغم ذلك، يستدرك المصدر بأن “ضخ بئر واحد في علوك يساوي عشر آبار مجتمعة في المنطقة الجديدة، عدا عن نقاوة مياه علوك”، موضحاً أن “آبار علوك ارتوازية وليست سطحية، وينابيعها نقية نظراً لجغرافيتها”.

مصادر المياه شمال شرق سوريا  

تعتمد مناطق شمال وشرق سوريا على عدة مصادر مائية، منها: نهر الفرات، وسد تشرين جنوب شرق مدينة منبج، وسد الطبقة الذي يشكل بحيرة الأسد في ريف الرقة وكلاهما على نهر الفرات، بالإضافة إلى الآبار الارتوازية التي تعتمد عليها محطات المياه مثل “علوك”. وفيما توفر هذه المصادر المياه لحوالي 85% من السكان، يعتمد حوالي 10% على الصهاريج، و5% على الآبار.

ورغم أن “85% مـن الميـاه المسـتخدمة في المنطقة صالحة للشرب إلا أنها تحتاج إلى معالجة” بحسب ما ذكر المصدر في مديرية المياه. وتتم المعالجة في عدة محطات تتوزع في المنطقة، هي: محطة علوك، وثلاث ﻣﺤﻄﺎﺕ ﻣﻴﺎﻩ تغذي مدينة القامشلي، هي سد ﺴﻔﺎﻥ في المالكية (ديريك)، ومحطتي ﺍﻟﻬﻼﻟﻴﺔ وﺍﻟﺤﻮﺍﺟﺔ. 

أما مدينة الدرباسية شمال الحسكة فيتم تزويدها بالمياه عبر خط بئر ارتوازي موجود في قرية كربشك، غرب المدينة، فيما تعتمد مدينة عامودا، في الحسكة أيضاً، على استجرار المياه من 19 بئراً ارتوازية. أما مدينة منبج غرب محافظة حلب، والواقعة تحت سيطرة “قسد”، فتعتمد على محطة البابيري في بلدة مسكنة. وتعتمد مدينة الرقة وريفها على محطة مياه الشرب في ﺟﻨﻮﺏ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻜﺴﺮﺍﺕ، إضافة إلى السدود الثلاثة؛ تشرين والفرات والحرية.

شارك هذا المقال