6 دقائق قراءة

بين مشقّة واستغلال: تهريب المحروقات مصدر رزق لنساء وأطفال في شمال غرب سوريا

تعدّ أيام الشتاء موسماً للمهربين من النساء والأطفال نظراً لزيادة الطلب على مادة "المازوت"، لكن عملهم في هذا الطقس أكثر صعوبة بسبب طبيعة الطرق الطينية التي يسلكونها في رحلة التهريب، هذا إلى جانب عبور خنادق تفصل بين ريف حلب الشمالي وإدلب، كلّ ذلك من أجل الحصول على بضع دولارات في آخر اليوم.


26 يناير 2022

إدلب- أملاً بتحقيق حلمها في شراء غسالة كهربائية تخفّف عنها أعراض مرض الالتهاب الجلدي “الأكزيما”، تعمل وضحة العبيد، 28 عاماً، في تهريب مادة “المازوت” من مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري المعارض، المدعوم من تركيا، في ريف حلب الشمالي، إلى مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب.

وتنشط حركة تهريب المازوت نتيجة فرق الأسعار بين المنطقتين في شمال غرب سوريا، إذ يبلغ سعر لتر المازوت في مناطق سيطرة الجيش الوطني 6 ليرات تركية (0.44 دولاراً أميركيا بحسب سعر الصرف الحالي)، فيما يبلغ سعر اللتر من المازوت المحسن في محطات شركة وتد، التي تحتكر توزيع المازوت بمناطق هيئة تحرير الشام 10.5 ليرة تركية (0.78 دولاراً).

رغم المشقة التي تكابدها النازحة من بلدة سنجار في ريف إدلب الشرقي إلى مخيمات أطمة على الحدود السورية- التركية، إلا أن الفقر وغياب سبل كسب عيش أخرى دفعها ونظيراتها من النساء والأطفال، إلى العمل في التهريب. فبحسب أرقام صادرة عن فريق منسقو الاستجابة في سوريا، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وصلت معدلات الفقر في شمال غرب سوريا “إلى مستويات قياسية تجاوزت 90%”.

وتنقل وضحة يومياً 75 لتراً من المازوت، لتحقق أرباحاً تتراوح بين 75 و90 ليرة تركية (5.5 و6.7 دولار أميركي)، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

ويشارك النازحون من الرجال في مخيمات أطمة بعمليات تهريب المازوت، لكن دورهم يقتصر على بيع الكميات التي تنقلها النساء والأطفال، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”، حربي عبد العزيز، 25 عاماً، الذي يبيع ما تهرّبه زوجته من مناطق الجيش الوطني.

وتسهم سياسة هيئة تحرير الشام في التعامل مع المهربين في تعزيز دخول الأطفال والنساء سوق التهريب، كون عناصرها “يتهاونون مع النساء والأطفال مقابل ردع الرجال”، وفقاً لمحسن النايف، 20 عاماً، الذي أوقف في سجن المعصرة التابع للهيئة في منطقة قاح شمال إدلب، لمدة سبعة أيام، إضافة إلى “مصادرة 25 لتر مازوت كنت أحاول تهريبها من بلدة دير بلوط في ريف عفرين الغربي إلى منطقة أطمة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ضحايا استغلال

تعدّ أيام الشتاء موسماً للمهربين من النساء والأطفال نظراً لزيادة الطلب على مادة “المازوت”، لكن عملهم في هذا الطقس أكثر صعوبة بسبب طبيعة الطرق الطينية التي يسلكونها في رحلة التهريب، هذا إلى جانب عبور خنادق تفصل بين ريف حلب الشمالي وإدلب، كلّ ذلك من أجل الحصول على بضع دولارات في آخر اليوم.

