8 دقائق قراءة

بإمكانات متواضعة.. مبادرات أهلية في درعا لمواجهة “كورونا” 

على الرغم من أن توفير الخدمات الأساسية كان أحد ركائز "اتفاق التسوية" بين النظام والمعارضة عام 2018، إلا أن السائد هو الغياب شبه الكامل لحكومة دمشق على صعيد توفير الخدمات للمنطقة


1 ديسمبر 2020

عمّان – على امتداد أكثر من سنتين منذ سيطرة قوات النظام الأسد وحليفتيه روسيا وإيران على جنوب سوريا، بقي السائد هو الغياب شبه الكامل لحكومة دمشق على صعيد توفير الخدمات الأساسية للمنطقة، على الرغم من أن تزويد هذه الخدمات كان أحد ركائز “اتفاق التسوية” بين النظام والمعارضة صيف العام 2018. 

وقد تعزز ذلك التجاهل الحكومي مع تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، إذ لا يوجد في المحافظة أي جهاز لإجراء فحص “بي. سي. آر” الخاص بالكشف عن الإصابة بالفيروس، الأمر الذي استدعى من أهالي محافظة درعا تحديداً إطلاق مبادرات أهلية، ضمن الإمكانات المتواضعة المتاحة، للتصدي للوباء وتقليل خسائره البشرية، شملت مدن درعا وإنخل وجاسم ونوى وبصرى الشام، تتباين فيما بينها في درجة التنظيم والإمكانات، تبعاً لحجم التبرعات الأهلية.

وفيما تشير الأرقام الحكومية إلى تسجيل 414 إصابة بفيروس كورونا المستجد، في المحافظة، أفضت إلى 13 وفاة، ثمة اتفاق واسع بين المختصين والمتابعين على أن الأعداد الحقيقية للإصابات على مستوى سوريا ككل هي أضعاف المعلن رسمياً.

متطوعان في حملة “معاً ضد كورونا” يعملان على تعقيم إحدى مدارس مدينة درعا، 29/ 11/ 2020 (لورنس أبو آدم)

“معاً ضد كورونا”

في 28 آب/أغسطس الماضي، تم الإعلان عن حملة “معاً ضد كورونا” في مدينة درعا، والتي يتمثل هدفها الأساسي في “وقاية أهلنا ومجتمعاتنا من شر هذا الوباء”، بحسب ما قال لـ”سوريا على طول” عضو بلجنة الإشراف في الحملة، اشترط عدم كشف هويته. مشيراً إلى أن سوريا تعيش “ظروفاً اقتصادية وطبية صعبة جداً، إضافة إلى ما يعانيه الناس من ضائقة مالية وظروف معيشية قاسية”، وأن “تكاتف الناس في مثل هذه المواقف يكون سبباً في رفع [إنهاء] الوباء”، كما أضاف.

لكن الإمكانات المحدودة، وفقاً للعضو، يجعل الحملة “وقائية بالدرجة الأولى”، من خلال “نشاطات توعية وتثقيف بمخاطر الفيروس”. يضاف إلى ذلك “تعقيم كل الأماكن التي قد يشكل فيها الازدحام عامل خطر لانتشار الوباء”، مثل المدارس، وأماكن العبادة المختلفة، والمؤسسات الحكومية، وبعض الأسواق التجارية.

وقد وزعت الحملة، كما قال المصدر، “آلاف البروشورات [النشرات] ولوحات التوعية بمخاطر الفيروس، ونشرتها في كل أماكن الازدحام”. إلى جانب قيام أعضاء الحملة بـ”جولات تثقيفية قصيرة على المدارس وأماكن الاكتظاظ”.

مع ذلك، يظل ثمة جانب علاجي للحملة. إذ أعد القائمون عليها، كما أضاف المصدر،  “صرراً طبية” مجانية لكل مشتبه بإصابته بفيروس كورونا، تضم كمامات ومعقمات والأدوية اللازمة بحسب المعايير  المعتمدة من قبل وزارة الصحة السورية.

