5 دقائق قراءة

بعد رفع الرواتب والخبز والمازوت: “سوريا غير صالحة للمعيشة”

البلد أصبحت غير قابلة للعيش والحياة، بحيث أصبح الناس يبيعون بيوتهم وأراضيهم استعداداً لمغادرة سوريا


20 يوليو 2021

عمّان – من مسكنها الواقع في إحدى عشوائيات العاصمة دمشق، تنطلق أم هدى كل صباح لتنظيف ما تيسر لها من بيوت؛ إذ هذا هو السبيل الوحيد لـ”تأمين متطلبات الحياة الأساسية لابنتيّ”، كما قالت، معبرة في الوقت ذاته عن خشيتها من أن يصبح عملها هذا “الذي يستغرق جل وقتي غير كاف [لتوفير] تلك الأساسيات بعد ارتفاع أسعار الخبز والمازوت” مجدداً.

ففي 10 تموز/يوليو الحالي أعلنت حكومة دمشق رفع سعر الخبز بنسبة مئة بالمئة، بحيث أصبح سعر الربطة الواحدة (ثمانية أرغفة، بوزن 1,100 غرام) 200 ليرة سورية بدلاً من 100 ليرة، فيما تم رفع سعر المازوت بأكثر من مئة بالمئة، بتوحيد سعره عند 500 ليرة لليتر الواحد للقطاعات العامة والخاصة كافة، بما فيها المؤسسة السورية للمخابز ومخابز القطاع الخاص (وباستثناء المازوت المخصص للقطاع الصناعي). وقد جاء الرفع الخاص بالمادتين بعد أيام فقط من رفع أسعار السكر والأرز (من 600 إلى 1,000 ليرة للكيلو) والبنزين (أوكتان 95 من 2,500 ليرة إلى 3,000 ليرة لليتر).

كيف يعيش السوريون؟

تجني أم هدى -المعيلة الوحيدة لابنتيها هدى (عشر سنوات) ومريم (سبع سنوات) منذ طلاقها- ما يقارب 135 ألف ليرة سورية (42 دولاراً أميركياً، بسعر الصرف في السوق الموازية والبالغ  نحو 3,200 ليرة للدولار الواحد) من عملها في تنظيف البيوت. كما تحصل على معونة غذائية شهرية غير محددة القيمة من جمعية خيرية. 

في المقابل، تدفع مبلغ 70 ألف ليرة إيجاراً لبيتها، إضافة إلى نحو ثلاثة آلاف ليرة فواتير مياه وكهرباء، و 30 ألف ليرة كل شهرين لشراء أسطوانة غاز. وتقسم المبلغ المتبقي من دخلها، والمقدر في أحسن الحالات بـ62 ألف ليرة على مستلزمات أسرتها اليومية ومصاريف المدرسة لطفلتيها وأجور المواصلات.

ورغم هذا الدخل المتواضع قياساً إلى غلاء الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، فقد اعتادت “تدبير حاجتي”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، لكنها اليوم قلقة من عجزها عن ذلك بعد ارتفاع الأسعار، خاصة أن قرار زيادة الأجور بنسبة 50% لا ينطبق عليها كونها ليست موظفة حكومية.

إذ بعد يوم من قرار الحكومة رفع أسعار المازوت والخبز، أصدر بشار الأسد، في 11 تموز/يوليو الحالي، المرسومين التشريعيين 19 و20 للعام 2021، بحيث قضى الأول بإضافة نسبة 50% إلى رواتب وأجور العاملين المدنيين والعسكريين، ورفع الحد الأدنى العام للأجور والحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص والتعاوني والمشترك غير المشمولة بأحكام القانون الأساسي للعاملين بالدولة ليصبح 71,515 ليرة شهرياً. أما المرسوم الثاني، فنص على زيادة أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين بنسبة 40% من المعاش التقاعدي.

