7 دقائق قراءة

بعيدا عن عدسة الأضواء العالمية: أهالي مضايا يموتون من سوء التغذية

مضايا التي كانت يوما مصيفاً ساحراً، ولفتت انتباه العالم إليها […]


11 مارس 2016

مضايا التي كانت يوما مصيفاً ساحراً، ولفتت انتباه العالم إليها في مقتبل هذا العام  بموت العشرات من أهلها جوعاً برغم الهدنة مع النظام، تواجه اليوم تداعيات خطر جديد مع تضاعف حالات نقص التغذية وموت أربعة أشخاص في الأسبوعين الماضيين على إثره.

ومع أن الموت جوعا أصبح الآن أقل وروداً بين المدنيين، البالغ عددهم نحو أربعين ألفاً والمحتجزين في داخل البلدة المحاصرة، والتي تبعد 40 كم شمال غرب دمشق، بعد شحن عدة مساعدات غذائية، فإن تهديد سوء التغذية المحدق يحل محله.

وأوضح طبيبان وعدة ناشطين داخل مضايا، لسوريا على طول، أن قوافل المساعدات، والتي تشمل واحدة في شهر تشرين الأول، وثلاثة في كانون الأول وواحدة في شباط، ضمت مواد غذائية بمستويات عالية من النشويات ومستوى منخفض من البروتين، وهي المواد التي إن أعطيت للناس الذين يتضورون جوعا، وتتسبب في الانتفاخ وقصور في وظائف الكلى والكبد.

ووفقا لما قال الطبيب محمد يوسف، مدير الهيئة الطبية في مضايا، لسوريا على طول، فإنه و”بسبب الحصار تم فقد الكثير من البروتينات في الجسم والفيتامينات، وعندما دخلت المساعدات كانت فقيرة بالمواد البروتينية، ما أدى إلى فشل في وظائف الكبد والكلية، وعملية الامتصاص الغذائي من الأمعاء”.

والنتيجة “احتباس السوائل في الجسم” ما أدى إلى انتفاخ الوجه والبطن والكاحلين والقدمين كما ذكر الطبيب يوسف. (لرؤية الصور التي توثق الإنتفاخ، أنظر إلى صفحة الهيئة الطبية في مضايا على الفيسبوك هنا).

وبينما احتوت المساعدات الإنسانية، التي وصلت خلال كانون الأول وشباط، على البروتين الموجود في حبوب العدس والفاصوليا والحمص، فإنها كانت “فقيرة بالبروتين الحيواني”، وفق ماقاله الطبيب يوسف، والذي أضاف أن المواد الغذائية في طرود المساعدات “يمكن أن تؤدي إلى ظهور هذه الانتفاخات”.

وحذرّ الدكتور يوسف من أن المشكلة في مضايا “ليست فقط في نقص البروتين وإنما نقص في السوائل، ونقص في الفيتامينات”.

وقال يوسف “أكثر من ألفي شخص من سكان مضايا مازالوا بحاجة للحصول على علاج  نتيجة الانتفاخ الناجم عن سوء التغذية، الذي بدأ ظهوره بعد أسبوع من وصول قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة، في كانون الثاني”، حيث تم تشخيص نحو 112 حالة تعاني من داء كواشيركور، وهو شكل من أشكال سوء التغذية الحاد والقاتل والذي يسبب تورما في الجسم.

إلى ذلك، قال محمد درويش، طبيب يعمل في مستشفى ميداني في مضايا، لسوريا على طول، يوم الثلاثاء، إن “الأعداد هائلة وتفوق التصور، وجميع السكان معرضين للإصابة حتى الكادر الطبي”.

بدوره، قال حسام مضايا، عضو الهيئة الإغاثية الموحدة في مضايا والزبداني، والمسؤول عن توزيع الشحنات الإنسانية في المدينة، لسوريا على طول، إن “أربعة أشخاص من سكان مضايا توفوا خلال الاسبوعين الماضيين، بسبب الاختلاطات الناتجة عن سوء التغذية”.

وكذلك، صرح المتحدث باسم اليونيسيف كيران دواير، لسوريا على طول، يوم الأربعاء، أن فريق اليونيسف ومن خلال المساعدات التي وزعت في شهري كانون الثاني وشباط “قام بتسليم حصص غذائية تكفي لعلاج 920 حالة من الحالات المصابة بسوء التغذية الحاد، فضلاً عن غيرها من المواد التي يمكن أن تحد من انتشاره بين الأطفال والأمهات”.

وأضاف دواير أن “اليونيسيف ترغب بإدخال حصص غذائية تكفي لعلاج 200 حالة من الحالات المصابة بسوء التغذية الحاد، ولكن لم توافق الحكومة على هذه الكمية من الحصص ولم يتم تسليمها”.

