7 دقائق قراءة

بين أردوغان و كليجدار أوغلو: ما هي ملامح السياسة التركية المقبلة تجاه سوريا؟

من المقرر أن يتنافس أردوغان وكليجدار أوغلو على رئاسة تركيا في جولة انتخابية ثانية، في الثامن والعشرين من أيار/ مايو الحالي. وفيما لو فاز كليجدار أوغلو، فقد تشهد سياسة أنقرة تغيراً كبيراً حيال اللاجئين السوريين، والتطبيع مع بشار الأسد، وسياستها في شمال سوريا.


17 مايو 2023

أثينا- حال فارق طفيف، أقل من نقطة واحدة، دون تحقيق الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان نسبة 50%، وهي المطلوبة لإحراز النصر في الانتخابات الرئاسية، التي جرت يوم الأحد، ومن المقرر أن يخوض جولة ثانية، في 28 أيار/ مايو، أمام منافسه كمال كليجدار أوغلو.

قد يؤدي فوز كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، إلى تغيير مسار العلاقات التركية-السورية في فترة حاسمة من التقارب الإقليمي مع بشار الأسد، لاسيما أنه من أشد المنتقدين لتدخل أردوغان في الحرب السورية، ويتبنى موقفاً مناهضاً للاجئين السوريين، متعهداً بإعادة اللاجئين السوريين وإصلاح العلاقات مع دمشق. ناهيك عن أن وصوله إلى سدة الحكم يتزامن مع إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية في وقتٍ سابق من هذا الشهر.

في يوم الأحد، أدلت هدى بصوتها في انتخابات تركيا، التي صارت موطنها بعد أن فرت من مسقط رأسها في مدينة حمص عام 2012، لصالح أردوغان، وهي واحدة من المجنسِّين السوريين في تركيا البالغ عددهم 200 ألف.

“كلنا متوترون. أنا وجميع السوريين الحاملين للجواز التركي صوتنا لأردوغان، لأن خطاب المعارضة… ليس مع السوريين”، قالت هدى لـ”سوريا على طول”، مؤكدة أنها ستبقى في “ترقبٍ وقلق” خلال الأسبوعين المقبلين.

تجربة الانتخابات جديدة على هدى، قائلة: “أنا أنتخب لأول مرة”، بينما في سوريا “لا نحظى بفرصة اختيار الرئيس، لأننا نعلم النتائج قبل الانتخابات”، على حد قولها، لافتة إلى أنها ستصوت لأردوغان في الجولة الثانية أيضاً.

رغم أنها تحمل الجنسية التركية، إلا أنها كانت تراقب الخطاب المعادي للسوريين بخيفةٍ وتوجس، لاسيما في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية. إذ ظل كل من أردوغان والمعارضة يشددون، وإن كان بدرجاتٍ متفاوتة، على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

فكرة العودة إلى سوريا بالنسبة لهدا مستحيلة، طالما أنَّ النظام الذي قتل وأخفى آلاف الأشخاص ما يزال في سدة الحكم، قائلة: “لن أعود. لا يمكن أن تحيا حياة آمنة في سوريا، ما يزال النظام  في السلطة، وما يزال يعتقل الرجال والنساء على الحواجز”.

احتفظ حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان بأغلبية المقاعد في البرلمان، رغم الانتقادات اللاذعة التي طالت الحكومة  لسوء استجابتها الداخلية في التعامل مع زلزال شباط المدمر، الذي أسفر عن مقتل 45,968  في تركيا و7,259 في  سوريا. 

على خلفية الأزمة الاقتصادية في تركيا، وبعد اثني عاماً على الصراع في سوريا، اشتد الاستياء من وجود 3,6  مليون لاجئ سوري في تركيا. بحسب دراسة للأمم المتحدة، نشرت عام 2021، يرى 82% من المواطنين الأتراك أنه ينبغي إعادة السوريين.

باستثناء حزب اليسار الأخضر، تعهَّدت جميع الأحزاب بإعادة السوريين إما “طوعياً” أو ترحيلهم قسرياً. وقد  فاز سنان أوغان، مُرشح اليمين المتطرف، الذي ارتكز في حملته على الخطاب المناهض للاجئين، بـ5.2% من الأصوات في انتخابات الأحد، وقد يغدو “صانع الملوك” في الجولة الانتخابية الحاسمة.

