12 دقائق قراءة

فأس “التحطيب” يفتك بالأشجار المثمرة والحراجية في درعا

انتشرت ظاهرة التحطيب في درعا وعموم المحافظات السورية منذ اندلاع ثورة آذار/ مارس 2011، لكن منذ عام 2020 زادت عمليات التحطيب وطالت الأشجار المثمرة في الأراضي الخاصة.


28 فبراير 2024

باريس- كان أبو قاسم أمام خيارين، إما أن يساق ابنه إلى الخدمة الإلزامية في صفوف النظام السوري، أو أن يضحّي بأشجار الزيتون في أرضه الزراعية، بمدينة إنخل بريف درعا الشمالي، التي ورثها عن والده.

لأجل “إنقاذ حياة ولدي وتأمين مستقبله” قرر الرجل الخمسيني تحطيب أشجار بستانه البالغ عددها ألف شجرة زيتون، عمرها 27 عاماً، وباعها لأحد تجار الحطب مقابل 21 ألف دولار أميركي، دفع منه 19 ألف دولار لاستصدار جواز سفر لابنه وتأمين تأشيرة له إلى دولة الإمارات وتأسيس مشروع له هناك، كما قال لـ”سوريا على طول”.

عبر أبو قاسم عن أسفه للتفريط بأشجار قضى معها 15 عاماً، واصفاً إياها بـ”رفيقة عمري. كنت أعتني بها يومياً وكانت تعيلنا وتكفينا العام بأكمله”، لكن إذا لم يسافر ابنه “سيبقى متخفياً داخل القرية خشية سوقه إلى الخدمة العسكرية أو أن يُساق ولا نعرف متى يعود، أو هل سيبقى على قيد الحياة”.

بدأت ظاهرة تحطيب الأشجار الحراجية في محافظة درعا وعموم المحافظات السورية، منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، كأحد تداعيات الحرب وما رافقها من أزمات اقتصادية، لكن منذ عام 2020 تزايدت عمليات التحطيب، وطالت الأشجار المثمرة في الأراضي الخاصة وضمن مناطق المخططات التنظيمية.

وأسهم في ظاهرة التحطيب، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة أزمة المحروقات التي تعيشها مناطق النظام على نحو غير مسبوق، ما دفع الناس إلى العودة إلى استخدام الحطب، وبالتالي رواج سوقه وارتفاع سعره، إضافة إلى عجز المزارعين عن رعاية أشجارهم بسبب نقص المياه وغلاء الأسمدة والمبيدات الحشرية.

ويبلغ سعر طن الحطب في محافظة درعا قرابة 3.4 مليون ليرة سورية (237.75 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ 14300 ليرة للدولار الواحد)، كما قال تاجر حطب في ريف درعا الشرقي لـ”سوريا على طول”.

مزارع أشجار مثمرة إنخل درعامزارع أشجار مثمرة إنخل درعا

صورتان جويتان لأحد الأحياء الشمالية بمدينة إنخل في ريف درعا الشمالي، توضحان الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية المزروعة بالأشجار المثمرة بين آب/ أغسطس 2011، وكانون الأول/ ديسمبر 2022 (جوجل إيرث)

تحطيب الأشجار المثمرة

خلال السنوات الأخيرة، تراجع إنتاج أشجار الزيتون في أرض أبو حسام، بمدينة جاسم في ريف درعا الشمالي، نتيجة “عدم كفاية الهطولات المطرية، وعدم قدرتي على سقايتها”، وصار مردودها لا يتناسب مع “تكاليف العناية بها من حراثة ومبيدات حشرية وأسمدة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن بعض الأشجار “لم تنتج أكثر من أربعة كيلوغرامات من الزيتون، وهو إنتاج لا يغطي تكاليف رعايتها”.

في المقابل، عانى أبو حسام من “أزمة المحروقات، وحاجتنا الماسة لحطب التدفئة وطهي الطعام، لا سيما في أشهر الشتاء”، ما دفعه إلى تحطيب أشجار أرضه على دفعات، كان آخرها “اقتلاع عشرة أشجار قبل شهرين”، وهي من أصل 120 شجرة زرعها في عام 2005. 