ويعمل الفريق الطبي في الحملة على معاينة المريض، وفي حال الاشتباه بإصابته بفيروس كورونا، يحجر منزلياً، وتقدم له “الصرة الطبية”، ومن ثم يتابع الفريق الطبي الحالة حتى الشفاء التام.

أما في حال كان المشتبه بإصابته يحتاج إلى رعاية صحية حثيثة، فإنه ينقل إلى المشافي التابعة لوزارة الصحة، من خلال قنوات التنسيق بين الحملة ومديرية الصحة في درعا، بحسب ما قال المصدر. كما، تعمل الحملة على تقديم خدمات عدة للمحجورين منزلياً وعائلاتهم، تتعلق بـ”كيفية التعامل مع حالات الإصابة بالفيروس داخل العائلة”. 

شبان متطوعون في حملة “معاً ضد كورونا” يعقّمون غرفة صفية في إحدى مدارس مدينة درعا، 29/ 11/ 2020 (لورنس أبو آدم)

إنخل: تعامل مع “قنبلة موقوتة”

في مدينة إنخل شمال درعا، قام عدد من الوجهاء والشبان بتشكيل لجنة أهلية لجمع التبرعات وشراء اسطوانات أوكسجين، ثم قاموا بتحويل أحد المراكز الطبية الخاصة إلى مركز فحص للمشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، عبر التشخيص السريري لعدم وجود مسحات لإجراء فحص “بي سي آر”. و”تم تجهيز المركز بعدد من أسطوانات الأوكسجين وأجهزة الرذاذ وبعض الأسرة”، بحسب مصدر طبي من المدينة، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم كشف هويته، 

ويظل الإجراء العام، كما أوضح عدنان عبد الحق، المتطوع في المبادرة، أن يُشك “بإصابته بكورونا يطلب منه حجر نفسه منزلياً، ويتابع الأطباء حالته الصحية مجاناً، لاسيما الحالات التي تحتاج إلى متابعة حثيثة”.

كذلك، عملت اللجنة الأهلية في المدينة على تنفيذ حملات تعقيم للمدارس والمرافق العامة، من بينها حملة وحيدة نفذتها حكومة دمشق لتعقيم المدارس، و “لم تنجز غيرها في سبيل مكافحة كورونا”، بحسب ما قال عبد الحق، لـ”سوريا على طول”.

كذلك، بحسب المصدر الطبي، يقوم فريق المبادرة الطبي بـ”معاينة مدى اتباع إجراءات السلامة في الأماكن المكتظة، مثل المدارس والمساجد”. لكن لا يبدو لحملات تعقيم المدارس، برأي عبد الحق، أي فائدة؛ لكون الغرفة الصفية تحوي 40 طالباً، داعياً اللجنة الأهلية في مدينته لاتخاذ خطوات لتقليل الاكتظاظ في المدارس. مبرراً توجيه المناشدة للجنة الأهلية بدلاً من حكومة دمشق التي من المفترض أنها المسؤولة عن ذلك، بأن “الدولة لا تستطيع تأمين رغيف خبز للمواطن حتى تأمن له مسحات كورونا ومواد تعقيم ووقاية”، وأن حكومة دمشق لم تنفذ سوى حملة واحدة لتعقيم المدارس،

سيدتان تتجهان إلى مركز طب الأسرة في مدينة إنخل التابع لحكومة دمشق، ويقتصر دوره على تقديم اللقاح للأطفال، 30/ 11/ 2020 (سوريا على طول)

هذا الأمر أكد عليه المصدر الطبي. إذ “لا علاقة للحكومة السورية بالمبادرة سوى قيام المجلس المحلي [التابع لدمشق] بتأمين اسطوانات الأوكسجين التي تم جمع ثمنها من الأهالي”، كما قال. ولا يوجد في المدينة “حتى مركز صحي لرعاية أو معاينة مرضى كورونا، بل مركز صغير يعطي اللقاحات الشهرية للأطفال، ويعمل بدوام إداري من 8 صباحاً وحتى 1 ظهراً”. 

