10 دقائق قراءة

بوعود “فارغة” وأزمات اقتصادية مستمرة: السوريون يودعون عام 2022 ويترقبون الأسوأ

يودع السوريون عام 2022 بأزمة محروقات حادة تضرب القطاعين الحكومي والخاص، فهل يذهب الأسد إلى "الخصخصة" ورفع الدعم عن مزيد من المواد، ويترك المواطن في مواجهة أزمة أشد؟


28 ديسمبر 2022

باريس- يستقبل السوريون عام 2023 وهم في دوامة أزمة اقتصادية أشدّ مما كانت عليه في الأعوام السابقة، ويتشاركون في مناطق النفوذ الأربعة: النظام السوري، هيئة تحرير الشام والجيش الوطني في شمال غرب سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بتداعياتها المتمثلة بارتفاع أسعار السلع والخدمات وندرة توفرها، وخسارة العملة الوطنية لقيمتها.

إذا كانت الأعوام السابقة ثقيلة على السوريين اقتصادياً، ففي عام 2022 “استفحلت الأزمة الاقتصادية والنهج المؤدي إلى تفاقهما”، لأن النظام وسلطات الأمر الواقع “لم تتخذ إجراءات تسهم في تخفيف حدة الأزمات المعيشية على السكان من ضبط للأسعار أو تأمين المواد الأساسية والرعاية الصحية”، وفقاً لمناف قومان، الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات.

وعود فارغة من النظام وخيبات بالجملة

في مطلع عام 2022 أعطى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، عمرو سالم، وعداً للسوريين بأن تبدأ وزارته “العام الجديد بخريطة عمل عصرية وكوادر جديدة، واضعة نصب أعينها خدمة المواطن قولاً وفعلاً” 

آنذاك، كان سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي في السوق الموازية بحدود ثلاثة آلاف ليرة سورية للدولار، بينما يبلغ سعر صرفه حالياً بحدود سبعة آلاف ليرة. 

وعود سالم جاءت بعد أربعة أشهر من وعود سابقة له، في أيلول/ سبتمبر 2021، متعهداً اعتماد آلية جديدة للبيع عبر البطاقة الذكية، من شأنها بيع مواد السكر والشاي والزيت النباتي بشكل حر (غير مدعوم)، وبكميات محددة لكل بطاقة، وبأسعار منافسة للسوق السوداء، مقابل زيادة مخصصات الخبز للعائلات المكونة من ثلاثة أو أربعة أفراد فما فوق، لكن جميع الوعود لم تنفذ.

أمام هذه الوعود “الفارغة” تجاوز وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكونة من خمسة أفراد حاجز 3.5 مليون ليرة سورية (500 دولاراً بحسب سعر الصرف الحالي في السوق الموازية، البالغ 7000 ليرة للدولار)، والحد الأدنى 2.23 مليون ليرة (318 دولاراً)، مقارنة بـ1.85مليون ليرة وسطي تكاليف المعيشة للأسرة ذاتها في أيلول/ سبتمبر 2021، و1.15 مليون ليرة الحد الأدنى، وفقاً لصحيفة قاسيون التابعة لـ”حزب الإرادة الشعبية”، الذي يرأسه نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية والمقيم حالياً في روسيا، قدري جميل.

في المقابل، يبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي في سوريا نحو 100 ألف ليرة (14.25 دولاراً)، لذلك تعتمد نحو 40% من العائلات السورية على الحوالات الخارجية، المرسلة إليهم من ذويهم اللاجئين والمغتربين، وفقاً لوزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة دمشق، لمياء عاصي.

وفيما يبحث السوريون عن قوت يومهم، ويعتمدون على السلع المدعومة أو الحوالات الخارجية، استبعدت دمشق نحو 600 ألف عائلة من حزمة الدعم الحكومية، في شباط/ فبراير الماضي، بذريعة أن “الدولة لم تعد قادرة على الاستمرار بنمط الدعم ذاته، الذي كان قائماً طوال العقود الماضية”، بحسب رئيس الوزراء في حكومة النظام حسين عرنوس، قبل أن تعيد جزءاً من المستبعدين.

أمام العجز الاقتصادي الرسمي، تمنى رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية، التابعة للنظام السوري، عابد فضيلة، في مقابلة مع إذاعة “شام إف إم” الموالية، أن تطرح فئة العشرة آلاف ليرة، نافياً تسبب طرح العملات النقدية الكبيرة بمزيد من التضخم.

