7 دقائق قراءة

تجارة الآثار تزدهر في مناطق التنظيم بالرغم من تراجع قوته

في أيام حكم تنظيم الدولة للصحراء الشاسعة وسط سوريا، كان […]


في أيام حكم تنظيم الدولة للصحراء الشاسعة وسط سوريا، كان عمل جلال أبسط، أو بسيط بقدر ما كان يمكن أن يكون بالنسبة لمهرب آثار يقوم بعمله بهدوء في ظل الحرب.

لسنوات، قام جلال ورجاله بنقل الآثار، التي عثر عليها بواسطة صيادي الآثار في محافظتي درعا والقنيطرة، في رحلة شاقة إلى الحدود التركية، وبعد عبورهم للمرتفعات في محافظة السويداء، كانوا يعبرون خطوط القتال ومناطق سيطرة فصائل المعارضة في ريف دمشق قبل الوصول في نهاية المطاف إلى بير القصب، على حافة صحراء البادية الشرقية في سوريا.

وهناك، كان رجال ذوي ملامح قاسية يجلسون في سيارة، بانتظار المهربين، وكانت تلك نقطة الدخول إلى المنطقة الشاسعة الخاضعة لحكم التنظيم، حيث يعمل الرجال مع المجموعة المسلحة لضمان مرور بضائعهم الثمينة بأمان عبر الحدود الجرداء باتجاه تركيا.

وفي سبيل الحصول على حصة من الغنائم، عمل مسؤولو تنظيم الدولة برضا تام مع رجال مثل جلال، حيث قال جلال لسوريا على طول، إن الفترة ما بين ٢٠١٤ و٢٠١٧ كانت بمثابة حقبة ذهبية للتهريب، بسبب سهولة التنقل عبر مناطق التنظيم إضافة إلى مناخ الفوضى الذي يسود في المنطقة.

وبالرغم من الانهيار الفعلي للتنظيم على مدى العامين الماضيين، إلا أن جلال يقول إن عملهم لا يزال مستمراً بالوتيرة ذاتها- ويتكيف مع الظروف الجديدة على الأرض.

ويوضح جلال “أما اليوم وبعد اختلاف مناطق السيطرة في البادية السورية فإن ذلك الطريق ألغي بشكل كامل واتخذنا طريقاً جديداً وذلك من خلال التنسيق مع عدد من ضباط النظام لإيصال الآثار إلى مناطق المعارضة في ريف حماة” قبل الوصول إلى تركيا.

مدينة تدمر القديمة، التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة، تشرين الأول ٢٠١٥. تصوير: المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.

 

وبالرغم من أن التنظيم فقد السيطرة على معظم مناطقه في سوريا والعراق، إلا أن المهربين الذين عملوا مع الجماعة لنهب التراث الثقافي السوري لا يزالون يمارسون عملهم تحت مرأى فصائل المعارضة وضباط الحكومة الفاسدين، بحسب ما قاله الخبراء لسوريا على طول، هذا الشهر.

ويحصل جلال، الذي فضّل إعطاء اسمه الأول فقط، على مبلغ ٢٠٠٠ دولار للرحلة مع التجارة المربحة التي يقوم بها من درعا.

يقول جلال “طريقالتهريبإلىتركياصعبجداًومليءبالمخاطر،فضلاًعنالتكلفةالباهظةلإيصالالآثارإلىالأراضيالتركية”.

المصدر

تعد محافظة درعا، قلب الجنوب السوري، موطناً لعشرات المواقع الأثرية، ومن هناك بدأ جلال العمل في تهريب الآثار بعد أن فقد عمله كتاجر في مدينة درعا.

ومصدر هذه التجارة هم رجال كـ”علي أبو حسين” منقب للآثار في ريف درعا، فمنذ توقف عمله كتاجر محلي قبل ثلاث سنوات، بدأ البحث عن القطع الأثرية ليبيعها للمهربين.

وإلى جانب منزل أبو حسين على مشارف بلدة نبع الصخر في درعا، كان فريق منقبي آثار تابع للحكومة ينقب لسنوات قبل الحرب عن بقايا تلة رومانية قديمة، وقبل سيطرة قوات المعارضة على المدينة بوقت قصير، في أواخر عام ٢٠١٤، انسحب الفريق تاركاً وراءه كنزاً متاحاً على بعد أمتار قليلة من باب منزل أبو حسين.

يقول أبو حسين “قررت العمل على التنقيب في تلك التلة، عسى أن أجد شيئاً لأبيعه”.

في الأشهر الثلاثة الأولى من الحفر بعد مغادرة فريق منقبي الآثار مباشرة، حصل أبو حسين على مجموعة كبيرة من العملات المعدنية والأواني الفخارية، ثم قام ابن عمه بتوصيله بأحد المهربين في المنطقة والذي قام – بعد معاينة البضاعة –  بتقديم ٣٥٠ ألف ليرة سورية (حوالي ٢٠٠٠ دولار) مقابل الغنائم.

يقول أبو حسين “بصراحة كان شعوري لا يوصف حينها، فذلك المبلغ كنت أحصل عليه  لقاء عملي لعامين تقريباً”.

