5 دقائق قراءة

تفشي حمى التيفوئيد في الباب بعد تسرب مياه الصرف الصحي إلى آبار المدينة

قالت مصادر على الأرض لسوريا على طول، أن معقلا سابقا […]


قالت مصادر على الأرض لسوريا على طول، أن معقلا سابقا لتنظيم الدولة، شمال حلب يواجه حاليا أزمة صحية عامة “تتجاوز قدرات المدينة”، حيث يعاني عشرات السكان يوميا من حمى التيفوئيد نتيجة للمياه الملوثة.

ومن المحتمل أن يكون سبب الانتشار هو مياه شرب ملوثة من الآبار المؤقتة داخل مدينة الباب، التي ما تزال تعاني من آثار المعارك التي استمرت على مدى أشهر، حيث قامت قوات المعارضة وبدعم من الجانب التركي بطرد تنظيم الدولة من آخر معقل له شمال سوريا، في وقت سابق من هذا العام.

وقاتل الجيش السوري الحر، بدعم من تركيا وضربات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، لمدة ثلاثة أشهر ونصف من أجل السيطرة على المدينة، التي تقع على بعد 40 كم شمال شرق حلب و30 كم جنوب الحدود السورية مع تركيا.

 مدينة الباب في 29 آذار. تصوير: زين الرفاعي. 

ووفقا للأمم المتحدة، فر ما يقدر بـ30 ألفا من أصل 150 ألفا من سكان المدينة، قبل انسحاب تنظيم الدولة، في أواخر شباط، جراء الضربات الجوية وحكم تنظيم الدولة المتشدد.

ووجد أولئك الذين عادوا إلى الباب بعد طرد تنظيم الدولة منها أن المدينة أصبحت شبه مدمرة بالكامل. وتخضع المدينة حاليا لسيطرة فصائل الجيش السوري الحر المدعوم من الجانب التركي. كما انتشرت الألغام الأرضية، التي زرعها مقاتلو التنظيم قبل فرارهم، في الشوارع، واكتشف السكان أن منازلهم دمرت بسبب القصف كما نهب المسلحون الذين انسحبوا من المدينة ممتلكاتهم الشخصية.

وقال أحد المواطنين الذين عادوا إلى الباب، لسوريا على طول، في آذار، أن “75%” من المدينة تحول إلى ركام.

وبالرغم من ذلك، عاد عشرات الآلاف من السكان إلى منازلهم في الباب في شباط وآذار، بينما بدأت المعارك في الشرق لتهيئة الظروف اللازمة لتفشي حمى التيفوئيد الحالية.

وفي تلك الأثناء، شنت القوات الموالية للنظام السوري، في شمال محافظة حلب، حملة خاصة منفصلة لانتزاع السيطرة على عدد كبير من البلدات والقرى من تنظيم الدولة، خارج الباب. وفي مطلع آذار، سيطرت قوات النظام على مئات الكيلومترات من الأراضي الزراعية على طول الضفة الشرقية لنهر الفرات.

ومن بين المكاسب التي حققتها قوات النظام في آذار، السيطرة على محطة ضخ المياه الرئيسية الواقعة على بعد 45 كم تقريبا جنوب شرق الباب، والتي كانت تشكل المصدر الوحيد والآمن للمياه في المدينة.

وبالرغم من أن وسائل الإعلام الموالية للنظام، أوردت بعد ذلك أن محطة ضخ المياه عادت للعمل من جديد، يقول الناس في الباب أن المياه لا تصل إليهم.

مدينة الباب، يوم الثلاثاء. تصوير: مالك طالب.

وقال أحد الناشطين، طالبا عدم الكشف عن هويته، لسوريا على طول، أنه بغياب مصدر فعال للمياه، فإن سكان الباب “يعتمدون حاليا على مياه الآبار لعدم توفر المياه”.

وحُفرت هذه الآبار الأساسية مع عدم وجود معرفة تقنية كافية بالمواقع المناسبة لها.

حيث أقيمت بعض الآبار مباشرة فوق ما تبقى من شبكة الصرف الصحي في المدينة، وفقا لما ذكرته مصادر متعددة لسوريا على طول. ونتيجة لذلك، تتسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه المستخدمة للشرب والطبخ والتنظيف في المنازل.

وقال الناشط، من الباب، “ظهرت منذ فترة إصابات بالحمى التيفية في المدينة سببها الرئيسي المياه الملوثة”.

في السياق، قال الدكتور محمد إسماعيل، دكتور داخلية موجود في مدينة الباب منذ تحريرها، ويمتلك عيادة خاصة، حيث يعالج 10-15 حالة جديدة مصابة بالتيفوئيد يوميا، أن المسبب للمرض هو جرثومة السلمونيلا التي تنتقل عن طريق الفم وعن طريق تناول المياه أو الطعام الملوث، وهذا يعني أن شرب المياه التي تتسرب إليها مياه الصرف الصحي، في الباب، هو السبب المحتمل لتفشي حمى التيفوئيد.