شبان بمدينة إنخل ينقلون إحدى اسطوانات الاوكسجين التي تم شراؤها بتبرعات من سكان المدينة ضمن الحملة الأهلية لمواجهة فيروس كورونا المستجد. 23/ 8/ 2020 (فيسبوك)

وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي يبذلها أعضاء اللجنة، لاسيما الفريق الطبي منهم، فقد أصبحت إنخل أشبه بـ”بؤرة وقنبلة موقوتة”، كما وصفها اثنان من سكانها، نظراً لتزايد أعداد الإصابات بفيروس كورونا.

وبحسب عبد الحق، “توفي قبل أيام رجلان مسنان في حيّنا، وقبل أسبوعين توفي شاب أيضاً نتيجة إصابتهم بفيروس كورونا”، مضيفاً: “الإصابات كثيرة في المدينة لكن لا نعرف العدد الحقيقي كونه لا أحد يذهب لإجراء فحوصات في المشافي الحكومية”.

الإصابات المتزايدة في المدينة، والتي طالت أيضاً طاقم الفريق الطبي المكون من 4 أطباء وممرضين، أجبرت المركز الصحي الخاص بكورونا على التوقف عن العمل منذ مطلع الأسبوع الحالي وحتى شفاء المصابين وانتهاء فترة الحجر الصحي لباقي الفريق.

وقد بلغ عدد الإصابات المؤكدة التي راجعت المركز وظهرت عليها الأعراض، بحسب المصدر الطبي، قرابة 30 حالة، في مقابل 100 حالة يشتبه بإصابة أصحابها بالفيروس، فيما بلغ عدد الوفيات خمساً. ولم يوثق أي من هذه الحالات في السجلات الحكومية الرسمية، كما أكد المصدر الطبي، لأنه “لم يتم إجراء أي فحوص لهم في المراكز الحكومية، كون الفحوصات موجودة فقط في مراكز المدن”

بالنتيجة، فإن “وضع المدينة ينذر بخطر”، وفق المصدر الطبي، إذ “قد تصل أعداد الإصابات إلى مئات قريباً في حال لم تغلق المدارس والأسواق لبضعة أيام حتى انحسار المرض”، موضحاً أنه “قبل أيام تسببت معلمة مصابة بكورونا في المدينة بنقل العدوى إلى 15 زميلة لها في نفس المدرسة، وتالياً أصيب أكثر من خمسة طلاب، ما دفع مدير المدرسة والمجلس المحلي في المدينة لاتخاذ قرار بإغلاق غرفتين صفيتين”.

في الوقت ذاته، ونتيجة الإمكانات المحدودة وزيادة أعداد الإصابات، تحول بعض الخدمات التي قدمتها المبادرة في الأسابيع الأولى مجاناً إلى خدمات مدفوعة، من قبيل تقديم اسطوانات الاوكسجين للمصابين الذين يحتاجونها، بينما يتكفل المركز بمتابعة الحالة الصحية للمريض مجاناً وتعبئة الاسطوانة لاحقاً.

صورة تُظهر الدمار الذي لحق بالمستوصف الصحي في مدينة إنخل نتيجة قصف الطيران السوري والروسي قبيل سيطرة دمشق على المدينة في تموز/يوليو 2018، 30/ 11/ 2020 (سوريا على طول)

أبناء بصرى الشام يتجاوزون التوقعات

حينما بدأ خطر فيروس كورونا يقرع أبواب مدينة بصرى الشام، شرق محافظة درعا، “اجتمع وجهاء المدينة مع طاقم طبي متكامل، لبحث سبل التصدي للفيروس”، كما ذكر مصدر إعلامي من المدينة لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم كشف هويته.

