5 دقائق قراءة

بين “مناطق رخوة أمنياً” و”تجاهل” روسي: عناصر الأمن العسكري يلقون حتفهم في درعا

"الرياح لم تجر كما تمنى أبو قصي". إذ سرعان ما بدأت تلاحقه "محاولات الاغتيال من قبل مجهولين". وبعد محاولتي اغتيال، قتل أمام منزله


24 فبراير 2021

عمّان – في كانون الأول/ديسمبر 2019، تقطعت السبل بمقاتل المعارضة السابق سعد أبو قصي (اسم مستعار)، مع انتهاء صلاحية بطاقة التسوية الخاصة به. هكذا، لم يبق أمامه من خيار لحماية نفسه من الملاحقات الأمنية والاعتقال، سوى الانضمام -كما باقي أعضاء فصيله العسكري السابق- إلى شعبة المخابرات العسكرية (الأمن العسكري) أو الفرقة الرابعة التابعتين للقوات الحكومية.

حسم أبو قصي قراره بالعمل لصالح الأمن العسكري، كما روى ابن عمه لـ”سوريا على طول”، ظناً منه أن ذلك سيوفر له الحماية من الملاحقات الأمنية للنظام، كما سيجنبه السوق للخدمة العسكرية في القوات الحكومية. إضافة إلى تمكينه من البقاء في بلدته بريف درعا الغربي بجوار عائلته.

لكن “الرياح لم تجر كما تمنى أبو قصي”، بحسب ابن عمه. إذ سرعان ما بدأت تلاحقه “محاولات الاغتيال من قبل مجهولين”. وبعد محاولتي اغتيال، قتل أمام منزله، في كانون الأول/ديسمبر 2020، بإطلاق رصاص مباشر لم يعرف المسؤول عنه. 

وأبو قصي هو واحد من 58 عنصراً كانوا في صفوف المعارضة في محافظة درعا، قتلوا بعد التحاقهم بفرع الأمن العسكري، خلال الفترة الممتدة بين آب/أغسطس 2018، تاريخ سيطرة القوات الحكومية على جنوب سوريا، ونهاية كانون الثاني/يناير 2021، بحسب عمر الحريري، عضو مكتب توثيق الشهداء في محافظة درعا. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن “84 عنصراً من مقاتلي التسويات الذي يعملون لصالح الأمن العسكري تعرضوا لمحاولات اغتيال”، خلال الفترة ذاتها.

وتشير البيانات التي جمعها “سوريا على طول” خلال الفترة بين بداية تشرين الثاني/نوفمبر ونهاية كانون الثاني/ يناير الماضيين، إلى تصاعد عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال ضد عناصر الأمن العسكري في محافظة درعا، لاسيما من كانوا في صفوف المعارضة المسلحة سابقاً.

سر التصاعد؟

يرجع الحريري بداية ارتفاع عمليات الاغتيال ضد عناصر الأمن العسكري في محافظة درعا إلى كانون الأول/ديسمبر 2019، نتيجة “ارتفاع موجة الاغتيالات ككل حينها”. إذ “قتل حينها 12 عنصراً من عناصر التسويات [التي تم إبرامها بين مقاتلي المعارضة ونظام الأسد] ممن انضموا للأمن العسكري”. علماً أن مكتب توثيق الشهداء كان قد أحصى في تقرير له 47 عملية اغتيال ومحاولة اغتيال في الشهر ذاته، أدت إلى مقتل 27 شخصاً وإصابة 16 آخرين، فيما يعد “الموجة الأوسع خلال العام 2019”.

ويعود السبب وراء الارتفاع في استهداف عناصر الأمن العسكري، برأي الحريري، إلى “التحاق أعداد كبيرة من مقاتلي التسوية بالأمن العسكري أكثر من الأفرع [الأمنية] الأخرى والفرقة الرابعة”.