وإضافة إلى ظروف العمل القاسية تتعرض النساء لاستغلال تجار المحروقات، ففي حالة وردة العبد الله، وهي إحدى العاملات في تهريب المازوت سلّمت 20 لتراً من المازوت لأحد التجار في منطقة أطمة مقابل 7.75 ليرة تركية للتر الواحد (0.58 دولاراً أميركياً)، لكن بعد عودتها إلى المنزل “ومراجعة الحسابات مع زوجي تبين أن التاجر احتسب سعر اللتر بـ7.4 ليرة تركية [0.55 دولاراً] مستغلاً عدم معرفتي بالعمليات الحسابية”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

الأطفال خصوصاً ليسوا على دراية كافية بالتجارة وأسعار الصرف، لذلك غالباً ما يتم استغلالهم

في المقابل، اشترى الطفل حسن الخطيب، 12 عاماً، عشرين لتراً من المازوت المعالج محلياً من محطة الحمرا في بلدة دير بلوط التابعة لمنطقة عفرين بريف حلب الشمالي، لكن بعد وصوله إلى مخيمات أطمة وبيع الكمية بالمكيال اليدوي في المنطقة، تبين أن “الكمية 18.5 لتراً فقط”، قال لـ”سوريا على طول”، وبالتالي “خسارتي مبلغ 11 ليرة تركية [0.82 دولاراً] من الأرباح”.

طفلة وسط مجموعة من المهربين تنتظر الحصول على ثمن كميات المازوت التي هرّبتها إلى منطقة أطمة، 17/ 12/ 2021 (سوريا على طول)

إضافة إلى ذلك، يزيد تأرجح سعر الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي من فرص استغلال التجار للمهربين، لا سيما النساء والأطفال، لذلك “يختلف سعر الشراء من تاجر إلى آخر”، بحسب وضحة العبيد، وكثيراً ما “نبيع ما نهربه بأسعار أقل من سعرها الحقيقي”، مشددة على أن “الأطفال خصوصاً ليسوا على دراية كافية بالتجارة وأسعار الصرف، لذلك غالباً ما يتم استغلالهم”.

من جهته، أكد التاجر مصطفى (اسم مستعار) بأن عملية تصريف المواد المهربة بأنواعها يحكمها الربح،  معترفاً بأن “سعر الشراء من المهربين غير ثابت، ويتفاوت بين الرجل والمرأة والطفل”، كما قال لـ”سوريا على طول”، إذ يتم اعتماد السعر “بعد مساومة المهرب والتفاوض معه”.

ويقرّ مصطفى بأن التاجر هو الرابح الأكبر مقارنة بغيره من المشاركين في عملية التهريب، كون التجار يتحكمون أيضاً بسعر طرح المازوت المهرب في أسواق إدلب، على أن تكون الأسعار أقل من تسعيرة شركة وتد لضمان الإقبال عليه. فإذا كان سعر اللتر للمستهلك عبر محطات وتد 10.5 ليرة تركية (0.78 دولاراً) يتم طرح سعر المازوت المهرب للمستهلك بـ9.50 ليرة (0.70 دولاراً).

التعامل مع قضايا التهريب

لا يوجد في مناطق نفوذ حكومة الإنقاذ المدعومة من هيئة تحرير الشام قوانين واضحة تحكم عمليات التهريب في المنطقة، لذلك “الحكم متروك لتقدير القاضي، مع منحه سلطة تحديد العقوبة بغرض التأديب، سواء بفرض غرامات مالية أو إتلاف المادة المهربة”، بحسب المحامي علاء البطل، عضو نقابة المحامين الأحرار في إدلب، لافتاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “العقوبة تختلف بحسب نوع المادة المهربة”.

ففي حالة تهريب المازوت، إذا ضُبطت المواد المهربة مع المهربين “يتم إتلاف المادة المهربة فقط”، بحسب المحامي البطل، لكن إذا تم ضبطها عند التجار “تُصادر الكميات المهربة، ويغرم التاجر بمبلغ 300 دولار أميركي للمرة الأولى”.

وفي مواد أخرى، مثل السجائر، إذا ضُبط المهرب متلبساً في عملية التهريب “يُغرّم بمبلغ 100 دولار أميركي في المرة الأولى، وفي حال التكرار يضاعف المبلغ ثلاث مرات مع عقوبة الحبس لمدة شهر” بحسب البطل.

