7 دقائق قراءة

حراك السويداء: مستقبل ضبابي يفرضه “تجاهل” النظام

في حراك السويداء، وهو الأطول والأكثر تنظيماً وانتشاراً بالنسبة للمحافظة، التي رفعت سقف مطالبها حدّ "إسقاط النظام" ورحيل رموزه، يستمر الأخير في "التجاهل"، ويراهن المتظاهرون على قدرتهم على الصمود.


6 أكتوبر 2023

باريس- يستمر حراك محافظة السويداء، جنوب سوريا، منذ منتصف آب/ أغسطس الماضي، في احتجاجات هي الأطول والأكثر تنظيماً وانتشاراً بالنسبة للمحافظة، التي رفعت سقف مطالبها حدّ “إسقاط النظام” ورحيل رموزه، وإيجاد حل سياسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254.

وعلى عكس سياسة “القمع”، التي اتبعها منذ اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، للرد على معارضيه، يواصل النظام السوري التعامل مع السويداء بمبدأ “التجاهل”، رغم تفاعل المجتمع الدولي مع الحراك، وتواصل مسؤولين غربيين مع شيخ العقل الأول للموحدين الدروز في سوريا، حكمت الهجري.

تجاهل النظام “هو ما نريده” قال حسان أبو عسلي، أحد المشاركين في احتجاجات السويداء لـ”سوريا على طول”، قائلاً: “نحن مستمرون في حراكنا، الذي يُنقل عبر مختلف وسائل الإعلام، لذا فليستمر هو في التجاهل، وسوف نستمر نحن في التظاهر”.

وأضاف أبو عسلي: “النظام يراهن على الوقت، ونحن نراهن على قدرتنا على الصمود” مؤكداً استمرار الاحتجاجات “لأن الرجوع انتحار”، على حد وصفه. لكن استمرار النظام بسياسته هذه يدفع إلى التساؤل عن مستقبل استمرار السويداء، وقدرة النظام في الاستمرار بـ”التجاهل”.

المراهنة على الوقت

بطريقة غير مباشرة، تسعى دمشق إلى إسكات تظاهرات السويداء “عبر شخصيات اجتماعية وأمنية من أبناء المحافظة بضرورة التوقف عن التظاهر”، كما قال لـ”سوريا على طول”، ريان معروف، مدير تحرير شبكة السويداء 24 -مؤسسة إعلامية محلية-، ما يعني أن “النظام لم يتجاهل الحراك، وإنما يتعامل معه بطريقة مختلفة عن باقي المحافظات السورية، نظراً لحساسية السويداء”.

وبالتوازي مع ذلك، حاول النظام “خلق شارع مقابل شارع في المحافظة، أي أن يحشد مسيرة موالية عبر شخصيات موالية له وأعضاء في حزب البعث، مقابل مظاهرات السويداء”، كما حدث في أيلول/ سبتمبر، لكنه “فشل أيضاً”، بحسب معروف.

ومن خلال هاتين السياستين، يتضح أن النظام يراهن على الوقت ويأس الناس من أي تغيير، ويضبط نفسه في عدم استخدام القوة المفرطة في التعامل مع حراك السويداء، من وجهة نظر المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”.

وتلعب الظروف الداخلية في البلاد دوراً في الحد من قدرة النظام على مواجهة حراك السويداء، إذ بحسب الصحافي والباحث، مازن عزي، ابن محافظة السويداء، فإن سياسة النظام الحالي “هي حصيلة عدم قدرته تقديم أي حل للأهالي، نتيجة العجز الاقتصادي، فالخزينة خاوية ومروحة الخيارات ضعيفة”، كما قال من مقام إقامته في باريس لـ”سوريا على طول”، لافتاً إلى أن “أجهزة الدولة تعاني من وضع صعب، حتى على صعيد الأمور المعيشية المطلبية العادية”.

أمام عجزه “يختار النظام التجاهل، وهذا الخيار ليس خياراً غبياً، وإنما عقلانياً”. ومع ذلك “لا يمكن القول أن النظام يتعامل بـ”سياسة تجاهل تام”، بحسب عزي، مشيراً إلى أنه “يجري عمليات مراقبة حثيثة في المحافظة عبر شبكة واسعة من الوسائل الأمنية والأجهزة والشبكات المحلية، فالنظام يرصد ويشكل داتا [قاعدة بيانات] عن الجميع في المحافظة”.

ورقة النظام

توقع ريان معروف، من شبكة السويداء 24، استمرار المظاهرات “طالما النظام مستمر في سياسته الحالية”، لكن ربما يتراجع زخمها وأعداد المشاركين فيها لعدة عوامل، من قبيل “دخول فصل الشتاء، والأعباء الاقتصادية المترتبة على التظاهرات نتيجة تعطل مصالح وأعمال المتظاهرين، وتكاليف التنقل من ريف السويداء إلى ساحة الكرامة في المدينة”.