وبدوره، أقدم أبو محمد، 45 عاماً، على قطع أشجار الزيتون في أرضه، البالغ عددها 250 شجرة بعد أن يأس من استصلاحها، وكان قد تركها في عهدة أخيه منذ عام 2013 عندما لجأ مع عائلته إلى الأردن، حاله حال مئات آلاف السوريين الذين اتجهوا جنوباً إلى الدولة المجاورة.

في عام 2021، عاد أبو محمد إلى مسقط رأسه، فوجد أرضه “في حالة يرثى لها”، وعند استشارة مهندس زراعي “قال لي أن أشجاري تحتاج إلى عناية خاصة لمدة ثلاث سنوات، خلالها يجب حراثة الأرض وتسميدها وتقليم الأشجار وسقايتها، ولا قدرة لي على ذلك فقررت قطعها”، مشيراً إلى أن “اقتلاع الأشجار كان مأساة بالنسبة لي، لأنني أمضيت 20 عاماً في رعايتها” وليس من السهل التخلي عنها.

بعد اقتلاع الأشجار المثمرة، كالزيتون والرمان، يلجأ المزارعون إلى زراعة المحاصيل الموسمية باعتبارها أقل تكلفة وأسرع إنتاجاً، مثل الحبوب كالقمح والشعير أو البقوليات، وهو ما فعله أبو قاسم، الذي زرع أرضه هذا الموسم بالقمح والفول على أمل أن يحصل على “موسم جيد”. أما أبو حسام، يستعد لحراثة أرضه بهدف زراعتها بالقمح في الموسم القادم.

يتوقف موسم أبو قاسم على توفر المحروقات والأسمدة والمبيدات الحشرية، وكذلك معدلات هطول الأمطار، خاصة أن زراعة القمح في المحافظة الجنوبية تتأثر بالمتغيرات المناخية منذ عدة سنوات، ما انعكس أيضاً على القمح في درعا، التي عرفت تاريخياً باسم “أهراء روما”.

اقرأ: “أهراء روما”: هل يصمد القمح الحوراني في مواجهة المناخ والحرب؟

في مدينة إنخل، اقتلع نحو 80 بالمئة من المزارعين أشجارهم المثمرة، خلال السنوات الثلاث الماضية، لا سيما الزيتون، كما قال مهندس زراعي من المدينة لـ”سوريا على طول”، فضل عدم الكشف عن اسمه، مشيراً إلى أن “العديد منهم اتجه إلى زراعة الحبوب والبقوليات بشكل دائم، بينما استبدل بعضهم أرضه بأصناف مثمرة أخرى تكون أكثر مقاومة للعوامل المناخية والبيئية، وكذلك أكثر تكيفاً مع نقص المياه والأمراض”.

تأكيداً على ذلك، قال مسؤول في مديرية زراعة درعا لـ”سوريا على طول”: “تنتشر ظاهرة استبدال أشجار الزيتون والعنب بمحصول القمح والشعير”، ويعود ذلك إلى “عدم وجود مصادر مائية لسقاية الأشجار، لا سيما في الريف الشرقي من المحافظة، الذي شهد اقتلاع أشجار الزيتون في مساحات واسعة”.

غابة تسيل بريف درعاغابة تسيل بريف درعا

صورتان جويتان تظهران الحديقة الوطنية في بلدة تسيل غرب درعا، الصورة الأولى تعود لشهر آب/ أغسطس 2011 والثانية لتشرين الثاني/ نوفمبر 2022 (جوجل إيرث)

الأشجار الحراجية

قبل الأشجار المثمرة، استبيحت الأشجار الحراجية في سوريا، بما في ذلك محافظة درعا، وبلغ الاعتداء ذروته بقطع الأشجار الطرقية في شوارع المدن والبلدات، كما في حالة مدينة إنخل، إذ “لا يكاد يمر يوم إلا وألاحظ شجرة مقطوعة بشكل كامل أو أجزاء منها”، بحسب الشاب نعيم.

