5 دقائق قراءة

تهديدات تركية لشرق الفرات والتفجيرات والاغتيالات غربه (خريطة تفاعلية)

عمان- رغماً عنهما، تحول العدوان اللدودان في شرق الفرات؛ "تنظيم الدولة" (داعش) وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) الذي يشكل العمود الفقري لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إلى شريكين غرب النهر. 


8 أغسطس 2019

عمان- رغماً عنهما، تحول العدوان اللدودان في شرق الفرات؛ “تنظيم الدولة” (داعش) وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) الذي يشكل العمود الفقري لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إلى شريكين غرب النهر. 

سبب ذلك هو تحميل فصائل في المعارضة السورية لكل من “داعش” و”بي واي دي” المسؤولية عن التفجيرات والاغتيالات التي تشهدها مناطق غرب الفرات التي تسيطر عليها تلك الفصائل المدعومة من تركيا، وتتوزع بين ما يسمى منطقة “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، نسبة إلى العمليتين العسكريتين اللتين تم تنفيذهما غرب الفرات، في العامين 2016 و2018، على التوالي، بالتنسيق بين تركيا والمعارضة السورية، للقضاء على الوجود العسكري الكردي فيهما.

وتشهد منطقة غرب الفرات عمليات تفجير واغتيالات مستمرة. إلا أن هذه العمليات شهدت ارتفاعاً ملحوظاً منذ مطلع تموز/يوليو الماضي. الأمر الذي يعزوه البعض إلى التوتر المتصاعد بين تركيا و”قسد” مع تزايد تهديدات أنقرة بتنفيذ عملية عسكرية شرق الفرات.

إذ يرى مسؤول أمني في منطقة “غصن الزيتون” تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه، أن “ارتفاع وتيرة التفجيرات [غرب الفرات] يأتي بعد كل حديث عن تحرك عسكري للجيش السوري الحر باتجاه مناطق “بي واي دي”. لذلك يكون هناك نشاط كبير [لمسلحي الحزب] لزعزعة الأمن في المنطقة”.

مقراً باستهداف مناطق “بي واي دي”، لكن “أعمالنا تقتصر على المقرات العسكرية والأمنية والشخصيات القيادية العسكرية للتنظيم”، بخلاف قيام “بي واي دي” باستهداف “المدنيين والأسواق والأماكن العامة من دون أي اعتبار لحياة المدنيين من أجل خلق حالة فوضى وعدم استقرار في مناطق سيطرتنا” كما يقول.

كما إن المستهدف بالتفجيرات والاغتيالات ليست فصائل المعارضة السورية فحسب، بل تمثل تلك العمليات “رسالة للعالم بأن تركيا غير قادرة على ضبط الأمن في المناطق التي تشرف عليها، عدا عن خلق حالة من الخوف والهلع في نفوس المواطنين”، كما يقول قائد الشرطة والأمن العام في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، محمد الضاهر، لـ”سوريا على طول”، متهماً “استخبارات عالمية” أيضاً في الضلوع في إثارة الفوضى في المنطقة.

وكانت الشرطة الحرة بمناطق “درع الفرات” بثت، في وقت سابق، اعترافات لمن وصفته بأنهم عناصر في “خلايا إرهابية” تم تجنيدهم من قبل “قسد” لتنفيذ تفجير في مناطق حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة. 

وبحسب مدير الدفاع المدني في حلب الحرة، إبراهيم الحاج، بلغ عدد التفجيرات التي ضربت مناطق متفرقة من “درع الفرات” و”غصن الزيتون” منذ بداية تموز/يوليو الماضي وحتى يوم أمس 7 أغسطس، “16 تفجيراً من أصل 50 تفجيراً وقع منذ بداية العام الحالي، والتي توزعت على مناطق الباب واعزاز وعفرين وجرابلس وقباسين وتل بطال والغندورة والباسوطة وجنديرس. فيما بلغ عدد الشهداء من المدنيين والعسكريين منذ تموز/ يوليو الماضي، 19 شهيداً، بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى 113 مصاباً”.

لكن ليست “قسد” وأحزاب كردية هي المتهم الوحيد بالضلوع في التفجيرات المتكررة في مناطق غرب الفرات التي تشرف عليها تركيا، إذ تبدو واضحة أيضاً بصمة تنظيم داعش، باعتراف أنقرة ذاتها.

ففي آب/أغسطس الحالي، أعلنت وزارة الداخلية التركية في بيان نقلته وكالة الأناضول، تمكن قوات الدرك والاستخبارات التركية وقوى الأمن المحلية في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، في عملية مشتركة، من ضبط طن من المتفجرات بحوزة خلايا تتبع داعش.

وتعد مدينة الباب والمناطق المحيطة بها، الأكثر استهدافاً بالمفخخات، نتيجة “كونها مفتوحة على مساحات كبيرة وهناك أكثر من مدخل يؤدي إليها. كما إنها تحوي مقرات عسكرية كثيرة، لذلك يصعب ضبطها أمنيا بالشكل المطلوب”، كما يوضح الضاهر.