من جهته، قال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية طارق جاسارفيتش “قدمت منظمة الصحة العالمية أيضا في شباط مساعدات لعلاج 100 حالة من حالات سوء التغذية الحاد، ومضاعفاته الصحية”.

ويذكر أن مضايا دخلت الهدنة التي تم الاتفاق عليها مع النظام في أيلول 2015، والتي نصت على إدخال المساعدات إلى كفريا والفوعة التي يسيطر عليها النظام في شمال سوريا، مقابل أن يقوم النظام بمثل ذلك بما يتعلق بالزبداني ومضايا التي يسيطر عليها الثوار، وذلك بحسب تقرير لسوريا على طول، في 8 كانون الأول.

صورة مأخوذة من فيديو صور حديثا في مضايا عن أثار سوء التغذية. حقوق نشر الصورة للطبيب محمد يوسف

 

وبالرغم من وجود هدنة، إلا أن مضايا ما تزال تحت الحصار الذي يفرضه النظام وحليفه حزب الله  منذ تموز الماضي، وذلك في معركة من أجل السيطرة على الزبداني المجاورة والواقعة تحت سيطرة الثوار، والتي تعتبر بوابة لطرق التهريب الرئيسية من لبنان إلى جبال القلمون المجاورة.

والحصار المفروض على مضايا ليس إلا نوع من أنواع الانتقام، فإن أي محاولة لمغادرة المدينة أو الدخول إليها أو تهريب أي شيء من داخلها أو خارجها يمكن أن  يودي بحياة الشخص.

وتم توثيق ما لا يقل عن 30 مدنياً قتلوا نتيجة الألغام الأرضية أو قنصاً أثناء محاولتهم عبور طوق مضايا الأمني، وذلك بحسب تقرير نشرته الجمعية الطبية السورية الأمريكية، في شهر كانون الثاني.

وجاء في التقرير أن “الحكومة وقوات حزب الله الحليفة قامت بزرع الألغام الأرضية بجميع أنحاء مضايا، ما جعل منها منطقة خطيرة يصعب على أي شخص مغادرتها أو تهريب أي شيء إليها”.

وجاء في بيان صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية، في كانون الثاني، “مضايا (…) استحال الوصول إليها (…) على الرغم من المطالب المتعددة لدخولها”.

وكان أول دخول للمساعدات إلى  مضايا بعد إبرام الهدنة في 18 تشرين الأول، حين وزعت الأمم المتحدة طرود البسكويت عالي الطاقة، والتي تبيّن أن نصفها منتهي الصلاحية، وأدت إلى إصابة نحو مئة من الأهالي ومجملهم من الأطفال بالتسمم الغذائي وفق ما ذكرت سوريا على طول آنذاك.

وفي الوقت الذي وصلت به طرود البسكويت الفاسدة، كان أهالي مضايا يقتاتون أوراق الأشجار، كأوراق شجيرات التوت المطهوة وحبات المنجا غير الناضجة من البساتين والمزارع المجاورة التي لم يحرقها النظام، وفق ما قال حسام مضايا، ناشط في الهيئة الإغاثية الموحدة وعضو المجلس المحلي في مضايا، لسوريا على طول في كانون الأول الماضي.

وقال حسام “السكان هنا يعيشون على وجبة واحدة يومياً إن وجدت، وعوائل أخرى قد تنام لعدة أيام دون طعام، وحتى الغذاء المتوفر فهو من نوع واحد إما أرز أو برغل ولا يوجد لا طحين ولا أي نوع من الخضراوات”.

وتشكل المزارع والبساتين سهل الزبداني الواقع في واد إلى الغرب من مضايا .

واستقطبت مضايا أنظار العالم إليها في أواخر كانون الأول، مع تداول صور الناس الذي يتضورون ويموتون جوعاً بكثافة، وحلقت العدسات الإعلامية إليها وحطت على أرضها. ولكن وبعد وصول المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر في كانون الثاني، ومن ثم في شباط فإن التغطية الإعلامية التي انصبت عليها جفت تماما.

ولكن كارثة التضور جوعاً، وتداعيات التغذية غير المنتظمة وغير المتوازنة، استمرت. وبّين الأطباء أن إمكانياتهم في معالجة المرضى محدودة جدا

واوضح الطبيب درويش، أن إبر الألبومين، وهو بروتين نقل أساسي في الجسم ليست متوفرة، نتيجة الحصار، فيما أشار خبراء طبيين إلى إجراءات وتدابير معينة لمعالجة سوء التغذية، في حين أن الحالات القصوى تتطلب العلاج في المشفى.

وأورد الخبراء الطبيون بروتوكولات محددة من أجل معالجة سوء التغذية، مع وجود حالات قصوى تتطلب الدخول للمستشفيات.

ووفقا لما قالته سيلفيا دالاتوماسينا، المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود، لسوريا على طول يوم الثلاثاء، فإن “نقص التغذية الحاد، هو مرض يتطلب العلاج بواسطة أدوية خاصة (طعام علاجي يحوي على الأقل 500 سعرة حرارية، ثلاث مرات يوميا) وأن تتم مراقبته عن كثب”.

وأضافت “إذا تلقى مرضى سوء التغذية العلاج بشكل خاطئ، كأن يكون الطعام غير متوازن من حيث السعرات الحرارية والمغذيات الدقيقة، فإن الوضع قد يزداد سوء بحيث تتشكل وذمة (ورم) أو قد يؤدي في بعض الحالات إلى الفشل الكلوي أو أمراض الكبد”.

وفي السياق، أفادت جيما دومنغيز، المنسق الطبي لمنظمة أطباء بلا حدود، في مقرها في عمان، لسوريا على طول، يوم الثلاثاء، أنه “وفي حالات سوء التغذية الحاد، كتلك التي يعاني منها السكان في مضايا، هناك مكملات محددة يجب إعطاؤها للمرضى، وبشكل عام، نحن نتعامل مع أطعمة علاجية جاهزة للاستخدام، غنية بالبروتين وتحقق التوازن في الوقت ذاته”، كما أنها تحتوي على مغذيات دقيقة.

ووفقا لما قاله يوسف، مدير الجمعية الطبية في مضايا، “لا يتوافر لدي أي علاج في الوقت الحالي، لايوجد بيض، حليب، لحوم، أو فواكه”.

وقال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي، والمسؤول عن تقديم المساعدات الغذائية، لسوريا على طول يوم الثلاثاء، “لا تحوي سلالنا الغذائية على الفواكه الطازجة، ومنتجات الألبان، نظرا لمسائل السلامة والتخزين والوقت الطويل الذي يستغرقه توزيع هذه المساعدات على المواطنين في المناطق المحاصرة”.

وتواجه المنظمات الإغاثية في سوريا صعوبات في تلبية احتياجات السكان من خلال تقديم المساعدات الكافية، أو صعوبة الوصول إلى هذه المناطق، حسب ما قاله بول كريزيسيك، المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لسوريا على طول يوم الثلاثاء، “مثلا في حالة مضايا، لم تتمكن الفرق من الدخول إلى المنطقة وإجراء تقييمات أولية للوضع في الداخل أو القيام بزيارات متتالية، لأن الأطراف المتصارعة لم تكن تسمح بذلك”، دون الخوض في تفاصيل أكثر.

وقال مارغولين وغنينكس، مدير البرنامج السوري في منظمة باكس، وهي منظمة تقدم الدعم للمجتمع المدني السوري، منذ عام 2003 لسوريا على طول يوم الثلاثاء، “من غير المفاجئ أن تتضور مضايا من الجوع مجددا”.

وأضاف إن “التفاوض من أجل إيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة مع الجهة التي تفرض الحصار هو أمر صعب للغاية، كما أن فرصة نجاحه ضئيلة”.

ودافعت اللجنة الدولية، التي ساهمت بتقديم المساعدات الطبية، لا المواد الغذائية لقوافل المساعدات، عن توصيل المساعدات التي تمت بتنسيق من قبل الأمم المتحدة، “وكانت هذه الدفعة الأولى، وهي مساعدات طارئة، لذلك تتوجه دائما نحو تقديم حزمة قياسية، لأنك لا تعرف كيف سيكون الوضع على الأرض”.

وقال درويش، طبيب مقيم في مضايا، “تمكن الصليب الأحمر والهلال الأحمر العربي السوري ومنظمة الصحة العالمية من التوصل إلى الفرق الطبية في مضايا، منذ كانون الثاني، ولكن لم تقم بعلاج المقيمين في الداخل. وبدلا من ذلك، فإنها قامت برصد وتسجيل المعلومات التي تتعلق بالمرضى”. واضاف “هؤلاء المرضى بحاجة لأن يتم اجلاؤهم ونقلهم الى المستشفيات خارج مضايا”.

وزاد “يحاول الصليب الأحمر، والهلال الأحمر العربي السوري ومنظمة الصحة العالمية ممارسة الضغط على الأمم المتحدة لاخراجهم، ولكنهم لم يتلقوا أي رد”.

كما تلقت منظمة الصحة العالمية تقارير عن “حالات وذمات محتملة” من برنامج الأغذية العالمي، حسب ما قاله المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية جاسارفيكا، ولكن “نحن لسنا في وضع يسمح لنا بالتأكد من هذه الحالات إلى حين يتم إجراء الفحوص الطبية من قبل الكادر الطبي المتخصص”.

وأضاف جسارفيك ان وكالة الامم المتحدة “تنادي باستمرار وتقدم طلبات من أجل إعادة إدخال العيادات المتنقلة للهلال الأحمر العربي السوري والفرق الطبية (…) وإجلاء المرضى الذين يحتاجون إلى تلقي العلاج في المستشفيات”.

 

شارك هذا المقال