ومن مظاهر الاعتداء على الأشجار الحراجية في إنخل، قطع غالبية الأشجار المزروعة على حواف مجرى السيل المائي الموسمي الذي يمر بالمدينة، على مدار السنوات الماضية، وهذه الأشجار “كانت تحمي من انجراف التربة، وتمنع توسع المجرى أو انحساره”، وإذا حدث انجراف للتربة أو توسع مجرى النهر، قد تغمر المياه الأراضي الزراعية المجاورة والبيوت القريبة، في حالة كانت غزيرة، بحسب المهندس الزراعي أبو ياسين.

لا يساور نعيم، الشاب الثلاثيني، شك بأن قطع الأشجار اعتداء على البيئة، لكن “لأنك لن تستطيع أن ترى أطفالك يموتون من البرد، سوف تقطع شجرة حتى لو كان عمرها عشرات السنين”، كما قال لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن الفاعل لن يقدم على فعلته “لولا حاجته للحطب من أجل تأمين الدفء لأطفاله”.

يظهر في الصورة حفر صغيرة، وهي مواقع أشجار حراجية تعرضت للاقتلاع في بلدة المزيريب بريف درعا الغربي على يد مجموعات مسلحة محلية تمتهن قطع الأشجار، 20/ 03 / 2023 (تجمع أحرار حوران)

يظهر في الصورة حفر صغيرة، وهي مواقع أشجار حراجية تعرضت للاقتلاع في بلدة المزيريب بريف درعا الغربي على يد مجموعات مسلحة محلية تمتهن قطع الأشجار، 20/ 03 / 2023 (تجمع أحرار حوران)

في بلدتي المزيريب واليادودة بريف درعا الغربي، تمتهن ميليشيا محلية تتبع للأمن العسكري، يقودها حاتم ضرار الزعبي، قطع الأشجار في الأماكن العامة والمزارع الخاصة وتبيعها لتجار الحطب، بحسب تجمع أحرار حوران، الذي يرصد أخبار محافظة درعا.

وفي أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تعرضت “منطقة المشروع” قرب بلدة تل شهاب غرب درعا، لعمليات تحطيب واسعة طالت جميع الأشجار الحراجية في المشروع، من قبل مجموعة مسلحة يقودها أحمد فوزي الحشيش.

بحيرة المزيريبأشجار بحيرة المزيريب بريف درعا 2011

صورتان جويتان تظهران تعرض الأشجار الحراجية في محيط بحيرة المزيريب بريف درعا الغربي لعمليات اعتداء، الصورة الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 والثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 (جوجل إيرث)

تعليقاً على ذلك، قال وسيم الحمد (اسم مستعار)، من أبناء ريف درعا الغربي، أن عمليات التحطيب في الأحراش الحرجية، بما فيها المحيطة بالثكنات العسكرية التابعة للنظام، زادت وتيرتها منذ عام 2023 ومستمرة حتى الآن، مشيراً إلى أن حرش تل عشترة الواقع بين بلدتي تسيل وعدوان، وطريق مساكن جلين، وطريق المزيريب-اليادودة، ومركز البحوث في جلين وغيرها، “تشهد حالياً عمليات تحطيب لما تبقى فيها من أشجار”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

“من يقوم بالتحطيب أناس عاديين، ومجموعات تحت إمرة قادة سابقين من المعارضة وفصائل التسوية والأمن العسكري”، بحسب الحمد، متهماً “مجموعات من فصائل التسوية التابعة للأمن العسكري بقطع الأشجار الحراجية في غابة تسيل”.

وأيضاً، “يشهد الجزء الشرقي والجنوبي من حرش تل الحارة لعمليات تحطيب في هذه الأيام”، كما قال أبو إحسان، أحد أبناء مدينة الحارة لـ”سوريا على طول”. وكان الجزءان الجنوبي والغربي منه قد تعرضا لعمليات تحطيب واسعة في أواخر عام 2014.

وشدد أبو إحسان على أن التحطيب في جنوب سوريا، عملية ممنهجة تقودها قوات النظام، التي استعادت السيطرة على تل الحارة في صيف 2018، والميليشيات التابعة لها، قائلاً: “لا يستطيع أحد التحطيب من دون إذن أو غطاء منهم أو على الأقل العمل بالشراكة معهم”.

حرش تل الحارة درعا 2022غابة حرش تل الحارة 2011

صورتان جويتان تظهران حرش تل الحارة في ريف درعا الشمالي، الأولى تعود لتشرين الأول/ أكتوبر 2011 والثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 (جوجل إيرث)

قبل عام 2011، بلغت المساحة الإجمالية للمناطق الحرجية في محافظة درعا 10324 هكتار تحريج صناعي، إضافة إلى غابة طبييعية (غابة وادي معرية) مساحتها 300 هكتاراً، غالبية هذه المساحات الحراجية تنتشر في الريف الغربي من المحافظة، بحسب مصدر مسؤول في دائرة حراج درعا، التابعة لمديرية زراعة درعا في حكومة النظام.

تعرضت المواقع الحراجية لـ”تعديات كبيرة خلال سنوات الأزمة”، كما قال المصدر لـ”سوريا على طول”، لكن “انخفض حجم التعديات في العام الماضي عما كان عليه في السنوات الأولى”.

في عام 2023، نظمت دائرة حراج درعا 52 ضبطاً حراجياً في مخفري حراج درعا ونوى، غالبية هذه الضبوط كانت “ضد مجهول”، بحسب المسؤول من دائرة حراج درعا، مشيراً إلى أن “غالبية التعديات حدثت أثناء الليل على يد مجموعات مسلحة مجهولة”.

بعد وقوع الحدث تنظم الدائرة ضبطاً حراجياً، “ويبقى هذا الضبط مفتوحاً لحين معرفة الفاعل، ومن ثم تتابع المحاكم القضية حتى يتم اكتساب الدرجة القطعية للضبط، وإحالة الفاعل للقضاء”، بحسب المصدر.

وأرجع مسؤول في مديرية زراعة درعا، التابعة للنظام، انخفاض التعديات على المناطق الحراجية في عام 2023، مقارنة بالسنوات الأولى من الثورة السورية إلى “استعادة الدولة سيطرتها على المحافظة وضبط الفوضى فيها”، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول”، ومع ذلك توقع أن عدد التعديات “أكبر بكثير من عدد الضبوطات التي تم تسجيلها”.

خلافاً لرواية المصدرين التابعين للنظام، قال المهندس الزراعي أبو ياسين، أن عمليات الاعتداء على الأشجار العامة تزايدت بنسبة 90 بالمئة منذ عام 2019، أي تزامن هذا الارتفاع مع سيطرة النظام على المنطقة، عازياً ذلك إلى “غياب الرقابة ودور الجهات المختصة، وازدياد حاجة الأهالي لاستخدام الحطب بغرض التدفئة والطهي”.

تحتاج العائلة الصغيرة نحو 200 ليتر من وقود التدفئة كحد أدنى في موسم الشتاء، ويرتفع الرقم إلى 500 ليتر عند العائلات الكبيرة”، في الوقت الذي توزع حكومة دمشق “50 ليتر فقط، وقد تحصل عليه في بداية الشتاء أو نهايته حسب توفر الدعم، لذا لا يعتمد الأهالي على هذا الدعم من التدفئة”، بحسب أبو ياسين.

وبما أن “غالبية العائلات في المدينة من ذوي الدخل المحدود، وأكثر من 80 بالمئة منهم غير قادرين على شراء الوقود للتدفئة” يُدفع العديد من الأشخاص إلى “قطع الأشجار العامة في المدينة، وفي بعض الحالات يطال الاعتداء الأشجار المثمرة، وأعمدة شبكة الهاتف المصنوعة من الخشب”، وفقاً لأبو ياسين.

ومدينة جاسم هي الأخرى، “تعرضت 80 بالمئة من أشجارها العامة للاعتداء خلال سنوات الحرب”، كما قال المهندس الزراعي إبراهيم صياح (اسم مستعار)، مشيراً إلى أن ظاهرة الاعتداء على الأشجار “بما في ذلك الحراجية مستمر حتى الآن”.