“بصرف النظر عن الفائز، سيكون الأمر سيئاً على اللاجئين السوريين. فهناك تعطش شعبي كبير ليشهدوا ترحيل هؤلاء الناس”، كما أوضح نيكولاس دانفورث، زميل غير مقيم في المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية و الخارجية (ELIAMEP).

وأضاف دانفورث: سواءً في ظل حكومة أردوغان أو كليجدار أوغلو “قد نشهد بعض الجهود القسرية لنقل الناس طواعية”، مشيراً إلى أنه في نهاية المطاف: “كلا الحزبين يريدان أن يُرى وهو يفعل شيئاً تحت تأثير الضغط السياسي”. 

لطالما تعهد أردوغان بإنشاء “منطقةٍ آمنة” في مناطق النفوذ التركي شمال سوريا، لإعادة مليون لاجئ سوري. “خلال العامين الماضيين، رأينا العديد من مشاريع الإسكان [بقيادة تركيا] في عفرين و شمال إدلب، يُعاد معظم الأشخاص إلى هذه المناطق”، كما أوضح سهيل الغازي، محلل سوري مستقل.

غير أن عمليات العودة الطوعية من تركيا إلى سوريا لم تحقق الهدف منها خلال السنوات الأخيرة:  161,787 منذ عام  2016، و33,953 في عام 2022، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة. وفي الوقت الذي لم تنفذ خطة أردوغان بإعادة مليون سوري، أقدمت حكومته على ترحيل مئات اللاجئين السوريين في العامين الماضيين، وأجبرت العديد على توقيع استمارات العودة الطوعية بما يتنافى مع القانون الدولي، وفق ما وثقت هيومن رايتس ووتش. 

ويتوقع محسن المصطفى، باحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية وزميل سابق غير مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، أن تستمر سياسة أردوغان الحالية في حال فوزه بالانتخابات، لافتاً إلى أنه “ربما تزداد عمليات العودة الطوعية بسبب الأزمة الاقتصادية وتداعيات الزلزال”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

بدوره، وعد كليجدار أوغلو بإعادة جميع السوريين إلى بلادهم في غضون عامين، على أن يتم ذلك “بطريقة تحمي حقوق اللاجئين المعاد توطينهم وتضمن أمنهم كلياً، لكن الجميع يعلم أن هذا لا يمت للواقع بصلة”، وفقاً لدانفورث.

تعليقاً على ذلك، أشار الغازي إلى أن كليجدار أوغلو أطلق حملته على أساس إعادة تركيا إلى “سيادة القانون، واستعادة الديمقراطية التي دمرها أردوغان”، لكن “إعادة الناس قسراً إلى سوريا ستكون أكثر إشكالية  إذا كانوا فعلا يريدون الالتزام بحقوق الإنسان والقوانين [الدولية]”.

وأعلن زعيم المعارضة عن خطة للحصول على تمويلٍ من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للشركات التركية لتقوم بإعادة بناء أجزاء من سوريا ونقل اللاجئين إليها. ووصف دانفورث الخطة بـ”غير المجدية”، مضيفاً أن “الشركات التركية يمكن أن تؤدي دوراً في إعادة إعمار سوريا من خلال التقارب مع الأسد، لكن فكرة أن تدفع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه التحديد تكاليف إعادة الإعمار في سوريا لإعادة توطين اللاجئين بما يتعارض مع القانون الدولي والمبادئ الإنسانية ستكون صعبة”.

وهو ما أيدَّه الغازي، معتبراً أن الاتحاد الأوروبي لن يموِّل إعادة البناء ما لم يكن هناك حلٌ سياسي، لكن “ربما تكون دول الخليج على استعداد للدفع، إن وصلوا إلى اتفاقٍ مع تركيا بخصوص سوريا، غير أن العقوبات متربصة على رأس الجميع”، على حدّ قوله.

تعهّد كليجدار أوغلو بالتفاوض من جديد على اتفاقية اللاجئين المبرمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في عام  2016، التي تقاضت فيها تركيا ستة مليارات يورو مقابل الحيلولة دون وصول اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأوروبية. لكن “أعلى ما سيُحصِّله كليجدار أوغلو هو زيادة المال بمقدار ضئيل  ليواصل سياسة لطالما انتقد حزبه أردوغان بسببها”، وفقاً لدانفورث.

من جهته، قال المصطفى: “ربما يطلب [كليجدار أوغلو] المزيد من المال لتنفيذ مشاريع إنعاش مبكر في شمال غرب سوريا”.

التطبيع مع دمشق

تبنى كليجدار أوغلو سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، وانتقد بشدة دعم أردوغان للمعارضة السورية العسكرية والسياسية خلال السنوات الأولى من الصراع. غير أنّ هناك مؤشرات على استعداد أردوغان للانفتاح على دمشق. منها على سبيل المثال، لقاء وزراء خارجية تركيا وسوريا وإيران وروسيا في موسكو الأسبوع الماضي. 

وأوضح دانفورث أن “أردوغان كان يضغط من أجل التطبيع، وروسيا تكثف من عملها قليلاً للضغط على الأسد لتلبية المطالب التركية”. ومع ذلك ، توقع استمرار”المأزق” الحالي كون “دمشق ما تزال مصرة على سحب تركيا جميع قواتها كشرطٍ مسبقٍ للتطبيع”.

كما أعلن كليجدار أوغلو عن نيته في النأي عن بوتين وتعزيز علاقاته مع الغرب، وهو ما قد يعني أنّه يحاول المراوغة والاحتيال على موسكو والتواصل مع الأسد مباشرةً، وفقاً للغازي، معتبراً أن “كلاهما سيضع يده بيد الأسد، سواءً  كليجدار أوغلو أو أردوغان، وكلاهما أبدى استعداده للمصافحة إن كانت ستسهل اتفاقية عودة اللاجئين”.

سياسة أنقرة في شمال غرب سوريا

لطالما عارض كليجدار أوغلو نشر أردوغان لقواتٍ تركيَّة في سوريا. دخلت القوات التركية إلى سوريا في 2016، ودعمت مجموعات من المعارضة السورية المسلحة في شن عدة حملات حدودية على القوى التي يقودها الأكراد. واليوم تحكم أنقرة السيطرة، من خلال مجموعاتٍ تحت مظلة الجيش الوطني السوري (المعارض)، على مناطق في شمال غرب سوريا، يقيم فيها 2.8 مليون نازح. 

سوف يكون كليجدار أوغلو “أشد استعداداً وتقبلاً للانسحاب من الشمال الغربي” مقارنةً بأردوغان، بحسب دانفورث. لكن، أي انسحاب سيفضي إلى سيطرة النظام السوري على المنطقة، ما قد يدفع “ملايين آخرين [من السوريين] لمحاولة العبور إلى تركيا”.  

يرى المصطفى أن حديث كليجدار أوغلو عن الانسحاب من سوريا مجرد وعودٍ انتخابية، ولا يمثل خطة سياسية حقيقية، قائلاً: “يقطعون وعوداً من أجل الانتخابات، وعندما يصل أحدهم إلى الحكم، سيواجه الواقع”، لافتاً إلى أن “الجيش والمخابرات لن يقبلوا أن يخسروا هذه المزايا المتأتية من العمليات العسكرية، إنّها مسألة أمن وطني”.

كثيراً ما أعرب أعضاء المعارضة التركية عن “انتقاد دائم وشديد اللهجة” للجيش الوطني السوري، و”قد لا يتورعون عن التخلص من أعداد كبيرة من هؤلاء العناصر”، بحسب دانفورث. ولكن ربما ترى أنقرة جدوى من الاستمرار في دعم هؤلاء الممثلين عنها، أو ربما يكون تحرر تركيا من ارتباطها بالجيش الوطني السوري “أكثر تعقيداً” مما هو مُتوقع، نظراً إلى “التداعيات السلبية” الناجمة عن ترك هذه المساحات بلا قوةٍ تحكمها أو الاستيلاء عليها من قبل الأسد، وقد يعود هذا الغياب أيضاً “بمنافع محتملة على وحدات حماية الشعب الكردية”، وفقاً له.

