5 دقائق قراءة

دودة القطن تدمر محاصيل مزارعي الرقة وتفاقم مشاكل القطاع الزراعي المتردي

الفلاحون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمحصول القطن في الرقة، تموز. […]


الفلاحون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمحصول القطن في الرقة، تموز. تصوير: مجلس الرقة المدني.

لم يجد أبو محمد النايف البراعم البيضاء الرقيقة، على محاصيله الزراعية في الرقة هذا الشهر، والتي عادة ما تشير إلى بداية موسم الحصاد السنوي في المناطق الزراعية بسوريا.

وتعرضت حقول النايف، والتي تمتد على نحو ١٥٠ دونم من الأرض (حوالي ٣٧ فدان) خارج مدينة الرقة، للتلف هذا الموسم مرتين، ففي البداية تضرر محصول القطن  بسبب دودة القطن، في تموز، حيث دمرت النباتات النامية وأفسدت فرصة إنتاج محصول جيد في وقت لاحق من العام.

ولم يبق أمام النايف أي خيار آخر سوى أن يجلب قطيع من الأغنام للرعي على بقايا المحصول، لقاء مبلغ رمزي تم فرضه على الرعاة، باعتباره محاولة أخيرة لتعويض بعض الخسائر لهذا العام، والتي قدرت بنحو ستة ملايين ليرة سورية (حوالي ١٢ ألف دولار).

ولم تكن تلك الصدمة هي الوحيدة في هذا الموسم، لابن الرقة، والد أربعة أطفال، والذي كان يزرع الأراضي الخصبة في المحافظة على مدار العشرين سنة الماضية، فبعد أسابيع من الصدمة الأولى، في منتصف شهر آب، وصل النايف إلى مزرعته ليجد أن ٥٠ دونم (حوالي ١٢ فدانا) من الذرة الصفراء، والتي كلفت زراعتها أكثر من ٢٠٠٠ دولار- قد أتلفت بين عشية وضحاها بسبب الديدان.  

وقال “في غضون ٢٤ ساعة فقط، تم تدمير محصول الذرة بالكامل”، وتساءل عما يجب القيام به بعد ذلك حيث لم يتمكن من إنقاذ أي شيء “كيف سأسدد ديوني؟”.

وعاش المزارعون في محافظة الرقة هذا الموسم معاناة النايف، بحسب ما قاله مسؤولو الزراعة لسوريا على طول، وذلك بعد تلف الغالبية العظمى من محصول القطن في المحافظة، وكذلك الذرة ولكن بشكل أقل حدة.

أبو محمد النايف في حقل القطن، هذا الأسبوع. تصوير: أبو محمد النايف.

وتسبب تلف المحاصيل، والذي قال مسؤولون أن سببه تغير المناخ، والمبيدات الحشرية غير الفعالة ومحدودية الوعي بين المزارعين، بضربة قاضية للاقتصاد الأساسي في المنطقة والذي بدأ يتعافى ببطء من سنوات الحرب التي تركت القطاع الزراعي في حالة يرثى لها.

ويعد الوضع الراهن في الرقة، من نواح كثيرة، نتاجا لظروف المحافظة الصعبة بعد انتقالها من حكم تنظيم الدولة إلى سيطرة قسد. إلا أنها تعكس التحديات المشتركة التي يعاني منها القطاع الزراعي في الحسكة- والتي تعاني بالفعل من الجفاف- والأراضي الزراعية في مناطق سيطرة المعارضة والحكومة، حيث تسببت الحشرات بتلف كبير في المحصول الزراعي.

السلطات المحلية: “نحن نفعل ما بوسعنا وفقا للإمكانات المتوفرة لدينا”

تعد الحشرات لعنة لا مفر منها بالنسبة للمزارعين في الرقة، الذين عادة ما يلجؤون إلى مزيج من التنسيق المحلي ومبيدات مخصصة للتخفيف من المخاطر عندما تفقس البيوض سنويا وتخرج اليرقات لتتغذى على أوراق الشجر والزهور وكرات القطن، حيث أوضح النايف أن “الدودة ليست غريبة عنا”.

ولكن وفقا لمسؤولين محليين، فإن مجموعة من الظروف غير الملائمة هذا العام تسببت بانتشار الديدان والعث عبر محاصيل القطن والذرة بشكل غير مسبوق.

وكان السبب الرئيسي وراء تلف المحاصيل هو المناخ، وفقا لعبد الله خلوف، المتحدث باسم لجنة الزراعة في مجلس الرقة المدني، وهو السلطة المحلية في المحافظة والتابع لقسد المدعومة من جانب الولايات المتحدة. والشتاء الدافئ يعني عدم وجود الصقيع الذي يقضي على بيوض الحشرات المدفونة في التربة، وبعد ذلك صيف ذو حرارة معتدلة أكثر من المعتاد لم تكن كافية لقتل البيوض أيضا.

وظهرت مسألة أخرى عندما استخدمت المبيدات الحشرية للقضاء على الحشرات حيث أثبتت عدم فاعليتها، نتيجة ما أسماه المهندس الزراعي حمود الحسن، ب “الفوضى” في الأسواق والصيدليات الزراعية في المحافظة.حيث يتم بيع مواد كيميائية قديمة أو مغشوشة أو هرمونات محظورة للمزارعين الذين يجدونها فيما بعد غير مجدية في حل المشكلة.

