4 دقائق قراءة

تأهيل الأطفال السوريين المصابين بالرياضة: غياب الاهتمام الرسمي والقبول المجتمعي

الأهم من الكأس التي رفعها الطفل اسماعيل الجوري بيده السليمة، هو خروجه من حالة نفسية رافقته منذ إصابته بانفجار لغم من مخلفات تنظيم "داعش" في بلدة السكرية بريف تل أبيض، وقد بقي الطفل لسنوات، كما قال والده، "ينطوي على نفسه، ويتجنب الاختلاط مع الناس، وإن حصل ذلك يحاول إخفاء يده خلف ظهره".


4 يناير 2021

عمان- بلغم أرضي في قرية السكرية بريف محافظة الرقة الشمالي، فقد الطفل إسماعيل الجوري، في العام 2015، يده، وليدخل نتيجة ذلك أيضاً حالة عزلة وانطواء امتدت سنوات، لم يخرجه منها إلا لعبه مع فريق القرية لكرة القدم. ولتصبح هذه اللعبة الشعبية كل حياته، وأكبر أمنياته أن يكون “في المستقبل لاعب كرة قدم”.

بدأ الطفل اسماعيل، البالغ من العمر حالياً 11 عاماً، اللعب في فريق القرية منذ نحو ثلاث سنوات، ويشغل حالياً مركز “خط الوسط في الفريق. أوزع الكرة لمهاجمي الفريق”، كما قال لـ”سوريا على طول” من خلال تسجيلات صوتية عبر تطبيق “واتسآب”، وكان يتهيأ وقتئذ “للذهاب إلى مدينة تل أبيض للقاء فريقها في مباراة ودية”. 

الجوري ورفاقه من أشبال “فريق السكرية” سطّروا قصة نجاح في أيلول/سبتمبر الماضي، عندما حصدوا بطولة تل أبيض لكرة القدم التي أقيمت في المنطقة الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا، أو ما تعرف بمناطق “نبع السلام”؛ نسبة للعملية العسكرية التي أطلقتها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في تشرين الأول/أكتوبر 2019.وقد جاء إنجاز أشبال السكرية رغم انعدام الإمكانات. إذ “بجهود بسيطة وفردية، وبأرض زراعية تم تحويلها إلى ملعب كرة قدم، تم بناء هذا الفريق المكون من 15 طفلاً”، كما قال المدرب محمد أبو حمود لـ”سوريا على طول”.

لكن الأهم من الكأس التي رفعها الطفل اسماعيل بيده السليمة، هو خروجه من حالة نفسية رافقته منذ إصابته بانفجار لغم من مخلفات تنظيم “داعش”، كما قال والده مصطفى لـ”سوريا على طول”. مشيراً إلى أن اسماعيل بقي لسنوات “ينطوي على نفسه، ويتجنب الاختلاط مع الناس، وإن حصل ذلك يحاول إخفاء يده خلف ظهره”. لكنه اليوم “عندما يلعب كرة القدم ينسى كل شيء، وتشعر أنه شخص آخر”.

الرياضة ليست أولوية

في بلد يعاني ويلات الحرب منذ عقد من الزمن، ويعتمد نحو 13.1 مليون مواطن فيه على المساعدات الإنسانية، منهم 6.6 مليون نازح، صارت الرياضة ترفاً وآخر الأنشطة على سلّم أولويات المواطنين السوريين.

إضافة إلى ذلك “يُقابل أي نشاط رياضي بالاستهزاء والهجوم من مواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي”، كما قال الناشط والرياضي ماهر شدو لـ”سوريا على طول”. موضحاً أن المنتقدين “يعتبرون أن إطعام الجوعى هو الأولوية، وتنظيم لعبة كرة قدم -على سبيل المثال- إضاعة وقت في أنشطة غير مهمة”.

كذلك، فإن “الرياضة ودعم المواهب الرياضية السورية في سوريا، وأيضاً اللاجئين في تركيا، خارج اهتمام أجسام المعارضة”، كما أضاف شدو المتحدّر من قرية السكرية بتل أبيض والمقيم حالياً في جنوب تركيا. معتبراً أن بطولة تل أبيض التي نظمها مكتب الرياضة التابع للمجلس المحلي في المدينة، بالتعاون مع مديرية رياضة أورفا التركية، “أظهرت عدداً من المواهب الناشئة بحاجة لرعاية واهتمام، من بينهم اسماعيل الذي فقد يده، وهو أحوج ما يكون للدعم المعنوي والنفسي”.

في السياق ذاته، شدّد الداعم النفسي في اتحاد المساعدات الطبية الإنسانية والإغاثة (UOSSM)، محمود قدور، على أهمية اللعب في الدعم النفسي للأطفال. مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن “اللعب جزء من عملية النمو الطبيعي للأطفال وهو حاجة فيسيولوجية”، لكن تزيد أهميته في زمن الحرب، إذ “باللعب يمكن علاج التوتر والقلق الذي يعاني منه الأطفال، ويعطيهم شعور الاسترخاء”.

فوق ذلك، فإن “فكرة دمج الأطفال المصابين في أنشطة رياضية جماعية لإخراجهم من عزلتهم، هي فكرة فعّالة”، بحسب قدور، الذي يعمل في أحد مراكز الدعم النفسي للمنظمة في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، “لكن يجب التدرج فيها تفادياً لأي نتائج عكسية من قبيل التنمر على الطفل المصاب”. لذلك “تبدأ العملية بجلسات تعارف بين الأطفال المصابين والأصحاء، ومن ثم إجراء تمارين وأنشطة بسيطة من دون لعب، إلى أن يصبح المصاب ومن حوله مهيئين نفسياً لممارسة الأنشطة الرياضية بشكل جماعي”.

إمكانات قليلة وعقبات كثيرة

انتهت عملية “نبع السلام” العسكرية، والتي تخللتها مفاوضات واتفاقات، بسيطرة الجيش الوطني المعارض المدعوم من تركيا على منطقة تل أبيض في ريف محافظة الرقة الشمالي، ومدينة رأس العين في محافظة الحسكة.

تالياً، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، شُكّل المجلس المحلي في تل أبيض، بهدف تقديم الخدمات الأساسية للمنطقة التي ما تزال تعاني منذئذ سوء الأوضاع المعيشية والأمنية، وفوق ذلك “عقبات اجتماعية ومادية ونقص في الموارد البشرية المؤهلة”، بحسب سارة عليوي، العاملة في مؤسسة قطرة الإنسانية بتل أبيض.

وينصب اهتمام المنظمات العاملة في المنطقة حالياً “على الدعم الطبي والإغاثي”، كما أوضحت عليوي لـ”سوريا على طول”، فيما “يغيب قطاع الحماية والدعم النفسي، إلا من جلسات دعم نفسي لأطفال الروضة والنساء” تقدمها مؤسسة قطرة. 

وتشير أرقام منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة إلى إصابة أكثر من 3,000 طفل سوري بجراح نتيجة الحرب منذ العام 2014، و”يحتاج أكثر من ثلثي الأطفال ذوي الإعاقات الجسدية أو العقلية إلى خدمات صحية متخصصة، وهي غير متوفرة في مناطق تواجدهم”، بحسب تقرير المنظمة في آب/أغسطس 2019.

وفي تل أبيض على سبيل المثال، حيث يقيم الطفل إسماعيل، لا توجد أي منظمة أو جهة لتركيب أطراف صناعية للمبتورين، كما قال والد اسماعيل، ولا سبيل لعلاج ابنه إلا “بالوصول إلى تركيا وهذا خارج قدرتنا”.

وإذا كانت أمنية الطفل اسماعيل أن يصبح لاعب كرة قدم، فأمنية أبيه هي إيجاد “منظمة تدعمه طبياً بتركيب طرف صناعي، وترعى اهتماماته وتنميها”.

شارك هذا المقال