الجيش الوطني السوري “موالي جداً لأردوغان”، وإذا خسر أردوغان “سيتعين على الجيش الوطني تغيير الأهداف والهوية قليلاً -سيُصرَف البعض- ولكنَّ هذه القوة الناعمة ستبقى أداةً بيد أي رئيس في تركيا”، من وجهة نظر الغازي، لكن يبقى السؤال: “إلى أي درجة تتقبل فصائل الجيش الوطني مصيرها”، معتبراً أن الذين لن يقبلوا “سيُقطع عنهم الدعم”.

سياسة أنقرة في شمال شرق سوريا

في شمال شرق سوريا، تحتل تركيا مساحةً حدودية تبلغ 30 كيلومتراً في منطقة رأس العين، في حين لا يزال الجزء الأكبر من الشمال الشرقي تحت حكم الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة، وما يزال الصراع مٌجَّمداً منذ الحملة العسكرية الحدودية التي شنتها تركيا في عام 2019.

إذا احتفظ أردوغان بالرئاسة، “سيحاول الأكراد السوريين اللعب على وتر العداوة المتزايدة إزاء أردوغان، ليَروا بما يعود عليهم، ولكن يبدو أنّهم سيبقون عالقين في لعبة توازن ذات حساسية عالية كما هو حالهم على مدى الخمس سنوات الماضية”، بحسب دانفورث. 

ومع أن الولايات المتحدة هي الحليف الأساسي لـ”قسد”، إلا أن الأخيرة تركت الباب مفتوحاً أمام دمشق. إن وصل كليجدار أوغلو إلى سدّة الحكم، فربما تسهم سياسته الموالية للغرب في حلحلة الوضع. 

“لم يكن الأميركيون يثقون بأردوغان، ولكن ربما تأتي حكومة جديدة تُعرب عن رغبتها في أن تكون أكثر تأييداً للغرب، سيتعين حينها على قسد إجراء خطواتٍ تقدم فيها تنازلات من أجل تركيا”، كما قال الغازي.

“أتصور أنَّ كليجدار أوغلو سيكون أكثر ميلاً لحلٍ تسحب فيه تركيا قواها من الشمال الشرقي، مقابل عودة وحدات حماية الشعب تحت مظلة الجيش السوري. سيظل الشيطان كامناً في خبايا التفاصيل، ولكن تخيُل الحل على هذا النحو سيكون بلا شك  أكثر سهولة  في ظل المعارضة”، وفق دانفورث.

ولكن، بالنسبة للمصطفى، قد تعني سيطرة قوات الأسد على الحدود الشمالية الشرقية مع تركيا خلق صورة مماثلةٍ عن الوضع السائد في جنوب سوريا، حيث تتفشى تجارة الكبتاغون التي تدعمها دمشق، مضيفاً: “لا تعلم تركيا ماذا سيحدث إن تُرك الأسد ليسيطر على الحدود”.

وقد تكون إمكانيات كليجدار أوغلو بالتصرف في الشمال الشرقي محدودة أيضاً، بحسب المصطفى، قائلاً: “إنّها قضية أمن وطني، وأعتقد أنَّه ليس بوسع كليجدار أوغلو المضي في هذه الخطوات وحده دون موافقة الجيش أو المخابرات”.

في 20 نيسان/ أبريل، أعلنت الإدارة الذاتية بصفتها سلطة الأمر الواقع في شمال شرق سوريا عن استعدادها لاستقبال ملايين النازحين واللاجئين السوريين، بحسب ما ذكرت المونيتور. “وبدا عرض استضافة اللاجئين عرضاً ذكياً، ولكني لا أظن أنَّ [تركيا] ستأخذه على محمل الجد”، كما ذكر دانفورث، لكن في حال انتصر كليجدار أوغلو “لن يتوانوا عن رؤية مكامن الفرص، وسيتطلعون بشغف للتفاوض عليها”. 

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور.

شارك هذا المقال