وكأحد تداعيات الأزمة الاقتصادية، شهدت مناطق النظام أزمة كهرباء أكبر من سابقاتها، إذ وصل معدل التقنين في بعض المحافظات السورية ست أو سبع ساعات قطع للتيار، مقابل تشغيله لربع ساعة فقط، وهذا يتناقض مع وعود أطلقها بشار الأسد، في حزيران/ يونيو الماضي، بتحسن الكهرباء في عام 2022، نظراً لـ”أهميتها ودورها في تحسين الإنتاج”.

وعود الأسد مهدت الطريق لإصداره القانون 41 لعام 2022، في تشرين الأول/ أكتوبر، الذي عدل فيه بعض أحكام قانون الكهرباء رقم 32 لعام 2010، وبموجب القانون الجديد يسمح لوزارة الكهرباء السورية إعطاء تراخيص للمستثمرين الراغبين بتنفيذ مشاريع التوليد الكهربائي التقليدية المستقلة، دون الالتزام بشراء الكهرباء، على أن تتولى المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء أو شركة الكهرباء في المحافظة نقل الكهرباء إلى مشتركين رئيسيين أو مشتركين على التوتر المتوسط أو لغرض التصدير، ضمن الإمكانيات الفنية وحدود الاستطاعة المتاحة لشبكة النقل والتوزيع، مقابل بدلات استخدام الشبكة تدفعها هذه الشركات.

واجه القانون الجديد اتهامات، من قبيل: القانون يفتح باب الفساد أمام رجال الأعمال المقربين من النظام للاستثمار في هذا القطاع والتربح على حساب قوت السوريين، وأنه يشرعن عمل المولدات الخاصة، المعروفة محلياُ بـ”الأمبيرات”. لكن وزير الكهرباء غسان الزامل، نفي ذلك، موضحاً أن حكومته “تغض النظر” عن بيع الأمبيرات نتيجة سوء الأوضاع الكهربائية في البلاد، لكنها تعارض هذا التوجه.

وعلى صعيد المحروقات، تشهد البلاد أزمة محروقات حادة، هي “الأشد منذ عام 2019″، بحسب الدكتور كرم شعار، مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية. إذ وصل سعر ليتر البنزين في مناطق سيطرة النظام بمحافظة درعا جنوب سوريا، إلى 18 ألف ليرة (2.57 دولارات)، وليتر المازوت 11 ألف ليرة (1.57 دولاراً)، بحسب أسعار حصلت عليها “سوريا على طول”، من مصادر محلية، وهي تتفاوت من منطقة لأخرى.

ورجّح شعار في حديثه لـ”سوريا على طول” أن يرفع النظام السوري دعم المحروقات بشكل كامل “ويتجه لإدخال القطاع الخاص من أجل توريد المحروقات”، مستدلاً على ذلك “ببدء النظام الاعتماد على شركة مسجلة يملكها آل قاطرجي”، وتعد شركة قاطرجي من أبرز الشركات العاملة في قطاع النفط بسوريا، وتعمل لصالح النظام.

“البلطجة” كحل اقتصادي للنظام

في تشرين الأول/ أكتوبر، وضع رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، حجر الأساس لإنشاء مجمع سياحي في اللاذقية، وهو استثمار لشركة “سينارا إنت” الروسية لمدة 45 عاماً، بقيمة تبلغ نحو 150 مليار ليرة.، ويعدّ واحداً من الاستثمارات السيادية التي وهبها النظام السوري على مدار السنوات الماضية لحليفتيه موسكو وطهران.

ويأتي ذلك في سياق انفتاح النظام السوري اقتصادياً على الدول الصديقة، أو تلك التي أعادت تطبيع علاقتها معه مؤخراً. لأجل ذلك، أصدرت حكومة دمشق في آب/ أغسطس، قراراً لتشكيل لجنة إشراف ومتابعة لأعمال ونشاطات مجالس الأعمال السورية المشتركة مع دول العالم، يترأسها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية، على أن تكون مهمتها الإشراف على حسن تنفيذ مجالس الأعمال السورية للمهام الموكلة إليها، وتقييم أدائها واقتراح ما يلزم لتطوير عملها، إضافة إلى اقتراح مجالس جديدة وحل مجالس قائمة.

في الشهر ذاته، أصدر وزير الاقتصاد في حكومة النظام، محمد سامر خليل قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأعمال السوري-العراقي،  سبقه في تموز/ يوليو قرار صادر عن الوزير ذاته يقضي تشكيل مجلس الأعمال السوري-الجزائري.