ولم يكن أبو حسين يعرف الكثير عن مصير الآثار التي وجدها وباعها للمهربين على مدى السنوات الثلاث الماضية، رغم أن ابن عمه أخبره مؤخراً أن أحد القطع التي اكتشفها تم شراؤه في تركيا بمبلغ ٥ آلاف دولار.

إن عائدات العمل في تهريب الآثار ببلد مزقته الحرب مثل سوريا  أمر لا يمكن الاستهانة به، ففي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لا تتجاوز الرواتب الشهرية ٧٥ دولاراً في الشهر، أي نصف الدخل الشهري للفرد قبل الحرب، وهو ١٤٢ دولار.

التنظيم ينشط تهريب الآثار

تسبب الانهيار الاقتصادي وغياب القانون والنظام وصعود تنظيم الدولة بموجة من تهريب الآثار في مطلع عام ٢٠١٤، بحسب ما قاله عالم الآثار السوري عمرو العظم.

وأجرى العظم، وهو أستاذ مشارك في علم الآثار في جامعة شاوني ستيت في ولاية أوهايو، أبحاثاً مكثفة حول تهريب الآثار في سوريا.

وبحسب العظم، قبل عام ٢٠١٢، كان التهريب حكراً على دائرة صغيرة من أفراد الحكومة والأشخاص ذوي الاتصالات السياسية، وعندما اندلعت الاحتجاجات وانزلقت البلاد في الحرب، أوقف العنف إلى حد كبير شبكات التهريب القديمة والحصرية.

ويوضح العظم إن ما برز كبديل لتلك الشبكات كان مجموعات غير منظمة، حيث بدأ الناس في البحث عن الآثار حول المواقع القديمة، وبدأ المهربون بالعمل معهم على الفور لسد النقص في السوق.

فسيفساء مكشوفة في وادي بردى، محافظة دمشق في تموز ٢٠١٧. تصوير:  المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا.

وأعلن ظهور التنظيم عن فجر جديد في مجال التهريب، حيث أدركت المجموعة المسلحة القيمة المالية للتحف الأثرية السورية، ومن خلال فتح أراضيهم الشاسعة أمام المنقبين والمهربين، شجع التنظيم عمليات النهب على نطاق لم يسبق له مثيل في سوريا وبدأت التجارة مرحلة جديدة من التوسع.

يقول العظم “ظهر التنظيم في عام ٢٠١٣ وبعد فترة وجيزة حوّل تهريب الآثار إلى عملية مؤسساتية، سرّعوا العمليات وعملوا على تنشيطها”.

وأسست الجماعة الجهادية بيروقراطية كاملة تتعلق باستغلال الإرث الثقافي، وقد تم وضع دائرة الآثار التي أسسها التنظيم تحت سلطة ديوان الركاز.

وأسست الجماعة نظام تصريح في عام ٢٠١٥ لتسهيل عمليات التنقيب وتهريب الآثار القديمة عبر الأراضي الشاسعة التي تسيطر عليها، وكانت الأسعار متقلبة – وبعد اكتشاف القطع الأثرية، كان على المنقبين إيجاد مشتر خلال خمسة أسابيع قبل أن يضبط التنظيم ما بحوزتهم، ويشترط التنظيم، وفقاً لاتفاق مبرم، الحصول على ٦٠٪ من أي عائدات للبيع.

وكانت النتيجة مكاسب غير متوقعة وكبيرة للمجموعة، وفي حين تختلف الأرقام على نطاق واسع بسبب عدم وجود بيانات موثوقة، وبحسب تقدير بعض المحللين التابعين للحكومة أنه حتى عام ٢٠١٦، استحوذت خزائن التنظيم على ١٠٠ مليون دولار سنوياً من عائدات تجارة الآثار.

التهريب ينتشر خارج مناطق الخلافة

حظي النجاح المالي الذي حققه التنظيم على تقدير جماعات مسلحة أخرى، فبينما ضعفت الجماعة المتشددة في الأشهر الأخيرة جراء هجوم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والحكومة السورية، يقول العظم أن مجموعات أخرى بدأت تتدخل لملأ الفراغ، واستمرت بتجارة الآثار.

ويضيف العظم “أسس التنظيم لهذه العملية، لكننا نرى هذه الطريقة في العمل تنتقل إلى مناطق أخرى، حيث أن هؤلاء الشباب يتفرقون والتنظيم ينهار.

اليوم، سترى استغلال الإرث الثقافي من قبل النظام، المعارضة، والمدنيين، سترى أن الجميع متورطين بذلك”.

وفي حين أن البيانات المتعلقة بالتهريب شحيحة للغاية، فإن دراسة أجرتها المدارس الأمريكية للبحث الشرقي في أواخر عام ٢٠١٥ استخدمت صور الأقمار الصناعية للمواقع الأثرية السورية لتحديد مدى انتشار عمليات النهب في جميع أنحاء البلاد، ووجد الباحثون أن حجم السرقة الثقافية التي تحدث في هذه المواقع بين عامي ٢٠١١ و٢٠١٥ كان مساوياً تقريبا لجميع حالات النهب المسجلة في تاريخ سوريا الحديث.