وعيادة الدكتور إسماعيل هي واحدة مما لا يقل عن 10 عيادات طبية فُتحت في الباب، منذ انسحاب تنظيم الدولة من المدينة.

وأوضح الطبيب لسوريا على طول بأن حجم تلوث المياه “يتجاوز قدرات المدينة”.

وبقي نظام الرعاية الصحية في المدينة من بين الأنقاض التي خلفتها المعارك في الباب، وقبل أن يبدأ الجيش السوري الحر وحلفاؤه معركتهم في أواخر العام الماضي، للسيطرة على المدينة، منع مقاتلو التنظيم أي شخص فيما عدا “أفراد عائلاتهم وعناصرهم”، من الحصول على الرعاية الطبية، بحسب ما قاله عبد السلام أبو عصام، 37 عاما، لسوريا على طول، في شباط.

واليوم، وبعد انتهاء حكم تنظيم الدولة، أصبحت الرعاية الصحية متاحة للجميع، ولكن لا يوجد سوى مستشفى وعيادة عامة واحدة ما تزال قائمة لعلاج عشرات سكان المدينة الذين يعانون من حمى التيفوئيد، ويتوجب على الآخرين التوجه إلى عيادات خاصة كعيادة إسماعيل، في ظل نقص الأدوية والمعدات الذي تعاني منه العيادات العامة والخاصة على حد سواء.

ويُعالج التيفوئيد عادة باستخدام المضادات الحيوية التي تقتل البكتيريا المسببة للمرض، إلا أن تحليلي الدم والبول، اللذين كان يستخدمهما إسماعيل لتشخيص حمى التيفوئيد “غير متوفران حاليا”.

وقال الطبيب إن المرافق الطبية في الباب “غير جاهزة وغير مخدمة (…) مما أدى لانتشار الأمراض والأوبئة بداية من الحمى التيفية”.

“أخشى إصابتهم بالمرض”

يعد تفشي الحمى التيفية في الباب، آخر أزمة صحية في سوريا، بعد أن أنهكت الحرب نظام الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد.

إلى ذلك، حذرت منظمة الصحة العالمية، في مطلع عام 2013، من أن الحرب “ستشكل خطرا محتملا لتفشي الأمراض”، ووفقا للبيان نفسه، فإن ما يصل إلى 70% من القوى العاملة في المجال الطبي، في سوريا، فرت من البلاد بحلول صيف عام 2013.

السكان يضخون المياه من أحد الآبار المؤقتة في الباب، يوم الثلاثاء. تصوير: بهاء الحلبي.

وفي ذلك، قال الدكتور جواد محجور، مدير قسم الوقاية من الأمراض ومكافحتها في المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، في بيان عام 2013 “نتوقع انتشار عدد من المخاطر الصحية الناتجة عن الأمراض المنقولة عن طريق المياه، وتحديدا التهاب الكبد الوبائي والتيفوئيد والكوليرا والزحار”.

والآن، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات، أصبح نظام الرعاية الصحية “ضحية” للصراع، حيث تفتقر المرافق الطبية في جميع أنحاء البلاد “إلى المياه النظيفة والكهرباء والإمدادات الطبية والجراحية الكافية”، وذلك بحسب بيان صحفي صادر عن منظمة الصحة العالمية في آذار 2017.

ويقول سكان الباب العالقين وسط أزمة الرعاية الصحية الخاصة بهم، إن لديهم عددا محدودا من البدائل لتجنب المرض. ولا تستطيع العيادات في المدينة أن تقدم الكثير للمساعدة، كما أن أسعار المياه المعبأة ارتفعت بنسبة 50% في الأسابيع الأخيرة، مما يجعلها رفاهية بالنسبة لمعظم الناس.

أم عبدو، هي أم لا تستطيع شراء المياه المعبأة لطفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات. وفي الأسبوع الماضي، بدأت تظهر أعراض المرض على الطفل “إقياء، وارتفاع درجة حرارته، وألم في المعدة”، وبعد ثلاثة أيام، أخذته إلى طبيب شخص حالته بحمى التيفوئيد.

وقالت أم عبدو “ورجح الطبيب سبب الإصابة بالمرض من المياه”.

الآن، وبعد أسبوع من ظهور أعراض المرض، قالت أم عبدو أن ابنها لم يتحسن.

أما مالك طالب، وهو أب يبلغ من العمر 30 عاما في الباب، فكان أكثر حظا. مالك موظف في مكتب للصرافة والحوالة، وهو ما يزال قادرا على تحمل عبء ثمن كميات صغيرة من المياه المعبأة لطفلته في محاولة لتفادي الإصابة بالتيفوئيد.

وأصيب أطفال شقيقة طالب بمرض التيفوئيد في الأسابيع الأخيرة، بعد شرب مياه الآبار الملوثة. حيث دفعته إصابة أبناء شقيقته إلى شراء المياه المعبأة “خوفا من إصابتها (طفلتي) بالمرض”.

وختم مالك قائلا “أنا أخشى من إصابة طفلتي وزجتي”.

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال