6 دقائق قراءة

الهجوم على شمال غرب سوريا: الذريعة “مكافحة الإرهاب” والهدف التنكيل بالمدنيين

عمان - منذ بدء هجوم القوات الحكومية السورية والروسية، إضافة إلى المليشيات المتحالفة معها، نهاية نيسان/أبريل الماضي، على شمال غرب سوريا، لاسيما ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، لم تشهد خريطة السيطرة على الأرض تغيراً كبيراً، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الهجوم غير المسبوق.


29 يوليو 2019

عمان – منذ بدء هجوم القوات الحكومية السورية والروسية، إضافة إلى المليشيات المتحالفة معها، نهاية نيسان/أبريل الماضي، على شمال غرب سوريا، لاسيما ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، لم تشهد خريطة السيطرة على الأرض تغيراً كبيراً، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار حجم الهجوم غير المسبوق.

إذ بحسب مركز جسور للدراسات، ومقره اسطنبول بتركيا، بلغت نسبة سيطرة المعارضة السورية، إضافة إلى هيئة تحرير الشام، مع نهاية حزيران/يونيو الماضي 10.24% من الأراضي السورية، في مقابل 10.30% مع مطلع أيار/مايو.

فوق ذلك، تمكنت فصائل المعارضة السورية، رغم الحملة الحكومية-الروسية التقدم على الأرض والسيطرة على مناطق استراتيجية في المنطقة، هي تحديداً تل الملح وقرية الجبين التي استعادت القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها السيطرة عليها مجدداً يوم أمس، الإثنين.

في المقابل، يبدو هجوم قوات الحكومة السورية والطيران الروسي، على امتداد الأشهر الماضية، متركزاً بشكل شبه تام على الأحياء السكنية والمرافق المدنية الحيوية في شمال غرب سوريا التي يُفترض أنها “منطقة خفض تصعيد”، بحسب اتفاق روسي-إيراني-تركي في أيار/مايو 2017.

تتذرع روسيا، والقوات الحكومية السورية، في هجماتها على شمال غرب سوريا، بوجود هيئة تحرير الشام المدرجة على قوائم الإرهاب العالمية، والمستثناة من اتفاقات خفض التصعيد. يُضاف إلى ذلك حماية قاعدة “حميميم” الروسية التي تعرضت لعدد من الهجمات التي اتهمت موسكو فصائل المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام بالوقوف وراءها.

رغم ذلك، وإضافة إلى فشل هجمات القوات الحكومية والطيران الروسي في إحداث أي اختراق حقيقي على الأرض، منذ السيطرة على كفرنبودة وقلعة المضيق بداية أيار/مايو الماضي، يبدو تهجير السكان من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي هدفاً بحد ذاته للسماح بفتح الطريقين الدوليتين المعروفتين باسم “أم 4″ (M4) و”إم 5” (M5)، واللتين تربطان حلب بدمشق وحلب باللاذقية، على التوالي، و تمثلان بالنسبة للحكومة السورية، التي تعاني اختناقاً اقتصادياً، شرياناً لا بديل عنه للتجارة المحلية والدولية. 

في سبيل تحقيق هذا الهدف، أو حتى الانتقام من المدنيين المعارضين لنظام دمشق، تشمل دائرة الاستهدافات الحكومية-الروسية المساكن والأسواق، كما المرافق الطبية والمائية، والمدارس، إضافة إلى الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) الذي تخوض روسيا حرباً عسكرية، كما إعلامية عالمية، ضده بزعم أنه منظمة إرهابية.

بالنتيجة، وعدا عن القتلى، بلغ عدد النازحين من ريفي حماه الشمالي وإدلب الجنوبي، خلال الفترة من 2 شباط/فبراير وحتى 29 تموز/يوليو الحالي، أكثر من 715388 شخصاً، وفقاً لإحصاءات “منسقو الاستجابة”.

ويُظهر الـ”انفوغرافيك” التالي حصيلة استهداف القوات الحكومية السورية والروسية للمدنيين والمرافق الحيوية في شمال غرب سوريا منذ بدء الحملة وحتى 23 تموز الحالي، استناداً إلى المعلومات التي حصلت عليها “سوريا على طول” من مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني.

مجازر لا تتوقف

على امتداد أشهر الحملة العسكرية، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ارتكاب القوات الحكومية والروسية 32 مجزرة، عبر استهداف الأحياء السكنية والأسواق، أفضت إلى مقتل 747 وإصابة 2783 مدنياً. 

ضمن القتلى أطفال فاق عددهم في أربعة أسابيع من الحملة العسكرية، مجموع من قتلوا من الأطفال في إدلب في العام 2018. 

إذ بحسب تصريح صحافي صادر عن منظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children) في 24 تموز/يوليو الحالي، أدى الهجوم الحالي على إدلب إلى مقتل 33 طفلاً في الفترة منذ 24 حزيران/يونيو الماضي وحدها، مقارنة بـ31 طفلاً قتلوا في العام 2018 كاملاً نتيجة الأعمال العسكرية. فيما قدرت المنظمة عدد الأطفال الذي قتلوا في إدلب منذ نهاية نيسان/أبريل الماضي بحوالي 90 طفلاً.

المنشآت الطبية: أهداف بإحداثيات دقيقة

التصعيد الأخير على شمال غرب سوريا إلى توقف الخدمات الطبية بشكل كامل في ريف حماه “بسبب خروج جميع المنشآت الطبية في المنطقة عن العمل”، إضافة إلى مقتل 3 مسعفين من الكادر الطبي، بحسب المسؤول الإعلامي مديرية صحة حماه الحرة.

هذا الأمر، كما قال الشمالي لـ”سوريا على طول” يجبر السكان المتواجدين في المناطق الشمالية من ريف حماه على “قطع مسافات طويلة لتلقي العلاج والحصول على بعض  الادوية الأساسية، ولاسيما الأطفال والنساء منهم، إذ يبعد أقرب مشفى أمومة أكثر من 75 كم عن مناطق ريف حماه الشمالي”. 

من جانبه، كشف رئيس شعبة الإعلام في صحة إدلب، عماد زهران، عن “خروج 32 منشأة طبية عن الخدمة وتعليق أكثر من 40 نقطة طبية عملها نتيجة سوء الوضع الأمني، ومقتل 4 من الكوادر الطبية” في إدلب وريف حماه الشمالي.

ما يؤكد تعمد قصف المنشآت الحيوية، خصوصاً الطبية منها، من قبل القوات السورية الحكومية والروسية، هي حقيقة أن كثيراً من المنشآت الطبية تمت مشاركة إحداثياتها مسبقاً مع روسيا ضمن آلية تحييد المرافق الطبية التي يقودها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (أوتشا)، كما ذكر مدير المناصرة في الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز)، محمد كتوب، لـ”سوريا على طول” بداية الشهر الحالي.

في السياق، طالب فضل عبد الغني، “أوتشا” بالكشف عن المشافي التي استلمت بياناتها، وأن تؤسس موقعا إلكترونيا لها في سوريا”. متسائلاً في حديثه إلى “سوريا على طول”: “أين شفافيتهم وموضوعيتهم؟ هذا خلل كبير من وجهة نظري. نحن كشبكة توثيقية يجب أن نعرف كم مستشفى استلمت المنظمة بياناتها ويشملها التحييد، حتى نستطيع أن نقاطع المعلومات ونبني توثيقنا على العدد المذكور مع المعلومات التي لدينا ونستطيع بذلك تحديد تلك المنشآت”.  

الخوذ البيضاء: عمل يقترب من المستحيل 

إضافة إلى المستشفيات والمرافق والنقاط الطبية الأخرى، تتعرض مراكز الدفاع المدني في ريفي إدلب الجنوبي وحماه الشمالي للقصف المتكرر، ما أدى إلى خروج “ثلاثة مراكز عن الخدمة خلال الحملة، واستشهاد 6 متطوعين وإصابة 18 آخرين” في ريف حماه الشمالي، بحسب ما ذكره لـ”سوريا على طول” مدير الدفاع المدني في محافظة إدلب، مصطفى حاج يوسف. 

ومع “لامبالاة [القوات الحكومية والروسية] بأرواح المدنيين أولا وأرواح عمال الإغاثة الإنسانيين ثانيا”، كما قال مدير المكتب الإعلامي للدفاع المدني في ريف حماه، أيمن عقاد، يصبح عمل “الخوذ البيضاء” “أقرب إلى المستحيل”.

مع ذلك، فقد تمكن الدفاع المدني، بحسب ما ذكر العقاد لـ”سوريا على طول”، من إنقاذ “1721 مدنياً، بينهم 431 طفلاً و788 مصاباً”. 

مضيفاً: “نؤكد أننا مستمرون [في عملنا] لأننا ملتزمون تجاه المدنيين وهذا واجبنا. لكن لا نعلم إلى متى سنظل قادرين على تغطية العجز مع توسع رقعة الاستهداف وتركزه على المناطق المأهولة والخسائر البشرية والمادية، واستهداف المراكز الحيوية والطرقات التي يستخدمها المدنيون للنزوح ورجال الدفاع المدني السوري لخدمات الإسعاف والبحث والإنقاذ”.