وقدر معروف تكلفة التنقل للشخص الواحد، من أرياف السويداء إلى ساحة الكرامة، بحوالي 50 ألف ليرة سورية (3.7 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق الموازية البالغ 13425 ليرة للدولار الواحد)، لذا “قد يقرر البعض المشاركة مرة واحدة أسبوعياً وليس بشكل يومي”.

وفي هذا السياق، قال حسان أبو عسلي أن “ما يشغل الناس أكبر من تكاليف النقل، القضية صارت بالنسبة لنا قضية وطن”، مستدركاً: “بعض سائقي وسائل النقل العامة توقفوا عن نقل الناس إلى أماكن المظاهرات، لأنهم تعرضوا لتهديد بمنعهم من الحصول على الوقود”.

وفي صورة تكافلية جميلة “يتعاون الناس بتكاليف النقل إلى أماكن التظاهر”، بحسب أبو عسلي، لافتاً إلى أن “من ليس لديه ارتباط بوظيفة يومية يشارك في التظاهر يومياً”، بينما يكون يوم الجمعة جامعاً “كون غالبية الناس في السويداء تشارك في التظاهر”.

الأزمة الاقتصادية، التي قد تحد من مشاركة أهالي السويداء في الحراك، هي ذاتها تجعل النظام “يحاول الحفاظ على سياسته في عدم الدخول بصدام مع المحافظة لأبعد مرحلة ممكنة”، وفقاً لمعروف، لأن “تكلفة أي تحرك كبيرة، من الناحية الاقتصادية”.

لكن، إذا استمرت مظاهرات السويداء، ربما يحاول النظام “نشر الفوضى، ومحاولة تأليب الناس على بعضهم، وخلق انقسام في الشارع”، وفقاً لعزي، باعتبار ذلك “أحد السيناريوهات الممكنة”. لكن استخدام العنف يبدو مستبعداً بحسب المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”.

وفي هذا السياق، قال مصدر من أحد الفصائل العسكرية المحلية في السويداء، أن “الظروف الإقليمية والدولية الراهنة تحدّ من قدرة النظام على مواجهة حراك السويداء”، خاصة أنه “في مرحلة إعادة تأهيل عربياً”، بحسب قوله لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث إلى وسائل الإعلام.

تأكيداً على ذلك، قال معروف: “نظراً للظروف الإقليمية والدولية وما تحمله السويداء من حساسية بسبب وجود أقلية درزية فيها، وهذه الأقلية لها امتداد في ثلاث دول: لبنان، فلسطين، والأردن، فإن افتعال النظام لأي صدام أو استخدام العنف سيواجه مشكلة”.

وكان الملك الأردني، عبد الله الثاني، علق على احتجاجات جنوب سوريا، في 20 أيلول/ سبتمبر الماضي، قائلاً: “لقد عدنا إلى بداية الربيع العربي حيث كان الناس يتظاهرون لأنهم يعانون”، متوقعاً “موجة أخرى من اللاجئين” قد يواجهها الأردن ولبنان.

وبما أن النظام ادعى لعقود أنه “حامي الأقليات، ما يعني سقوط ورقة التوت الأخيرة في حال استخدم القوة العسكرية ضد السويداء”، بحسب المصدر العسكري، فإنه قد يلجأ إلى “العنف غير المباشر كحل أخير، مثل اغتيال شخصيات فعالة في الحراك، أو افتعال تفجيرات، أو تكرار هجوم داعش، لكن ذلك من شأنه أن يزيد الغضب والنقمة عليه، وقد يدفع المحافظة إلى خيارات مثل إنهاء التواجد الأمني والعسكري للنظام بشكل نهائي”، على حد قوله.

وأضاف المصدر العسكري: “نحن والشارع واعين لمحاولات النظام هذه، ونأخذها بوعي وعلى محمل الجد”، مؤكداً بـ”عدم السماح له في تحقيق أهدافه بافتعال أي مشكلة أمنية حتى لو كانت بشكل غير مباشر”،  وحذر من أن افتعال النظام مشكلة أمنية في السويداء “سوف يزيد من إصرار الشارع على رحيله”.

مستقبل السويداء؟ 

بعد اندلاع احتجاجات السويداء، تلقى الشيخ حكمت الهجري، العديد من الاتصالات الهاتفية من شخصيات ومسؤولين غربيين، باعتباره أحد أهم رموز السويداء، وأكثر قرباً للشارع مقارنة بالشيخين حمود الحناوي ويوسف جربوع.

في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، أجرت المبعوثة الفرنسية الخاصة لسوريا، بريجيت كرمي، اتصالاً مع الشيخ الهجري، تناولت فيه “ما يجري من مظاهرات في السويداء، وأهمية الحراك السلمي والمشاركة الفعالة للمرأة و ضرورة تطبيق القرار الأممي 2254″، كما ذكرت في تغريدة لها على منصة X (تويتر سابقاً)، وهو من بين عدة اتصالات أجراها برلمانيون وسياسيون أميركيون وأوروبيون، عبروا فيها عن دعمهم لحراك السويداء.