تالياً، تم تشكيل لجنة خاصة للإشراف على حملة جمع تبرعات من “أهل البلد والمغتربين، لأجل تجهيز مشفى بصرى الشام الحكومي، وشراء الحاجيات الضرورية ومستلزمات التعقيم الواجب توفرها”، وفقاً للمصدر، مؤكداً أن “حجم التبرعات فاق توقعاتنا، مع مبادرة من أبناء القرى المجاورة لبصرى الشام”.

بعد ذلك، قام الفريق الطبي واللجنة الخاصة بشراء المعقمات والأدوية والفيتامينات وأسطوانات الاوكسجين، وغيرها من المواد. كما تم إنشاء مركز حجر صحي خاص بعيد عن تمركز الأهالي وتجهيزه بالكامل بالمواد المطلوبة.

وأسوة بغيرها من المبادرات المحلية الأهلية، عمل أعضاء المبادرة في بصرى الشام على توزيع المعقمات ومواد التنظيف على المدارس في المدينة والقرى المحيطة بها.

وكشف المصدر أيضاً عن قيام اللجنة بـ”شراء جهاز توليد أوكسجين كامل، يغطي نفقات الأوكسجين لمرضى كورونا في المنطقة. وهو حالياً قيد التركيب”. معتبراً أن “تأمين هذا الجهاز الذي فاق سعره 300 مليون ليرة سورية [113,636 دولار أميركي، بحسب سعر الصرف البالغ 2,640 ليرة]” يمثل “خطوة كبيرة على مستوى سوريا”. 

انكشاف عيوب خدمية أخرى

“عندما دخلنا المدارس لتعقيمها، بجزئيها البشري والفيزيائي (البناء والمقاعد وغيرها)، لاحظنا أن بعضها لا يوجد فيه ماء”، كما روى عضو لجنة الإشراف في مبادرة “معاً ضد كورونا”. وهو “ما يعني أنه لا فائدة من تعقيم الطلبة فيما مورد الماء ملوث وموارد الحمامات في المدارس سيئة، فالوقاية التي نحققها سنخسرها هناك”.

هذه الحال المزرية، دفع فريق المبادرة إلى طلب دعم أهلي جديد لإصلاح “موارد المياه والصرف الصحي في عدد كبير من المدارس الحكومية في مدينة درعا، وما زلنا نكمل في هذا الاتجاه”، كما أضاف العضو.

متطوع يقوم بتعقيم المقاعد والحقائب المدرسية لطلبة إحدى مدارس مدينة درعا، 29/ 11/ 2020 (لورنس أبو آدم)

في بصرى الشام أيضاً، كما ذكر المصدر الإعلامي، زودت اللجنة الأهلية مستشفى المدينة بأجهزة طبية بالأمواج فوق الصوتية (دوبلر) وأجهزة غسيل الكلى وغيرها، تم شراء “جميعها من الأموال التي جمعت من أهالي منطقة بصرى الشام”.

وجاءت هذه الخطوة، أسوة بمبادرة مواجهة “كورونا” في المدينة، نتيجة “منع [حكومة دمشق] وصول أي تجهيز طبي لمستشفى بصرى الشام، وتحويله لصالح أماكن تسيطر عليها الحكومة بالكامل”، وفقاً للمصدر، “على الرغم من أنه المستشفى الوحيد في المنطقة الشرقية من درعا”.

واتهم المصدر حكومة دمشق بأنها “منعت الصليب الأحمر من توجيه مساعدة طبية إلى مستشفى بصرى الشام، وقامت بتحويلها إلى مستشفى مدينة درعا”، كاشفاً عن تقديم “شكوى بذلك للقوات الروسية”.

أما في مدينة درعا، وفيما يحاول الفريق الطبي هناك الحفاظ على وجود تنسيق وقنوات اتصال مع مؤسسات الحكومة السورية المعنية بالخدمات. فإن “الرضا واضح من قبل العاملين في المجال الصحي وحتى الرسمي ومدراء المدارس والطلبة على عملنا”، بحسب عضو لجنة الإشراف بحملة “معاً ضد كورونا”.

شارك هذا المقال