ويقر، أيضاً،  بوجود “احتمالية إدخال بعض عناصر الجيش الحر المناوبة على مداخل البلدة بعض الآليات المشبوهة من دون تفتيشها طمعاً بمكاسب مادية من دون علمهم بوجود مواد متفجرة داخلها”. مستدركاً بأن “أي عنصر يثبت تورطه في أي عملية تفجير يتم تحويله إلى القضاء العسكري كي ينال جزاءه”.

لكن بحسب المسؤول الأمني الذي طلب عدم كشف هويته، أظهرت التحقيقات “أن أغلب الخلايا التي تم ضبطها وإثبات ضلوعها في التفجيرات، هي خلايا تابعة لتنظيم “ب ك ك” بالدرجة الأولى. فيما بعضها ينتمي لداعش”. مؤكداً أن “جميع المتورطين خضعوا للمحاسبة عبر القضاء العسكري”.

وإضافة إلى التفجيرات التي تستهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا، شهدت الأشهر الماضية تعرض مقاتلين وقادة عسكريين في “درع الفرات” و”غصن الزيتون” لعمليات اغتيال بمفخخات أو إطلاق نار مباشر، وحتى الخطف ومن ثم القتل.

التعايش مع خطر الموت

للحفاظ على سلامته، يعمد رئيس مجلس محلي جرابلس، عبد خليل، إلى تغيير مواعيد خروجه إلى العمل وعودته إلى المنزل. كما يضع سيارته في كراج خاص ويغلق عليها، خاصة بعد أن وصلته تهديدات كونه مسؤولاً في مناطق درع الفرات، “من قبل عصابات “بي واي دي” التي سبق وأن وضعت عبوات ناسفة في سيارات مسؤولين من أعضاء المجلس المحلي”. 

ويضيف لـ”سوريا على طول” بأن “هناك مفرزة شرطة خاصة لحمايتي ولحراسة مقر المجلس المحلي. والحمد لله الإجراءات الأمنية كانت جيدة”.

لكن مثل هذه الإجراءات الاستثنائية لا تتوفر للمواطنين العاديين، ما يجعل المفخخات، بوصف جودي عرش، المهجرة من حي الوعر بحمص وتقيم حالياً في مدينة الباب، “معاناة كبرى للمدنيين”. 

وكما توضح لـ”سوريا على طول”، فإنه “عندما كنا في حي الوعر، وبالرغم من أننا كنا نهاجم بأنواع الأسلحة كافة من طيران وقذائف، فإن المعاناة كانت أقل لأننا نعرف من يهاجمنا ومتى سيكون هناك قصف تبعا للصوت، فكنا نستطيع أخذ الحيطة والحذر بالنزول لأماكن منخفضة والابتعاد عن النوافذ والمناطق المفتوحة”. أما في حالة المفخخات، فـ”ليس هناك إجراءات مضمونة لحماية أنفسنا. لكننا غالباً أصبحنا نتجنب الوقوف في الأماكن المزدحمة، وكل منا غيّر روتين حياته فيما يتعلق بالخروج من المنزل والأماكن التي سيمر بها. ونحاول الحرص دائما على إبلاغ الشرطة عن أي سيارة مشبوهة”.

مؤخراً، كثفت الأجهزة الأمنية، بالتعاون مع الدفاع المدني والمجالس المحلية غرب الفرات، جهودها لضبط الواقع الأمني من خلال مجموعة إجراءات وقرارات، منها بحسب الضاهر، “تشكيل فرق أمنية من الفصائل إلى جانب الشرطة العسكرية لمتابعة الخلايا النائمة، وتعزيز الحواجز بأشخاص يملكون حساً أمنيا عالياً، ونصب الحواجز الطيارة [المؤقتة]. كذلك طالبنا المجالس المحلية بتسجيل السيارات والدراجات النارية، ومنحها لوحات بشكل نظامي، للحد من ظاهرة السيارات المجهولة الهوية”.

كذلك، يسعى الدفاع المدني في حلب، بحسب مديره، إلى “توعية المدنيين بضرورة الإبلاغ عن أي شيء مريب يشعرون به، أو أي آليات مركونة بالقرب من مناطق حساسة، وعدم التجمع في الأماكن العامة عند حدوث الانفجارات، حرصاً منا على سلامتهم كي لا ينفّذ تفجير مزدوج في المكان نفسه”.

مع استمرار الفلتان الأمني، لا يملك المدنيون خياراً سوى التأقلم مع الوضع القائم، كما يقول محمد مطيع المقيم في مدينة أعزاز، “فهم لا يستطيعون الخروج إلى مكان أكثر أمناً، لا إلى تركيا ولا حتى إلى مناطق النظام”. 

ورغم القلق الدائم من أن “تنفجر مفخخة بقربي وأموت في أي لحظة، إلا أنني لا أستطيع البقاء في منزلي؛ فلدي أسرة وأطفال يجب أن أعمل وأؤمن لهم متطلباتهم”.

شارك هذا المقال