وأظهرت تعليقات على تصريحات وزير مالية دمشق بشأن تنفيذ المرسوم رقم 20، والمنشور في الصفحة الرسمية لوزارة المالية على “فيسبوك”، عدم رضا مواطنين سوريين عن مقدار الزيادة الذي أصبح بموجبه المعاش الشهري “يساوي ثمن ثلاث مرات تعبئة بنزين دون أكل أو شرب أو أجرة بيت وفواتير وأدوية”، كما ورد في إحدى التعليقات، أو أن قيمة الزيادة توازي “فرق أجور السرفيس” بحسب تعليق آخر، إضافة إلى الاعتقاد بأن هذه الزيادة “سيتم تأمينها من جيب المواطن” كما في تعليق ثالث. وليبرز السؤال عن جدوى هذه الزيادة التي لا تتجاوز 50% مقارنة بارتفاع أسعار الخبز بنسبة 100% والمازوت بنسبة أكثر من 170%، ناهيك عن غيرها من السلع الأساسية.

لماذا الآن؟

يعتقد الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، مناف قومان، أن “الحكومة لجأت إلى رفع الدعم وتحرير الأسعار وتحميل المواطن عبء التكلفة الحقيقية لسعر السلع والمواد المستوردة”، بعد أن “فقدت مداخيل وموارد كانت تعتمد عليها فيما سبق لتأمين موازنتها وشراء تلك المواد ودعم سعرها للمواطن”. وبعبارة أخرى، فإن الحكومة “باتت غير قادرة على تحمل هذه المسؤولية أمام الجفاف المالي الحاصل وتوالي الصدمات والأزمات الاقتصادية”.

كذلك، رجح قومان في حديثه لـ”سوريا على طول” أن تؤدي الزيادة في الرواتب إلى زيادة “الكتلة النقدية في البلاد، لتقود  في المحصلة إلى ارتفاع عام في الأسعار”. إذ إن “النظام اعتاد ملاحقة ارتفاع الأسعار بزيادة الرواتب التي تتبعها زيادة في الأسعار مرة أخرى”، لأن زيادة الرواتب “لم تأت نتيجة زيادة الإنتاج والأصول والعملة الصعبة”. 

في المقابل، ورغم تأكيد أن “النظام يعاني من مشكلة مالية”، كما تكشف موازنة العام 2021 من “انخفاض إنفاق الحكومة على الفرد في مناطق النظام من 753 دولاراً العام 2010 إلى 227 دولاراً العام الحالي”، إلا أن ارتفاع “الإنفاق الجاري ليصبح الأعلى خلال عشر سنوات” مقابل انخفاض الإنفاق “الاستثماري ليصبح 18% فقط”، يعكس برأي الباحث الاقتصادي السوري د. كرم شعار، محاولة حكومة دمشق “التركيز على دعم السلع، لكنها غير قادرة بسبب الضائقة المالية غير المسبوقة التي تعانيها”.

كذلك، فإن نسبة الزيادة الأخيرة على الرواتب رغم أنها لا تتجاوز نسبة 50%، ستغطي فرق الزيادة في أسعار المحروقات والخبز، كما أضاف شعار لـ”سوريا على طول”، معتمداً في توقعه على عدم رفع أسعار سلع أساسية أخرى مثل الأرز والسكر مجدداً.

في السياق ذاته، قال رئيس حكومة دمشق، حسين عرنوس، في 14 تموز/يوليو الحالي، إن زيادة أسعار الخبز والمازوت جاءت لأسباب خارجة عن الإرادة لكلا النوعين، لضمان استمرار تأمينهما، وإن تكلفة ربطة الخبز هي 1,200 ليرة، وليتر المازوت 1,967 ليرة، بحيث تأخذ الحكومة أقل من 10% من السعر الجديد. مؤكداً أنه “لن يكون هناك أي تراجع عن الدعم، لكن قد تختلف أشكاله وهيكلته”.

“غير صالحة للحياة”

صراع التكيف مع غلاء المعيشة المستمر لم يعد يقتصر على ذوي الدخل المحدود أو المتدني، بل امتد أيضاً إلى كثير من التجار وأصحاب الأعمال الحرة. فإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها التاجر لإعالة أسرته، فإن “ارتفاع تكلفة الجمارك على البضائع الأولية ومدخلات الإنتاج، إلى جانب ارتفاع كلف الطاقة المتأتي من رفع أسعار المازوت”، كما قال محمد عبد الحق، تاجر الأجهزة المنزلية في ريف درعا، باتا يحولان دون قدرة التجار كثيرين على الاستمرار في السوق، وبالنتيجة فقدانهم مصدر رزقهم.

فمثلاً، “يبلغ سعر الغسالة في سوريا  800 ألف ليرة”، كما أوضح عبد الحق، فيما “متوسط الدخل السنوي للموظف الحكومي لا يتجاوز 700 ألف ليرة”.

المعاناة ذاتها يعرفها أبو محمود الذي يعمل في بيع الألبسة في مدينة حمص. إذ يعاني، كما قال لـ”سوريا على طول” خسائر متراكمة جراء “توقف حركة البيع والشراء، وإحجام الناس عن شراء الملابس باعتبارها باتت من كماليات حياة المواطن السوري”، تضاف إلى ذلك “ملاحقة مديرية التموين لنا كتجار وأصحاب محلات لمخالفتنا بمبالغ قد تصل إلى 300 ألف ليرة، عدا عن [احتمالية] الحبس، بذريعة مراقبة التزامنا بالأسعار”، متسائلاً أبو محمود: ” كيف ترفع الحكومة الأسعار ورسوم الجمارك علينا وتمنعنا من تعديل أسعارنا  تباعاً  حتى نوقف خساراتنا؟”.

كذلك، عبر أبو محمود عن قلقه من شح مادتي المازوت والغاز، وبالتالي ارتفاع أسعارها بشكل أكبر من المعلن، خصوصاً عند اقتراب فصل الشتاء، إذ “كنت أحصل سابقاً على اسطوانة غاز كل شهرين، ثم كل 75 يوماً، وها أنا لم أحصل على اسطوانة منذ أكثر من 75 يوماً”، بحسب قوله. أما شراؤها من السوق السوداء بسعر 40 ألف ليرة (مقارنة بسعر 4,200 ليرة المحدد من الحكومة) فهو خارج قدرته، كما قال. 

وفي هذا السياق، يرى الباحث مناف قومان، أن ارتفاع مادة المازوت، مثلاً، الذي تعتبر “أحدى روافع الطاقة الأساسية في سوريا”، سيؤدي إلى “زيادة تكاليف الإنتاج وترحيلها دراماتيكياً للمواطن”.

وهذا سينعكس على ” انخفاض وتيرة إنتاج العديد من السلع والمحاصيل، وما يتبعه من قلة في العرض أمام نفس حجم الطلب، وتآكل القوة الشرائية وتردي المستوى المعيشي والوضع الاقتصادي العام، وفقاً لقومان.

هكذا، فإن الوضع المعيشي في سوريا يتجه “نحو الأسوأ” أو “من الهاوية إلى هاوية أعمق”، برأي قومان. إذ “سيعتاد السوريون من الآن فصاعداً على الارتفاع الأسبوعي أو اليومي للأسعار، مقابل انخفاض القوة الشرائية وشح المواد، إن لم يكن انقطاعها. ولذا قد تخطط الحكومة لطباعة [ورقة نقدية من فئة] 10 آلاف ليرة”.

وبالنتيجة فإن “البلد أصبحت غير قابلة للعيش والحياة، بحيث أصبح الناس يبيعون بيوتهم وأراضيهم استعداداً لمغادرة سوريا”، كما  يختصر عبد الحق واقع حياة السوريين المحاصرين بين ارتفاع كلف المعيشة وانخفاض الدخل.

شارك هذا المقال