المسؤولون المحليون يفحصون دودة القطن في تموز. تصوير: مجلس الرقة المدني.

وقال الحسن، وهو أيضا عضوا في المكتب الوقائي للجنة الزراعية التي تم تكليفها في تنظيم بيع المبيدات في الأسواق المحلية إن “ضعفاء النفوس يبيعون مبيدات ذات رائحة قوية إلا أنها لا تنفع لشيء”.

وقال الحسن أن السلطات المحلية تحاول فرض المزيد من أنظمة الرقابة، إلى جانب تعاونها مع المجتمع المدني لرفع مستوى الوعي بين المزارعين فيما يتعلق بالتقنيات الزراعية، مثل كيفية مكافحة الآفات والحد من انتشارها عند حدوثها.

وبينما قال مسؤولون محليون أن قلة الوعي بين المزارعين ساهمت في إنتاج موسم متضرر، فإن المزارعين بدورهم يوجهون أصابع الاتهام باتجاه المسؤولين أنفسهم لفشلهم في منع تلف المحصول من خلال المراقبة والتوجيه الكافي قبل أن تغزوه الديدان.

وقال المزارع عبد الهادي العمر، والذي تعرض لخسارة كامل محصوله من القطن هذا الموسم “لا يوجد تنسيق أو رقابة في منطقتنا”.

وأضاف “في الواقع، الوضع على العكس تماما”، مشيرا إلى أن المجلس طلب من المزارعين دفع ضرائب الري “في وقت كنا نعاني فيه”.

وطلب العمر عدم ذكر اسمه الحقيقي خوفا من تداعيات انتقاد السلطات المحلية.

وتابع قائلا “بدا الأمر وكأن المجلس مع دودة القطن ضد المزارعين”.

وفي الوقت ذاته، قال الحسن بأن منظمته الناشئة تفتقر إلى القدرة على معالجة القضايا المحلية والزراعية بشكل كامل.

حقول النايف، هذا الأسبوع. تصوير: أبو محمد النايف.

وأضاف “لن أقول لكم أننا ذهبنا وقتلنا الحشرات بأنفسنا”، مشيرا إلى أن السلطات المحلية بحاجة للجرارات والآلات الزراعية والمبيدات كي يتمكنوا من اتخاذ إجراءات وقائية بشكل فعلي.

“نحن نفعل ما بوسعنا وفقا للإمكانات المتوفرة لدينا”.

“السوق في حالة سيئة”

إن فشل محصول هذا الموسم ليس سوى أحدث تحد يواجه مزارعي الرقة والمسؤولين الزراعيين أثناء محاولة استعادة نشاط القطاع الزراعي الذي يشكل شريان الحياة للمحافظة، التي عانت من أضرار تقدر ب أكثر من بليون دولار منذ بداية الحرب، وفقا لدراسة أجرتها الأمم المتحدة عام ٢٠١٧.

وخلال سنوات الحرب التي شهدت انتقال السيطرة على الرقة من أحد أطراف النزاع إلى الآخر- من الحكومة السورية وجماعات المعارضة إلى تنظيم الدولة ثم قسد ذات الغالبية الكردية- تعطل عمل المزارعين وأتلفت شبكات الري من قبل الفارين من مقاتلي التنظيم.

وتم تشريد مئات الآلاف من سكان الرقة منذ بداية الثورة وما تلاها من نزاعات، وقرر قسم منهم مؤخرا العودة إلى ديارهم بعد أن نجحت القوات المدعومة من جانب الولايات المتحدة بطرد التنظيم من المدينة، في تشرين الأول العام الماضي.

وقال الحسن، المسؤول في المجلس المدني للمدينة “نحن نبدأ من الصفر، من أجل تحقيق الاستقرار والازدهار”، وهو متفائل بأن التحسينات في هيئات الحكم المحلية يمكن أن تساعد في تأمين “مستقبل أكثر إشراقا” للمزارعين.

ولكن حتى ذلك الحين، يواجه أهالي الرقة الآثار الاقتصادية المباشرة للموسم الكارثي في المحافظة، حيث يقدر أن ٨٥٪ من السكان يعتمدون على الزراعة لكسب العيش.

واعترف الحسن بأن “السوق في حالة سيئة. كما أن الزراعة تؤثر على التجارة والإنتاج والقطاعات الأخرى. كل شيء في الرقة قد تأثر”.

وقال النايف الذي أتلف محصوله تماما أن هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل في الوقت الحالي.

وأضاف “بدلا من جني المحصول وتأمين لقمة العيش من العائدات، أصبح عليّ عبء مالي كبير”، وتساءل ما إذا كانت المنظمات المحلية قد تقدم الدعم للمزارعين حتى يتمكنوا من البدء من جديد.

وختم قائلا “إذا أردت زرع محصول جديد، فأنا بحاجة إلى المال”.

 

ساهم كل من أيمن الشامي وعلا ماس في إعداد هذا التقرير.

 

ترجمة: سما محمد.

 

شارك هذا المقال