5 دقائق قراءة

تعديل “المركزي” السوري لسعر صرف الدولار: جري وراء “السوق السوداء” محدود التأثير

يعتمد تجار سوريا في تحديد أسعار بضائعهم على سعر صرف الدولار في السوق السوداء كونه المعتمد في عمليات البيع والشراء، فيما يتجاهلون سعر البنك المركزي


23 سبتمبر 2022

باريس- في 19 أيلول/ سبتمبر الحالي، رفع مصرف سورية المركزي (البنك المركزي) سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية من 2800 إلى 3015 ليرة للدولار، كما رفع سعر صرف دولار تسليم الحوالات الخارجية من 2800 إلى 3000 ليرة، وهي المرة الثانية التي يعدّل “المركزي” سعر الصرف لهذا العام.

أيضاً، رفع البنك المركزي سعر دولار بدل الخدمة العسكرية ليصل إلى 2800 ليرة للدولار بعد أن كان 2525 ليرة، وهو التعديل الأول منذ مطلع عام 2020.

ومع التعديلات الأخيرة، يبقى سعر الصرف الرسمي أقل بنسبة 33% من سعره في السوق السوداء، البالغ 4590 ليرة للدولار، وهو المعتمد بالنسبة للتجار والمتعاملين بالدولار في سوريا. إذ رغم أنه يتابع سعر صرف الدولار “لحظة بلحظة”، لم يكترث أبو عبد الحق، تاجر أجهزة كهربائية في مدينة إنخل بمحافظة درعا جنوب سوريا، بتعديل سعر الصرف الرسمي، قائلاً لـ”سوريا على طول”: “طالما السعر في السوق السوداء مستقر فالأمور بخير، أما المركزي لا أحد يهتم فيه وبقراراته”.

يتبع النظام السوري، منذ ستينات القرن الماضي، سياسة أسعار الصرف المتعددة، لتحقيق أهداف عدة، منها: تحفيز الاقتصاد الوطني، لكن بعد الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، توسعت دمشق في خلق أسعار صرف متعددة، بهدف محاولة السيطرة على قيمة الليرة، والتربح غير المشروع من فروقات أسعار الصرف، إضافة إلى كونها إحدى السياسات المالية التي يسعى النظام من خلالها إلى تقليص الفجوة بين سعر صرفه للدولار وقيمته في السوق الموازية (السوداء).

تأثير محدود

يعتمد تجار سوريا في تحديد أسعار بيع وشراء بضائعهم على سعر صرف السوق الموازية “لأن أي تغيير فيه ينعكس مباشرة على تجارتنا، بينما لا تتأثر أسعار السلع والمواد الأساسية بتعديل سعر الصرف في البنك المركزي”، بحسب أبو عبد الحق.

يعتمد أبو عبد الحق في تجارته على مصدرين للأجهزة الكهربائية، الأول من السوق المحلية، والثانية من الأردن المجاورة أو دول الخليج، معتمداً على نقلها إلى سوريا على سيارات النقل الخارجي التي تعبر الحدود، ويدفع قيمة مشترياته العابرة للحدود بالعملة المحلية للبلد المصدر أو بالدولار الأميركي، وفي الحالتين “أشتري القطع الأجنبي من السوق السوداء، لأن البنك المركزي لا يعطي الدولار لأي شخص بالأسعار التي يعلنها”.

وبدوره، يحدد أبو عبد الحق أسعار البيع لزبائنه بالليرة السورية، لكن بما يتناسب مع سعر صرفها أمام  الدولار في السوق السوداء، لذلك استقرار السوق بالنسبة له وللمستهلك على حد سواء مرتبط باستقرار سعر الليرة في السوق السوداء، التي شهدت تدهوراً كبيراً في قيمتها، حيث خسرت أكثر من 20% من قيمتها منذ مطلع عام 2022. 

تأكيداً على ذلك، قال مناف قومان، الباحث الاقتصادي في مركز عمران للدراسات، ومقره تركيا، أن “السوق السوداء ستبقى مؤشراً بالنسبة للتجار وأيضاً للبنك المركزي، لأنها تعكس القيمة الحقيقية لليرة”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

وكذلك، تأثير قرار البنك المركزي بشأن رفع سعر صرف دولار تسليم الحوالات الخارجية “سيكون محدوداً”، لأن “الفجوة بين سعري الصرف في السوق الرسمية والسوداء ما يزال كبيراً”، بحسب قومان، ما يعني أن الحركة التي قام بها النظام من تعديل سعر الصرف “لن تخفف انسحاب الأموال الصعبة من السوق السوداء”.

وذهب د.كرم شعار، مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، في هذا الاتجاه، مشيراً إلى أن “الإنفاق على الواردات في سوريا مبني على أسعار السوق السوداء”، وما تزال غالبية الحوالات “تدخل عبر السوق السوداء وليس السوق الرسمية”، بحسب قوله، وهو ما يفسر “تأثر السوق بأسعار الصرف في السوق السوداء أكثر منه في السوق الرسمية”.