مع كل محاولات دمشق المباشرة أو عبر حلفائها، ازداد عجز الموازنة العامة لعام 2023، عند احتسابها بحسب سعر صرف الدولار.، إذ أقرت حكومة النظام الموازنة العامة لعام 2023، في تشرين الأول/ أكتوبر، بمبلغ مقداره 16550 مليار ليرة، مقارنة بـ 13325 مليار ليرة لموازنة عام 2022، 

وبلغ عجز الموازنة العامة لعام 2023 نحو 4860 مليار ليرة، مقارنة بنحو 4118 مليار ليرة عن الموازنة السابقة.

وصف الباحث الاقتصادي مناف قومان، السلوك الاقتصادي للنظام السوري، خلال عام 2022، بأنه “متناقض”، مستشهداً على ذلك باعتماد النظام “موازنة تضخمية أكثر من سابقتها في إشارة إلى ارتفاعات جديدة في الأسعار والقوة الشرائية للمواطن ولسعر صرف الليرة أمام الدولار”.

من جهته، اتهم الدكتور كرم شعار النظام السوري باستمرار العمل “بعقلية البلطجة”، وتتمثل هذه العقلية “بفرض إتاوات عشوائية على رجال الأعمال ” لدعم اقتصاده. “يعتقد النظام أنه قادر على الاستمرار بالتوغل على القطاع  الخاص”، لكن هذا السلوك “خلق حالة من النفور عند القطاع الخاص”، الذي لم يعد بمقدوره “الإسهام بدور اقتصادي حقيقي”.

قسد: استثناء من دون تحسّن ملموس

شهدت مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شمال شرق سوريا، عدة إضرابات واحتجاجات، عام 2022، على خلفية تدني الأجور في بعض القطاعات، مثل قطاع التعليم، وتخفيض مخصصات المحروقات المدعومة للمواطنين في المنطقة، ما يؤكد أن المنطقة، التي تتخوف من عملية عسكرية تركية، لم تكن بمنأى عن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.

خفضت الإدارة الذاتية في أيار/مايو، مخصصات مازوت التدفئة (الديزل) للعائلات من 440 لتراً إلى 300 لتراً توزع لمرة واحدة في العام. وعزا مدير إدارة المحروقات العامة في الإدارة الذاتية، صادق محمد أمين، هذا القرار إلى “نقص كمية المازوت المتوفرة لدى الإدارة الذاتية”.

بعد ذلك، خفضت الإدارة الذاتية مخصصات المحروقات المدعومة، المقدمة لسيارات الأجرة إلى عشرة لترات يومياً، في آب/ أغسطس، ما دفع عدداً من سائقي سيارات الأجرة المتضررين إلى تنظيم إضراب أمام مقر إدارة المحروقات التابعة للإدارة الذاتية، احتجاجاً على القرار.

ورفعت إدارة المحروقات في القامشلي سعر لتر البنزين في المحطات التابعة لها إلى 1250 ليرة، بعد أن كان سعر المدعوم منه بـ710 ليرات.

وعلى صعيد آخر، ذو صلة بالأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مناطق “قسد”، شهد ريف دير الزور الشرقي، في عام 2022، إضراباً للمعلمين مرتين، الأول في آذار/ مارس، والثاني مع بداية العام الدراسي الحالي، في أيلول/ سبتمبر، بسبب تردي الواقع التعليمي، وانخفاض رواتبهم الشهرية، مطالبين “قسد” بتحمل واجباتها تجاه قطاع التعليم.

ومن مؤشرات الأزمة الاقتصادية، التي تشهدها مناطق “قسد”، رغم استثنائها قانون العقوبات الأميركي “قيصر”، عجز الإدارة الذاتية عن شراء محصول الذرة الصفراء من المزارعين، وهو من المحاصيل الاستراتيجية في شمال شرق سوريا، ا دفعها إلى السماح لهم بتصديره إلى خارج مناطقها.

وكانت الخزانة الأميركية قد أصدرت، في أيار/ مايو، بياناً سمحت فيه ببعض الاستثمارات الأجنبية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، الخاضعة للإدارة الذاتية والجيش الوطني بإستثناء عفرين وإدلب، كاستثناء من قانون العقوبات الأميركي المعروف باسم “قيصر”، بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي، كاستراتيجية لهزيمة تنظيم الدولة (داعش).

وعليه، كشفت الإدارة الذاتية عن نيتها إصدار قانون جديد للاستثمار، بعد الاستثناء الذي حصلت عليه من قانون “قيصر”، كما جاء على لسان الرئيس المشارك لهيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية، سلمان بارودو، لكن الإدارة الذاتية لم تعلن عن القانون حتى الآن.