وفي 27 أيلول/ سبتمبر الماضي، أجرى نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي ايثان غولدريتش، اتصالاً بالشيخ الهجري، للتعبير عن دعم بلاده للاحتجاجات السلمية في السويداء، بحسب ما نشرته السفارة الأميركية في سوريا على حسابها على تويتر.

لكن، هذه الاتصالات، ما تزال “مجرد أحاديث عامة بين المسؤولين والشيخ الهجري، وهي في إطار تأييد الحراك السلمي ومطالب الشارع”، بحسب ريان معروف.

ورغم أهمية مثل هذه الاتصالات، إلا أنها تثير مخاوف بعض المشاركين في الحراك، خشية استغلال النظام لها، أو أن تفضي إلى نتائج غير مرضية، وفقاً للناشط سامر سلوم، أحد نشطاء الحراك في السويداء، قائلاً لـ”سوريا على طول”: “الاتصالات، لاسيما الأميركية، مخيفة. نحن كثوار لدينا خشية أن تفضي هذه الاتصالات إلى ما يشبه إدارة ذاتية أو كانتون جنوبي”.

وذهب المصدر من الفصيل العسكري في السويداء إلى أن الاتصالات الغربية “مقلقة إلى حد ما”، مشدداً على أن “الشارع لا يريد الانفصال” عن دمشق، “ولا يريد حكماً ذاتياً، لأسباب وطنية واقتصادية، لذلك يتخوف البعض من أن يقنع الأميركان الشيخ الهجري بمثل هذا المشروع”، ناهيك عن أن ذلك “سيكون حجة للنظام لوصف ما يجري بأنه مؤامرة أميركية”.

وأضاف المصدر: “طالما أن الاتصالات [الدولية] لا يترتب عليها تغيير حقيقي، وليست مصحوبة بتحركات دولية لعزل النظام أو تغييره، أو فرض حل سياسي يتوافق مع 2254، فهي ليست في مصلحتنا”.

تعليقاً على ذلك، قال معروف: “لا يمكن أن تتحول السويداء إلى نموذج مماثل للإدارة الذاتية الكردية، أو لنموذج حكم انفصالي”، مرجعاً ذلك إلى “رفض الشارع لهذه الأفكار”، إضافة إلى أن “السويداء منطقة معزولة، ليست لديها مقومات لبناء هذا الإقليم المنفصل كالنفط، والمجتمع المحلي غير قادر على الاكتفاء ذاتيا”.

ربما الأقرب، من وجهة نظر معروف “نموذج جديد، قد يشبه إلى حد ما، باقي مناطق الجنوب: درعا والقنيطرة، لأنه الوضع مشابه تماماً، فالسلطة الأمنية غائبة ووجودها شكلي، والناس تتظاهر، والمجتمع المحلي يلعب دوراً أكبر في الحكم”، وإذا كان ذلك “سيكون النموذج نسخة مطورة عن اللجان المركزية في درعا، التي لعبت دوراً في المجتمع وإدارة شؤونه”، وفقاً له. 

اللجان المركزية في درعا، هي لجان أهلية تضم مجموعة من القادة العسكريين في الفصائل المحلية المعارضة، التي أجرت تسويات، إلى جانب شخصيات مدنية ووجهاء محليين، تشكلت هذه اللجان في أعقاب اتفاق التسوية (المصالحة)، في صيف العام 2018، وعملت طيلة السنوات الماضية على استكمال عمليات التفاوض مع النظام وإدارة مناطق سيطرتها، لكن تراجع دورها أو انتهى في بعض المناطق، في آخر سنتين، نتيجة تفكيك النظام لها عبر اغتيال أعضائها.

رداً على المخاوف المحلية، وصف مازن عزي الاتصالات الخارجية التي يتلقاها زعماء الجبل بأنها “عادية وطبيعية”

تحولت مضافة الشيخ الهجري، أو ما تعرف بـ”دار قنوات” نسبة إلى تواجدها في قرية قنوات، شمال شرق السويداء، إلى مقصد سياسي، خلال الأسابيع الماضية، نظراً لما تحمله من رمزية دينية واجتماعية، “تستقبل المضافة يومياً وفوداً محلية من الأهالي والسياسيين المعارضين من أبناء المحافظة، وتناقش فيها تطورات الحراك الشعبي، والقضايا السياسية ومستقبل المحافظة”، بحسب معروف.

وأشار معروف إلى أن بعض الحوارات “تناقش مستقبل المحافظة، وفكرة اللجان المركزية ونماذج مطورة عنها، وفكرة إنشاء مجالس محلية”، إضافة إلى نقاشات على مستوى العائلات والمرجعيات الدينية مع “نشطاء سوريين من درعا ومحافظات أخرى، لمناقشة خيارات المستقبل في السويداء”.

وفيما يناقش شكل المرحلة القادمة، فإن التظاهرات التي “بدأت بـ 100 شخص في ساحة الكرامة وسط مدينة السويداء في يومها الأول، صارت تضم آلاف الأشخاص اليوم، وما تزال مستمرة”، كما قال سلوم، مشدداً بلهجته المحلية على أن “الشارع قال كلمته: لا نكل ولا نمل حتى يفل”.

شارك هذا المقال