5 دقائق قراءة

الوجه الآخر لإدلب: جرأة استثمارية تؤسس لمشاريع تجارية “ضخمة” 

في منطقة يرتبط اسمها بأكبر أزمة إنسانية، ويعيش على أرضها نحو أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، تشهد محافظة إدلب نهضة عمرانية وتجارية، من قبيل تشييد المجمّعات التجارية والسكنية، في جرأة استثمارية تتجاوز مستقبلها "المجهول"


24 أغسطس 2022

إدلب- في منطقة يرتبط اسمها بأكبر أزمة إنسانية، ويعيش على أرضها نحو أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، تشهد محافظة إدلب نهضة عمرانية وتجارية، من قبيل تشييد المجمّعات التجارية والسكنية، لا سيما في مدن الدانا، سرمدا، وإدلب المدينة.

ورغم أن المحافظة الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام تتعرض لقصف من قوات النظام بين فترة وأخرى، آخرها يومي 22 و23 آب/ أغسطس الحالي، كونها تقع على قائمة أهدافه ويسعى للسيطرة عليها، إلا أن سكانها يحاولون التكيف مع الظروف بهدف مواصلة حياتهم.

بعد عشرة أشهر من العمل، شارف مشروع سوق الزهراوي التجاري في مدينة الدانا شمال إدلب على الانتهاء، ومن المقرر افتتاحه مطلع تشرين الأول/ أكتوبر القادم، بحسب باسم أصلان، مالك شركة أصلان لصناعة وتجارة الألبسة الرجالية، الذي اشترى متجرين في السوق.

بدأ العمل بالمشروع “المكون من 120 متجراً، بمساحة 45 متراً مربع للمتجر الواحد بالتشارك مع عدد من تجار الألبسة في سرمدا والدانا والمناطق الحدودية مع تركيا”، كما قال أصلان، 36 عاماً، لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن سوق الزهراوي شُيّد في منطقة تضم أكثر من 10 تجمعات تجارية “ضخمة”، منها: الحميدية مول، سوق الحمرا، سوق الحرير، وتجمع الجلوم.

بالقرب من سوق الزهراوي، بدأ المستثمرون في مشروع رويال مول، الذي يتميز بتصميمه المميز من حيث المساحات والإكساء، افتتاح محلاتهم التجارية تدريجياً بمجالات مختلفة، من قبيل: الأدوات المنزلية، مراكز التجميل، وبيع المجوهرات.

وبلغ عدد المشاريع التجارية والاستثمارية المرخصة في مناطق نفوذ حكومة الإنقاذ منذ مطلع العام الماضي “283 مشروعاً”، كما قال المهندس أكرم الديري، مدير دائرة التنظيم العمراني في وزارة الإدارة المحلية بحكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام، موضحاً أن الوزارة “تعتمد على إجراءات إدارية لمنح التراخيص، تراعي الناحية الفنية والسلامة الإنشائية، إضافة إلى ضمان الملكية العقارية عن طريق توثيق العمليات الفنية والقانونية لدى الجهات المختصة مثل المديرية العامة للمصالح العقارية”.

ولأول مرة شهدت مدينة الدانا “تشييد أبنية برجية مكونة من خمسة طوابق”، وذلك بعد أن “جرى توسعة المخطط التنظيمي للمدينة، وتم إدخال صفات تنظيمية تجارية جديدة تتيح الاستثمار الأفضل للأرض، وتحمي الأراضي الزراعية من الزحف العمراني إليها”.

مول الحمرا غرب مدينة الدانا، 01/ 08/ 2022 (محمود حمزة) 

جرأة استثمارية

غالباً ما تقوم المشاريع الاستثمارية العقارية على مبدأ الشراكة بين مجموعة من الممولين، أو على أساس الأسهم، إذ يدفع كلّ شريك جزءاً من حصته عند كلّ مرحلة، “وهو ما يخفف العبء على المستثمرين” وفقاً لباسم أصلان، مشيراً أن التكلفة التقديرية لمجمع سوق الزهراوي المختص ببيع الألبسة الجاهزة “مليون ونصف المليون دولار تقريباً، وهو رقم لا يمكن لشخص واحد تحمله”.

ومع أن تشييد مبنى بهذه التكلفة المرتفعة نسبة للظروف الاقتصادية والأمنية في المنطقة “يحتاج إلى قرار جريء، كون مستقبل المنطقة مجهول”، إلا أن الاستقرار النسبي على مدار الثلاث سنوات الماضية دفع عدداً من المستثمرين والتجار إلى تنفيذ مشاريعهم الاستثمارية، بحسب أصلان.

وبلغت تكاليف المحلين التجاريين العائدين لأصلان حوالي 27 ألف دولار أميركي، “بتكلفة 300 دولار للمتر المربع الواحد، كما تم الاتفاق مع المتعهد، شريطة أن يكون البناء موافقاً للمواصفات الهندسية والفنية المتفق عليها في العقد”.

وفور الاتفاق بين الشركاء “دفع كل شريك مبلغ 2500 دولار عن كل محل تجاري لقاء ثمن الأرض التي سيقام عليها البناء”، ومن ثم “دفعنا 2500 دولار بعد الانتهاء من بناء القواعد [الأساس]، وهكذا حتى انتهاء البناء”، كما قال أصلان، مشيراً إلى أن” المشروع وصل إلى مرحلة التمديدات الصحية والكهربائية حالياً”، أو ما يعرف بـ”التشطيبات”.

وبهدف تنظيم المشروع وحفظ حقوق الشركاء، شكّل المستثمرون في مشروع “الزهراوي” لجنة متابعة مؤلفة من 5 شركاء لمراقبة عمل المتعهد، وتعاقدوا مع مهندس للإشراف الهندسي والفني، لقاء 600 دولار شهرياً، إضافة إلى “محامٍ لتنظيم الأمور القانونية من نقل ملكية، وترخيص البناء، وإبراز العقود، وفرز المحلات الخاصة بكل شريك لدى الدوائر العقارية في إدلب”، بحسب أصلان.

تعدّ هذه المشاريع “خطوة إلى الأمام”، على حدّ تعبير نادر العلي، 40 عاماً، وهو صاحب متجر لتجارة الألبسة في مدينة الدانا، وأحد المستثمرين في مشروع سوق الزهراوي، نافياً وجود مخاطرة أو مجازفة في مثل هذه المشاريع “لأنها أفضل من حالة عدم الاستقرار والضغوط من ملّاك العقارات وسوء البنية التحتية في الأسواق الشعبية”.

ويعد الاستثمار العقاري بحدّ ذاته رابحاً “في البيئة غير المستقرة”، وفق يامن الشامي، مدير شركة وايت روم للتطوير الهندسي ومقرها إدلب، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “المشاريع الحالية تحمل وجهان: استثمار تجاري، وآخر عقاري، فإن خسرت التجارة فإن العقار لا يخسر”.

من ناحية أخرى، تكتسب المشاريع الاستثمارية الجديدة في شمال غرب سوريا أهميتها “من كونها توفر فرص عمل في المنطقة، وتحرّك عجلة الاقتصاد والاستثمار، ناهيك عن دورها في إظهار المنطقة بمظهر عمراني حضاري”، كما قال المهندس أكرم الديري.

ويرى الديري في هذه المشاريع رسالة مفادها أن “الحياة مستمرة”، لافتاً إلى أن وزارة الإدارة المحلية التابعة للإنقاذ “تشجع أي مشروع تجاري واستثماري عبر تطوير الأنظمة العمرانية، وإدخال صفات تنظيمية حديثة ومعاصرة تلبي الحاجة وتواكب التطور العمراني”.

وفي إطار صون “الملكية العقارية”، فرضت وزارة الإدارة المحلية والخدمات التابعة لـ”الإنقاذ” على أصحاب المشاريع الجديدة توثيق العمليات الفنية والقانونية، من قبيل “إثبات الملكية للأراضي التي يتم التشييد عليها عبر إبراز بيان قيد عقاري، ومخطّط مساحي مع الإحداثيات للعقار المراد الترخيص عليه، وموافقة الجهة المختصة إن دعت الحاجة”، بحسب الديري.