وبشكل كلّي، أظهر ٢٠٢ موقعاً على الأقل تم مسحها من قبل الباحثين علامات واضحة للنهب أثناء الحرب، وكان الضرر الأكبر للعمليات في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم، بنسبة ٤٢٪، مقابل ٢٣٪ في المناطق الحكومية و١٤٪ في مناطق المعارضة.

وبينما أظهرت صور الأقمار الصناعية أن التنظيم يستهدف مواقع معينة بشكل مكثف، فإن العدد الإجمالي للمواقع التي تأثرت بالنهب كان أكبر في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حيث أن ٢٧٪ من المواقع الأثرية عانت من النهب، مقارنة مع ٢١٪ في مناطق التنظيم.

صورة للأقمار الصناعية تظهر نهبا في موقع أثري في حماة في ٤ نيسان ٢٠١٧. تصوير: المديرية العامة للآثار والمتاحف.

وأكد أحد مهربي درعا، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، نتائج الدراسة مشيراً إلى أن فصائل المعارضة تشارك الآن بشكل كبير في التجارة غير المشروعة للآثار، استناداً إلى تجاربه الخاصة مع اللصوص في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

ولم يعمل المهرب في أراضي تنظيم الدولة، إنما يدير شبكة تهريب أخرى عبر درعا والقنيطرة إلى لبنان، ومع ذلك، يقول إن موقفهم من الإرث الثقافي كمورد مربح قد انتشر وأصبح نشاطا أساسياً بين الجماعات المسلحة المحلية في الجنوب.

ويقول “خلال عملي في السنوات الماضية، لم أتعرض لأي مضايقات من قبل فصائل المعارضة، وهذه المجموعات تنقب الآن عن الآثار بنفسها للحصول على مصدر للتمويل”، ولم يتسن لسوريا على طول التأكد مما قاله المهرب بشكل مستقل.

وفي حين أن غالبية عمليات النهب وقعت في مناطق المعارضة، فإن دراسة المدارس الأمريكية للبحث الشرقي قدمت دليلاً على أن الحكومة السورية لم تكن خارج الدائرة.

وأظهرت مدينة أفاميا الرومانية القديمة في وسط سوريا، والتي بقيت تحت سيطرة الحكومة منذ بداية الحرب، أدلة على عمليات تنقيب منتظمة باستخدام معدات ثقيلة، مثل الجرارات، ولاحظ الباحثون أن استخدام مثل هذه الأساليب يكاد يكون من المستحيل أن يخفى عن قوات الحكومة المتمركزة هناك، ووجدوا أن عمليات النهب تتركز بشكل حصري تقريباً ضمن الجزء الذي تديره الحكومة من المواقع الأثرية، بينما تركت الأراضي التي تملكها شركة أفاميا دون تغيير.

وجاء في التقرير أنه “وحتى لو أن النظام السوري لم يقر بعمليات النهب بشكل رسمي، فإنها لا تزال تحدث بمعدل ينذر بالخطر في جميع أنحاء هذه المنطقة على وجه الخصوص، وفي أفضل الأحوال، يتغاضى المسؤولون عن عمليات النهب غير المشروعة من قبل القادة الميدانيين”.

“مباح للجميع”

يقول أحمد العدوي، مدير مديرية الآثار السورية التابعة للحكومة الانتقالية في درعا، إن هيئة المعارضة لا تستطيع أن تفعل الكثير لمنع نهب مواقع التراث القديمة في المحافظة الجنوبية على أيدي المنقبين والمنتمين إلى المليشيات المحلية.

يقول العدوي “قمنا في الدائرة بتوثيق كافة المواقع الأثرية في المدينة وما لحق بها من ضرر وتدمير، ونعمل على إقامة الندوات والمحاضرات لتوعية الأطفال والناشئين وإطلاعهم على أهمية هذه المواقع بالنسبة للتاريخ الإنساني”.

وتنظم مديرية الآثار دوريات ليلية متفرقة للمواقع الأثرية بالتنسيق مع الشرطة المدنية المحلية، بحسب ما يقول العدوي، لكن عمليات النهب والتهريب مستمرة.

وأكد عضو مجلس محلي في نبع الصخر مسقط رأس الحسين، منقب الآثار، ما قاله العدوي، وقال عضو المجلس المحلي، الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع، أن السلطات كانت على علم بالنهب الذي يجري على قدم وساق هناك.

وأضاف أن الفصائل المحلية، التي كان بإمكانها إلقاء القبض على الجماعات المتورطة في التجارة، أصبحت تغض النظر عما يجري، ولم تكن الشرطة المحلية الحرة قد تشكلت بعد بالكامل للتدخل أيضاً.

يقول عضو المجلس المحلي “لا يوجد سلطة تمنع التنقيب، تم تخريب الكثير من المواقع والأماكن الأثرية في المنطقة الجنوبية”.

“الأمر مباح للجميع في ظل غياب السلطة والقانون”

 

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال