6 دقائق قراءة

تجديد آلية المساعدات عبر الحدود: كارثة إنسانية مؤجلة شمال سوريا وبدائل دون تطلعات المستفيدين

مع أهمية "النقد" باعتباره واحداً من الحلول البديلة في حال توقف آلية المساعدات عبر الحدود، إلا أنه لا يمكن حصر دور الأمم المتحدة بالتمويل واللوجستيات، كما أن المساعدات النقدية لا تؤمن نفس الأصناف والكميات التي كانت تحصلت عليها العائلة في السلال الغذائية.


13 يوليو 2022

إدلب- وافق مجلس الأمن على تجديد تفويض إيصال المساعدات الإنسانية “عبر الحدود” إلى سوريا، بجلسته المنعقدة في 12 تموز/ يوليو الحالي، من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لمدة ستة أشهر، بموجب القرار 2642، الذي ينص على أن التمديد الإضافي لمدة ستة أشهر أخرى “سيتطلب قراراً منفصلاً من مجلس الأمن”.

وجاء القرار “مخيباً للآمال”، على حد تعبير محمد حلاج، مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، كون المجلس لم ينجح في تمرير مقترح “يقضي تمديد الآلية لمدة تسعة أشهر على الأقل، أي حتى انتهاء فصل الشتاء، حيث تكون الاحتياجات في ذروتها خاصة في مخيمات شمال غرب سوريا”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وفيما اعتبر نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، في مؤتمر صحفي عبر صدور قرار مجلس الأمن، أن القرار “يمكن الأمم المتحدة من مواصلة العمل لإنقاذ الأرواح، والتخفيف من معاناة حوالي 4.1 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة والحماية في شمال غرب سوريا”، أثار القرار استياء سوريين في شمال غرب سوريا لأنه بمثابة تأجيل كارثة إنسانية محتملة بدلاً من إيجاد حلّ مستدام لمواجهتها.

وينتهي العمل بموجب القرار الجديد في كانون الثاني/ يناير 2023، أي “اللحظة التي ستبلغ فيها الاحتياجات الإنسانية ذورتها”، بحسب السفير الأميركي، ريتشارد ميلز، نائب مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وقد امتنعت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عن التصويت لصالح القرار مقابل 12 صوتاً لصالحه.

وحتى إن نجح مجلس الأمن في تجديد القرار ستة أشهر أخرى، في كانون الثاني/ يناير المقبل، فإن ذلك “لن يتم من دون تنازلات جديدة”، وفقاً لحلاج، معتبراً أن “الخلافات الدولية الكبيرة تنعكس على الملف السوري بشكل واضح”.

ومع محاولات روسيا منع تجديد آلية المساعدات “عبر الحدود”، الذي بدأ العمل به بموجب القرار 2165 لعام 2014، باستخدام حق النقض (الفيتو)، برز إلى الواجهة ضرورة إيجاد بدائل عن قرار مجلس الأمن. وفي مطلع العام الحالي بدأ برنامج الأغذية العالمي تحويل جزءاً من مساعداته المخصصة لمخيمات شمال غرب سوريا من الغذاء إلى “النقد” عبر “القسائم الإلكترونية”.

النقد بدلاً من الغذاء

منذ نزوحها من ريف حماة الغربي إلى تجمع مخيمات الكرامة شمال إدلب، في عام 2016، تحصل مريم عبد الرحمن (اسم مستعار)، 43 عاماً، على سلّة غذائية شهرية مقدمة من برنامج الأغذية العالمي (WFP)، وعادة تكفي السلة احتياجات العائلة من المواد الغذائية الأساسية طيلة الشهر.

في شباط/ فبراير الماضي، استبدلت منظمة تكافل الشام، الشريك المحلي المنفذ لبرنامج الأغذية في تجمع مخيمات الكرامة، الطرود الغذائية بقسائم إلكترونية، تشحن شهرياً للمستفيدين بقيمة 60 دولاراً أميركياً، على أن يُصرف المبلغ على المواد الغذائية ومن مراكز تجارية محددة.

ومنذ تحويل المساعدة العينية إلى نقدية، تعجز مريم، المعيلة الوحيدة لعائلتها المكونة من خمسة أفراد بعد أن أصيب زوجها بإعاقة حركية قبل عشرة سنوات، عن توفير المواد الأساسية لأكثر من 15 يوماً، كما قالت لـ”سوريا على طول”، ما يضطرها إلى “الحصول على أصناف مثل: الرز والسكر والبرغل من شقيقتي المقيمة في مخيمات أطمة وجيراني”.

وبدأ برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة تحويل جزء من مساعداته الغذائية إلى تحويلات مالية في كانون الثاني/ يناير الماضي، وقد شملت السياسة الجديدة حوالي 20 مخيماً في تجمع مخيمات الكرامة جنوب بلدة أطمة، بالتعاون مع منظمة “مجتمعات عالمية” وشريكها المحلي منظمة “تكافل الشام”.