وبدورها تقوم المؤسسات المعنية التابعة لحكومة الإنقاذ بـ”تدقيق الثبوتيات ومن ثم إعطاء الموافقة الأولية لإعداد المخططات الهندسية للمشروع”، كما قال الديري.

تطوير الاستثمار

كان نادر العلي يملك صالة لبيع الألبسة مساحتها 1100 متر مربع في قرية آفس بريف إدلب الشرقي، قبل نزوحه منها في عام 2019، وبعد تهجيره أسّس مشروعاً جديداً، عام 2020، في المجال نفسه بمدينة الدانا، حيث يقيم حالياً.

يتطلع العلي إلى تطوير تجارته بالعمل في سوق مركزي لتجارة الألبسة، لأن ذلك من شأنه “أن يتيح لي كسب زبائن جدد لم يتعاملوا معي سابقاً”، وهو ما شجعه على الاستثمار في سوق الزهراوي المزمع افتتاحه قريباً، ناهيك عن أن المكان الجديد “يؤمن للزبائن سهولة في الحركة وخُصص فيه مواقف للسيارات على عكس السوق الشعبي”.

تجربة مشابهة عاشها باسم أصلان، الذي نزح من جبل الزاوية جنوب إدلب في عام 2019، ليعمل في تجارة الألبسة بأسواق كفرنبل ومعرة النعمان، لكن مع سيطرة النظام عليها عام 2020 أجبره على نقل تجارته مجدداً إلى السوق الشعبي بمدينة الدانا، فاستأجر محلاً “في سوق غير مخصص لتجارة الجملة بإيجار شهري مقداره 150 دولار”.

فكرة افتتاح مشروع تجاري متخصص يجمع تجار الألبسة في شمال غرب سوريا شجعت أصلان، كغيره من التجار، على الاستثمار في سوق الزهراوي، إضافة إلى أن “استملاك المحلّ في المركز التجاري الجديد يوفر دفع الإيجارات”، بحسب قوله، مشيراً إلى أن “صاحب محلي الحالي طلب مني الشهر الماضي دفع الأجرة عن ستة أشهر سلفاً من أجل تجديد العقد”.

فكرة عدم تجديد عقد الإيجار بالنسبة لأصلان هي بمثابة تهديد حقيقي لتجارته، لأنه “يعني ذلك العودة إلى نقطة البداية من حيث البحث عن مكان جديد، وإعادة التواصل مع العملاء، والتكيف مع المحل التجاري والجيران الجدد”.

ومع تكيّف سكان إدلب مع ظروفها الأمنية والاقتصادية، يحكم سوقها “الطموح والجرأة، والتوق لخلق شيء جديد في المجتمع”، كما قال يامن الشامي، مشدداً على ضرورة “توجيه المستثمرين نحو فرص تحقق أعلى إنتاجية وأكبر قدر من فرص العمل لاستثمار المناخ الاستثماري”. يسهم في ذلك “تنامي القدرة الخدماتية، التي يحتاجها المستثمر، في المنطقة”.

وأضاف الشامي: “يجب عدم الاعتماد فقط على مشاريع بيع المنتجات للمستهلك”، مشيراً إلى إمكانية “الاستفادة من الخزان البشري والموارد الطبيعية في المنطقة للانطلاق بمشاريع استراتيجية توفر فرص عمل أكبر وتحقق اكتفاء ذاتياً في ظل الأزمات العالمية الحالية”.

لكن على الصعيد الشخصي، الأهم بالنسبة لأصلان “حرية التصرف” في تصميم واختيار الديكورات الجديدة بمحلّيه في سوق الزهراوي، والتأسيس لمشروع مستدام “لا يمكن للمؤجر أن يتحكم به أو يحدد سقفه الزمني”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

شارك هذا المقال