يلخص ذلك ما حصل مع عمر أبو محمد، 27 عاماً، المقيم في ريف درعا الغربي، الذي استلم حوالة مالية من أخيه المقيم في الأردن، بعد يوم واحد من قرار “البنك المركزي” الأخير المتعلق برفع سعر قيمة الدولار لتسليم الحوالات الخارجية من 2800 إلى 3000 ليرة للدولار.

دفع مكتب الحوالات لأبو محمد 400 ألف ليرة سورية مقابل قيمة الحوالة بالدولار البالغة 100 دولار، بينما سعرها بحسب سعر الصرف الرسمي 300 ألف ليرة، وهو ما يؤكد أن سوق الحوالات أيضاً مرتبط بالسوق السوداء.

الفرق بين قيمة الحوالة بالسعر الرسمي وقيمتها في السوداء، البالغ 100 ألف ليرة سورية، تعادل متوسط الراتب الشهري للموظف في سوريا، المقدر بنحو 92 ألف ليرة (20 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 4565)، وبالنسبة لأبو محمد “يوفر الفارق حاجيات المنزل من طعام وشراب لعشرة أيام”، كما قال.

محاولات تقليص الفجوة

منذ آذار/ مارس 2020، تزايدت الفجوة بين أسعار صرف الدولار في السوق الرسمية والسوق الموازية، ويوضح الرسم البياني المنحنى التصاعدي لـ”الفجوة”، إذ بلغ سعر صرف الدولار مقابل الليرة في السوق السوداء، آنذاك، 1105 ليرات مقابل 704 ليرات بحسب السعر الرسمي.

وبلغ الفارق ذروته في آذار/ مارس 2021، عندما وصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى 4000 ليرة للدولار مقابل 1256 ليرة في السوق الرسمية.

في أيار/ مايو 2021، قلّص”البنك المركزي” الفجوة بين سعري الصرف، بعدما رفع سعر الصرف الرسمي إلى 2512، ومن ثم إلى 2814 في نيسان/ أبريل الماضي، وأخيراً إلى 3015 في أيلول/ سبتمبر الحالي. 

تغيير سعر الصرف الرسمي مع بقاء وجود فرق بين السعر الرسمي والموازي “يعكس رغبة الحكومة السورية في الحفاظ على فجوة معينة بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق السوداء، بغية الحفاظ على نسبة فارق ثابتة بين السوقين”، وفق د. كرم شعار.

“الزيادة الحالية بأسعار الصرف هي استجابة للزيادة بأسعار الصرف في السوق السوداء، لأن بتوسع الفجوة بين السوقين تصبح رغبة الناس بالتعامل في السوق السوداء أكبر لكون الفارق بينهما كبيراً”، بحسب شعار. لكن في الوقت نفسه، لا يستطيع النظام رفع سعر الصرف الرسمي إلى حد يتساوى مع السوق السوداء لما يترتب على ذلك من “آثار تضخمية كبيرة جداً”، كما أوضح.

واستشهد شعار على ذلك بـ”الحوالات القادمة إلى سوريا”، مشيراً إلى أنها “بالقطع الأجنبي، ويتم دفعها في سوريا بالليرة، وإذا رفع سعر صرف السوق الرسمي ليتساوى مع السوق الموازية، يعني أن كل دولار يجري تحويله من خارج سوريا سيتم التعويض عنه بكمية أكبر من الليرة، وبذلك تزيد كمية الليرة الموجودة في التداول، وهو ما سيخلق تضخماً أكبر”.

تتمثل الأزمة “في السياسة النقدية للبنك المركزي، الذي يتجاهل البيانات والأوضاع الاقتصادية المتأزمة”، ومع ذلك “يستمر على النهج المالي الأمني منذ عشر سنوات”، وفقاً للباحث قومان.

وبما أن النظام السوري عاجز على وقف تدهور الليرة السورية، ومدرك بأن “القضاء على السوق السوداء غير ممكن”، فإنه يحاول الحدّ من التعامل بـ”الأسود” عبر شحن حملات أمنية “لإرهاب العاملين في السوق السوداء”، وفقاً لشعار، وهذه الحملات “تنجح بالفعل، ويحجم بعض العاملين في السوق عنها، باستثناء من تربطهم علاقات مع النظام”.

لكن حتى هذا الحل “مؤقت”، لأن “المنسحبين من السوق السوداء يعودون مرة أخرى مع تراجع الحملة الأمنية”، بحسب شعار.

أمام سياسات النظام الاقتصادية وعجزه عن وقف انهيار الليرة السورية، فإن الاقتصاد السوري سيحافظ على وضعه السيئ، لكن “الأمور لن تدهور أكثر مما هي عليه، فالوضع حالياً في أقصى درجات السوء”، على حد وصف شعار.

وذهب قومان إلى أن “الليرة السورية مستمرة في انحدارها إلى حين حدوث انعطافة كبيرة في مجريات الأحداث السياسية بسوريا”، واستند في رأيه على أن البلد ما تزال “تعاني من عزلة دولية وإقليمية، وانتشار الفساد والمافيات وأمراء الحرب”، إضافة إلى خسارتها “مولدات الدخل، بينما قطاعات الإنتاج مصابة بالشلل”.

شارك هذا المقال