5 دقائق قراءة

جريمة “داعش” المستمرة: مقابر جماعية لمجهولي الهوية شمال شرق سوريا

حتى الآن، تم فتح "22 مقبرة [في شمال شرق سوريا] واستخراج حوالي 3,800 جثة منها، تضاف إليها الجثث التي أخرجت من تحت الأنقاض والتي وجدت في الشوارع"


عمان- يلخص حجم المأساة التي خلفها تنظيم “داعش” في سوريا، من خلال جرائمه الجماعية كما ذرائعها وأساليب تنفيذها، أن صار أقصى أماني العديد من الأهالي معرفة مصير مفقوديهم خلال فترة سيطرة التنظيم على شمال شرق سوريا. فالمهم بالنسبة لمحمد مسلم الآن، كما قال لـ”سوريا على طول”، هو “معرفة مصير ابني إن كان من بين الضحايا أو ما يزال على قيد الحياة”.

ويتصاعد وجع السؤال بشأن مصير المفقودين مع كل اكتشاف لواحدة من مقابر “داعش” الجماعية الكثيرة، وآخرها تلك التي أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش” كشفها في شمال محافظة الرقة، قبل أيام، وباتت تعرف بمقبرة الهوتة. علماً أن ظهور المقبرة للعلن، بحسب تقرير “هيومن رايتس ووتش”، يعود فعلياً إلى العام 2014، من خلال تسريب صاحب مقهى انترنت تسجيلاً مصوراً للهوتة حصل عليه خلال صيانته كمبيوتر أحد أعضاء “داعش” في ذلك العام.

وقد تم تحديد مكان المقبرة، كما ذكرت سارة كيالي، الباحثة في “هيومن رايتس ووتش”، لـ”سوريا على طول”، من خلال “مقابلات مع سكان محليين وصور من الأقمار الصناعية”. تبع ذلك زيارة فريق المنظمة للموقع في العام 2017، حيث اكتشف ست جثث لأشخاص “ألقي بهم في الحفرة بعد خروج “داعش” من المنطقة”، وفقاً لكيالي، مع توقع “وجود مئات الجثث في الحفرة، بناء على المقابلات ومساعدة أحد خبراء الجيولوجيا ومن خلال تركيبة المنطقة وحجم المياه في البئر”.

وتقع منطقة الهوتة جنوب بلدة سلوك التابعة إداريا لمدينة تل أبيض في محافظة الرقة. وفيما بدأ عمل “هيومن رايتس ووتش” إبان وجود قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هناك، تخضع المنطقة حالياً لسيطرة فصيل أحرار الشرقية المنضوي في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والذي سيطر على المنطقة نتيجة عملية نبع السلام التي أطلقها الجيش التركي والجيش الوطني السوري، في 9 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ضد “قسد” شمال شرق سوريا. ومن ثم، تحمل كيالي تركيا مسؤولية “حماية الأدلة”، مشيرة إلى أن “هيومن رايتس ووتش” ستقوم “بالتواصل مع الجهات المسيطرة على المنطقة حالياً”. 

الكشف عن مصير المفقودين

اختطف ابن محمد مسلم، ويس، في 25 آب/أغسطس 2013، وكان يبلغ من العمر آنذاك 19 عاماً، في منطقة خربة هدلة التابعة لمحافظة الرقة، خلال فترة سيطرة فصيل أحرار الشام وثوار الرقة وجبهة النصرة التي أصبحت تعرف الآن باسم “هيئة تحرير الشام”. 

عقب سيطرة “داعش” على المنطقة، كما روى الأب مسلم، و”فشل كل محاولات الإفراج عن [ابني]، التقيت بشخصيات من داعش قالوا لي إنه موجود عندهم، لكنهم طلبوا مني أن لا أعاود السؤال عنه”، ووعدوا بالإفراج عنه “عندما ندخل عين العرب [مدينة المختطف] ونحرر المنطقة. وهو ما لم يحدث”. ومع طول مدة اختفاء ابنه، يتخوف مسلم من “تعرض ملامح الضحايا للضياع، بحيث يصعب التعرف عليهم”.

ويتولى فريق الاستجابة الأولية (الدفاع المدني) في محافظتي الرقة ودير الزور عملية البحث عن المخطوفين والمفقودين، والبحث عن المقابر الجماعية التي خلفها “داعش”. إلا أن الفريق الذي تشكل أصلاً لمكافحة الحرائق وتقديم الإسعافات الأولية وانتشال الجثث من الشوارع، “وجد نفسه يفتح مقابر جماعية ويستخرج جثثاً من دون أي دعم تقني أو معدات ضرورية لهذا الموضوع”، كما قال مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، محمد العبد الله. فيما تعذر على “سوريا على طول” الحصول على تعليق من فريق الاستجابة الأولية حتى نشر هذا التقرير.

ويقدر عدد المفقودين والمختطفين في المناطق التي كانت خاضعة لـ”داعش” شمال شرق سوريا “بحوالي خمسة إلى سبعة آلاف شخص”، بحسب العبد الله، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن ليس “كل المفقودين في مناطق داعش خطفهم التنظيم، بل هناك آلاف قتلوا بضربات التحالف [الدولي لمحاربة داعش]، لاسيما في حالة موت العائلة بكامل أفرادها، بحيث أصبحوا في عداد المفقودين لذويهم  خارج سوريا أو في مدن أخرى”.

وكان المركز السوري للعدالة والمساءلة قد أعلن في 13 شباط/فبراير الماضي، عن إطلاق برنامج الأشخاص المفقودين في شمال وشرق سوريا، بالتعاون مع الفريق الأرجنتيني لأنثروبولوجيا الطب الشرعي (EAAF). ويعتبر هذا البرنامج الأول من نوعه في سوريا، باعتماده تقنيات الطب الشرعي “لفتح المقابر الجماعية ومحاولة التعرف على الضحايا، كما إيصال المعلومات للأهالي”، بحسب العبد الله.

ويشرف الفريق الأرجنتيني مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على تدريب فريق الاستجابة الأولية وفق معايير دولية في البحث عن الجثث واستخراجها، وإجراء مقابلات مع شهود من محيط المنطقة، في “محاولة ربط احتمال وجود مقابر في أماكن كانت فيها معارك قريبة” كما قال العبدالله. إضافة إلى “التدريب على كيفية استخراج الجثث وتوثيقها، لأن أي خطأ في الاستخراج سيتسبب في ضياع أدلة معالم الجريمة، وتفويت فرصة التعرف على الجثة”. 

ويستعد فريق الاستجابة الأولية مع فريق الطب الشرعي، كما ذكر العبد الله، لإطلاق تحقيقات ميدانية وعسكرية تم تأجيلها بسبب جائحة كورونا، هي عبارة عن تحليل عسكري ميداني لكل واقعة قتالية حصلت في المنطقة، يتضمن تسجيل تواريخ هذه المعارك وتحليلها ووضعها على خريطة بشكل واضح، ثم مقارنتها بالبيانات التي تأتي من المقابر، ليقوم الفريق بالربط بين عمر المعركة وعمر الجثة من قبل الخبير الشرعي، مثل تفسخ اللحم والجلد والعظم والملامح. وكل هذه المعلومات تساعد على تضييق نطاق البحث. كما “تم أخذ عينات من الجثث التي تم استخراجها بعد نيسان 2019، من عظم الفخذ والأسنان والشعر، وهي العينة الأساسية التي سيتم الاعتماد عليها في المطابقة لاحقاً مع الأهالي وأخذ عينات منهم باعتبار أن تحاليل “دي إن إيه” (DNA) مكلفة ومعقدة ولا يوجد معدات داخل سوريا”.

وحتى الآن، كما كشف العبدالله”، تم فتح “22 مقبرة [في شمال شرق سوريا] واستخراج حوالي 3,800 جثة منها، تضاف إليها الجثث التي أخرجت من تحت الأنقاض والتي وجدت في الشوارع”. فيما يتوقع فريق الطب الشرعي وجود “5,600 جثة، قرابة 2,000 جثة منها قتل أصحابها بضربات التحالف الدولي”.

يشار هنا إلى أن مفهوم المقابر الجماعية، كما أوضح العبدالله، يشير إلى ثلاثة أنواع: 1- مقابر فيها أشخاص مكبلون ومرميون بشكل عشوائي ومكدسون فوق بعضهم بعضاً، بما يدلل على تعرض الضحايا لإعدام ميداني. 2- مقابر مقاتلي “داعش” الذين تم دفنهم بطريقة منظمة، لكنهم مجهولي الهوية إذ كتبت على القبر ألقابهم، أي أبو فلان. 3- المقابر غير الرسمية لكنها معروفة، حين يتم دفن أشخاص، يتراوح عددهم عادة بين 5 و6، في حديقة منزل أو في الجامع أو في حديقة عامة، بسبب ظروف المعارك وصعوبة الوصول إلى المقابر الرسمية. ولا يعتبر المدفونون في هكذا مقابر مفقودين.

وتقدم الحكومة الأميركية الدعم المادي الأشخاص المفقودين في شمال وشرق سوريا، كونها تلعب الدور الأساسي في المنطقة، إضافة إلى أن “جزءاً من الضحايا وجدوا في الشوارع أو تحت انقاض أبنية عقب قصف التحالف الدولي” بحسب العبد الله.

“معرفة الأهالي مصير ذويهم وطي ملف عذاب انتظارهم” هو بداية تحقيق العدالة، كما قال العبدالله. أما استكمالها فيكون، بحسب مسلم، في تقديم “كل من ارتكب جرائم وانتهاكات من أي جهة أو فصيل، للمحاكمة، رغم مشوارها الطويل”.

شارك هذا المقال