في السياق ذاته، لفت قيادي عسكري سابق في المعارضة، يقيم في ريف درعا الغربي، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم كشف عن هويته لأسباب أمنية، إلى أن “استهداف عناصر الأمن العسكري، سواء من عناصر التسويات أو المتطوعين، بدأ يأخذ منحى تصاعدياً أكبر منذ تشرين الأول الماضي”. لكنه أرجع ذلك إلى “زيادة في حدة الخلافات بين التيارين الروسي والإيراني في غرب درعا، وكذلك زيادة نشاط داعش”.

صراع روسي إيراني؟

يُعرف الأمن العسكري جنوب سوريا بكونه أحد أجهزة النظام الأمنية المحسوبة على “التيار الروسي”، بينما تحسب كل من المخابرات الجوية والفرقة الرابعة على “التيار الإيراني”. وعلى مدار أكثر من سنتين ونصف السنة من عمر التسوية، تباين الموقف الروسي بين ما يبدو تنافساً مع النفوذ الإيراني وعلاقة تحالف وتكامل أدوار بين الطرفين في مواقف أخرى. وهو ما يمكن تفسيره بتبدل الموقف الروسي تبعاً لتغير المراحل والمعطيات على الأرض.

ففي أيار/مايو الماضي، ومع وصول تعزيزات عسكرية حكومية إلى محيط منطقة طفس غرب درعا استعداداً لاقتحامها، نحا الموقف الروسي باتجاه “تسهيل واضح لتعزيز النفوذ الإيراني”، كما قال وقتها مسؤول عسكري رفيع ضمن فصائل المعارضة سابقاً، لـ”سوريا على طول”. مضيفاً أن الطرفين يبدوان “حلفاء لبعضهم بعضاً”. 

وقد جاء الموقف الروسي بعد مقتل تسعة من عناصر الأمن الداخلي (الشرطة) في بلدة المزيريب، على يد أحد قادة مجموعات التسوية -التي تتشكل من مقاتلين سابقين في صفوف المعارضة- في المنطقة.

كما إن عضواً مفاوضاً في اللجنة المركزية في درعا -التي تتولى مهام التفاوض مع النظام وممثلي الجانب الروسي الضامن لاتفاق التسوية- لفت حينها، في تصريح لـ”سوريا على طول”، إلى أن “الروس يحاولون بشتى الطرق المحافظة على الهدوء [جنوب سوريا]، من دون إعطاء أي أولوية لانتشار المليشيات الإيرانية”، مستدركاً بالقول: “نشعر أن هناك تواطؤاً مخفياً فيما بينهم [الروس والإيرانيين]”.

ووسط هذا التغير أو أقلها اللامبالاة في الموقف الروسي حيال التواجد الإيراني وتمدده في جنوب سوريا، يجد عناصر شعبة الأمن العسكري، لا سيما عناصر التسويات الذين التحقوا بالشعبة منذ العام 2018، أنفسهم أمام فوهات رصاص مجهولين، إلى حد اتهام القيادي العسكري السابق في المعارضة، من ريف درعا الغربي، روسيا بممارسة “تجاهل متعمد لدماء عناصر التسويات الذين يواجهون نفوذ التيار الإيراني”.

وكشف المصدر أنه “في الاجتماعات الأخيرة التي جرت بين اللجنة المركزية غرب درعا وقادة النظام والروس، وقف الروس إلى جانب النظام وهددوا باقتحام المنطقة، على الرغم من أن الحملة العسكرية كانت تهدف إلى زيادة نفوذ الفرقة الرابعة”، وبالتالي “تسليم منطقة غرب درعا للتيار الإيراني”.

وخلال الأسابيع الأخيرة جرت لقاءات عدة بين لجان التفاوض غرب درعا وعدد من قادة نظام الأسد الأمنيين والعسكريين، بحضور ضباط روس، لأجل الوصول إلى حل بشأن التطورات الحاصلة في ريف درعا الغربي. إذ حاولت قوات تابعة للفرقة الرابعة في 24 كانون الثاني/يناير الماضي، اقتحام مدينة طفس غرب درعا، مطالبة بتسليم عدد من المطلوبين أو تهجيرهم نحو مناطق المعارضة في الشمال السوري، وكذلك بسط نفوذها بشكل أكبر على المنطقة عبر نشر حواجز عسكرية.