ويهدف تحويل المساعدات العينية إلى نقدية إلى “توفير درجة أعلى من المرونة للأسر في تلبية احتياجاتهم من الغذاء”، بحسب أمير سندة، المنسق الميداني لبرنامج الاستجابة في منظمة تكافل الشام، موضحاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن “حوالي 26.5 ألف شخص يستفيدون من القسائم الإلكترونية، أي 7 آلاف عائلة تقريباً”.

لكن عدداً من المستفيدين، بما في ذلك مريم، يطالبون بعودة نظام السلال الغذائية، لأنه “يؤمن الحد الأدنى من المستلزمات الشهرية، فيما لا يكفي المبلغ المخصص في القسيمة الإلكترونية لشراء نفس الأصناف والكميات الموجودة في السلة الغذائية”، كما أوضحت مريم.

وفي ذلك، قال الدكتور محمد كتوب، الخبير في مجال المناصرة للاستجابة الإنسانية وحماية عمال الإغاثة في سوريا، أن “الاستعاضة عن السلال الغذائية بالكاش قد يكون حلاً سريعاً، لكن يجب التفكير في تأثيره على المدى الطويل على السوق”، خاصة أنه يتم “طرح الكاش في السوق من دون تعويض سلسلة التوريد التي تؤمنها الأمم المتحدة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

ومع أهمية “النقد” باعتباره واحداً من الحلول البديلة في حال توقف آلية المساعدات عبر الحدود، إلا أنه “لا يمكن حصر دور الأمم المتحدة بالتمويل و اللوجستيات فقط”، بحسب كتوب، مشيراً إلى  أن “الجانب اللوجستي واحد من عدة مسارات تعمل عليها الأمم المتحدة في شمال غرب سوريا”.

زيادة في الجهد والمصروف

منذ حصول عائلة حسام الحمود، 35 عاماً، على المساعدات نقداً عبر القسائم المالية، وجده نفسه مضطراً إلى دفع 20 دولاراً أميركياً لتأمين مادة الخبز، بعد أن كان يحصل “على ربطة واحدة مجاناً بوزن واحد كيلو غرام يومياً”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

ولأن المراكز التجارية المعتمدة لصرف القسائم لا تبيع مادة الخبز، يضطر الحمود “شراءه من الأفران والأسواق بأسعار غير مدعومة، ولا يمكنني دفع قيمتها من القسيمة”، بحسب قوله، ويعد ذلك مرهقاً له، حيث لا يتجاوز دخله 100 دولار أميركي شهرياً، لقاء عمله في مجال البناء. يبلغ سعر ربطة الخبز غير المدعوم في إدلب 10  ليرات تركية (0.57 سنتاً أميركياً بحسب سعر الصرف الحالي البالغ 17.44 ليرة تركية للدولار). 

بعد تحويل عائلة حسام الحمود، 35 عاماً، إلى نظام المساعدات عبر القسائم الإلكترونية في شباط/فبراير الماضي، وجدت العائلة المكونة من خمسة أشخاص نفسها مضطرة لدفع ما يقارب 20 دولاراً شهرياً لتأمين مادة الخبز وحدها.

وبدلاً من أن تصل السلة الغذائية إلى مكان إقامة الحمود، النازح مع زوجته وأطفاله الثلاثة، من بلدة الروضة في ريف حماة الشمالي، عام 2017، إلى مخيم نور الشام في ريف إدلب الشمالي، يضطر إلى قطع مسافة “تزيد عن 2 كيلومتراً للوصول إلى مراكز البيع”، مشيراً إلى أنه يرافق بعض المدنيين الذين يملكون مركبات خاصة، لكن أحياناً “نضطر إلى الذهاب مشياً على الأقدام”، بحسب قوله.

وإضافة إلى الجهد، يجد الحمود تفاوتاً في الأسعار بين المراكز المعتمدة لصرف القسائم وأسواق إدلب، موضحاً أن سعر كيلو الرز الطويل يباع في المراكز المعتمدة بـ1.95 دولاراً، بينما سعره في السوق 1.25 دولاراً، وكيلو السكر في 0.95 سنتاً في المراكز المعتمدة، مقابل 0.90 سنتاً في الأسواق.

في العاشر من تموز/ يوليو، نشرت منظمة تكافل الشام على صفحتها الرسمية في “فيسبوك” صورة لأحد أعضائها، أثناء مراقبة صلاحية المواد الغذائية التي يتم تسليمها للأهالي المستفيدين من صرف القسائم، لكن بعض المتفاعلين مع المنشور طالبوا المنظمة بالاهتمام بتوحيد الأسعار “وأن تكون على الأقل بسعر السوق”.