المدارس: آلاف الطلبة حرموا من التعليم

بحسب مستشار رئيس حكومة الإنقاذ للتربية والتعليم العالي في إدلب، جمال الشحود، أدى الهجوم الحالي على شمال غرب سوريا إلى “حرمان أكثر من 90 ألف طالب من تقديم الامتحانات الانتقالية، إضافة لتوقف طلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية في المجمعات التعليمية الجنوبية البديلة عن المدارس عن تقديم امتحاناتهم بسبب استهدافها، ونقلهم إلى مناطق أكثر أمنا بإلحاقهم في مراكز المناطق الشمالية وإحداث مراكز إضافية لهم. 

وأضاف في حديثه إلى “سوريا على طول”، أن هناك ما يقارب 200 ألف طالب حرموا من العملية التعليمية بين انقطاع جزئي وإيقاف كلي في مختلف مناطق إدلب المستهدفة، لأن الطلبة هجُروا مع ذويهم، في حين تم استهداف نحو 90 مدرسة منذ شباط/فبراير [الماضي] وحتى الآن، 75 مدرسة منها خرجت عن الخدمة كليا”. يضاف إلى ذلك “43 إصابة في الكوادر التعليمية، بينهم 9 شهداء، و 156 طالب شهيد حتى الآن”. 

ويبين الشحود أن المشكلة الأكبر لدى حكومة الإنقاذ (القريبة من هيئة تحرير الشام) هي موضوع ترميم المرافق التعليمية؛ إذ “لايوجد مكان آمن لعملية الترميم أو البناء، والوضع الأمني غير مستقر. كما إن الكلفة المادية لعمليات الترميم كبيرة ولا نستطيع تغطيتها في الوقت الحالي”.

أما في ريف حماه الشمالي، فقد تم توثيق “مقتل 6 معلمين، و26 طالبا من الأطفال في سن المرحلة التعليمية الإبتدائية” منذ نهاية نيسان/أبريل الماضي، بحسب عضو المكتب الإعلامي في تربية حماه، معن الأحمد.

وأضاف: “هناك معاناة كبير في القطاع التعليمي بريف حماه، حيث يقدر عدد الطلبة الذين أصبحوا بلا تعليم بسبب الحملة الأخيرة 27 ألف طالب، بينما العدد الكلي للمنقطعين عن التعليم منذ ما قبل الحملة وحتى الآن 50 ألف طالب”. 

إذ كما قال، أصبحت “أرياف حماه خالية من البشر والحجر. معظم الطلبة والأهالي أصبحوا نازحين في مخيمات الشمال وتحت أشجار الزيتون… لم يستقر الأهالي كي يستقر الطلبة”.

المرافق المائية: عجز عن تأمين مياه صالحة للشرب جنوب المحافظة

عقب استهداف 8 مرافق مياه في معرة النعمان جنوبي إدلب، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، في 21 تموز/يوليو الحالي، من حرمان 250 ألف شخص في المحافظة من المياه.

وذكر مسؤول دائرة الإحصاء في وزارة الإدارة المحلية والخدمات التابعة لحكومة الإنقاذ، من جهته قال بلال حميداني، أنه “أصبح من غير الممكن على المؤسسة العامة لمياه الشرب تأمين المياه الصالحة للشرب للمناطق الجنوبية من محافظة إدلب نتيجة القصف الذي أوقف 34 محطة مياه عن العمل، كانت تخدم 183 تجمعا سكانياً، وتوفر مياه الشرب لنحو 688 ألف نسمة”.

وأضاف في حديثه إلى “سوريا على طول”:  “تضرر 75% من شبكة المياه لأكثر من 50 مدينة وقرية وبلدة نتيجة استهداف الأحياء السكنية. واستشهد موظف وجرح اثنان، فيما نزح أكثر من مئتي موظف إلى مناطق أكثر أمنا”.

مؤكداً في الوقت ذاته أن المؤسسة “تعمل حاليا على رفع نسبة الضخ إلى 20% في المناطق التي نزح إليها الأهالي في الريف الشمالي لمحافظة إدلب لتغطية الاحتياجات المتزايدة بفعل النزوح”.

كذلك، بلغ الضرر في شبكات الطرق داخل المخطط التنظيمي للمدن والبلدات، بحسب حميداني، “ما يقارب 100 كم. وتركز أكثر الأضرار في قرى جبل الزاوية ومنطقة خان شيخون. ووصل حجم الضرر في الطرق الخدمية التي تصل بين المدن والنواحي والقرى أكثر من 50 كم، بالإضافة إلى أضرار في الجسور والممرات الطرقية. في حين تركز حجم الضرر الأكبر في المنطقة الجنوبية وسراقب وطريق جسر الشغور”.

شارك هذا المقال