4 دقائق قراءة

بين ذكريات معركة درعا ومستقبل إدلب.. النازحون الجدد يخشون العنف المحدق بهم

  جنود روس وسوريون عند معبر شرق محافظة إدلب في […]


 

جنود روس وسوريون عند معبر شرق محافظة إدلب في آب. جورج أرفليان.

وصل باسل الجابر، 38 عاماً، إلى محافظة إدلب الواقعة شمال غرب سوريا الشهر الماضي، وذلك بعد أن استعادت القوات الموالية للحكومة بلدته الريفية في درعا من قوات المعارضة في هجوم عسكري ضخم أدى في نهاية المطاف إلى نزوح آلاف المقاتلين والمدنيين شمالاً.

وفي إدلب، يحاول الجابر وعائلته التغلب على صدمتهم وقال “نذهب إلى العزائم والسهرات مع الأصدقاء ويتبادلون الأحاديث حتى وقت متأخر” مضيفاً “حتى أولادي تأقلموا كثيراً”، وطلب الجابر عدم ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية.

ولكن يراقب الجابر كلماته هذه الأيام، ويتجنب التحدث في بعض المواضيع أثناء دردشته طوال الليل مع جيرانه الجدد في إدلب، حيث تشير التحركات المتصاعدة للقوات الموالية للحكومة إلى هجوم عسكري يلوح في الأفق يقترب من أخر معقل للمعارضة في سوريا.

وقال الجابر “في كل مرة نذكر فيها الموضوع [الحقيقة]، نشعر أن الناس يحاولون تغيير الحديث لأنهم يعتقدون أننا نحبطهم وهذا الشيء لن يحدث”.

وخلال الشهر الماضي وصل الآلاف من سكان درعا إلى مدينة إدلب، وهم آخر من تم إجلاؤهم إلى المنطقة الشمالية الغربية الواقعة تحت سيطرة المعارضة، لينضموا إلى أكثر من مليون سوري آخر نزحوا للمكان ذاته، في أعقاب سلسلة من العمليات العسكرية الواسعة وصفقات المصالحة التي قامت بها القوات الموالية للحكومة لاستعادة المناطق من المعارضة، ووصل العديد من السكان مثل الجابر إلى إدلب خلال العامين الماضيين عن طريق حافلات الإجلاء التي تستخدمها الحكومة السورية والمنتشرة في كل مكان.

وبالنسبة للنازحين الجدد في إدلب، فإن صدمة النزوح القسري لا تزال جديدة، وهي تجربة لا يرغب أغلب من تحدثت إليهم “سوريا على طول” أن يمروا بها مرة أخرى، في حين أنهم  يتدافعون للخروج من المحافظة قبل أن يشهدوا الهجوم الوشيك على المنطقة، كما يخشى الكثيرون من أن تكون معركة إدلب القادمة مدمرة أكثر من الهجوم الذي دفعهم إلى النزوح في المرة الأولى.

وذكر ياسر العمري، الذي نزح من بلدة بصرى الشام في محافظة درعا إلى ادلب “لم يتوقع أحد منا أن تسقط درعا [للقوات الموالية للحكومة]”.

وبما أن الكثير من المناطق الريفية في درعا ومركز المحافطة كانت تشكل واحدة من معاقل المعارضة السورية الرئيسية، قال العمري أنه فوجئ هو وآخرون عندما شاهدوا “المعارك ومن ثم الاتفاقيات” التي حدثت فجأةً، مشيراً إلى سلسلة من اتفاقيات المصالحة التي سلمت فيها فصائل المعارضة المناطق واحدة تلو الأخرى إلى الحكومة خلال شهر تموز. وطلب العمري حجب اسمه الحقيقي لأسباب أمنية.

وصرح العمري أن التوتر المتصاعد بين سكان إدلب يشبه القلق الذي شعر به في درعا في الأيام التي سبقت استعادت الجيش السوري والقوات الحليفة له المحافظة الجنوبية بأكملها.

وقال العمري، ذو 36 ربيعاً، من المنزل الذي استأجره هو وعائلته في ريف إدلب، لسوريا على طول “نحن نمر في نفس الدائرة”.

وأضاف “وحالياً ننتظر أن يدخل النظام”.

محطة أخيرة؟

 منذ أن استولت القوات الموالية للحكومة على كامل محافظتي درعا والقنيطرة جنوب غرب سوريا، الشهر الماضي، عقب هجوم بري وجوي شامل، توجهت كل الأنظار إلى إدلب. وبحسب مراقبين، قد تصبح المحافظة قريباً موقع التقدم الأخير للأسد وحلفائه لاستعادة آخر المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في البلاد، بعد أسابيع من تصريحات كبار مسؤولي الحكومة السورية بشأن مصير المنطقة التابعة المعارضة.

وقال الرئيس السوري بشار الأسد لوسائل الإعلام الروسية أواخر الشهر الماضي “إدلب هي هدفنا الآن”، وذلك مع اقتراب نهاية معركة الجنوب.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن الجيش الروسي نشر اثنتين من بوارجه الحربية على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​لسوريا – حيث انضمتا إلى ثلاث سفن أخرى تم رصدها مؤخرا متجهة إلى هناك، وفقاً لرويترز، كما أفادت الأنباء أن ميليشيا لواء الإمام الحسين العراقية، انتشرت بالقرب من محافظة إدلب مؤخراً، بينما تمركزت القوات البرية الموالية للحكومة- بما فيها قوات النمر وفصائل التسوية– بالقرب من إدلب في نهاية الأسبوع.

وتأتي هذه التعزيزات بعد أن أغلقت قوات الحكومة السورية، في وقت سابق من هذا الشهر، معبر قلعة المضيق، الذي كان يستخدم في السابق كبوابة بين الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة والمعارضة جنوب إدلب.

وفي الوقت نفسه، أسفر القصف الذي نفذته الحكومة في آب عن مقتل العشرات من المدنيين في جميع أنحاء إدلب كما شرد الآلاف الآخرين.

ودفعت التطورات الأخيرة الجابر، وهو أب لستة أطفال من سكان درعا، للشعور بالقلق، والجابر شاهدٌ على آثار القتال في مسقط رأسه، ففي عام 2013، عندما كانت قوات المعارضة وقوات الحكومة تقاتل من أجل السيطرة على أجزاء من محافظة درعا، أدت شظايا ناجمة عن انفجار إلى إصابته بالشلل من منطقة الخصر إلى الأسفل.

وقال الجابر ، وهو جندي سابق في الجيش السوري انشق في الأيام الأولى من النزاع، إن البقاء في درعا بعد انتصار الحكومة الشهر الماضي لم يكن ببساطة خياراً متاحاً بالنسبة له، لأنه كان يخشى من تعرضه للاعتقال. وقال لسوريا على طول إن “البقاء هناك يعني الموت بالنسبة لي ولعائلتي”.

ولكن الآن في إدلب، عاد الشعور بالخوف مع متابعة الجابر للتطورات اليومية وتحركات الحكومة والتعزيزات الروسية التي تقترب من المحافظة.

وتابع قائلا “لست مستعداً لخسارة أحد أبنائي”.

والجابر، مثل غيره من النازحين الجدد من درعا، يدخرون بعض المال على أمل دفعه للمهربين لنقلهم عبر الحدود التركية القريبة قبل أن تحتدم المعركة المتوقعة.

ومن بين هؤلاء العمري، الذي يأمل أن يكون ما ادخره من المال من عمله كخياط في ريف درعا كافيا لتهريبه وعائلته عبر الحدود.

وقال العمري إن لديه نحو 530 دولار جلبها معه عندما ركب حافلات الإجلاء التابعة للحكومة من بصرى الشام باتجاه الشمال، الشهر الماضي، وعلى الرغم من أن رحلة التهريب إلى تركيا تشكل خطراً كبيراً – حيث أن الأنباء الواردة عن حرس الحدود الأتراك الذين يطلقون النار على المدنيين السوريين على الحدود ليست جديدة – إلا أن العمري يود خوض تلك التجربة.

وقال العمري لسوريا على طول من منزله في ريف إدلب “سيدخل النظام [إدلب] قريباً، وعلينا أن نتدبر الأمر قبل ذلك، هذا هو الشيء الذي نتمناه – ليس المعونات أو أي شيء آخر… نتمنى فقط الخروج”.

وختم قائلاً “لقد رأينا ما فعلوه في درعا”.

 

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول المستمرة لمدة شهر كامل لأوضاع النازحين في سوريا بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور ومراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

 

شارك هذا المقال