وعلى عكس المؤمل من استثناء واشنطن، لم تشهد مناطق “قسد” تحسناً اقتصادياً واضحاً، لجملة من الأسباب المرتبطة بالسلوك الاقتصادي للإدارة الذاتية والأزمة الاقتصادية في عموم سوريا، إضافة إلى التهديدات التركية المستمرة منذ أشهر، تخللها تنفيذ ضربات جوية ومدفعية استهدفت بنى تحتية للطاقة والخدمات.

وكانت “خلية الأزمة” التابعة للإدارة الذاتية، أعلنت عشية تصعيد التهديدات التركية، في آب/ أغسطس، تحويل موازنات مشاريع استثمارية محددة لمصلحة “حالة الطوارئ”، من قبيل المشاريع الاستثمارية في قطاع الثقافة، الإدارة المحلية، البلديات، والبيئة.

وقالت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية، هيفين اسماعيل، أن التحويل من أجل “حماية المدنيين”، عبر تأمين الأدوية والإسعافات الأولية ودعم القطاع الصحي والاقتصادي والمواد الغذائية، وتأمين أماكن سكن في حال حدوث أي حالات نزوح مرتبطة بالعملية التركية.

رغم تردي الواقع الاقتصادي في شمال شرق سوريا، وبروز أزمة المحروقات كواحدة من الأزمات التي ضربتها في عام 2022، لم تغير الإدارة الذاتية من نهجها في “نقل النفط إلى مناطق النظام، رغم علمها المسبق بالآثار السلبية على القطاعات الاقتصادية والأسعار في مناطق نفوذها”، بحسب الباحث مناف قومان.

من جانبه، اعتبر الدكتور كرم شعار أن “الوضع المعيشي في شمال شرق سوريا هو الأسوأ من بين المناطق الأربعة، بسبب الهجوم التركي الأخير”، ناهيك عن أن “الإدارة الذاتية لا تستطيع ضبط الأمور والعمل بشكل نزيه ومؤسساتي”، على حد وصفه.

شمال غرب سوريا: بين دولة الجولاني وفشل المعارضة!

يقاسي السوريون في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري (المعارض)، المدعوم من تركيا، شمال غرب سوريا، من أزمة اقتصادية، كما غيرهم في باقي المناطق، لكن تبلغ ذروتها في مخيمات النزوح.

تشهد محافظة إدلب، التي تديرها حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، أزمات في توفر سلع معينة، كما حدث في شباط/ فبراير، عندما شهدت المنطقة أزمة حادة في توفر مادة السكر، نتيجة “انتهاء عقود السكر الموقعة مع الجانب التركي”، آنذاك، وبفعل العوامل الجوية التي أثرت على حركة النقل البري من تركيا إلى إدلب.

ومنذ أسابيع، ضربت إدلب أزمة محروقات، بدأت بالانفراج مؤخراً، ما أدى إلى شح توفر المحروقات وارتفاع أسعارها، الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار بعض الأساسية. من أسباب ذلك، إعلان شركة “وتد”، التي كانت تحتكر هذا القطاع في مناطق “الإنقاذ”، توقفها عن العمل وحلّ نفسها، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وكذلك إلغاء حكومة الإنقاذ تراخيص استيراد المحروقات من مناطق الجيش الوطني في الشهر ذاته.

بعد ذلك، منحت “الإنقاذ” تراخيص لخمس شركات خاصة، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، تسمح لها باستيراد المشتقات النفطية، ورغم بدء مهامها إلا أن المنطقة لم تتعافى من تداعيات أزمة الوقود حتى الآن، خاصة أنها تزامنت مع دخول فصل الشتاء، حيث يزيد استهلاك المشتقات النفطية.

وفي نيسان/ أبريل، أطلق مدنيون وناشطون في مناطق هيئة تحرير الشام حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت اسم “خلوها تخيس”، احتجاجاً على رفع أسعار الخضروات والفواكه، مطالبين بمقاطعة هذه المواد، بسبب ما وصفوه بـ”جشع التجار وارتفاع الأسعار”، تزامناً مع حلول شهر رمضان.