لم تتمكن دائرة حراج درعا من إحصاء حجم الأضرار التي لحقت بالمناطق الحراجية خلال سنوات الحرب، بحسب المسؤول من الدائرة، مشيراً إلى أن دائرته تمكنت من “تجديد 70 بالمئة من المساحات المعتدى عليها خلال سنوات الأزمة”، ناهيك عن أن “بعض المواقع الحراجية جددت نفسها بعد قطعها، لأنها من عريضات الأوراق”، إذ إن “معظم حراج درعا من الأشجار عريضة الأوراق مثل الكينا (الأوكاليبتوس)”.

وأوضح المسؤول أن التعديات على المناطق الحراجية في محافظة درعا، تركزت في حرج تل الارة، ومحيط سحم الجولان، وجلين، والمزيريب، ونبع الفوار، وعلى طريق دمشق-درعا القديم.

صورتان تظهران تعرض الأشجار الحراجية في منطقة “جسر صيدا” بريف درعا الشرقي، للاعتداء، تعود الصورة الأولى لشهر تموز/ يوليو 2011 والثانية لشهر تموز/ يوليو 2022 (جوجل إيرث)

أين الدولة؟

في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2023، أصدر بشار الأسد القانون رقم 39 لعام 2023، المعروف بقانون “الحراج الجديد”، ويهدف القانون بحسب وسائل إعلام النظام إلى الحفاظ على الثروة الحراجية وإدارتها إدارة مستدامة والتشارك مع المجتمع المحلي ضماناً لحمايتها والاستفادة منها، وتشديد العقوبات لردع المخالفين وحماية المناطق الحراجية، ويخضع للقانون حراج الدولة والحراج الخاصة.

وتنص الفقرة أ من المادة 47 على: “يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة من خمسة أمثال إلى عشرة أمثال قيمة الضرر الحاصل كل من قلع أو أتلف أو قطع الأشجار أو الجنبات أو الجنيبات الحراجية في حراج الدولة دون ترخيص مسبق من الوزارة أصولاً”، أما من ارتكب الأفعال في الحراج الخاص دون ترخيص مسبق من الوزارة “يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة ضعف قيمة الضرر الحاصل”، كما جاء في الفقرة ب.

إما “إذا وقعت الأفعال المحددة في الفقرة (أ) من هذه المادة خارج حراج الدولة والحراج الخاصة، تكون العقوبة الغرامة مليون ليرة سورية عن كل شجرة أو جنبة أو جنيبة دون موافقة مسبقة من الوزارة أصولاً.

ومع أن قانون الحراج الجديد “شدد معظم العقوبات”، إلا أن “الدولة غير قادرة في الواقع على حماية الغطاء الأخضر، خاصة في المناطق الخارجة عن سيطرتها الحقيقية في درعا، كما في غابة تسيل التي تتعرض لتحطيب واسع، ولم تستطع الضابطة الحراجية من تنظيم أي ضبط فيها”، كما قال محامٍ في درعا لـ”سوريا على طول”، شريطة عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية.

وأوضح المحامي أن “عناصر مخافر الشرطة لا تستطيع ممارسة عملها خارج المخفر، حتى لو كان الأمر متعلق بمجرد بلاغ بسيط”.

لكن هذا لا ينفي أن “الدولة لا ترغب بمنع ظاهرة التحطيب لإثبات حالة الفوضى”، وأيضاً لأنها “غير قادرة على توفير وسائل التدفئة والطبخ للمواطنين”، بحسب المحامي، الذي أشار أيضاً إلى أن “المجتمع المحلي بدوره غير قادر على حماية الغطاء النباتي لعدم وجود جهة تنفيذية تحت تصرفه تمنع الناس من القطع الجائر”.

ولفت المحامي إلى أن الاعتداءات لا تقتصر على الأشجار الحراجية، وإنما “يقوم البعض بقص أشجار الزيتون وبيعها كحطب مسروق دون موافقة أصحابها”، ما دفع بعض المزارعين إلى “قطع أشجار أراضيهم بأنفسهم خوفاُ من سرقتها، ولعدم قدرتهم على سقايتها”.

