4 دقائق قراءة

بترقب وقلق ينتظر أهالي دوما ما ستكشف عنه المفاوضات: “الجميع يريد حلاً”

للمرة الأولى منذ ما يقارب الشهرين، خرج محمد المرحوم ٢٧ […]


للمرة الأولى منذ ما يقارب الشهرين، خرج محمد المرحوم ٢٧ عاماً، ليجوب شوارع مدينته دوما، شرقي دمشق، هذا الأسبوع.

يقول المرحوم لسوريا على طول “هناك قصف، ولكنه قليل جداً مقارنة مع ما كان عليه من قبل… يمكنني التجول في المدينة”.

ودوما هي آخر مدينة خاضعة لسيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية، التي حاصرتها قوات النظام السوري عام ٢٠١٣.

وتسبب هجوم النظام الذي دام لأشهر على الغوطة الشرقية، تبعه اتفاقيات التسوية والإجلاء في العديد من المدن والبلدات، بإخراج قوات المعارضة من الضواحي الشرقية. وبقيت دوما، عاصمة الغوطة الشرقية وموطن فصيل المعارضة جيش الإسلام، تقف وحدها.

واليوم، يخيم هدوء غير مستقر على دوما حيث يتفاوض معارضون وممثلو المجتمع المدني من المدينة المحاصرة مع وسطاء روس خلف أبواب مغلقة. تفيد وسائل الإعلام الموالية للنظام بأن القوات الحكومية تتجمع خارج المدينة مباشرة – وهي مهيأة لـشن “عملية عسكرية واسعة النطاق” في حال انهارت المحادثات.

في هذه الأثناء، ينتظر سكان دوما البالغ عددهم ٧٠ ألف نسمة معرفة مصيرهم- إجلائهم إلى الشمال، أو معركة حاسمة أو حل سياسي- مع مزيج من مشاعر الفزع والقلق.

يقول المرحوم، الذي يعمل طبيباً في وحدة العناية المشددة المحلية “الأجواء محبطة، وهناك الكثير من الارتباك والقلق- الجميع يريد حلاً لما نحن فيه”.

أحد السكان يرفع الأنقاض في دوما في ١٩ آذار. تصوير: فراس عبد الله.

وقال عدد من سكان دوما لسوريا على طول، هذا الأسبوع أن هناك القليل من التفاصيل الملموسة التي تظهر حول المفاوضات المغلقة، وهم قلقون بشأن ما يخبئه المستقبل لهم.

وفي حين يؤكد جيش الإسلام أن لجنة مدنية هي المسؤولة عن المفاوضات مع الحكومة السورية، أصدر الفصيل بيانات في الأسابيع الأخيرة تنفي النظر بأي صفقة إجلاء.

وقال المتحدث باسم جيش الإسلام حمزة بيرقدار، لسوريا على طول، صباح يوم الخميس “نحن نفاوض الآن من أجل البقاء.. لا المغادرة”. وأضاف إن المفاوضات الجارية “تسير باتجاه إيجابي”، لكنه رفض تقديم مزيد من المعلومات.

وتابع بيرقدار “هناك تفاصيل ثانوية لا يمكن مشاركتها مع الناس”، موضحاً أن السرية كانت ضرورية “لحماية” عملية التفاوض.

وتوصلت سوريا على طول إلى ثلاثة من الأعضاء الخمسة في لجنة المفاوضات المدنية، في دوما، خلال الأسبوع الماضي، إلا أن جميعهم رفض الإدلاء بأي تصريحات حول تفاصيل المحادثات الجارية.

“حالة من الترقب”

بدأت حملة النظام الأخيرة للقضاء على وجود المعارضة في شرق دمشق في نهاية كانون الأول، حيث شنت الطائرات الحربية السورية والروسية حملة جوية مكثفة ضد الغوطة الشرقية.

وازدادت وتيرة القصف في الأسابيع التالية، وأصبحت أكثر وحشية في منتصف شباط، وأودت بحياة أكثر من ١٧٠٠ مدني حيث تقدمت القوات الموالية للنظام بسرعة اخترقت خطوط دفاع المعارضة، وقسمت الغوطة الشرقية إلى ثلاثة أقسام معزولة عن بعضها.

وفي مواجهة القصف المكثف والهزيمة العسكرية المحتملة، اتفقت فصائل المعارضة، أحرار الشام وفيلق الرحمن، خلال الأسبوع الماضي، على تسليم أجزاء من الغوطة الشرقية للحكومة السورية وإجلائها إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب البلاد.