مناطق رخوة أمنياً

من بين ما مجموعه 84 عملية ومحاولة اغتيال استهدفت عناصر التسويات التابعين للأمن العسكري، وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا مسؤولية تنظيم الدولة (داعش) عن ست عمليات، فيما بقي المسؤول عن العمليات الأخرى مجهولاً، بحسب الحريري. وهو ما يشير إلى سبب آخر لزيادة استهداف الأمن العسكري جنوب سوريا.

فإضافة إلى زيادة عمليات التجنيد لصالح الشعبة مقارنة بسواها من الفروع الأمنية والوحدات العسكرية، تعد “مناطق نفوذ الأمن العسكري، كمدينة درعا وريف درعا الغربي، في غالبيتها مناطق غير مستقرة أمنيا”، وفقاً للحريري، ما يعني زيادة “فرص حصول اغتيالات فيها مقارنة بمناطق أخرى”.

ودلل الحريري على ذلك بأن “مدينة جاسم، مثلاً، معظم عناصر التسويات فيها تطوعوا لصالح أمن الدولة، لكنها منطقة أقل عرضة للاغتيالات من المزيريب التي معظم تطوع أفرادها في الأمن العسكري”. مضيفاً:

“الوضع الأمني في جاسم مضبوط أكثر من المزيريب لأسباب عدة، منها ما يعود حتى إلى قبل التسوية. فبعض المناطق هي بؤر للاغتيالات منذ ما قبل التسوية”.

الفرقة الرابعة (حرس جمهوري)

  • وحدة عسكرية تتبع للحرس الجمهوري في القوات الحكومية. يقودها شقيق بشار الأسد، ماهر الذي يحمل رتبة لواء ركن ويقود أيضاً الحرس الجمهوري ككل.
  • تأسست الفرقة في عهد حافظ الأسد، على يد شقيقه رفعت الذي كان يقود ما يعرف بـ”سرايا الدفاع” المسؤولة عن مجازر مدينة حماة العام 1982. بعد نفي حافظ لشقيقه خارج البلاد العام 1984، أدمجت سرايا الدفاع بالفرقة الرابعة.
  • مهمة الفرقة الأساسية المعلنة هي حماية العاصمة دمشق. لكن خلال الثورة السورية، لعبت الفرقة دوراً أساسياً في مهمات هجومية على مدن وبلدات سوريا المختلفة منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة.
  • تعد الفرقة أفضل تشكيلات جيش الأسد من حيث التدريب والتجهيز، بما في ذلك بعض أحدث الآليات الثقيلة، من قبيل دبابة “T72” الروسية.
  • مع زيادة التدخل الإيراني إلى جانب الأسد خلال الثورة، عرفت الفرقة بانحيازها إلى ما يعرف بـ”التيار الإيراني” ضمن القوات الحكومية، ويعمل العديد من المليشيات الإيرانية، بما في ذلك حزب الله (اللبناني)، تحت غطاء الفرقة، إذ تستخدم تلك المليشيات لباس “الرابعة” ومقراتها لأجل التحرك والتمويه وتفادي الضربات الإسرائيلية.

شعبة المخابرات العسكرية (الأمن العسكري)

  • تتبع شكلياً وزارة الدفاع السورية. ويترأسها منذ آذار/مارس 2019 اللواء كفاح ملحم.
  • يتبع لها أكثر من 20 فرعاً أمنياً تتوزع على مختلف المحافظات السورية.
  • نظرياً، ينحصر دور الشعبة بما يتعلق بالأفراد العسكريين والمهام العسكرية. إلا أنها تتدخل، منذ ما قبل اندلاع الثورة العام 2011، في حياة المواطنين المدنيين بشكل أكبر.
  • يرتبط تاريخ المخابرات العسكرية بعبد الحميد السراج، الذي تولى قيادتها حين كانت تعرف باسم “المكتب الثاني”، في العام 1955. ويمكن اعتبار السراج رائد إدخال التعذيب إلى السجون السورية.

شارك هذا المقال