لذلك، إذا كانت “الدولة” جادة في الحد من ظاهرة قطع الأشجار “يتوجب عليها تأمين وقود التدفئة والطهي للناس حتى تدفعهم إلى الاستغناء عن التحطيب”، وفقاً للمحامي.

مزارع جنوب إنخل درعامزارع جنوب مدينة انخل درعا 2011

صورتان جويتان توضحان إزالة العديد من الأشجار المثمرة في جنوب مدينة إنخل بريف درعا الشمالي، الصورة الأولى تعود لشهر آب/ أغسطس 2011 والثانية في كانون الأول/ ديسمبر 2022 (جوجل إيرث)

تأثير التحطيب على البيئة والمناخ

تكمن أهمية الأشجار المثمرة أو الحراجية في كونها تمتص غاز ثاني أوكسيد الكربون وملوثات أخرى من الهواء وتطرح غاز الأوكسجين، الضروري لعمليات التنفس، إضافة إلى كونها تعطي منظر جمالي وسياحي، ناهيك عن العوائد الاقتصادية من ثمارها، بحسب المسؤول من مديرية زراعة درعا.

“وتعمل الأشجار على تكوين بيئة نظيفة والحفاظ على توازن درجات الحرارة لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، حيث نلاحظ أن المساحات المشجرة تكون ذات جو ألطف”، وفقاً للمسؤول.

وكذلك، تلعب الأشجار دوراً رئيسياً “في مواجهة تغير المناخ، فكلما زادت مساحة الأشجار والغابات والمواقع الحراجية في منطقة ما، كانت كميات الأمطار أفضل، والمناخ جيد”، وفقاً للمسؤول من دائرة حراج درعا.

وتنعكس عمليات التعدي على الأشجار على حالة الطقس، بحسب المهندس الزراعي إبراهيم صياح، مشيراً إلى أن القضاء على الأشجار يسهم في “زيادة برودة الشتاء، وارتفاع الحرارة خلال الصيف”.

وإذا قصرت الحكومة في الحد من عمليات التحطيب، يتعين عليها “تنفيذ حملات تشجير، وتشجيع الأهالي على التشجير الحراجي عبر توزيع الشجيرات بالمجان”، وفقاً لصياح.

واتفق المهندس الزراعي أبو ياسين مع ضرورة التشجير، مشيراً إلى أن آخر عملية تشجير وتوزيع للشجيرات الحراجية في مدينته إنخل جرت قبل سيطرة النظام السوري على المدينة في صيف عام 2018، نفذها مجلس محافظة درعا الحرة التابع للمعارضة.

من جهته، قال د.يوسف مسلماني، كبير خبراء جودة الهواء وتغير المناخ في “بيرو فيرتاس” (Bureau Veritas) أن “الغابات والأشجار هي رئة المدن التي تتنفس منها، وهي جالبة للأمطار”، لذا فإن قطع الأشجار والتعدي على الغابات يعني “أراض قاحلة قابلة للتصحر، وذات مناخ متقلب صيفاً وبارد شتاء”.، كما قال لـ”سوريا على طول”.

وأضاف مسلماني: “تساعد الأشجار في تخفيف آثار التغير المناخي”، لذلك “تجد في المدن الغربية هناك اشتراطات وتوزيع لنسبة المساحات الخضراء في المدينة، بينما في مدننا المساحات الخضراء غير موجودة بشكل كافٍ أساساً”.

ولا يجد مسلماني مبرراً بأن يتجه المزارعون إلى “استبدال الأشجار المثمرة بالمحاصيل الموسمية، لأن الأخيرة تبقى خضراء لموسم محدد، خلافاً للأشجار التي قد تستمر لفترة أطول أو على مدار العام”. ومع ذلك “قبل محاسبة الناس يجب أن نوفر البدائل المستدامة”، بحسب مسلماني مشدداً على أن “البيئة والفقر لا يجتمعان”.

يعترف أبو قاسم بالتداعيات السلبية بيئياً ومناخياً، التي تسبب بها بقطع أشجار بستانه، ناهيك عن ارتباطه بها “أعرفها شجرة شجرة”، لكن “كان عليّ التضحية بأشجاري أو ولدي، فاخترت مستقبل ولدي”.

شارك هذا المقال