نقل البضائع والمنتجات من ريف حلب الشمالي إلى محافظة إدلب لا يمكن وصفه قانونياً بالتهريب، على اعتبار أن الذين ينقلون البضائع مواطنين سوريين لهم حق التنقل بحرية وممارسة التجارة في أي مكان في البلاد

وجرت العادة أن يتم التساهل مع المهربين من الأطفال والنساء، وفقاً للمحامي البطل، على أن تكون العقوبة في حال فرضها إتلاف المازوت فقط، وهذا “لا ينطبق على مواد أخرى مثل المخدرات التي تصل عقوبة المتورطين فيها إلى غرامة مقدارها 10 آلاف دولار أميركي، والحبس لفترات طويلة”.

ولأن إجراءات الحدّ من تهريب المحروقات التي اتخذتها هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ لم تفلح في منع التهريب، تدخلت شركة وتد، وهي الشركة المعتمدة من الإنقاذ، باعتبارها المتضررة من عمليات تهريب المحروقات، بحيث “يتواجد موظفوها على حاجز دير بلوط لقياس كميات المازوت في خزانات الآليات التي تعبر الحاجز ولمنع عمليات التهريب”، بحسب ما ذكر مصدر طلب عدم الكشف عن اسمه لـ”سوريا على طول”.

تعليقاً على ذلك، اعتبر المحامي عبد الناصر حوشان، المقيم في تركيا، أن نقل البضائع والمنتجات من ريف حلب الشمالي إلى محافظة إدلب “لا يمكن وصفه قانونياً بالتهريب، على اعتبار أن الذين ينقلون البضائع مواطنين سوريين لهم حق التنقل بحرية وممارسة التجارة في أي مكان في البلاد”.

وأضاف حوشان لـ”سوريا على طول”: “لذلك لا يمكن الحكم عليهم بجرم التهريب، إلا إذا اقترنت تجارتهم بمواد ممنوعة كتجارة السلاح والمخدرات والعملات المزورة”.

صون حقوق الطفل والمرأة

تحظر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية عمالة الأطفال، بما في ذلك الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل 1989، كذلك تنظم القوانين الوطنية، بما فيها سوريا، من خلال قانون الأسرة وقانون العمل رقم 17 لعام 2010 عمل المرأة، إذ “للمرأة حق العمل مثل الرجل، ولكن يمنع أو يحظر استغلال النساء والأطفال في الأعمال التي لا تتناسب مع طبيعتهم وأعمارهم”، بحسب المحامي عبد الناصر حوشان.

ورغم وجود مخاطر على النساء والأطفال في شمال غرب سوريا خلال عملهم في التهريب، وتعرضهم للاستغلال، فإنهم “لا يبلغون عن ظروفهم باعتبارها انتهاكاً، لأنهم يعتبرون ذلك شكلاً من أشكال العمل الذي يقيهم الفقر والجوع”، وفقاً لفضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

لا يبلغون عن ظروفهم باعتبارها انتهاكاً، لأنهم يعتبرون ذلك شكلاً من أشكال العمل الذي يقيهم الفقر والجوع

وحذّر عبد الغني في حديثه لـ”سوريا على طول” من أن “استغلال الأطفال والنساء في عمليات التهريب من أسوأ أشكال العمالة، كونها أعمال خطرة”، معتبراً أن المسؤولية “تقع على فصائل المعارضة كونها لم تجد حلولاً مناسبة لتلافي هذه الظاهرة”.

هذه المخاطر تمثلت في حالة نوفة العمر (اسم مستعار)، 37 عاماً، التي تعرضت لكسر في ذراعها الأيمن، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، نتيجة سقوطها في خندق أثناء تهريب 20 لتراً من المازوت إضافة إلى بعض علب السجائر، بعد أن قطعت مسافة 4 كيلومترات، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

وعدا عن خسارتها المالية خلال الحادثة، إذ “انسكب المازوت في الخندق”، بحسب قولها، فإنها عاجزة عن ممارسة أي عمل حتى اليوم ومن دون أي تعويض.

شارك هذا المقال