وتحتوي السلة الغذائية المقدمة من برنامج الأغذية العالمي على 5 كيلوغرام من السكر، ومثلها من البرغل والرز والعدس الأحمر والحمص، إضافة إلى 15 كيلوغراماً من الطحين، وكيلوغراماً من الملح، وأربعة ليترات من الزيت النباتي، كما قالت مريم عبد الرحمن، التي كانت تبيع جزءاً من محتويات السلة لشراء احتياجات أخرى “مثل مسحوق الغسيل وسائل الجلي”.

رداً على ذلك، قال أمير سندة، المنسق الميداني لبرنامج الاستجابة في منظمة تكافل الشام، أن القسائم النقدية “تعطي المستفيد حرية اختيار ما يريد من مواد بالجودة المناسبة له، ويمنحه حرية الاختيار الأصناف التي يريدها”.

وأوضح أن المنظمة تعاقدت مع تسعة متاجر في مدينة أطمة، وتقع هذه المتاجر “تحت رقابة فرق مخصصة لمراقبة عملية الصرف، وجودة المواد والأسعار، مطابقة المعايير المتفق عليها مع التاجر”.

البدائل والحلول

في شباط/ فبراير الماضي، أعلن مشروع الأيادي الخضراء عن بدء تقديم جزء من المساعدات الغذائية لبرنامج الأغذية العالمي على شكل “تحويلات قائمة على النقد”، مشيراً إلى أن اتخاذ القرار جاء بناء على تقييم الجدوى النقدية المشترك بين برنامج الأغذية العالمي واليونسيف في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وتم تحديد القيمة بـ60 دولاراً بناء على توصيات مجموعة الأمن الغذائي وسبل العيش وتوصيات مجموعة عمل النقد.

واعتبر أمير سندة أن اعتماد آلية المساعدات النقدية بدلاً من العينية “ينهي سلسلة التوريد عبر استلام السلال الجاهزة التي تدخل عبر الحدود، ومن ثم يتم نقلها وتوزيعها، وبالتالي يتم تخفيف الجهود والمصاريف المرافقة للعملية”.

واعتبر سندة أن هذه تحويل المساعدات إلى “النقد”، تعدّ آلية جيدة لاعتمادها مستقبلاً، كونها “تساهم أيضاً في تنشيط الحركة الاقتصادية في منطقة تنفيذ المشروع من خلال إقامة العديد من مشاريع إنتاج المواد الغذائية وتربية الحيوانات لتقديم المنتجات اللازمة”.

لكن “تغير سعر صرف العملة المتداولة في إدلب، وهي الليرة التركية، مقابل الدولار الأميركي، وارتفاع رأس مال المواد الغذائية، يؤدي إلى ارتفاع سعر بيع المواد للمستفيدين”، كما أوضح محمد الحلاج، مشيراً إلى أن ذلك “يؤدي إلى انخفاض القيمة الحقيقية للقسيمة النقدية، وبالتالي زيادة احتياجات الأسر”.

وقد تقدم حسام الحمود بشكوى إلى منظمة الايادي الخضراء، طالب فيها “العودة إلى نظام السلل الغذائية بدل النقد، أو توزيع الخبز مجاناً”، وأوضح للمنظمة في رسالته أن “القسيمة المقدرة بـ 60 دولاراً غير كافية لتأمين المستلزمات الضرورية”، مشيراً إلى “حاجتنا لـ100 دولار شهرياً على الأقل لتأمين نفس كميات السلة الغذائية”.

ورغم موافقة مجلس الأمن على تجديد آلية المساعدات عبر الحدود، وهو “أفضل الحلول حالياً، لأنه يضمن أكبر انخراط وأعلى انخراط من وكالات الأمم المتحدة وكل الفاعلين”، وفقاً للدكتور محمد كتوب، إلا أن ذلك لا ينفي ضرورة إيجاد الحلول البديلة، خاصة أن “القرار مسيس بشكل كبير ويمكن فقدانه في التجديد المقبل”.

لكن الحلول البديلة “أكبر من المساعدات النقدية للمستفيدين”، بحسب كتوب، الذي أوضح أن توقف قرار المساعدات عبر الحدود، يعني أن 87% من العمليات التي تتم عبر وكالات الأمم المتحدة ستتوقف، ما يعني أن 13% من العمليات الحالية يمكن أن تنفذ من دون القرار.

وأشار كتوب إلى أن أحد الأدوار المهمة للأمم المتحدة الدعم التقني والتنسيق و”الوصول”، والوصول هنا بمعنى ” تنسيق الأمم المتحدة مع الجهات الحكومية والعسكرية، من قبيل الحكومة التركية وهيئة تحرير الشام، وهذا الدور قد لا يمكن للمنظمات الإنسانية أن تلعبه بنفس قدرات الأمم المتحدة”.

لذلك، ليس من السهولة تعويض دور الأمم المتحدة، وتعويض هذا الدور “يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين لإيجاد آليات بديلة”، خاصة أن أي تغيير بالمسارات والآليات “يتطلب تدخل الحكومات، وبدورها تحتاج وقتاً لإقرار التغييرات وتنفيذها”.

شارك هذا المقال