رسمياً، وفي إطار سياستها الاقتصادية، تعتمد هيئة تحرير الشام في رفد اقتصادها على عمليات التبادل التجاري بين تركيا ومناطق النفوذ الأخرى، بما في ذلك النظام السوري. شهد عام 2022 تجهيز الهيئة معبراً جديداً مع النظام، في قرية مجيزر، شرق إدلب، وشنت هجوماً عسكرياً على نقطة تابعة للجبهة الوطنية للتحرير على طريق إدلب-سراقب، في أواخر أيلول/ سبتمبر، لتأمين المعبر، الذي لم يعمل حتى الآن.

رغم أن مناطق هيئة تحرير الشام لم تكن بمنأى عن الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، إلا أنها “شهدت التحسن الأكبر على مستوى الحوكمة”، وفقاً للدكتور كرم شعار، مشيراً إلى أن الهيئة “قطعت شوطاً واضحاً في موضوع التنظيم الإداري والحوكمة، رغم فسادها”.

وأضاف شعار “هناك إطار حوكمي يتبلور في مناطق إدلب”، معتبراً أن مشروع قائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، مشروع دولة، بينما “ما تزال مناطق الجيش الوطني تغني من غياب القانون”، وبالتالي “ما تزال الحركة الاقتصادية شبه مشلولة”.

إدارياً، تشرف الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة على مناطق الجيش الوطني في ريف حلب وعفرين، لكن ليس لها أي دور اقتصادي واضح في المنطقة، بينما تمسك تركيا بمؤسساتها العسكرية والإدارية إدارة المنطقة.

وفي ذلك، قال الباحث الاقتصادي مناف قومان أن مناطق المعارضة في شمال غرب سوريا، “ما تزال مشتتة بين الفواعل في صناعة القرار الاقتصادي، وتعاني من التبعية المفرطة”.

وشهدت معظم المدن الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني، مطلع 2022، احتجاجات واسعة، نتيجة رفع أسعار الكهرباء من قبل شركة “الطاقة والكهرباء” (ak energy) التركية، وهي مورد الكهرباء للمنطقة، فيما بررت الشركة الزيادة بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء في تركيا.

تجددت الاحتجاجات في حزيران/ يونيو، بعد إصرار الشركة على قرارها، تخلل هذه الاحتجاجات إضرام النيران في عدة مبان ومؤسسات خدمية. تشير مثل هذه الأحداث إلى ارتباط المنطقة بالمتغيرات في تركيا، وتأثرها بالأزمة الاقتصادية التي تضرب تركيا أيضاً، وتؤثر على سعر صرف عملتها الوطنية.

ماذا يحمل 2023 للسوريين؟

“في كل عام نتوقع أن يكون العام القادم أسوأ، نظراً للظروف الموضوعية التي نلمسها في المناطق الأربع، ولا أرى ما يغير توقعنا لهذا العام”، بحسب الباحث قومان، متوقعاً “عاماً أسوأ من سابقه، خصوصا في تأمين المواد الأساسية”.

وتوقع قومان أن يشهد عام 2023 “ارتفاعات مستمرة في الأسعار ستؤدي إلى مزيد من الجوع والفقر، يرافقه هبوط مستمر في قيمة الليرة، وهجرة متزايدة بسبب سوء الظروف المعيشية وانتشار الفساد والمخدرات والأمراض”.

ومع أن شمال شرق سوريا، هي أكثر المناطق غنى بالموارد الطبيعية، إلا أن “الإدارة الذاتية لم تستطع تحقيق مستوى معيشي أفضل للقاطنين تحت سيطرتها، ولا أعتقد أن وضعهم سوف يتحسن كثيراً في الفترة المقبلة”، بحسب الدكتور شعار.

“الفوضى سيدة الموقف” في مناطق الجيش الوطني، بينا مناطق هيئة تحرير الشام “ستشهد توجهاً أكبر للحوكمة وتحسن الأمور”، وفقاً لشعار.

وأخيراً، توقع شعار أن تستمر “عقلية بشار الأسد في إدارة البلد كما هي”، وتتمثل في “فرض الأسد على رجال أعمال القطاع الخاص التعامل معه بشكل مباشر، لا سيما المستفيدين من وجوده في السلطة”.

وأضاف شعار: “يرى الأسد أن رجال الأعمال يتهربون من التزاماتهم تجاهه، لذلك يفضل العمل بسياسة أن يكون الجميع شركاؤه ويعملون معه بشكل مباشر أو مع زوجته أسماء الأسد”، مستدلاً على ذلك “يتوجه الأسد إلى خصصة قطاع المحروقات ورفع الدعم عنه، ومن ثم فتحه للقاطرجي ويسار إبراهيم”.

شارك هذا المقال