واستقل عشرات الآلاف من المدنيين والمقاتلين الحافلات الخضراء التابعة للنظام وغادروا الغوطة الشرقية في الأيام الأخيرة. وتمثل اتفاقيات الإجلاء صفقات بين الحكومة والمعارضة في المناطق المحاصرة التي تسيطر عليها المعارضة، في السنوات الأخيرة، بما في ذلك إجلاء آلاف المقاتلين والسكان من الأحياء الشرقية لمدينة حلب في كانون الأول ٢٠١٦.

ورفض الآلاف من أهالي الغوطة الشرقية النزوح، واختاروا بدلاً من ذلك التوجه إلى مراكز إيواء خصصها النظام في مناطق سيطرة النظام والتوقيع على عملية تسوية أوضاع غامضة.

ولكن بينما يغادر المدنيون والمقاتلون في أماكن أخرى في الغوطة الشرقية منازلهم – إلى الشمال أو إلى الملاجئ التي يديرها النظام – ينتظر سكان دوما نتيجة المفاوضات.

مدنيون يمشون في شوارع دوما، يوم الأربعاء. تصوير: المجلس المحلي في دوما.

يقول أنس الشامي، معلم يبلغ من العمر ٣٢ عاماً من دوما، لسوريا على طول “الجميع، بما فيهم أنا، ينتظرون أية أخبار من اللجنة. أشعر بالقلق بشأن ما سينتج عن المفاوضات”، ويريد الشامي البقاء في دوما، لكنه ليس متفائلاً بنتيجة المفاوضات.

ويقول المعلم، الذي فقد طفله الأكبر جراء غارة جوية في كانون الثاني “لن نكون أنانيين ونبقى هنا إذا كانت نتيجة ذلك أن أطفالنا سيقتلون، أنا أفضل أن أترك مدينتي على أن أبقى مع قتلة ابني”.

“الوداع”

خرج ما يقارب ١٧٠٠ شخص من سكان دوما من المدينة المحاصرة عبر ممر إنساني أعلنت عنه روسيا، شمال المدينة، يوم الأربعاء وحده، حسبما أوردته وسائل الإعلام الرسمية السورية، وانضموا إلى ما يقدر بنحو ٨٠ ألف من سكان الغوطة الشرقية الآخرين، الذين فروا إلى الأراضي التي يسيطر عليها النظام، منذ ٩ آذار، وفقاً لما أفاد به مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة يوم الأربعاء.

وفي حين أن سكان دوما يملكون خيار المغادرة والتصالح مع الحكومة السورية، إلا أن ستة مدنيين ممن تحدثت إليهم سوريا على طول، هذا الأسبوع، قالوا إنهم لن يكونوا بأمان إذا فعلوا ذلك.

تقول بيان ريحان، عضو سابق في مجلس مدينة دوما المحلي، لسوريا على طول “كوني ناشطة، من المستحيل أن أعود إلى سيطرة النظام حتى مع الضمانات الدولية”.

وبالنسبة لريحان ونشطاء المعارضة الآخرين، فإن مشاركتهم في الثورة التي بدأت قبل سبع سنوات وآراءهم الصريحة ضد حكومة الأسد تجعل من عملية المصالحة مع دمشق أمراً صعباً.

يقول معلم دوما، الشامي “لن أرمي نفسي في أحضان الموت، حتى لو كانت هناك ضمانات أخرى”. حيث أنه مطلوب من قبل الحكومة بسبب مشاركته في المظاهرات المؤيدة للمعارضة.

ويضيف “لن أتصالح مع النظام، ولن أنسى ما فعله بالغوطة الشرقية”.

ومع عدم قدرتهم على التصالح مع الحكومة أو عدم رغبتهم بذلك، يعلم السكان، مثل الشامي، أن مصيرهم يعتمد على نتيجة المفاوضات التي لا يعرفون عنها سوى القليل.

وفي الوقت الراهن، كل ما يأمل به المرحوم، هو البقاء مع عائلته في دوما لأطول مدة ممكنة. وبسبب خوفه من أن يضطر إلى الرحيل في وقت قريب، يقول المرحوم إنه يريد أن يمشي “في كل شارع” في مدينته، ليحفظ تفاصيلها بذاكرته.

ويختم قائلا “بكل صدق، أقول وداعا”.

 

ترجمة: سما محمد

شارك هذا المقال